Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

ما هو المسرح بالنسبة لي ؟؟

19/6/2009

راضي د. شحادة بيان مسرح السيرة
-1-

في احدى جولاتنا المسرحية سألني احد المشاهدين بعد عرض مسرحيتنا "عنتر في الساحة خيّال" ضمن فعاليات مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة: "هل يوجد بحوزتكم بيان عن مسرح السيرة؟". لم افهم قصده، فأوضح لي انّ المسارح والفرق التي تتميّز باسلوب خاص بها تعمل ضمن بيان مكتوب وتسعى جاهدة لتطبيقه في انتاجاتها واعمالها الابداعية، فوجدت من المفيد صياغة هذا البيان التأسيسي والتوضيحي:
المسرح العرضي، أي المؤسس بهدف العرض امام الجمهور وليس فقط بهدف الكتابة على ورق، هو لعبة لها قوانينها وعناصرها التي يتحرك ضمنها المشاركون فيها، فهو فنّ يستطيع ان يستوعب جميع الفنون من تأليف واخراج وتمثيل ورسم وموسيقى وغناء وشعر ورقص واكسسوارات وأقنعة ودمى وخيال ظلّ وأزياء وماكياج واضاءة وصوت وسينوغرافيا ( mese en scene ادارة وتنفيذ عملية الفعل المسرحي من ناحية تجهيزاته التي تشمل الديكور والازياء والنصوص والأغراض المستعملة في العرض) وسائر الأجهزة التقنية الحديثة المساعدة على تقديم اللعبة المسرحية بشكلها المسلّي والذّوقي الراقي.
 هذه اللعبة تركّز احيانا على جماليات العرض وعلى عنصريّ الايحاء والايهام اكثر من التركيز على النص والحوار والسرد التقليدي للقصة المؤدّاة، وأحيانا أخرى تركّز على النصّ المنطوق والحوارات المدعومة بالتقنيات والعناصر المذكورة اعلاه، واحيانا، وهذا ما ننتهجه غالبا، هو عبارة عن لعبة نعزف من خلالها على جميع هذه العناصر او على بعضها بمقتضى حاجة القصة المسرودة، وبمحاولة الموازنة العادلة بين الجمالي والتسلوي وتمرير النص، وبين الشكل والمضمون، واحيانا يتركّز العزف على عناصر معينة اكثر من عناصر أخرى، كأنْ يكون اللعب بالأقنعة والدمى هو الطاغي، ولكن في جميع الحالات، ففي النتيجة فالعملية المسرحية عبارة عن لعبة مواجَهَة مسلّية ذوقيّة وذهنية ايحائية وايهامية، فيها مَرَح ومشاركة مع الجمهور، وقد أطلقنا مصطلح "مرحيّة" على أعمالنا لما تحويه من مسرح ومرح.

-2-

العرض المسرحي المتقن والناجح لا ينحصر باستعمال عناصر الفن المسرحي او بعضها، فلا نستطيع ان نقول ان مسرح الدمى انجح من مسرح الممثلين او المسرح الذي يستعمل الدمى والأقنعة والرقص افضل من المسرح الذي يستعمل سائر العناصر، او كأن نقول أن مسرح الممثل الواحد اقل مسرحا من المسرح الكثير الممثلين، او انّ المسرحية التي لا تعتمد على النصّ الكلامي بل على الحركات التعبيرية والراقصة بدون حوار او كلام، فنجاح العرض لا يكمن في هذه الأمور بل هو كامن في سرّ انطلاقه وفي كيفية تقديمه وفي قوّة اكتشافه لشخصيته المميزة عن باقي الأعمال في الاسلوب او في طرح مواضيع وابداعات جديدة على مستوى الشكل والمضمون، وقد تكون مسرحية مونودراما من هذا المنطلق انجح من مسرحية فيها عشرة ممثلين، والعكس صحيح ايضا.
ولكي يكون ممثل مسرح السيرة قادرا على حمل هذا العبء على رحابة سهله الممتنع فإنّ اسمى حالة يمكن ان يصل اليها هي كونه ذا موهبة خصبة، وهو الواعي سياسيا ووطنيا واجتماعيا وحياتيا بشكل عام، وباختصار فهو المثقّف صاحب الخبرات الحياتية الشمولية والمتراكمة، والمتسلّح بأدوات حرفته، وهو الذي يصبو الى الوصول الى القمة ولكنه لا يصلها لأنه يقضي حياته كاملة من اجل ذلك ولا تكفيه مدّة حياته للوصول الى درجة الكمال، واذا تملّكه الوهم بانه وصل الى القمة فهو حتما سيبدأ في عملية الهبوط، مصابا بمرض الغرور القاتل. ربما يوصله الآخرون الى القمّة بتقديرهم له وبتكريمه، ربما في حياته وغالبا بعد موته، الا انه لا يستطيع الوصول الى القمة النهائية مهما بذل من ذكاء وابداع، لأنّ العملية الابداعية والعطائية لا نهاية لها، لأنّ عمرها أطول من حياة البشر.
غالبا ما يكون الجدار الرابع غائبا كي يبقى التواصل مع الجمهور مستمرا بشكل احتفالي، وفي حالات العزلة والعبث والعرض الذي يَفْرِض على الجمهور الصمت والتأمّل وعدم المشاركة يكون التركيز على ارجاع الجدار الرابع ليفصل بين الجمهور واللعبة المسرحية، ومن خلال بعض اعمالنا جعلنا الجدار الرابع عبارة عن ستارة شفافة من التّول او الشوفون يستطيع الجمهور ان يراقب ما يحدث داخلها وكأنما هي جدار شفّاف، مع العلم أنّ معنى الجدار الرابع في المسرح هو معنى رمزي.
وفي جميع الحالات يبقى عنصر المواجهة بين الجمهور مستمرا لأنّ الجمهور هو احد العناصر المهمة التي لا يستطيع المسرح ان يفعل فعله بدونه، لا بل ان ما يجعل المسرح كائنا حيا ودائم الحياة هو وجود الجمهور فيه، وهو العنصر الأساسي الذي ابقى ويبقي المسرح على قيد الحياة بعد ان اكتسحت مجالات الحياة الأخرى حياتنا من سينما وأدب وغناء وموسيقى وشعر، وبالطبع بعد ان جرفت ثورةُ الاتصالات الناسَ في طريقها الى الانترنت والفضائيات وسائر وسائل الاتصال الأخرى.

-3-

وبما أنّنا نحمل  جينات ومكتسبات جدّنا الحكواتي الأكبر، الممثل العربي الأول، فإننا آثرنا ألا نتحرّك كالمقطوعين من شجرة، بل آلينا على أنفسنا ان نكون امتدادا له ولكن ليس عن طريق تقليده بشكل أعمى، وليس بانتهاج تراثه كتحفة جامدة، بل إنّ تَحَرُّك الزمن يحتّم التطور والتحور المستمرين، وهكذا فنحن نستفيد منه فقط اذا عَصْرنّاه، وبالتالي فإنّ إلغاء الجدار الرابع هو جزء لا يتجزأ من شخصيته التي تواجه جمهوره مباشرة، فهو  يرفض ان ينغلق على ذاته داخل صندوق عَجَبِه، فهو متفاعل مع الزمن والتاريخ وتقنيات ولغة ولهجات العصر الحديث، وهو "آكتوآلي" بجدارة، وما إصراره على المواجهة والتواصل الا حاجة ملحّة ودائمة من اجل التطور ومواكبة التحرّك الى اعلى، نحو التقدم والسَّير بمستوى متطلبات العصر، واعيا للمدارس المسرحية العالمية السالفة والحالية، وغير مُحْرَج من التواصل مع، والاستفادة من مدارس الآخرين عالميا، وغير منغلق امام تقنيات العصر الحديث التي يستهلكها، بالرغم من انها نتاج مجتمع غير مجتمعنا، من كهرباء واضاءة وتقنيات صوت حديثة وشكل ومكان العرض وأجهزة عمل مساعدة على بناء العرض، ومن ثم تقديمه للجمهور بزبدة خبراته ووعيه.
انّ تعلّقنا بهذا الجدّ الأكبر نابع من قدرته على ادخال الجمهور في العملية الايحائية والايهامية واخراج الحاضرين منها ليقول انّ ما يسرده هو حكاية مسلية وذوقية وفيها مغزى ودرس. انّه فنان في قدرته على اتقان اللعبة السحرية المتنقلة بين الواقعي والوهمي، بين المحسوس من جهة والإيهامي الايحائي من جهة اخرى، والتغريبي التنكّري، بحيث يدخلنا في اللعبة لدرجة التصديق، ويخرجنا منها، للتنبيه والصحوة من خيالاتنا، وكل ذلك يشكّل تقنية اساسية للاستفادة من هذا الجدّ العظيم.
الحكواتي الذي في زمن لم يكن يملك الا قنديل زيت لإضاءته، وملابس وأدوات بسيطة لأدائه، وبالطبع فهو كان يملك أغلى كنْز يحرّك لعبته المسرحية الا وهو جسده الخلاق، كان بحاجة الى عنصر التعويض من أجل ايصال لعبة الايهام والايحاء، فهو يهوّل حركته وصوته ويُفَنْجِر عينيه ويرقص ويغني ويشبّح ويلوّح بيديه، ويجعل جمهوره يتعلّق به من خلال تحكّمه الدقيق في لعبة التشويق، وفي زمن كان مضطرا فيه للتحكّم باللعبة الى اقصى حدّ، مع جمهور يفتقر الى المكتبات والتلفزيون والمدارس والانترنت والكهرباء وأجهزة الصوت والاضاءة الحديثة، كان عليه ان يعزف على ادوات جسده الساحر، وكان كتاب قصته المسرودة كله تحت قبضته، يراجعه قراءة احيانا، ويحفظه عن ظهر قلب احيانا أخرى، فالجمهور بدون وجود الحكواتي ربما لا يستطيع قراءة كتاب السيرة، ربما لعدم توفّره بكثرة في السوق، وربما لأنّ معظم الجمهور لا يحسن القراءة والكتابة. اذن فهم متعطشون ومحتاجون اليه كحاجة الرضيع الى أمه. انه المستفز لخيالاتهم ووجدانهم، انه محرّضهم على التمسك بجذورهم، انه المؤصّل لبذور هوياتهم، انه المعلم والمهرج، انه المخفف عن همومهم، انه ناقلهم من حياة الواقع المملة العادية، المتعبة، الى حياة السعادة والخيال والفكاهة والمرح، وانه يحثّهم على استعمال أرقى منطقة في اجسادهم وهي عقولهم فيرفعها الى عالم الخيال والاسطورة ودغدغة الحلم والطموح الى حياة ملؤها التسامي والطمع في استمراريتها نحو الخلود، نحو حياة جديدة لا يفصلهم جسدهم عنها بعد الموت. بالرغم من ادواته البسيطة وتقنيات العرض البسيطة التي يستعملها الا انه سَهلٌ ممتنع، فالفرق كبير بين السهل الممتنع والبسيط الساذج.

-4-

نحن في مسرح السيرة لا نكتفي باستنساخ حكواتيّنا على ما كان عليه، فنحن لا نكتفي مثلا بأخذ عنصر التهويل، في وقت نستطيع ان نركّز على الحركات الدقيقة لوجه الممثل وعينيه وسائر اعضاء جسده من خلال استعمال اضاءة مركّزة تساعده على أداء الحركات اللاتهويلية. انّ ما زادنا استفادة من الاستمرارية معه هو اننا استطعنا ان نعزف على التهويلي واللاتهويلي في اللعبة ذاتها وبمقتضى الحاجة والضرورة، وبالمزاوجة بما كان في الماضي وبما نحن عليه الآن في الحاضر.
كان مسرحه غرفة او مقهى او حديقة او فضاء مفتوح، وكانت منصته صغيرة يكتفي من خلالها بالجلوس على كرسي مرتفع محاطا بجمهوره بدون جدار رابع، لا بل بدون ادنى حاجة لأي جدران او ستائر او كواليس. بقيت مساحة المنصة الى الآن صغيرة نسبيا قياسا الى حجم المساحات اللانهائية التي تتحرك من خلالها الكاميرا السينمائية من اجل ان تنقل القصة من فضاء رحب باتساع العالم الى فضاء الشاشة المحدودة والتي تفتقر الى عنصر المواجهة المباشرة التي تتميز بها اللعبة المسرحية عن اللعبة السينمائية، فالشاشة "الروبوتيّة" تستطيع ان تستمر في السرد حتى وان غاب الجمهور، بينما هنا في العرض المسرحي فالجمهور جزء لا يتجزّأ من اللعبة، وجزء من التفاعل الكهربائي والروحاني بين طرفي المواجهة، وهذا التفاعل هو الذي يجعل كل عرض مسرحي مختلف عن سابقه، بينما العرض السينمائي يعيد نفسه بشكل آلي  بالرغم من انه هو ايضا عرضٌ قادر على إحداث عملية الايحاء والايهام والتأثير ولكن بدون التفاعل المتبادل بين من هو داخل الشاشة وبين من ينظر اليها. السينما تنطلق من كاميرا فضاؤها واسع وتنتهي على شاشة محدودة، بينما المسرح فضاء مسرحي في مكان ضيّق ومحدود يحتاج الى لعبة ايهامية ايحائية مشوّقة ومُسَلّية وذَوقيّة صعبة كي يُحوَّل الضيّق الى رحب، وينقل المنصة الضيقة الى الفضاء العالمي والكوني اللامحدود، فيثير خيال وفكر المشاهد ويجعله يحلّق بفضائه الشاسع، ويعيش في مساحة جديدة افتراضية لا تكتفي بالواقع كما هو بل تصوغ منه واقعا فنيا ذوقيا جديدا. انه المكان الذي يفرض على العاملين فيه ان يتحاشوا تحويله الى حلقة مفرغة يدورون فيها بلا هدف. التحدّي الكبير هو كيف يستطيعون تحويلها من مساحة ضيقة الى كَوْنٍ بأسره، والتحدّي الأكبر هو كيف يستطيعون في اصغر مساحة ان يخلقوا مسرحا واسعا باتساع الحياة وكينونتها.

-5-

اسمى الدرجات التي يصبو مسرح السيرة الوصول اليها في ان يكون الفاعلون فيه في قمة موهبتهم، مرحين، واعين، مثقفين، وقادرين على الارتجال واكتشاف النص من جديد وكأنما يؤلفونه بأنفسهم، وأن التفاعل المستمر فيما بينهم هو الذي يخلق الحالة الابداعية المتراكمة والمتجددة لعملهم سواء في العروض او خلال الانتاج او خلال البروفات. وبما ان العرض المسرحي هو حالة متجددة فاننا نؤمن انه لن يصل الى حالة نهائية ثابتة، فهو متغير ولو بقليل او بكثير، ومتأثرٌ بالتجدد المستمر لشخصية الجمهور الذي يساهم في هذه الاستمرارية في التغيّر والتطوّر وتجدّد حالة ونفسية العرض والفاعلين فيه والمتفاعلين فيما بينهم، والمتطورين مع العرض قُدُماً مع ازدياد عدد العروض. الحالة المثالية للفصل بين العمل الجماعي والمُوَجِّه الفردي هو امكانية جمع قائد المجموعة لخبرات متراكمة في التأليف والاخراج والتمثيل، والمعرفة في سائر عناصر الفن المسرحي، فهو نقطة المركز التي ينطلق منها الآخرون كي لا تكون النتيجة عبارة عن مجموعة عناصر تعمل في الطول، وانما هي تنطلق من نقطة المركز وتتطور حول النقطة دوائر مترابطة كالشكل الحلزوني بحيث يكون الجسد النهائي للعمل هو جسد واحد متماسك يتجه نحو العمق وليس نحو الطول، وهي معادلة صعبة المنال. لذلك فالجماعية في العمل لا تعني الفوضى بل هي تبدأ من شبه فوضى ولكنها تنتهي بأن يعرف كل عنصر في المجموعة دوره والمهام الملقاة عليه ويعطي بكرم من خبرته للعمل وللمجموعة بدون ان يفرض نفسه عليهم. واما المخرج فهو المراقب والمفعّل والمستفيد من خبرات المجموعة بالتمرين والاستشارة والمزيد من أخذ خبرات المشاركين الى اقصى حدّ، فهو يعترف في النهاية انه لا يملك المعلومات والخبرات الحياتية المطلقة، بل هو يحمل تصوّره الأسلوبي والمضموني للابداع الذي يطمح للوصول اليه، فهو يلجأ خلال عملية البناء الدؤوب للعمل الى تراكم الخبرات وتصفيتها لتصل بعد جهد جهيد الى الحالة الابداعية المكثّفة والملائمة لصقل العمل والسعي به نحو تكامله الجسدي والروحي، وهي مهمّة دائمة التطوّر حتى بعد ان ينطلق العمل الى مرحلة العروض. وعندما تتأزّم امور اتخاذ القرار يكون الحسم النهائي لنقطة المركز، قائد المجموعة، وحامل فلسفة مدرستها وتوجّهها العام، الا وهو المخرج. والنتيجة شبه النهائية والمستمرة في التطور من حالة العرض ستبدو دائما عفوية او انسيابية او تلقائية مع انها ناتجة في الأصل عن عمل مركّب ومدروس ومشغول عليه لفترة طويلة، فيوحي للمشاهد ويوهمه بأن العمل شبه واقعي ولكنه حتما غير ذلك، فهو قمّة في اللعب والإيهام.

-6-

وأما مواضيعنا فهي مستوحاة من خبراتنا الحياتية، احيانا تكون مركّبة، وأحيانا تكون بسيطة وسردية ببساطة قصص الأطفال، وكثيرا ما نطمح الى توصيلها الى اسمى درجات السهل الممتنع بالرغم من كينونتها الداخلية المكَثّفة والمركّبة والمعقّدة، وكل ذلك يتعلّق بالموضوع المطروق. في المحصلة هي مواضيع فيها صراع بين الانسان وبيئته، وصراعه الدائم مع همومه الحياتية وسعيه الدؤوب نحو العدالة ومحاولته المجتهدة لتغليب الخير على الشر، وفيها سعي دؤوب نحو التبشير المبطّن، وليس الشعاراتي من وراء سطور العرض، بحياة مستقرة وسعيدة وتصبو الى تطوير الذوق الراقي لدى المتلقّي، وهي بذلك تقترب كثيرا من سعينا الدؤوب في البحث عن سر كياننا البشري، وهي اثارة تساؤلات محيّرة في حياتنا وسرّ وجودنا بدون أدنى حاجة من طرفنا ان نجد لها حلولا سحريّة، فتبقى في مجالها الأوسع الا وهو التسلية واثارة التفكير وتشغيل الحواس والسّمو بها الى درجات ذوقيّة ارقى، وقد يشكّل هذا الهدف بحدّ ذاته مغزى لأعمالنا ونعتبره أكثر قوة من مغزى المضمون. وعندما نقوم بوضع خطة لبناء موضوع ما فنحن لا ننطلق من مركزية القصة والحدث فحسب، بل ننطلق فيه من كونه كتلة واحدة تتراكم تفاصيلها بناء على متطلبات العمل المسرحي الصالح للعرض وليس كنص ادبي مفصول عن اللعبة المسرحية بغرض تحويله لاحقا وتجييره للّعبة المسرحية. انه اصلا منطلِق من كونه جسدا مسرحيا قابلا للعرض وليس للقراءة فحسب، ومن هذا المنطلق فالبناء يأخذ بالحسبان عناصر الأداء المسرحي الملائمة للنص الذي سيصبح عرضا. هذه الشروط تتطلب مؤلفا قريبا من الحياة العرضية والمسرحية ولديه خبرة في التمثيل والاخراج والتأليف ويَكْنَهُ أسرار اللعبة المسرحية من اوسع ابوابها، ولا يكفي ان يكون المؤلف المسرحي أديبا او روائيا، بل يجب أن تكون لديه دراية عميقة في الفن المسرحي بكل مكوّناته ومتطلباته، وهو من هذا المنطلق أقرب في تحديد مهامه الى صفة "المؤلف المخرج الممثل".

(مؤسس ومدير مسرح السيرة)