Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

النظام والإخوان في مصر.. هل تتغير قواعد اللعبة؟

מערכת, 5/9/2009

خليل العناني

يعتقد كاتب هذه المقالة أن العلاقة بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين وصلت إلى مرحلة خطيرة وغير مسبوقة من التوتر والاحتقان، وأن الأمور يمكن أن تنفجر وتخرج عن نطاق السيطرة إذا استمر نهج النظام في التعامل مع الإخوان وفق منطق "العزل والاستئصال" الذي بات سمة مرحلة ما بعد فوز الإخوان في الانتخابات البرلمانية عام 2005.

ويذهب الكاتب إلى أن أسوأ ما يمكن أن تؤدي إليه سياسة استباحة النظام لجماعة الإخوان هو استنساخ "النموذج الجزائري" الذي حدث أوائل التسعينات من القرن الماضي حين انقلب العسكر والعلمانيون على اللعبة الديمقراطية وأوقفوا صعود الإسلاميين آنذاك، فكان أن تحولت الجزائر إلى بقعة كبيرة من الدماء لا تزال تنزف حتى الآن.

وفي معرض هذا الطرح ينتقد الكاتب أسلوب الإخوان في التعامل مع ما وصفه بإستراتيجية النظام التي تستهدف "عزل الإخوان اجتماعياً وضربهم اقتصادياً، وذلك تمهيداً لاستئصال شأفتهم السياسية، وتحويل الجماعة إلى ما يشبه قطعة أثرية يمكن وضعها في متحف التاريخ المصري".

ويعدد كاتب المقال سبعة أخطاء وصفها بالكبرى يقول إن الإخوان قد وقعوا فيها أثناء تعاملهم مع النظام وأدت بهم، على حد قوله، إلى أن يعيشوا أكثر حالات العزلة السياسية والاجتماعية رغم وجودهم البرلماني.

مركز الجزيرة للدراسات يطرح هذا الموضوع، الذي يعكس وجهة نظر الكاتب فقط، آملا في أن يثير حالة من النقاش البناء تجنبا للسيناريو الذي حذر منه.


نص المقالة

منذ حادث المنشية(*) أوائل الخمسينات من القرن الماضي، لم تصل العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام المصري إلى درجة من التوتر والاحتقان على غرار ما هو حادث اليوم. ودون مبالغة فقد انتقلت العلاقة بين الطرفين من مجرد مواجهة سياسية محسوبة كي تصل إلى حد معركة صفرية، وفق قاعدة "إما نحن وإما هم". ويقبع في خلفية المواجهة الراهنة شعور متبادل بين الطرفين بأن المعركة قد أوشكت على نهايتها. فبعض أجنحة النظام في مصر بات لديها شعور عام بأن الجماعة تعيش أكثر لحظاتها انعزالاً وضعفاً على المستويين الاجتماعي والسياسي، ما يغري بمواصلة الهجوم عليها تمهيداً لاستئصالها. في حين تشعر الجماعة بأن النظام الحالي قد وصل إلى أقصي درجات الشيخوخة والعجز التي قد يسهل معها إزاحته عن مكانه. ويبدو أن كليهما يتحين الفرصة من أجل توجيه "الضربة القاضية" التي قد ينهي بها غريمه على غرار الحال في مصارعة الثيران.

من الاحتواء والإقصاء إلى العزل والاستئصال مكاسب النظام الأخطاء السبعة الكبرى للإخوان مخاطر قمع الإخوان مستقبل العلاقة بين النظام والإخوان

من الاحتواء والإقصاء إلى العزل والاستئصال

" منذ بداية 2006 وإلى الآن يتبع النظام المصري إستراتيجية محسوبة تستهدف عزل الإخوان اجتماعياً وضربهم اقتصادياً تمهيداً لاستئصال شأفتهم السياسية وتحويلهم إلى ما يشبه قطعة أثرية يمكن وضعها في متحف التاريخ المصري " على مدار ربع قرن (1981-2006) كانت العلاقة بين جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر ونظام مبارك تستند إلى معادلة ضمنية بسيطة يعرفها الجميع، وهي إتاحة المجال أمام الحركة للقيام بدورها الديني (الدعوي) والاجتماعي (الخيري) مقابل عدم تهديدها لبقاء النظام سياسياً. وقد عاش الطرفان في كنف هذه المعادلة حتى أوائل الألفية الجديدة قبل أن ينقلب النظام على الجماعة ويسعى لكسر تلك المعادلة التقليدية. وهو ما بدا واضحاً بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت أواخر عام 2005، وحققت فيها الجماعة فوزاً تاريخياً حرّك الأرض من تحت أقدام الحزب الحاكم.

ومنذ بداية عام 2006 وإلى الآن يتبع النظام المصري إستراتيجية محسوبة وشاملة تستهدف عزل الإخوان اجتماعياً وضربهم اقتصادياً، وذلك تمهيداً لاستئصال شأفتهم السياسية، وتحويل الجماعة إلى ما يشبه قطعة أثرية يمكن وضعها في متحف التاريخ المصري.

وقد ارتكزت هذه الاستراتيجية على سبعة أركان أساسية نُجملها فيما يلي:

أولاً، شلّ الحركة دستورياً، وذلك من خلال تعديل بعض بنود الدستور المصري لمنعها من خوض أية انتخابات مجدداً وبخاصة المادة الخامسة من الدستور التي تجرم العمل السياسي القائم على أساس ديني.

ثانياً، تجميد النشاط السياسي للحركة من خلال منعها من تطوير أدائها البرلماني وتمرير أية مشروعات قوانين داخل مجلس الشعب المصري، فضلاً عن ضرب تحالفها مع القوى السياسية الأخرى، سواء من خلال ابتزاز هذه الأخيرة بمكاسب برلمانية، أو ترهيبها من المشروع السياسي والديني للجماعة الذي يراه البعض مماثلاً للنموذج الإيراني.

ثالثاً، ضرب البنية الاقتصادية للحركة من خلال اعتقال العشرات من رجال الأعمال ذوي الأوزان الثقيلة داخل الجماعة مثل خيرت الشاطر وحسن مالك ومدحت الحداد والتي تتجاوز استثماراتهم ملايين الدولارات، بالإضافة إلى بعض صغار رجال الأعمال المحسوبين علي الجماعة.

رابعاً، بتر الأذرع الاجتماعية للجماعة من خلال القبض على رؤساء المكاتب الإدارية للجماعة والمسؤولين عن خطط التواصل مع المجتمع، ووقف النشاط الخيري والاجتماعي للجماعة، وذلك مقابل إعطاء مساحة للجمعيات الخيرية المنتمية للتيارات الدينية الأخرى.

خامساً، تجميد النشاط الدعوى للجماعة من خلال السماح للتيار السلفي بالتغلغل في المجتمع ونشر أفكاره لمجابهة الخطاب "الإخواني".

سادساً، الحصار الإعلامي الشديد للجماعة، حيث تقوم السلطات المصرية برصد ومراقبة كافة المنابر الإعلامية التي تستخدمها الجماعة، ولولا وجود بعض النوافذ المستقلة كالجرائد الخاصة مثل جريدة "الدستور" و"الشروق اليومي" بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية المحسوبة على الجماعة مثل موقع "إخوان أونلاين"، لتمّ خنق الجماعة إعلامياً.

سابعاً، المطاردة الأمنية المتواصلة للجماعة من خلال اعتقال أعضائها وكوادرها من كافة المستويات، وقد وصلت إلى ذروتها مؤخراً مع اعتقال خمسة من أعضاء "مكتب الإرشاد" (خيرت الشاطر ومحمد على بشر على ذمة المحكمة العسكرية، وأسامة نصر وعبد المنعم أبو الفتوح على ذمة قضية إحياء التنظيم الدولي بالإضافة إلى محمود حسين). وهي سابقة لم تحدث من قبل في علاقة الجماعة بالنظام الحالي.

مكاسب النظام

" قد لا يكون من المبالغة القول بأن الخطوة القادمة للنظام المصري ستكون العمل على تفكيك جماعة الإخوان المسلمين وحلّ هيكلها التنظيمي، وبغض النظر عما إذا كان النظام قادراً على تحقيق هذا الأمر أم لا، فإنه قد يكون أحد الخيارات التي يتم التلويح بها لابتزاز الجماعة وضمان تطويعها " في ظل الاستراتيجية السابقة نجح النظام في تحقيق عدة مكاسب أهمها ما يلي:

  • تحييد الشارع المصري تجاه أكبر حركة معارضة سياسية في البلاد، ولا غرو في القول بأن جماعة الإخوان المسلمين تعيش أكثر حالاتها عزلة سياسياً واجتماعياً، وذلك رغم وجودها البرلماني الكبير. وهي مفارقة تبرز حجم الضغوط التي تعرضت لها الجماعة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

  • إرهاق الجماعة اقتصادياً من خلال سياسة "تجفيف المنابع المالية"، حيث تم إغلاق ما يقرب من عشرين شركة من الحجم الكبير ومثلها من الحجم الصغير لقيادات بارزة في الجماعة. ولربما كان ذلك أحد أسباب اللجوء إلى قيادات الخارج من أجل ضخ بعض المساعدات المالية في شرايين الجماعة (إذا صحت الرواية الرسمية).

  • استنزاف الجماعة تنظيمياً وذلك من خلال القبض على كوادر الصفين الثاني والثالث، وربما يطال الأمر الصف الرابع إن وجد. وهو ما أثر فعلياً على قدرة الجماعة على الصمود في مواجهة النظام، وعلى التواصل مع قواعدها التنيظيمة بسبب غياب القيادات الوسيطة.

  • خفض الحد الأدنى لتوقعات الجماعة وطموحاتها، بحيث تصبح تحت رحمة النظام سياسياً ومن ثم دفعها لتقديم تنازلات هيكلية تتعلق إما بحضورها البرلماني، أو نطاقها الجغرافي والاجتماعي.

وفي ظل ما سبق بيانه قد لا يكون من المبالغة القول بأن الخطوة القادمة للنظام المصري ستكون العمل على تفكيك جماعة الإخوان المسلمين وحلّ هيكلها التنظيمي، وبغض النظر عما إذا كان النظام قادراً على تحقيق هذا الأمر أم لا، فإنه قد يكون أحد الخيارات التي يتم التلويح بها لابتزاز الجماعة وضمان تطويعها.

الأخطاء السبعة الكبرى للإخوان

" أخطأت الجماعة حين استخفت برد فعل النظام على العرض المسرحي الذي قام به نفر من طلابها في جامعة الأزهر فيما عُرف لاحقاً بقضية "ميليشيات الأزهر" " في مواجهة إستراتيجية النظام لإقصاء الإخوان يبدو أن الجماعة، لم ترق إلى مستوى التحديات التي فرضتها هذه الإستراتيجية. وكان رد فعلها أشبه بالتثاؤب، وذلك بعد أن اعتمدت قياداتها منهجية "المحنة والصبر" لتفادي مواجهة النظام. وبذلك فقدت الجماعة إحدى مزاياها التاريخية وهي القدرة على مقارعة النظام والتعامل معه بندّية، واستندت إلى مبدأ المظلومية الشعبية باعتبارها ضحية للنظام وللصراع بين أجنحته، وحاولت استدرار عطف الجماهير "المطحونة" تحت وطأة العيش والخوف من السلطة، وباتت كمن ينتظر الماء العذب من بحر لُجيّ.

لذا فقد وقعت الجماعة في أخطاء إستراتيجية كبرى ساهمت في إنجاح إستراتيجية النظام ضدها، وكرّست محاولات العزلة التي يسعى النظام لفرضها على تحركاتها، ويمكن إجمال هذه الأخطاء في سبعة عناصر أساسية على النحو التالي:

أولا: أخطأت الجماعة حين تصورت أن فوزها التاريخي في انتخابات 2005 سيعبّد الطريق أمامها للتربع على قمة الهرم السياسي المصري، ما جعلها تتناسى أنها لا تزال جماعة محظورة قانوناً. وكان منطقياً أن يكون أول مطلب للجماعة، وهي في أوجّ صعودها السياسي والشعبي، الحصول على صك الشرعية. بيد أن الجماعة فوتت على نفسها فرصة تاريخية، ولم تطلب إقامة حزب سياسي أو جمعية أهلية يمكن أن تعيدها إلى الحياة السياسية بشكل شرعي على غرار ما كان عليه الحال طيلة النصف الأول من القرن الماضي. ولم تلتفت الجماعة إلى هذا الخطأ إلا بعد أن زاد قمع النظام لها وإحالة عدد كبير من قادتها إلى المحاكمة العسكرية في فبراير 2007. وقد ترتب عن هذا الخطأ الاستراتيجي أخطاء تكتيكية أخرى سيأتي ذكرها لاحقاً.

وقد يقول البعض بأن النظام لن يسمح للجماعة في أي حال من الأحوال بامتلاك ورقة الشرعية، وهو قول وجيه، بيد أننا نتحدث عن مواجهة مفتوحة وصراع طويل يمتد لجولات، وكان يمكن للجماعة أن تكسب جولة "الحزب" لو التفتت إليها مبكراً، وكانت على الأقل قد كسبت الرأي العام إلى صفها في مواجهة رفض النظام إعطاءها صك الشرعية. وقد كان جزءاً من هذا الخطأ هو تحوّل الجماعة من إستراتيجية الهجوم على النظام التي اتبعتها طيلة عام 2005 خاصة خلال الفترة من مارس إلى مايو التي نزلت فيها الجماعة إلى الشارع للمرة الأولى منذ نصف قرن، وكان النظام حينذاك يدافع فقط ولا يقوى على مجاراة الجماعة شعبياً، إلى أن تحوّل الحال بعد الانتخابات وعادت الجماعة إلى إستراتيجية رد الفعل مقابل هجوم النظام المستمر حتى الآن.

ثانيا: أخفقت الجماعة في قراءة التحولات التي سوف تطرأ على المشهد السياسي المصري لاحقاً. ويبدو أن الشعور المبالغ فيه بالانتصار الانتخابي المفاجئ قد خلب ألباب الجماعة ودفع بأحلامها بعيداً عن أرض الواقع. فقد كان منطقياً أن يسعى النظام للانتقام من جميع خصومه السياسيين الذين تحدوه طيلة عامي 2004 و2005، وفي مقدمتهم الجماعة، والقضاة وأيمن نور والصحفيين المستقلين وحركة كفاية ... إلخ. لذا فقد استباح النظام الجماعة بشكل كامل بدءاً من يناير 2006 حين اعتقل عددا كبيرا من قيادات الصف الأول مثل حسن الحيوان الذي توفي بفعل الضغوط التي تعرض لها، وعصام العريان ومحمد مرسي ومحمود عزت ورشاد البيومي ولاشين أبو شنب وغيرهم. كما نجح النظام في تفتيت عرى العلاقة بين الإخوان وغيرهم من القوى السياسية، التي انصرف كل منها نحو شؤونه كي يحمي نفسه من بطش النظام.

ثالثا: أخطأت الجماعة حين استخفت برد فعل النظام على العرض المسرحي الذي قام به نفر من طلابها في جامعة الأزهر فيما عُرف لاحقاً بقضية "ميليشيات الأزهر". وقد تعاملت قيادات الجماعة بنوع من الاستخفاف والتجاهل مع تلك الحادثة، وذلك رغم ادعاءات النظام الصارخة في هذه القضية حول النزوعات العنفية للإخوان، وقد كانت هذه القضية بمثابة "القشة التي قصمت ظهر الإخوان". فمن جهة أولى، أعطت تلك الحادثة للنظام هدية كان يحلم بها منذ أربعينات القرن الماضي وهي نعت الإخوان بالجماعة "الإرهابية" عطفاً على العرض العسكري الذي قام به طلابها. وكانت المرة الأولى التي يصف فيها الرئيس مبارك جماعة الإخوان بأنها "خطر على الأمن القومي المصري" قبل أن يحيل معتقليهم إلى المحاكمة العسكرية التاسعة في تاريخ الجماعة والأكثر وطأة على الإطلاق. ومنذئذ باتت الجماعة جسداً رخوا ينهشه كل من يرغب في التقرب إلى السلطة، وارتفعت وطأة الملاحقة الأمنية لأعضاء الجماعة في كافة المستويات.

رابعا: فشلت الجماعة فشلاً ذريعاً في تعبئة الرأي العام ضد أطول وأشرس محاكمة عسكرية في تاريخ الجماعة منذ العهد الناصري. فقد شملت المحاكمة نحو أربعين من قيادات الجماعة ذوي الوزن الثقيل داخلياً وخارجياً. وقد اضطلع أبناء المعتقلين بالعبء الأكبر في الترويج للمحكمة وملابساتها. وقد كان سوء تقدير الجماعة في التعاطي مع هذه المحاكمة بمثابة سقوط آخر حائط صد في مواجهة نظام مصمم على مواجهتها.

خامسا: وقعت الجماعة في خطأ تاريخي بالتعجّل في الإعلان عن برنامجها الحزبي، وذلك من دون دراسة واعية. فقد كان إعلان المرشد العام للجماعة في السابع عشر من فبراير 2007 (بعد عشرة أيام فقط من تصريح الرئيس مبارك حول خطورة الإخوان، وبعد أسبوع من إحالات قيادات الجماعة للمحاكمة العسكرية) عن نية الجماعة إصدار برنامج حزب، مجرد خطوة تكتيكية وليست خياراً استراتيجياً واضحاً. وكان الهدف من ذلك مجرد نقل المواجهة مع النظام إلى الساحة الفكرية بدلاً من المواجهة الأمنية المتصاعدة. وعلى عكس المأمول منه، فقد كان برنامج حزب الجماعة بمثابة ضربة ذاتية وجهها المحافظون للجماعة بسبب الأفكار المحافظة والغموض الذي خرج به البرنامج الذي صدر على عجل ودون دراسة متعمقة لما يمكن أن يثيره من إشكالات دينية وسياسية، وهو ما زاد من طوق العزلة على الجماعة.

سادسا: أخطأت قيادات الإخوان في قراءة تحولات المزاج العام في مصر، خاصة زيادة مساحة الاحتقان الاجتماعي واتساع رقعة الغضب الشعبي. وقد كانت هناك فرصة ذهبية لفك طوق العزلة عن الجماعة من خلال الالتحام مع فئات الشعب الغاضبة التي دخلت في سلسلة من الإضرابات والاعتصامات العمالية والمهنية، لم تحاول الجماعة الاستفادة منها مطلقاً. وهي بذلك فوتت على نفسها لحظة نادرة كان يمكن أن تعيدها إلى قلب النقاش السياسي والاجتماعي المصري، وأن تزيد التحامها بكافة الفئات الكادحة باعتبارها جماعة وطنية تدافع عن مصالح الجميع، وليست مجرد جماعة فئوية تكترث فقط بمشاكل أعضائها.

سابعا: كررت الجماعة أحد أخطائها التاريخية برفع سقف خطابها الخارجي، وعدم التفرقة بين الدعم الرمزي والمعنوي الذي تقدمه لحركات المقاومة العربية مثل حزب الله وحركة حماس، وبين متطلبات المصلحة الوطنية المصرية من جهة، وتعقيدات اللعبة مع النظام من جهة أخرى. فقد بدا خطاب الجماعة خلال العامين الأخيرين أشبه بالخطاب الناصري الذي يبالغ في التصريحات دون اتخاذ مواقف وسياسات واقعية. وقد استغل النظام السياسة الخارجية للإخوان (لو جاز التعبير) من أجل زيادة مساحة عزلتها عن التيار العام في مصر (خاصة خلال الحرب على غزة وقضية خلية حزب الله). بل أعطت مواقف الإخوان خلال هاتين الأزمتين هدية جديدة للنظام من أجل حياكة قضية "إحياء التنظيم الدولي للجماعة" التي تم بموجبها اعتقال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وأسامة نصر عضوىّ مكتب الإرشاد، وهي بذلك تضيف ورقة جديدة للنظام في مواجهة الجماعة قد يستخدمها لاحقاً ضمن أية سيناريوهات لنقل السلطة.

فضلاً عن تلك الأخطاء الاستراتيجية فإن ثمة أخطاء تكتيكية وقعت فيها الجماعة ليس أقلها التصريحات غير المحسوبة لقيادات الجماعة وعلي رأسهم المرشد العام للجماعة، فضلاً عن قرارات المشاركة في انتخابات مجلس الشورى منتصف 2007 والانتخابات المحلية في إبريل 2008، بالإضافة إلى ردود فعلهم حول بعض القضايا الاجتماعية التي زادت الشكوك حول كفاءتهم. دون إغفال موجات التوتر المكتوم بين قيادات الجماعة وشبابها، والتي لا يخفيها سوى الانشغال بمعركة الجماعة مع النظام.

مخاطر قمع الإخوان

" من شأن عزل الإخوان سياسياً ودينياً أن تتسع الساحة الثقافية والسياسية المصرية لخطابات دينية إما أكثر سطحية أو أكثر تشدداً بحكم الفراغ الذي يحدثه تغييب الإخوان عن الساحات العامة المصرية " سؤال افتراضي ولكنه يظل محتمل الوقوع في أي وقت من الأوقات: ماذا سيحدث إذا تم القبض على المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف؟

إجابة افتراضية: لا شئ !!

هكذا وصلت العلاقة بين النظام والإخوان والمجتمع، فالأول استطاع أن "يُرهب" الثالث (أي المجتمع) ويحيّده تجاه الثاني (أي الإخوان)، ولكنه في الوقت نفسه لم ينجح في استئصال الإخوان من المجتمع المصري. وعليه، بات الإخوان كما لو كانوا القدر الحتمي والمرّ في حلق هذا البلد، فلا النظام قادر على استئصاله ولا المجتمع قادر على هضْمه، وبات شعار الشارع المصري تجاه معركة الطرفين "الصمت هو الحل".

لذا فإن السؤال الأكثر جدوى ليس هو هل يجب دمج الإخوان في الحياة السياسية في مصر أم لا؟ وإنما السؤال المطروح بقوة: ماذا ستكون كلفة إقصاء الإخوان المسلمين، أو استئصالهم، بالنسبة للمجتمع والنظام بوجه عام؟

وابتداء، فإنه إذا كانت هناك نقاط خلاف كثيرة وتحفظات منطقية على الخطاب السياسي والديني لجماعة الإخوان، إلا أن ذلك لا يمنع أي باحث موضوعي من الاعتراف باعتدال الخطاب الإخواني عموماً، وقدرته على البقاء وسط موجات من الخطابات الدينية التي تهبّ دورياً على الساحة المصرية. كما أن هذه الجماعة لعبت، ولا تزال، دوراً مهما في ضبط إيقاع الخطاب الديني (الدعوى) المصري والابتعاد به عن متاهات الغلو وتفاهات التسطيح طيلة العقود الثلاثة الماضية. ولا يبعد تواتر الكشف عن خلايا متطرفة خلال الآونة الأخيرة عن غياب الخطاب الإخواني وخطاب الأزهر الوسطي، واستفراد الخطاب السلفي المغلق بالفضاءين الديني والإعلامي.

قد لا يضير النظام المصري أن يقتلع الإخوان المسلمين من المجتمع المصري، وهو قطعاً لن يقوى على ذلك وإلا لفعلها أسلافه (عبد الناصر والسادات). بيد أن ثمناً باهظاً قد يدفعه المجتمع المصري نتيجة المواجهة العدمية بين النظام والإخوان.

وإذا لم يتم وضع حد للمواجهة الراهنة بين النظام والإخوان في مصر، فإن ثمة أخطارا عديدة تبدو محقة وتلوح في أفق الحياة السياسية المصرية.

فمن جهة أولى، من شأن زيادة قمع الإخوان أن يتعمق الاستقطاب داخل الساحة المصرية التي تغلي بفعل عوامل أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية لا مجال للخوض فيها الآن.

ثانياً من شأن عزل الإخوان سياسياً ودينياً أن تتسع الساحة الثقافية والسياسية المصرية لخطابات دينية إما أكثر سطحية أو أكثر تشدداً بحكم الفراغ الذي يحدثه تغييب الإخوان عن الساحات العامة المصرية.

ثالثاً، من شأن زيادة مساحة القمع للإخوان أن يدفع ذلك ببعض قواعد الجماعة للخروج على قياداتها والقيام بتظاهرات عنيفة أو الدعوة للعصيان المدني. ولا مبالغة إذا قلنا بأن اعتقال القيادات الإصلاحية في الجماعة وعلى رأسهم عبد المنعم أبو الفتوح، هو أشبه بإعدام "سيد قطب" منتصف الستينات من القرن الماضي، وما أدى إليه من تأثيرات سلبية على شباب الإخوان وغيرهم من الشباب المتحمس دينياً آنذاك.

ويكفي أن نلقي نظرة على منتديات الإخوان ومدوناتهم لمعرفة مدى الاحتقان والتوتر التي وصلت إليه القواعد الإخوانية بعد اعتقال أبو الفتوح، ودعوتهم الصريحة لقيادات الجماعة بالتحرك واتخاذ مواقف صارمة تجاه النظام.

رابعاً من شأن اعتقال الإصلاحيين والمعتدلين داخل الجماعة، أن يتم دفعها باتجاه الانغلاق والميل نحو المحافظة وهو ما قد يفيد النظام مؤقتاً، ولكنه يضر بالمجتمع في المدى البعيد.

خامساً، من شأن عزل الإخوان أن تصبح الساحة خالية أمام ظهور حركات دينية متشددة تسعى لملء الفراغ الديني والسياسي بين الدولة والمجتمع.

سادساً، قد يؤدى استهداف الإخوان إلى انفراط الجماعة وتشرذمها إلى جماعات وجيوب صغيرة لا تلتزم برأي قادتها السياسية.

مستقبل العلاقة بين النظام والإخوان

" أقصى ما يمكن أن يقوم به النظام تجاه الجماعة، إذا ما أراد التهدئة معهم، فسيكون إطلاق بعض كوادر الصف الأول ورفع اليد الأمنية عنهم حتى حين، وهو ما لا يُتوقع حدوثه قبل نهاية الانتخابات البرلمانية أواخر عام 2010 أو حدوث نقل للسلطة قبل ذلك "

جرى العرف في العلاقة بين النظام المصري وجماعة الإخوان أن ينتهي كل تصعيد في هذه العلاقة بعقد صفقة سياسية أو التوصل إلى تفاهمات أمنية وسياسية. وقد حدث ذلك مرات عديدة كان آخرها خلال عام 2005 حين سمح النظام للجماعة بدخول الانتخابات البرلمانية بحرية ملحوظة مقابل عدم التحالف مع جهات داخلية أو خارجية للضغط على النظام، وعدم تأييد المرشح الرئاسي أيمن نور. وقد تحقق للطرفين ما أرادا. الآن يجري الحديث عن صفقة محتملة بين الإخوان والنظام، وهو ما أستبعد حدوثه لعدة أسباب:

أولها أن النظام المصري ليس في حاجة الآن، على الأقل مقارنة بعام 2005 لدعم الإخوان المسلمين أو إسكاتهم، بل على العكس يبدو وكأنه يمتلك اليد العليا في علاقته بالجماعة وذلك بعد التعديلات الدستورية الأخيرة التي تحرم الإخوان من أي مشاركة سياسية أو انتخابية ولو نظرياً.

ثانيها، أن جماعة الإخوان في حالة عزلة وضعف شديدين ما يغري بمواصلة الهجوم عليها وليس التفاوض معها ومساومتها.

ثالثها أنه ليس لدى الإخوان ما يمكنهم المساومة عليه أو إعطاءه للنظام باستثناء سكوتهم عن ملف توريث الحكم لجمال مبارك. فالضغط الأمريكي من أجل الديمقراطية قد خفت، والحركات الاجتماعية الجديدة تبدو في واد آخر، والأحزاب المصرية تعاني حالة الموت البطيء، والشعب منصرف لقوت يومه.

رابعها، أن النظام نجح في تفكيك عرى العلاقة بين الإخوان وبقية القوى السياسية، وقد أغرى هذه الأخيرة بمكاسب معتبرة قد تحصل عليها خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة وذلك إذا ما تخلوا عن الإخوان وصمتوا على قمعهم على غرار ما هو حادث حالياً.

ولعل أقصى ما يمكن أن يقوم به النظام تجاه الجماعة، إذا ما أراد التهدئة معهم، فسيكون إطلاق بعض كوادر الصف الأول ورفع اليد الأمنية عنهم حتى حين، وهو ما لا يُتوقع حدوثه قبل نهاية الانتخابات البرلمانية أواخر عام 2010 أو حدوث نقل للسلطة قبل ذلك. وعلى العكس، وفي ظل ما سبق، فمن المتوقع أن يزيد النظام من قمعه للجماعة والضغط عليها ليس فقط انتقاماً لما حدث في 2005، وإنما أيضا تهذيباً وتأديباً لما قامت به الجماعة خلال الحرب على غزة أوائل العام الجاري فضلاً عن موقفها المرتبك فيما يُعرف بقضية "خلية حزب الله"، وهو ما دفع بالعلاقة مع النظام إلى نفق مظلم.

إن أسوأ ما يمكن أن تؤدي إليه استباحة النظام لجماعة الإخوان هو استنساخ "النموذج الجزائري" الذي حدث أوائل التسعينات من القرن الماضي حين انقلب العسكر والعلمانيون على اللعبة الديمقراطية وأوقفوا صعود الإسلاميين آنذاك، فكان أن تحولت الجزائر إلى بقعة كبيرة من الدماء لا تزال تنزف حتى الآن، وهو ما لا نتمنى حدوثه في أرض الكنانة، وأي قطر عربي آخر.


باحث مصري متخصص في شؤون الإسلام السياسي ومؤلف كتاب "الإخوان المسلمون في مصر .. شيخوخة تصارع الزمن"، دار الشروق الدولية، 2007.

هامش (*) حادثة المنشية هي حادثة إطلاق النار على الرئيس جمال عبد الناصر، في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1954 أثناء إلقاء خطابه في ميدان المنشية بالإسكندرية بمصر، واتهم فيها الإخوان المسلمون.

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات