Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

في الخامسة والسبعين-المفكر صادق جلال العظم: فيلسوف ماركسي منفتح على العلم وتطوّر

מערכת, 22/8/2009

نقد الفكر الديني" جاء نتيجة هزيمة حزيران وسقوط المشروع النهضوي العربي فيرى صادق أن الماركسيين الجدّيين يعرفون أن النظام القانوني والحقوقي والتشريعي في أي مجتمع راسخ يتمتع باستقلال نسبي كبير عن الواقع الاجتماعي-الاقتصادي الذي يحمله، وأنه يميل في ظروف معيّنة إلى المحافظة ومقاومة التجديد والتغيير، كما يقوم في ظروف أخرى بدور تقدمي كبير في المجتمع

يخصص صادق جلال العظم في كتابه المتميّز: ثلاث محاورات فلسفية. دفاعًا عن المادية والتاريخ "بيروت، دار الفكر الجديد، 1990"، الذي هو عبارة عن قراءة نقدية ضافية في تاريخ الفلسفة الحديثة والمعاصرة، يخصص للماركسية حيزًا كبيرًا، مؤكدًا قناعته بأن الماركسية هي، على حد تعبير جان بول سارتر، "الفلسفة المعاصرة التي لا يمكن تجاوزها"، بحيث ستبقى "فلسفة العصر النقدية بامتياز مادامت التشكيلة الرأسمالية هي العصر بامتياز". لكن صادقًا، انطلاقًا من قناعته بأن تاريخ الفلسفة قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا، بتاريخ العلم، يتبنّى، في كتابه هذا، ماركسية تاريخية وجدلية، غير منعزلة عن السياق التاريخي الذي أنتجها، ومنفتحة، في الوقت نفسه، على تطوّر العلم الذي لا يتوقف. وفي هذا السياق، يشير صادق "إلى الجهل المؤسف بالعلوم الحديثة وتاريخها ومناهجها ومشكلاتها الذي يطغى على إنتاج الماركسيين العرب، على الرغم من اقتناعهم بعلمية المادية التاريخية". ينتقد صادق في قراءته للماركسية، بداية، بعض الماركسيين الغربيين، مثل جورج لوكاش ولوي آلتوسير، الذين عبّروا أحيانًا عن احتقارهم "للعلم البورجوازي السابق على الماركسية"، معتبرًا أن ماركس قد استفاد، إلى أقصى الحدود، من أفضل معارف عصره، كما أسس ماركسيته على الاستيعاب النقدي لأرقى علوم زمانه، بحيث شهدت المفاهيم العلمية الاستراتيجية الجديدة، التي شيّد عليها المادية التاريخية، "ولادتها النقدية من رحم التنظير السابق عليها، ولأنه وقف على أكتاف عمالقة"، ليس أقلهم أهمية آدم سميث وريكاردو وهيجل وفيورباخ، تمكن ماركس - كما يرى صادق - من إنجاز هذا الجمع المركّب للعلمي والنقدي والتجاوزي، فتحوّل هو، والماركسية من بعده، إلى "الوريث الشرعي لإنجازات القرن الثامن عشر العلمية والنقدية والتنويرية". فماركس هو العالم والفيلسوف الذي ورث الاقتصاد السياسي الكلاسيكي ومادية القرن الثامن عشر الساكنة ومثالية هيجل الألمانية، والذي استوعبها كلها وتجاوزها نقديًا وجدليًا لصالح "التصوّر المادي" للتاريخ. وقد اكتسب النقد لدى ماركس- كما يتابع صادق- أهمية كبرى، وبرز بوصفه امتدادًا متطوّرًا وراقيًا "لمنهج الشك عند ديكارت في وظيفته الابستمولوجية وأهميته التاريخية". ولم يكن مصادفة أن تحمل أهم مؤلفات ماركس دومًا عبارة "النقد" في عناوينها الرئيسية أو الفرعية أو في محتوياتها الفعلية. كما أنه ليس مصادفة "افتقاد الفكر الماركسي لحيويته وقوته حين غاب محتواه النقدي غيابًا شبه كامل في العقود التي سيطرت فيها الدوغمائية على حركته ومحتواه". لقد كانت الماركسية إذن، من وجهة نظر صادق، استمرارًا "لتقليد علمي-ثوري-تحرري طويل عريق وتتويج له في الوقت ذاته في حقبتنا الحاضرة". لكن ماركس تميّز عن سابقيه في إصراره "على تاريخية البنية الاقتصادية-الاجتماعية وصيرورتها في مواجهة سكونية الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وعلى تاريخية الطبيعة وصيرورتها في مواجهة المادية الميكانيكية، وعلى تاريخية الذات البشرية الفاعلة وصيرورتها طبيعيًا واجتماعيًا في مواجهة كل أشكال المثالية والروحانية والماهوية".

  • التفوق العلمي للماركسية ومن ناحية أخرى، تميّزت الماركسية في أنها قد ربطت، في وحدة جدلية، النظرية والممارسة، فجاءت "ثورةً علمية كوبرنيكية وممارسة ثورية اجتماعية” في آن معًا. فالواقع، وبخاصة الواقع الاجتماعي والتاريخي، لا يُعرف حقًا - بحسب ماركس - "إلا استنادًا إلى فعل البشر فيه وعملهم التحويلي له”، وهذا ما تعنيه الماركسية عادة "بالبراكسيس”، الذي يعطي الأولية في المعرفة للفعل لا للتأمل والتجريد. ولم يعتبر ماركس أن على المعرفة العلمية أن توفر لنا السيطرة على الطبيعة فحسب، بل مطلوب أيضًا "ألا تبقى هذه السيطرة في خدمة مصالح البعض القليل على حساب المصالح الحيوية للأكثرية الساحقة من بني البشر”. ويؤكد صادق أن التفوق العلمي للماركسية يظهر في مقدرتها على التفسير الناجع والفعّال للتحوّلات التاريخية الكبرى التي تطرأ على المجتمعات البشرية، والتي تمر بمراحلها التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، وذلك "بإحالتها على البنى التحتية وربطها بأنماط الحياة الإنتاجية”. لكنه يضيف أن الإنصاف العلمي "يدعوني لأن أؤكد أن قوة الماركسية هذه ليست من صنع ماركس وحده على طريقة ما اعتدنا عليه في الطروح الماركسية العربية”، بل هي أيضًا من صنع من سبقوه من العلماء، ومنهم عالم الاقتصاد جيمس ستيوارت، الذي "طرح تصوّرًا تطوريًا للتاريخ، قسمّه إلى مرحلة رعوية ومرحلة زراعية ومرحلة تجارية حديثة، مؤكدًا أن لكل مرحلة من هذه المراحل تنظيمها الاجتماعي المتميّز وبُناها الإنتاجية المناسبة وقيمها الملائمة.. إلخ”.

  • رفض "المنهج” لقد عبّر صادق عن قناعته بأن ماركس لم يخترع منهجًا جديدًا في العرض والتحليل، ولم يبتدع ديالكتيكًا خاصًا به، وإنما "تأثر بتقاليد المنهج العلمي العام وقواعده وأحكامه وتطوّراته، من روجر بيكون إلى ريكاردو”، وطبّق هذا المنهج "في ميادين الدراسات الاجتماعية والتاريخية والإنسانية عمومًا ودراسة نمط الإنتاج الرأسمالي تحديدًا”. وانطلاقًا من هذه القناعة، رفض صادق مزاعم لوي آلتوسير عن حدوث "قطيعة أبستمولوجية” بين ماركس وهيجل، معتبرًا أن هذه المزاعم هي " أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع”. فماركس ما كان سينجح - في اعتقاده - "في تجاوز المادية الميكانيكية السائدة علوم عصره دون المرور بهيجل والهيجلية وتأثيرهما العميق والدائم”. وقد توقف صادق، في قراءته النقدية لنتاج جورج لوكاش، الذي تطوّر من المثالية والرومنطيقية إلى الماركسية، أمام كتاب لوكاش الأهم وهو: "التاريخ والوعي الطبقي” "1923”، ليبيّن سيطرة التطرف اليساري والإرادوي على هذا الكتاب، وأثر "مثالية” لوكاش "القديمة” على تناوله لبعض الموضوعات الماركسية وتأويله لمعناها. ففي المقالة الأولى في الكتاب وعنوانها: "ما هي الماركسية الأصولية؟”، يجيب لوكاش، كما يكتب صادق، على هذا السؤال بقوله: "الماركسية الأصولية هي المنهج”. يعني هذا وفقًا لشرح لوكاش -كما يضيف صادق- أن الماركسية الأصولية "ليست الموافقة على كل ما قاله ماركس، أو التصديق الآلي لكل تحليل قدمه، أو الإقتناع بصحة كل النتائج التي توّصل إليها”. والأهم من ذلك، أن الماركسية الأصولية "لا علاقة لها بالنصوص شبه المقدسة ولعبة تقديم التعليقات الورعة عليها ونهج تأليف شروح الشروح لها”. لكن، ما هو هذا المنهج، الذي ماهى لوكاش بينه وبين ما أسماه بالماركسية الأصولية؟ هل هو - كما يتساءل صادق - "المنهج الذي طبقه ماركس في "الجروندريسة” و"والرأسمال”، مثلا، والذي أدّى إلى الثورة الكوبرنيكية المعروفة في العلوم الإنسانية والتاريخية والاجتماعية أم هو شيء آخر؟”. إن جواب لوكاش - كما يتابع - يقول إنه شيء آخر تمامًا لا صلة له بما يجري على أرض الواقع المادي من أحداث وصيرورات، إذ يعبّر لوكاش عن هذه النقطة بأقوال يمكن تلخيصها على النحو التالي: "حتى لو دحضت الدراسات التجريبية نهائيًا استنتاجات ماركس كلها، وأثبتت النتائج العلمية فساد أطروحاته جميعًا، وأظهرت الشواهد والبينات الحسية خطأ تحليلاته كافة، فإن شيئًا من هذا لا يمكن أن يؤثر على المنهج الماركسي الأصولي وعلى اقتناعنا به!”. بعبارة أخرى، فإن أشياء مثل العالم الموضوعي، والأحداث المادية، والصيرورات التاريخية الفعلية "لا تؤثر إطلاقًا -في نظر لوكاش - على منهج الماركسية الأصولية أو تمسّه او تخترقه أو تدخل تعديلا عليه”. ويستغرب صادق تبنّي لوكاش لمثل هذا الموقف، البعيد كل البعد عن جدلية الماركسية وانفتاحها على تطوّر العلم، متسائلا: "ولكن، هل عرف التاريخ منهجًا قادرًا على الصمود في وجه تحديات البينات والشواهد والبراهين كلها، والوقوف في وجه الوقائع والأحداث والصيرورات مهما كانت، سوى المنهج اللاهوتي الأسطوري؟”، ثم يضيف: "وحده المنهج المثالي الصرف قادر على مثل هذا الصمود وعلى مثل هذه التحديات!”.

كيف نفهم العلاقة بين البنية التحتية والبنى الفوقية؟وفي القراءة النقدية لأفكار آلتوستير فيلسوف "الماركسية البنيوية” الفرنسي، يتوقف صادق مطولا أمام موقف آلتوسير من العلاقة بين البنية التحتية والبنية، أو البن الفوقية، التي تقوم، من جهة، على "فك الارتباط بين الكل الاجتماعي والقاعدة الاقتصادية-الإنتاجية”، بالاستناد إلى الفكرة التي طرحها إنجلز، في سنوات حياته الأخيرة، والتي مفادها أن البنية التحتية هي "العنصر المقرر والمحدِّد في اللحظة الأخيرة فقط”، وعلى الاعتقاد، من جهة ثانية، بأن البنى الفوقية في الكل الاجتماعي تتمتع "بفاعليتها المستقلة وتأثيرها الخاص في تكوين الكل الاجتماعي المعني”. فبعد أن يشير إلى أن موقف آلتوسير هذا، على الرغم من أنه ينزع فكرة إنجلز "من سياقها السببي النشوئي-التاريخي”، ليس جديدًا على علم الاجتماع الماركسي "الجدّي”، يؤكد صادق أن القاعدة الاقتصادية تفرض نفسها "على المديين المتوسط والطويل، في التحليل الأخير، على صيرورة الكل الاجتماعي المعني وطبيعته وحركته”، بحيث سيجد الباحث، الذي يلجأ إلى المنهج العلمي، نفسه "مضطرًا، في التحليل الأخير، إلى تفسير الظواهر الكبرى لحياة أي مجتمع تاريخي حقيقي بإرجاعها إلى نمط إنتاجه والتطوّرات الطارئة عليه”. ثم يضيف ملاحظة هامة، وهي أن عملية الفصل بين السياسي- الإيديولوجي، من جهة، والاقتصادي، من جهة ثانية، هي "من خصائص المجتمع الرأسمالي المميّزة، إذ ينتزع الفائض الاقتصادي عادة بوسائل "اقتصادية”، أي عبر آليات السوق الحرة، ودون تدخل سياسي مباشر”، في حين أن أنماط الإنتاج السابقة على الرأسمالية "لم تعرف هذا الفصل، لأن انتزاع الفائض كان يتم فيها بوسائل”غير اقتصادية"أصلا”. أما فيما يتعلق باستقلال البنى الفوقية النسبي، فيرى صادق أن الماركسيين "الجدّيين” يعرفون "أن النظام القانوني والحقوقي والتشريعي في أي مجتمع راسخ يتمتع باستقلال نسبي كبير عن الواقع الاجتماعي-الاقتصادي الذي يحمله”، وأنه يميل، في ظروف معيّنة، "إلى المحافظة ومقاومة التجديد والتغيير”، كما يقوم، في ظروف أخرى، "بدور تقدمي كبير في المجتمع”، ويشكّل "أداة فاعلة وهامة في استكمال التحوّلات المطلوبة في الكل الاجتماعي بما ينسجم مع تطوّر قوى إنتاجه وحركة بنيته التحتية عمومًا”. كما يعرفون أن ثقافة أي مجتمع "لا يمكن أن تكون مشروطة بالبنية الإنتاجية والاجتماعية لذلك المجتمع وحدها، لأن الثقافة مشروطة أيضًا بالموروث الثقافي المنحدر من الماضي، وبالتأثير المباشر وغير المباشر للثقافات المجاورة والفاعلة وقتها”، وأن هذه المرونة، التي تتمتع بها الثقافة، هي التي تسمح لها "بأن تتخلف أحيانًا عن إيقاع نمو البنية التحتية، وأن تستبق ذلك النمو بمراحل في أحيان أخرى”.

  • الماركسية والإيكولوجيا وختامًا، فقد كان هذا الفيلسوف الماركسي العربي، المنفتح على العلم وتطوّره، سباقًا في تبنّيه لفكرة راجت كثيرًا في السنوات الأخيرة بين صفوف الماركسيين الغربيين، مفادها أن الماركسية التي ركّزت على استغلال الإنسان للإنسان قد أهملت استغلال الإنسان للطبيعية والنتائج الكارثية التي ترتبت على ذلك. ففي كتابه هذا، يرى صادق أن الماركسية التي تعدّ نفسها "علم الاجتماع التاريخي بامتياز، قد "تعاملت، في معظم الأحيان، مع القاعدة المادية لحياة المجتمعات البشرية وكأنها محصورة في الاقتصاد والإنتاج المباشر فقط، أي في قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج التابعة لها وحدهما”، وأن هذا التعامل قد أدّى "إلى الإهمال شبه الكامل للمحددات الطبيعية والبيولوجية وشروطها، الأمر الذي صار يفرض على الماركسيين اليوم "العودة إلى توسيع معنى القاعدة المادية بحيث تشمل مجددًا الاهتمام الحقيقي والجدّي بالشروط الفيزيقية والكيميائية والحيوية لاستمرار الحياة الاجتماعية البشرية ولإعادة إنتاجها لنفسها”.

(المصدر: أسبوعية "النور" الصادرة عن الحزب الشيوعي السوري) -------------------------

المفكر الماركسي السوري صادق جلال العظم: ماركس حلل الرأسمالية وأدانها، والغرب اليوم لا يدينها لكن يحاول التخفيف من وحشيتها * الفلسفة هي النظرة الشمولية للحياة، ومن هنا أهمية ابن رشد وأرسطو وماركس في 1967 فقدت الجماهير الثقة بالرموز التي قادتها للهزيمة، فاتجهت إلى الغيبي الماركسيون والشيوعيون العرب لم يقولوا شيئًا أثناء أزمة المعسكر الاشتراكي لا مستقبل ولا أفق ولا مشروع للقوى التكفيرية، هي حركة لولبية نازلة إلى القاع على اليسار العمل في النقابات والدفاع عن الكادحين والعدالة الاجتماعية والبيئية حوار: زينب نبُّوه كأستاذ كبير في الفلسفة هناك من يقول "إن الفلسفة انتهت في عصرنا فلها زمن القرون الماضية وموضوعها ما وراء الطبيعة".. ما هي آفاق الفلسفة في الظروف الراهنة؟ مسألة القول إن الفلسفة تبحث قضايا ما وراء الطبيعة غير دقيق على الإطلاق، فرع من فروع الفلسفة اسمه ما وراء الطبيعة "ترجمة عربية" هي بالأساس "الميتافيزيكا"، أصل كلمة ما وراء الطبيعة لا تعني بالضرورة خفايا وخبايا غير الطبيعة، كلمة طبيعة نحن نسميها بالأساس "علم الفيزياء". حتى الآن في مصر الفيزياء يسمونها طبيعة أو "علوم طبيعية". ما بعد كتاب الطبيعة جاء كتاب أرسطو "الإلهيات" فسمي ما بعد الطبيعة، المعنى الذي يرتبط بالشيء الغيبي الخارج عن الحس والعقل. الفلسفة ناقشت موضوع أصل الكون، أصل العالم، النقاش القديم، هل العالم قديم أم محدث؟ "نظرية الخلق". الفلاسفة في الفلسفة الإسلامية، مثل الفارابي، ابن سينا، ابن رشد، موقف الغزالي، منهم كان عدائيًا فكفّرهم، لأنهم اعتقدوا بقِدَم العالم. الفلسفة أقرب إلى التركيز على الشيء الطبيعي، طبعًا الطبيعة بمعناها الواسع، تأخذ معنى الروح، العقل، النفس هي جزء من الفلسفة. القول عن نهاية الفلسفة، مثلا: بعض المفكرين في أوربا، الألمان، الفرنسيين قالوا بفكرة نهاية الفلسفة كما قالوا بنهاية الإنسان، المقصود في نهاية الفلسفة، لنأخذ كلمة نهاية بمعنى غاية الفلسفة أي أن يبحث الإنسان من جديد بغاية الفلسفة، يمكن غاياتها كانت في الماضي شيئًا وصارت الآن شيئًا آخر. في العصر الحديث عصر الصناعة أصبح لها غايات أخرى، وهذا بحث فلسفي، نهاية فلسفة يعني نهاية فلسفات معينة وبدء فلسفات تتناسب والعصر الذي نحن فيه.

هذا يعني أن البحث الفلسفي لم ولن يتوقف؟

أنا لست من أصحاب الرأي الذي يقول إن الفلسفة لم يعد لها دور، لم يعد لها مكان، فالفلسفة لن تتوقف. كانت الفلسفة تعدّ في بدايات العصر الحديث "ملكة الفكر". ومع نشوء العلوم الشخصية لم تعد تعدّ ملكة العلوم. فالفلسفة هي النظرة الشمولية للحياة، للنفس للطبيعة التي تتشكل نتيجة النتائج التي تتوصل إليها العلوم والاختصاصات والفروع، ومن هنا أهمية الفيلسوف ابن رشد، وأهمية أرسطو في عصره، فقد سيطرت فلسفته لفترة طويلة. وأهمية فيلسوف مثل ماركس في عصره وما أعطى من دفع للبشرية. دراسة أي منهم لا تعطينا فقط وجهة نظر فلسفية؟ وإنما تعرّفنا على عصره كله، علومه، خلاصة ثقافة عصره. وهذا صعب أن نلاقيه في الأدب والشعر وفي المجالات الأخرى. حتى وجود شخصيات كبيرة مثل محيي الدين بن عربي الذي لخّص عصره من وجهة نظر معينة صار يسمى فيلسوفًا رغم أنه متصوف وشاعر. ويمكن القول إن الفلسفة تمر أحيانًا بأوقات فيها ضمور وتراجع، وأحيانًا حالات ازدهار، ولهذا لا أعتقد أن الفلسفة توقفت أو تم تجاوزها ويمكن إهمالها. حتى إن موضوع نهاية الفلسفة هي أطروحة فلسفية بحد ذاتها.

لنتكلم عن بعض كتبك: كتاب "نقد الفكر الديني" الذي صدر عام 1969 ـ 1970، وكتاب "ما بعد ذهنية التحريم" دفاعًا عن المادية التاريخية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. هذان الكتابان أحدثا ضجة، فالأول أحدث إشكالية على مستوى العالم العربي والإسلامي. بينما الثاني أثار إشكالية في العالم، ما هي الأسباب التي دعتك لكتابتهما؟ صدور كتاب "نقد الفكر الديني" كان نتيجة هزيمة حزيران عام 1967 وسقوط المشروع النهضوي العربي. الهزيمة كانت كبيرة وشاملة. لم يأتِ شيء يملأ الفراغ إلا العودة للأشياء ما قبل الحضاري والتقدمي، وهو العقلية الذهنية الدينية التحريم، حتى إن الحكومات والأنظمة لم تجد ما تلجأ إليه لتغطي هزيمتها إلا العزاء الديني. من هنا انطلقت الشرارة. لقد فقدت جماهير الشعب الثقة برموز السلطة ورموز القيادة والمجتمع الذي أوصلها إلى الهزيمة، فاتجهت للشيء الغيبي، ومنطق تطور هذا النوع من التفكير الديني لا بد أن يؤدي إلى نزعات دينية ورفض كل شيء، والعودة إلى الإسلام ليشن حربًا على كل شيء ليس بإسلام. أي رد فعل جاهلي، تناول حتى الشعوب الإسلامية وتكفيرها من قبل نوع من النخبوية القاتلة، "صالحة، تعرف، تستبيح" في سبيل تحقيق مشروعها الذي هو في النهاية مشروع خيالي يحارب العالم، والارتداد فيه يعدّ شيئًا تكفيريًا ومذهبيًا، مما خلق رد فعل مذهبي عزز الأصولية والتطرف عند الطوائف الأخرى. أما كتاب "ما بعد ذهنية التحريم" فجاء ردًا على النقاد فيما يتعلق بقضية كتاب سلمان رشدي "آيات شيطانية" ولم يكن دفاعًا عن سلمان رشدي بقدر ما كان دفاعًا عن الحرية وحق الكاتب أن يحاكم محاكمة عادلة. فقد حكم بالإعدام على التلفاز. طبعًا جرت سجالات هامة مع عدد كبير من المفكرين على أساس احترام الآراء الأخرى. والحفاظ على علاقات الصداقة. وقد نُشرت هذه السجالات في الكتاب نفسه، وهذا شيء فلسفي وطبيعي. وقد لاقى الكتاب رواجًا كبيرًا إذ صدرت منه عدة طبعات.

ما هو مستقبل هذه القوى التكفيرية في العالم؟ هناك رأي يقول إنها وصلت إلى القمة ثم بدأت بالانحدار، ورأي آخر يقول إنها مستمرة؟

قبل فترة جرت مناظرة بيني وبين حسن الترابي مسؤول الإخوان المسلمين في السودان. قلت بصراحة تامة إنه لا مستقبل لهذه القوى وليس لها أفق، فهي تمثل ردًا فعليًا لا تنشئ شيئًا ولا تملأ فراغًا، وليس عندها مشروع حقيقي ممكن، فهي أول ما يأتي ببالها وتدافع عنه قانون العقوبات في الإسلام، وترى في الشريعة الإسلامية قانون طوارئ وأحكام عرفية، وهي حركة لولبية نازلة إلى القاع.

إلى أي مدى تنعكس الأزمة التي تمر بها الرأسمالية إيجابيًا على حركات اليسار؟ وما المطلوب لمواجهتها؟ هل بخطابها ونشاطها التقليدي أم تحتاج إلى خطاب آخر مع تغير الظروف والأوضاع؟

هناك أزمة داخل النظام الرأسمالي تطول كل مناطق العالم دون استثناء، فالأزمة بينت صحة الرأي حول أهمية دعم الدولة وإشرافها على القطاعات الرئيسة، وعودة لضبط الأسواق وربطها بالدولة. والعودة إلى تدخل الدولة هو نوع من "الكينزية" الجديدة ليصبح التوزيع أكثر عدالة. الأزمة الجديدة بينت أن الموجة التي ركبها ريغان وتاتشر ثم انتشرت في العالم الرأسمالي تبيّن أنها هي التي أوصلت العالم إلى الأزمة، وهي إخراج الدولة من حياة الشعوب والاستعاضة عن دعم الاقتصاد الحقيقي بالاقتصاد الريعي القائم على تصدير الرساميل المالية واستثمارها في الأسواق المالية والبورصات. أوباما يطرح الآن قضية التأمين الصحي، أي تغطية صحية للجميع، فهو غير موجود في الولايات المتحدة وموجود في الغرب. وعلى قوى اليسار العمل في النقابات العمالية، والدفاع عن مصالح الجماهير الكادحة، ومن أجل العدالة الاجتماعية، والبيئة.

في الوقت الذي ظهرت فيه الأزمة الرأسمالية هناك عودة إلى ماركس على أساس أنه أول من عالج وحلل بشكل منهجي العلاقات الرأسمالية في كتابه "الرأسمال"، كيف بتصورك يمكن للأحزاب الشيوعية أن تستفيد من الوضع الناشئ؟

في البلدان الغربية عمومًا حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي هناك اتجاه يرى أن ماركس هو أحسن من بحث الرأسمالية وحللها، وخاصة في كتابه "الرأسمال"، ولكنه أدانها. الغرب لا يدينها بل يحاول التخفيف من وحشيتها وتحسينها، وفوكوياما قصد بنهاية التاريخ أن الرأسمالية غير قابلة للتجاوز، وقد تراجع عن نظرته. ماركس أصبح جزءًا من مسلّمات الفكر الاقتصادي العالمي، وكثير من الأفكار التي قالها ماركس متداولة بشكل عفوي دون معرفة أنها لماركس، وهذا شيء دخل في الحياة العامة. كأن نقول عن شخص عنده عقدة نفسية دون أن ننسب ذلك لفرويد. فالرأسمالية عرفت كيف تستفيد جيدًا من عورات وسقطات، وتجمّل الثغرات التي كشفها الماركسيون. وأهم شيء يمكن أن تستفيد منه الأحزاب الشيوعية هو نشر المنهج الماركسي في بحث الأمور وتحليل الظاهرات.

هل كتبت شيئًا عن انهيار الاتحاد السوفييتي، الأسباب والعوامل التي أدت إلى ذلك؟ لم أكتب بشكل مباشر عن الاتحاد السوفييتي وليس لدي أفكار أو خبرة كبيرة، فأنا لم أعش التجربة، لدي معرفة صحفية ومتابعة لدور الاتحاد السوفييتي في دعم حركات التحرر الوطني العربية والعالمية، ودعم تحرير بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية. عبرت في بعض كتاباتي عن وجهات نظر فقط، لماذا؟ نحن ننتقد المستشرقين والغربيين أنهم لا يعرفون الكثير عن قضايانا، ثقافتنا، عاداتنا، ويمعنون البحث والتحليل كما يرون من وجهة نظرهم. من خلال متابعتي للأحداث أما أن أدخل وأحلل أسباب وفشل التجربة السوفييتية فهذا يؤدي إلى تطاول وتجاوز ليس من حقي. ملاحظتي حول هذا الموضوع أنه في العالم العربي أحزاب شيوعية معروفة تاريخيًا، وعدد كبير من الماركسيين المعروفين، إضافة إلى عدد كبير جدًا من الطلاب درسوا وعاشوا في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى، وصاروا أسماء كبيرة في العلم والهندسة والطب وفي كل مجالات العلوم والفنون. ما لفت نظري أثناء أزمة المعسكر الاشتراكي أنهم لم يقولوا شيئًا. مثلا أنا أعرف الكثير عن الغرب وعن التجربة الحياتية، فقد درست وعشت سنوات وتعلمت لغاتهم ويحق لي إعطاء وجهات نظر بما ينسجم وقناعاتي، غير أنه في اللحظات الحاسمة التي جرى فيها انهيار الاتحاد السوفييتي لم يقل هؤلاء الطلاب أو الخريجون أصحاب التجربة أي شيء يساعد على توضيح ما جرى، أي شيء لافت للنظر من جانبهم في العالم العربي، ما عدا الاستثناء الذي يتكرر، أنه لم يكن هناك من ديمقراطية. لم أر تحليلا عميقًا لما جرى إلا كلامًا عاديًا صحفيًا.

لا شك أن هذه ملاحظة هامة، ولكني أعرف أن الكثير من التحليلات قد كتبت حول هذا الموضوع. ربما من الصعب الاطلاع على كل شيء، خاصة عندما يكون الإنسان أحيانًا بعيدًا عن هذا في البلدان العربية، فكيف في الغرب؟

في الغرب قرأت الكثير عن أسباب الانهيار، وخاصة من قبل الماركسيين أنفسهم من أوساط اليسار الجديد، قدموا تحليلات هامة وعميقة، منهم المفكر الإنكليزي هوبز باول في كتابه "عصر الرأسمال والعصر الصناعي".

(المصدر: أسبوعية "النور" الصادرة عن الحزب الشيوعي السوري)

بقلم د. ماهر الشريف