Translation

Exchange Rates

يونيو 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

إطلالةٌ على ظاهرةِ ٱنْقراض ٱللغات ومنها العربية

بروفسور حسيب شحاده- هلسنكي, 4/8/2015

خلاصة: هذه محاولة لتسليط الضوء على ظاهرة قديمة اسمها انقراض (اندثار، موت) اللغات ونادراً ما يعرف القارىء العربي عنها شيئا ذا بال. يعود اهتمامي بهذه التيمة إلى عقد من الزمان تقريبا، إثر مطالعتي لمقالة قصيرة بالفنلندية. شهدت نهاية القرن الماضي اهتماما عالميا ملحوظا بهذه الظاهرة نتيجة لوتيرة اندثار اللغات المتسارعة، موت لغة كل أسبوعين. هذا يعني أن نصف لغات العالم، ٣٥٠٠ لغة، ستندثر حتى نهاية القرن الحالي. طرحت في هذه المقالة مجموعة من الأسئلة والمواضيع ونوقشت في خلال فترات متنوعة بناء على مصادر أجنبية ذكرت في النهاية لمن يودّ الاستزادة والتخصص في هذا المجال. ما تعريف اللغة المنقرضة؟ ما هي العوامل الداخلية والخارجية المؤدية لهذا الانقراض؟ قد يكون لهذا الانقراض نفس نتيجة الانتحار أو القتل وهو بمثابة إفقار حضارة عمرها قرون. من المحزن التنويه أن هذا الانقراض يحدث عادة للدول الفقيرة والنامية والتي تكون في أمسّ الحاجة لمواردها الثقافية وعلى رأسها اللغة من أجل البقاء. أتينا بقائمة مختارة من اللغات المحتضرة. لماذا يتوقف استعمال لغة معينة أو لماذا يهجرها متحدثوها الأصليون ويتحدثون بلغة أخرى، كما هي الحال لدى العرب الفلسطينيين في إسرائيل؟ أين التهديد الشديد بالاندثار؟ما العمل من أجل الحفاظ على هذه اللغات؟ هل إحياء اللغة ممكن؟ ما دور نفوذ القوى الاستعمارية الأوروبية في غضون القرون الماضية؟ أهنالك علاقة بين اندثار لغة ما وبنيتها النحوية _ فاعل ففعل فمفعول به؛ فاعل فمفعول به ففعل؛ فعل فمفعول به ففاعل؛ ومفعول به ففاعل ففعل؟ أو هل ثمة صلة بين التعقيد اللغوي والانقراض؟ ما المقصود من التوازن اللغوي؟ ما مصير اللغة العربية المعيارية، مثلا بعد نضوب النفط العربي؟ما طبيعة العربية الفلسطينية في إسرائيل في نهاية هذا القرن فيما إذا استمرت موجة العبرنة والتعبرن؟

تعريف اللغة المنقرضة:

إن أوضحَ ميزة فارقة بين الإنسان وسائر الكائنات الحيّة هي اللغة، شجرة نسب الأمم، وقد عُرِّف الإنسانُ في حقبة تاريخية معينة بـ “الإنسان المفكّر، الحيوان الناطق” (ابن رشد، ١٩٩٤، ص. 92). من قبيل المستحيلات تصوّر إمكانية التعبير عن فكر ما بدقّة وشمولية وعمق دون اللجوء إلى الكلمات. تُعتبر اللغةُ أروع أداة ٱخترعها الإنسان (ما زال هنالك من يذهب إلى أن اللغة من صنع إلاهي، إلهام لا اصطلاح) قبل مليون سنة تقريبا وبدء بالكتابة بها قبل خمسة آلاف عام. يُعرِّف اللغويون عادة "اللغة المنقرضة" بأنها تلك التي يتكلمها أقلُّ من ألف إنسان. تواجه معظمُ لغات العالم في عصر العولمة ضغطا شديدا بسبب هيمنة العولمة واللغات العالمية الأساسية، الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية. 97% من سكان العالم الموزّعين على أكثر من مائتي دولة مستقلة يتكلمون 4% فقط من اللغات و96% منها لا يتكلمها سوى 3% من سكّان المعمور. كل أسبوعين تندثر لغة وذلك إثر فترة من الذبول جرّاء وفاة آخر ناطقيها. في غضون القرون الخمسة الأخيرة اختفى نصف لغات العالم. بموت اللغة يموت نمط معيّن من الثقافة وفهم للعالم كان قد تبلور عبر القرون. هذا الموت قد يحدث تدريجيا، أو من أسفل إلى أعلى أي انحطاط اللغة لدى ناطقيها أو بالعكس من أعلى إلى أسفل أي جرّاء سياسة حكومية وقوانين دولة، وقد يكون الموت راديكاليا أي إثر عملية تطهير عرقي. أكثر حالات الموت اللغوي شيوعا هي عندما يصبح شعب ما ثنائي اللغة ويفضّل استعمال لغة الحاكم متأثرا بثقافته ثم يهمل لغة أمّه. يجمع معظم اللغويين أنه بانقضاء القرن الحادي والعشرين سيندثر قرابة نصف لغات العالم. الإنسان، سيد اللغة، لا يفقد لغته لأن الآخرين ينتزعونها منه بل لأنه ينقطع عن الاهتمام بها، أي عدم استعمالها وتطويرها. في اللغة أكثر مما يستطيع الإنسان استعماله ولذلك لها حياتها وفيها ارتفاع وهبوط دون انقطاع. تعود بدابة الاهتمام البحثي بظاهرة انقراض اللغات إلى تسعينات القرن الماضي. ظاهرة اندثار لغات أقليات تثير قلقا ملحوظا ليس في أوساط اللغويين وعلماء الإنسان فحسب بل ولدى كل من يهتمّ بحقوق الإنسان وبالهوية الثقافية في خضمّ تبلور ثقافة معولمة. يُقدَّر عدد اللغات في العالم بقرابة سبعة آلاف وهي موزّعة بالنِّسَب التالية: في آسيا 32%، في إفريقيا 30%، في المحيط الهاديء 19%، في الأمريكيتين %15 وفي أوروبا 4%. تأتي لغة المندرين الصينية في المرتبة الأولى من حيثُ عددُ الناطقين بها، قرابة التسعمائة مليون وتليها الإنجليزية فالإسبانية فالبنغالية فالهندية فالبرتغالية فالروسية فاليابانية. قد يدهش القارىء العربي لغياب اللغة العربية عن هذه اللائحة إذا علمنا بأن عدد العرب يصل اليوم إلى حوالي 400 مليون، وعليه فالعربية يجب أن تتبوّأ المرتبة الثانية قبل الإنجليزية بواقع 322 مليون متحدّث وقبل الإسبانية بواقع 266 مليون ناطق بها. لا غرابةَ في الأمر إذا ما فكّر المرء قليلا بشأن المقصود من لفظة “العربية”، أهي العربية الحديثة الأدبية المعيارية (Modern Standard Arabic, MSA) أم الكم الهائل من اللهجات العربية المحلية الحديثة التي هي، في الواقع، لغةُ الأم بالنسبة للعرب. العربية الأدبية المعاصرة، كما هو معروف للجميع، ليست لغةَ أمّ طبيعية بالمفهوم العادي بالنسبة لأي إنسان عربي، والإنسان العربي هو السوري والفلسطيني والمصري واليمني والعُماني والسوداني إلخ. لا بدَّ من التنويه بأنّه لا ذِكرَ للفظة “عربي" في جوازات السفر أو الهويّات الشخصية العربية، اللهم، على الأقل، باستثناء هويّات أبناء الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، قراية المليون ونصف الملبون نسمة حتى السنوات الأخيرة الماضية. ثمّة ألفاظ فضفاضة لا طائلَ تحتها مثل "اللغة هي ديوان العرب" في حين أن العرب مفرَّقون حتى في اللغة وما قد يوحّدُ بعضَهم لغويا هو ما يسمّى بلغة بين بين، اللغة الوسطى، اللغة المشتركة، لغة المثقفين ولا توجد إحصائيات دقيقة يعوّل عليها بالنسبة لعدد أو نسبة المسيطرين على هذا النمط اللغوي العربي، الذي هو بدوره، لا يمكن تسميتُه بلغة أمّ عادية. قبل أكثر من عقد من السنين نشرت منظمة اليونسكو، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO = The United Nations Educational, Scientific and Cultural Organisation) بحثا ذا تسعين صفحة بعنوان ”أطلس لغات العالم الموجودة في خطر الاندثار” وتأتي في المقدمة لغات في القارتين، أمريكا وأستراليا. مما يجدُر ذكرُه أن لنسبة ضئيلة جدا من اللغات، أقل من 7%، أي حوالي خمسمائة لغة، تمثيلا معينا على الشبكة العنكبوتية. تتصدر الإنكليزية اللائحةَ بنسبة عالية جدا 68.4% فاليابانية فالألمانية فالصينية فالفرنسية فالإسبانية فالروسية فالبرتغالية فالإيطالية فالكورية الجنوبية. أما العربية فمرتبُتها أقلُّ من صفر فاصلة بعض الكسور وهذا بالرغم من أن نسبة عدد العرب تصل إلى حوالي 4.5% من سكان العالم. هنالك أزمة ثقافية عالمية شبه خفية تتمثّل في أن نصف لغات العالم ستنقرض قبل انسلاخ هذا القرن. زد إلى ذلك أن 40% منها في وضع تهديد حقيقي للاندثار، لأن عددََ الأولاد المتحدّثين بتلك اللغات في تناقص شديد ومستمر، مثال على ذلك، خمسون لغة في كاليفورنيا وبعض اللغات في إندونيسيا. يشار إلى أن المصطلح الأجنبي الذي يصف احتضار اللغة هو moribund المأخوذ من اللغة اللاتينية moribundus من الفعل mori أي “يموت”. نعم، تطوّر اللغات المستمرّ هو أمر حتمي وطبيعي وغالباً ما نجهل كنهَه اجتماعيا ونفسيا، بل وبعضها ينقرض أحيانا، فهي، بمعنى ما، تشبّه بالكائنات الحية كحيوانات وطيور قد انقرضت كالديناصورات والضفادع أو النباتات، إلا أنها، في واقع الأمر، عبارة عن منظومة أنماط في عقل المتكلم وسلوكه ولا وجودَ لجينات في اللغة. في البرازيل وحدها انقرضت قرابة 170 لغة بعد الاحتلال البرتغالي لها في القرن السادس عشر والذي استمرّ حتى العام 1822، أما في المكسيك، متعددة اللغات والثقافات، فقد بلغ عدد "الوفيات اللغوية" إلى 113 لغة وبقيت 12 لغةً. من هذه الكائنات الحيّة طائر الدودو، وهو بحجم الإوزّة، ينتمي إلى فصيلة الحَمام، إلا أنه لا يقوى على الطيران. وهذا الطائر، ذو المنقار الكبير والقائمتين المتينتين وفي كل منهما أربع أصابع، كان قد ٱنقرض عام 1681. كان موطنه في جزيرة ماوريتيوس على المحيط الهندي إلى الشرق من جزيرة مدغشقر. تُستعمل لفظة الدودو، dodo في الإنجليزية المستمدّة من البرتغالية doudo بمعنى “الأحمق، المتخلّف عن العصر الحاضر، “دقّة قديمة”. المصير ذاته كان من نصيب لغات كثيرة في الماضي البعيد، مثل معظم اللغات السامية التي تعدّ بالعشرات، مثل الأكّادية بفرعيها، الأشوري والبابلي، والأوغريتية، وجيعز-جئز، لغة الحبشة الكلاسيكية، والفينيقية وابنتها البونيقية والأمورية ولغات أخرى كالغوطية والإتروسكانية والإيبيرية والسومرية والحتية والهيروغليفة. ذاك المصير ينسحب أيضا على لغات في عصرنا هذا مثل بعض اللغات في شمال أوروبا المنتمية إلى الفصيلة الفنّو-أُچرية، Saame, Liivi, Vatja والإيدش الغربية. يصل عدد اللغات التي في رمقها الأخير إلى أكثرَ من أربعمائة وتتواجد في معظمها في منطقة المحيط الهادىء فأمريكا فإفريقيا فآسيا فأوروبا. ثمّة من يعتقد أن اللغة اللاتينية قد لفظت أنفاسها الأخيرة لأنها غيرُ محكية حاليا، إلا أنها في الواقع، لم تندثر بل تبدّلت بمرور الزمن وتغير ٱسمُها إلى لغات عدّة مثل الفرنسية والإسبانية والإيطالية والسردينية، فكلها متحدرة من اللاتينية الأمّ. أضف إلى ذلك أنها موثقة جيدا. يحلو لبعض الباحثين تشبيه العربية الفصحى ولهجاتها الحديثة باللاتينية وبناتها رغم الاختلاف الجوهري بينهما فللعربية المعيارية مكانتها ومجالاتها وللهجات استعمالاتها اليومية. من اللغات التي في طور الاحتضار يمكن الإشارة إلى لغة تتار القرم المسلمين ولغة Gaeli في جزيرة Cape Breton الواقعة إلى الشمال الشرقي من Nova Scotia التي كانت تشكّل إحدى الولايات الأربع في دومنيون كندا. يقدّر عدد الناطقين بهذه اللغة اليوم كلغة أم بحوالي خمسمائة من المسنّين، في حين أن عددَهم في مستهلّ القرن العشرين تراوح ما بين خمسين ألفا وخمسة وسبعين ألفا. يُشار إلى أنه في عام 1890 قُدّم اقتراحٌ في البرلمان الكندي يجعل لغة چايلي لغة رسمية ثالثة في البلاد. في ذلك الوقت، تحدّث أكثرُ من ثلاثة أرباع سكّان جزيرة كيپ بريتون لغاتٍ اسكتلندية قديمة. هناك بعض الجامعات التي ما زالت تدرّس لغة الچايلي ضمن اللغات السلتية (Celtic) وهي مجموعة من اللغات الهندية-الأوروبية؛ أما في جزيرة كيپ بريتون فهناك أربع مدارسَ فقط تعلّم اللغةَ المذكورة فيها كمادّة ٱختيارية وهناك إمكانية لتعلّمها على الشبكة العنكبوتية. من اللغات العربية الجنوبية القديمة الآيلة للانقراض نشير إلى البطحرية (٢٠٠ متحدّث بها) والحرسوسية (٦٠٠ متحدث) والسقطرية (٥٠ ألف متحدث) والشحرية (٢٥ ألف متحدث) والمهرية (٢٠ ألف متحدث) والهبيوتية (١٠٠ متحدث). من الفوارق النحوية البارزة مثلا بين العربية والمهرية نشير إلى أسلوب النفي، ففي العربية نقول مثلا “أنا لا أعرف” أما في المهرية فيقولون “اغُورْب لا”، أي أن أداة النفي ترد في آخر الجملة ومعجميا “قال” العربية تقابلها “آمور” في المهرية. في عام 1992 توفى آخرُ ناطق باللغة Ubykhin في تركيا وهو السيد Tefvik Esenc وقبل ذلك بثلاثة أعوام رحلت عن هذه الفانية آخرُ متكلمة باللغة Kamassin وهي Klavdia Potnikova وفي العام 1974 توفى Ned Maddrell آخر متحدث بلغة Manksin في الجزر البريطانية، وكذلك الأسترالي Arthur Bennett الذي كان يَعرف، إلى حدّ ما، اللغة Mbabaram وكذلك الأمر بالنسبة للسيدة ماري من ألاسْكا، (Marie Smith, 1918-2008)، ولغتها Eyakintiaani، والسيدة Elizabeth Gravelle من جنوب غرب كندا ولغتها Ktunaxa التي تحتوي على أصوات حلقية (gutturals). وفي أفغانستان لغة Tirahi يتحدثها مائة شخص فقط وفي وسط سيبيريا لغة باسم Ket وهي في طور الاحتضار وتعتبر قواعدها من أعقد قواعد اللغات التي وثّقها اللغويون وفي أرمينيا Lomavren التي يتكلمها خمسون شخصا فقط ولغة شاميكورو/شاميكولو في منطقة لاغوناس في دولة پيرو يتحدثها ثمانية أشخاص. يذكر أن ٢٨٪ من لغات العالم يتكلم بكل واحدة منها أقلّ من ألف شخص. وللراغب في المزيد حول اللغات المهددة بالانقراض تصفّح أطلس اللغات الذي نشرته منظمة اليونسكو. يُذكر أن مواطني ألاسكا قد تحدثوا بأكثرَ من عشرين لغة واليومَ يتعلم الأطفال اثنتين فقط. وفي ولاية مونتانا الأمريكية لغة باسم “جروس فينتري” وعدد متحدثيها عشرة من المسنين فقط، ولغة “مينوموتي” في ولاية ويسكونسين يتحدثها خمسة وثلاثون شخصا. وهناك لغة باسم “نوشو”، لغة النساء الوحيدة في العالم، كانت قد ٱنقرضت مؤخرا في أعقاب وفاة آخر ناطقة مسنّة بها في الصين يانغ هوآنيي، والطريف أن كل ما دُوّن بهذه اللغة كان مصيره الحرق تمشيا مع عقيدة تلك الجماعة. الملاحظ من هذا كله انعدام أي قاسم مشترك بين هؤلاء الأشخاص وما مثّلوا من لغات وثقافات، كل واحد منهم انتمى إلى بقعة جغرافية بعيدة عن موطن الآخر. بالرغم من كل هذا، يمكن القول إن القاسم المشترك الوحيدَ الذي يجمعهم هو اندثارُ لغاتهم ثم ثقافتهم بعد رحيلهم عن هذه الأرض، انفراط الحلقة الأخيرة من السلسلة، ذهب الأصل ولم يخلّف فرعا. نذكر من ناحية أخرى، أن هناك بعض المحاولات أحيانا للحفاظ على لغات معينة مثل “ليفونيان” في لاتڤيا حيث يقوم الشباب بجهود ملحوظة بهذا المجال وقل الأمر نفسه بالنسبة للوضع اللغوي في كندا. كيف من الممكن للغة ما أن تموت، فالبشر لا ينقطعون عن الكلام، إلا أن السؤال الجوهري: الكلام بأية لغة؟ من عوامل اندثار اللغات حروب إبادة وكوارث طبيعية كما جرى لشعوب الكاريبي خلال عقد من السنين بعد زمن الرحالة الإيطالي، كريستوفر كولومبس (1451-1506)، إلا أن مثل هذه الحالات تكون نادرة. هكذا في إثر اندحار العرب في الأندلس بعد قرابة ثمانية قرون من الحُكم، انقرضت عربيتُهم هناك؛ وفي جنوب السودان مثلا ظهرت عربية “جوبا” وفي جزيرة مالطا تحوّلت عربيتها إلى لغة أوروبية. وفي عصرنا الحاضر حلّت الإنجليزية محل الإيرلندية في شمال إيرلندا وتهدّد الآن الولشية والجالية في أسكتلندا. عادة ما يكون سبب الموت ناتجا عن عواملَ داخلية أو خارجية، احتلال أو حلول لغة ما تدريجيا مكان لغة أخرى لأسباب اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو نفسية. مثال على ذلك لغة “كشوا” في أمريكا الجنوبية التي يتحدثها نحو ثمانية ملايين نسمة وبالرغم من ذلك فهي مرشّحة للانقراض بعد بضعة عقود، لأن الأطفال يتكلمون الإسبانية عوضا عنها. عندما نتحدث عن موت لغة ما فذلك لا يعني أنها هرمت وذبلت ووهنت وهوت أرضا جرّاء عمرها المديد، إذ أن الموت قد يحلّ بلغة حديثة العهد أيضا كما هي الحال بالنسبة للبشر. إن اندثار اللغات في كل الحالات يحدُث عندما تحتلّ لغة ما ذات هيبة ونفوذ سياسيا وٱجتماعيا وٱقتصاديا مكان لغة ثانية. ذلك الموت قد يكون، كما يذكر في مراجعَ معينة، إما انتحاراً وإما قتلاً، ويكون الأول عند تشابه اللغتين والثاني حين ٱختلافهما. في الواقع، لا خطَّ واضح المعالم دائما بين نمطي “الموت” هذين وأمامنا على المحكّ ظاهرة اجتماعية في الأساس. إن العبرة المستفادة من مثل هذه الاندثارات اللغوية المحزنة تتمثل في أن مصير اللغات الصغيرة على وجه هذه الكرة الأرضية في طريقه إلى الزوال في عصر العولمة هذا. لا بد من التنويه بميزة معينة بالنسبة للغة “أوبيخ” في تركيا التي رحلت مع رحيل السيد توفيق إسينش المذكور سابقاً عام ١٩٩٢ وهي كثرة الأصوات الصامتة (consonants) مقارنة بالصائتة (vowels)، يصل عدد الأولى إلى 18 أما الثانية فإلى ثلاثة فقط. وقد وُجدت في إفريقيا لغات ذات عدد أكبر من هذه الأصوات الصائتة. ومما يجدُر ذكرُه أن نحو 80% من لغات هذه القارة هي محكية فقط. وفي بعض الأقطار الإفريقية لغات كثيرة تتصارع، ففي ساحل العاج مثلا سبعون لغة وطنية ونيف تعيش حالةَ صراع كهذه. في المقابل، هناك لغات تضمّ عددا ضئيلا جدا من الأصوات كما هي الحال في بابوا-غينيا الجديدة ذات أكبر عدد من اللغات في العالم، قرابة 820 لغة، حيث نجد فيها لغة فيها خمسُ حركات وستّة أصوات صامتة، ومثل هذه اللغات معرّضة للاندثار. يتوقّع ٱنقراضُ قرابة 50% من لغات العالم في غضون هذا القرن، الحادي والعشرين كما أسلفنا، وعليه فباحثو اللغات على اختلاف تخصصاتهم في سباق مع عجلة الزمن المتسارعة لرصد خصائص تلك اللغات وتوثيقها. إن أستراليا مثلا، كانت قد شهدت في فترة زمنية معينة، قبل الاحتلال البريطاني عام ١٧٨٨، حوالي 250 لغة أصلية واليوم بقيت منها عشرون لغة ومن المحتمل في المستقبل اندثار 90% منها خلال هذا القرن و”الحبل على الجرّار”، إن لم تتم إجراءات عاجلة وفعّالة للحفاظ على بعضها على الأقلّ. لذلك هنالك مثلا “اليوم العالمي للغة الأم” المصادف في الحادي والعشرين من شباط من كل عام حيث تقام فعاليات مختلفة ترمي إلى لفت النظر لأهمية لغة الأم وسُبل الحفاظ عليها وتطويرها، إلا أن ذلك اليوم غير كاف بالمرّة. في هذه القارة بعض اللغات التي لا يتكلمها أكثرُ من مائة شخص. وتحتلّ القارة الأمريكية الشماليةُ المركزَ الثاني من حيثُ عددُ اللغات الأصلية المندثرة أو الآيلة إلى الأفول فالزوال، حيث يقدّر عددها بحوالي 80%. كان لدى الهنود الحمر في أمريكا، على سبيل المثال، أكثر من 175 لغةً بقي منها عشرون فقط. ولم يتبق منها، في الواقع، سوى خمس لغات يصل عدد ناطقيها إلى عشرة آلاف فقط. أما في كندا فالوضع لا يختلف كثيرا، إذ أنه من ضمن ستين لغة أصلية لم يبق إلا خمس لغات ما زالت حية تُرزق. أما في القارة السوداء فيصل عدد اللغات التي ولّت أربعا وخمسين وعدد التي في دائرة خطر الاندثار مائة وستّ عشرة لغة. يلاحظ أن اللغاتِ المهددةَ بالاندثار تعاني من ضعف في النقل منها وإليها خاصة إذ ما أخذنا بالحسبان أن 40% من المؤلَّفات المترجمة في العالم هي من اللغة الإنجليزية الأمريكية. وصف الكثيرون القرن المنصرم بـ “القرن الأمريكي” وكل الدلائل الراهنة تشير إلى استمراره حتى يوم الناس هذا. الجدير بالذكر أن ظاهرة الاندثار اللغوي تحدث عادة لدى شعوب فقيرة وغير متقدمة وهي بأمس حاجة لمواردها الثقافية للبقاء. غني عن البيان أن هذه الأرقام هي، في واقع الأمر، تخمينية، إذ أننا ما زلنا بعيدين جدا عن مرحلة معرفة حقيقية ودقيقة للغات العالم. في جمهورية پاپوا غينيا الجديدة مثلا، الواقعة شمالي أستراليا والتي استقلت عام 1975 وفيها حوالي أربعة ملايين من السكان، يوجد قرابة 800 لغة لا يعرف العالِم اللغوي المعاصر عنها بصورة تفصيلية أكثر من اثنتي عشرة لغة. أضف إلى ذلك أنه من العُسر بمكان تخمين مدى قابلية لغة معينة على الحياة. ففي العام 1905 كان عدد الناطقين بلغة “البريتون” في الشمال الغربي من فرنسا حوالي مليون وربع المليون والآن، بعد قرن من الزمان، ٱنخفض العدد إلى ربع مليون نتيجة إحجام الأجيال الجديدة عن ممارسة هذه اللغة. من ناحية أخرى، نرى أن الوضع اللغوي في آيسلندا مثلاً أكثر أماناً وغير مرشّح للتغيير الجذري وذلك لأن اللغة تنتقل عبر الأجيال رغم التأثير الأمريكي وهي على ألسنة الجميع حية عفوية وقل الأمر ذاته بالنسبة للغة الفنلندية التي يتكلمها قرابة الستة ملايين إنسان. من الملاحظ أن القسم الأكبر من لغات العالم المعروفة تنهج في بنيتها النحوية هذا النمط: الفاعل فالفعل فالمفعول به مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والعربية الحديثة المكتوبة والمنطوقة: الطالب قرأ كتابا. في بعض اللغات الأخرى كاليابانية نظام الجملة العادي هو: الفاعل فالمفعول فالفعل. وفي نسبة ضئيلة من لغات العالم تصل إلى قرابة 10% نجد أن تركيب الجملة العادي هو: الفعل فالمفعول فالفاعل كما هي الحال في بعض اللهجات العربية الحديثة في بعض الأحيان مثل اللهجة الفلسطينية: أكل الأكل موسى. وقد ٱعتقد في البحث اللغوي المقارن أنه من غير الجائز وجود لغات يكون فيها تركيب الجملة: مفعول به ففاعل ففعل كما هي الحال في لغة الهنود الهكسكَرْبَنا في أدغال الأمازون والقبائل المحيطة بهم فقط. هناك من اللغويين المعاصرين من يعتقد أن موجة ٱلانقراض اللغوي آنف الذكر ستجتاح مجموعة اللغات الأكثر تعقيدا لدى الجنس البشري. أضف إلى ذلك أن هذه اللغات ذات السمات الخاصّة والمعقّدة شبيهة باللغة المهنية الدارجة في هندسة الحاسوب وعلم الوراثة. في المقابل يمكن القول إن اللغات العالمية كالإنجليزية التي تتحدثها أعداد كبيرة من الناس المنتمين لثقافات مختلفة تتّسم بالبساطة واليُسر في نحوها وصرفها. ظاهرة اندثار لغة بشرية ما، لا تعني زوالَ مفردات رائعة وصيغ متباينة وتراكيب وأنماط نحوية خاصّة فحسب، بل وتراث ثقافي معين وفلسفة حياة. ضياع لغة ما يعني ضياع نافذة معينة على العقل البشري وزوال التعدد اللغوي يؤول إلى زوال التعدد العقلي إذ أن الثقافة تتأثّر باللغة وتؤثر في التفكير. نعم اندثار لغة ما يعني اندثار فكر وانتماء قومي وروحي وتضعضع هوية راسخة لدى الفرد والجماعة على حدّ سواء وفقدان الشعور بالقيمة الذاتية. إذ أن وراء قبيلة صغيرة مثلا هنالك تاريخ طويل من التراث يمتدّ لآلاف السنين من التكيف للمنطقة التي كانت تعيش فيها بخصوص الثروتين الحيوانية والنباتية وكذلك الظواهر الطبيعية. في أستراليا مثلا توجد قبيلة باسم Dyirbal تمكّن أبناؤها في الستينات من القرن العشرين التعرّف على أسماء ما يربو عن 600 صنف من النباتات، في حين أن هذه المعرفة قد تبخّرت لدى الجيل الجديد في أواخر القرن المذكور. إذا قارنّا الوضع في أيامنا هذه لدى أبناء المدن خاصة في الدول العربية فقد لا يعرف العربي العادي أسماءً بعدد أصابع اليدين من النباتات البرية الموجودة في بلاده. والأمر نفسه ينسحب بالنسبة للمواطنين في جزيرة تاهيتي حيث نسوا الكثير الكثير من أسماء الأسماك التي عرفها أجدادُهم. السؤال الذي يطرح نفسه هو علاقة الثقافة باللغة، هل اندثار اللغة يؤدي في خاتمة المطاف إلى اندثار ثقافتها؟ أهناك ثقافة بدون لغة؟ أليست “الوردة” هي نفسها في أية لغة كانت كما قال وليم شكسبير (1564-1616)؟ الجواب الذي يمكن إعطاؤه ليس يسيرا، اللغة، أية لغة آدمية، تسعى لتبويب الأشياء وترتيبها وتعريفها، وفي كل ثقافة نظام للتصنيف والتبويب للواقع والحياة تعكسها اللغة. في العديد من اللغات البولينيزية في المحيط الهادىء، على سبيل المثال، تصنّف الأشياء بناء على أصحابها أو مالكيها إلى مجموعات متغيرة وغير متغيرة، أي بين الثابت والمتغير. في ولاية هاواي في غرب الولايات المتحدة الأمريكية، الأرض والوالدان وأعضاء الجسم غير متغيرة في حين أن الأزواج والزوجات والأولاد قابلون للتبديل لتوفّر إمكانية الاختيار. هذا التقسيم الثنائي بين الثابت والمتغيّر يتخلّل كافة الأنماط والمستويات وصورة العالم في الثقافة في هاواي. في الوقت الراهن حيث لا يعرف الجيل الجديد لغته حقَّ المعرفة نرى أن الناس قد نسوا أية أمور تندرج تحت “المتغير” وأيّها تحت “الثابت”. ما يبقى، في الواقع، ما هو إلا ظلال باهتة لتلك اللغة والثقافة في غابر الأيام. في اللغة العربية، كما هو معروف، ينقسم العالم إلى قسمين من حيث التذكير والتأنيثُ (وهناك التخنيث، إن جاز التعبير هنا بمعنى مذكر ومؤنث) ومن حيثُ العاقلُ وغير العاقل في حين أن هذه اللغة تقسّم العدد إلى ثلاثة أقسام، مفرد ومثنى وجمع (وفي الجمع جموع وأقسام). في البداية، كانت هناك لغات لا حصرَ لها وهيمنة اللغة الواحدة تاريخيا هي ظاهرة حديثة العهد. هناك من يرى أنّ ٱندثار اللغات ليس أمرا مُقلقا إذ أن انتشار اللغة الإنكليزية مثلا على حساب لغات أخرى أمر مرغوب فيه إذ أنه يتمخّض عنه استمرار العالم. وكلما تزايد عدد اللغات المحكية كلما صعُب على الإنسان فهمُ أخيه الإنسان وغدا العالَمُ أقلَّ تناسقا وتناغما. على ضوء قصة العهد القديم كان العالم قبل برج بابل واحدا ذا لغة واحدة وبعد ذلك حاول بنو آدم بناء مدينة وبرج رأسه إلى السماء وأغضبوا الخالق بذلك وعليه عاقبهم الربّ قائلا “هلمّ نهبِط ونبلبل هناك لغتهم حتى لا يفهم بعضُهم لغةَ بعض (سفر التكوين 7:11). بعبارة ثانية، لغات العالم هي نتيجة عقاب الله هذا. ويرى علم اللغة الحديث في النظرية القائلة بأن العالم القديم كان أحاديَّ اللغة بمثابة أسطورة ثقافية، إذ كان المجتمع البشري متعددَ الألسن منذ البدء. في مقدور العقل البشري وبيُسر السيطرة على أربع لغات أو خمس إذا تعلّمها منذ نعومة أظفار الطفل حيث يكون النظام اللغوي في المخ الأقوى في السنوات القليلة الأولى من حياته. يبدو أن المكان الأمثل لبحث التعددية اللغوية هو پاپوا غينيا الجديدة Papua-New-Guinea، مِساحتها أقلّ من مساحة فرنسا بقليل وعدد سكانها زهاء الخمسة ملايين إنسان ويتكلمون وفق آخر إحصاء 860 لغة وهي مقسّمة إلى 26 فصيلة لغوية. الأغلبية الساحقة من هذه اللغات جدّ مغمورة إذ أن لـ 80% منها خمسة آلاف ناطق فقط. في مثل هذا المحيط متعدد اللغات يتعلّم السكّان الكثير منها وبصورة طبيعية، يتسنّى للطفل سماعُ خمس أو ستّ لغات وتعلّمها شرطَ أن يكون مصدرُ كل واحدة منها ثابتا. كما وتلعب اللغات في پاپوا غينيا الجديدة دورا ٱجتماعيا هامّا فاللغة تعزّز صلة الفرد بقبيلته ومعرفة لغات أخرى تفتح للشخص إمكانياتٍ اقتصادية وعسكرية وشخصيةً أيضا مثل الزواج. هكذا لم تنتشر لغة واحدة معينة وبسرعة على حساب لغة أخرى. ويذكر أنه في منطقة ثنائية اللغة (bilingualism) تواجدَ على الدوام أناس فضّلوا لغة واحدة على الأخرى، وهكذا نمت وعظُمت هذه اللغة المنتقاة وٱحتلت مكان اللغة الثانية في آخر المشوار. في الوقت نفسه، تنشأ لغات جديدة عند اندثار مجتمعات معينة ونشوء مجتمعات جديدة. وعليه يبقى عدد اللغات على حاله تقريبا وهذا ما يدعوه اللغويون بـ “التوازن اللغوي” (linguistic balance) الذي يسود معظم الكرة الأرضية كما هي الحال بالنسبة للتوازن في الطبيعة أيضا. يُذكر أن الجنس البشريَّ في مراحله التاريخية الأولى كان متعدد اللغات، أما الوضع الثقافي المتشابه في أمريكا وإنجلترا، حيث يتكلم الناس لغة واحدة فقط فهو من المنظور التاريخي ظاهرة جديدة وشاذّة. أخيرا قد يكون مفيدا ذكر الإحصائيات اللغوية الآتية. هنالك في العالم 7227 لغة موزّعة على النحو التالي: في آسيا 2197، في إفريقيا 2058، في منطقة المحيط الهادىء 1311، في أمريكا 1013، وفي أوروبا 230، أما عدد اللغات الميتة تقريبا الآن حيث عدد المتكلمين بها جد قليل فهي: 55, 37, 157, 161, 8 وفق الترتيب المذكور، أي أن عدد اللغات التي في طور الاندثار والتلاشي هو 418 لغة. يا تُرى ما مصير اللغة العربية الأدبية (MSA) في هذه المعمعمة التي كثُر الحديث والنقاش فيها عن الانقراض اللغوي في الآونة الأخيرة؟ كانت منظمة اليونيسكو قد أكّدت أن العربية ستكون ضمن اللغات المرشّحة للانقراض في خلال هذا القرن. تواجه العربية المعيارية خطرا حقيقيا من مصدرين، من اللغات الأجنبية ومن اللهجات المحكية. لا شك أن الاعتقاد الشائع بأن العربية لا يمكن أن تندثر لأنها لغةُ القرآن الكريم، فهي خالدة وقد ورد فيه في سورة الحجر، الآية التاسعة "إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون" وهذا يحتمل أكثر من معنى لغويا وتفسيريا. تاريخيا أمامَنا مثَل جليّ لانقراض أو سبات لغة طوال سبعةَ عشرَ قرنا من الزمان تقريبا بالرغم من وجود كتاب ديني سماوي مقدّس لدى المنتمين لتلك اللغة. هذه اللغة فريدة في نوعها في التاريخ اللغوي، إذ أنها عادت للحياة قبل زهاء قرن من الزمان، منذ بداية ثمانينات القرن التاسع عشر في فلسطين، نتيجة تظافر عدة ظروف مؤاتية، وغدت لغة محكية حية تدرّس فيها كلُ المواضيع حتى الطبّ في الجامعات الإسرائيلية، إنها العبرية الحديثة التي انبثقت عن عبرية العهد القديم (Biblical Hebrew) التي يرجع تاريخها الأقدم إلى أكثرَ من ثلاثة آلاف عام ومن لغة التوراة الشفوية، المشناة والتلمود. المألوف كما هو معروف في علم اللغة هو تطوّر لهجة محكية في ظروف معينة إلى لغة مكتوبة، أما العكس، أي "إحياء" (revival) لغة مكتوبة لتصبح محكيةً فنادر جدا. في هذا السياق من الممكن الإشارة إلى لغة كورنيش في إنجلترا التي بعثت من جديد عام 1777 ويقدّر عدد متكلميها اليوم بحوالي ألف شخص وهي بمثابة لغة ثانية عندهم. من هذا المنطلق، قد تنقرض اللغة، بمعنى أنها ستغيب عن ألسنة الناس وقد تبقى بأقلامهم أو بالأحرى بحواسيبهم كما هي الحال بالنسبة للعربية الأدبية في أيامنا. ثم يجب التذكير مثلا أن عبرية العهد القديم لا تحتوي على أكثر من ثمانية آلاف كلمة وفي غضون القرن الماضي دخلت وٱشتقت في العبرية الحديثة زهاء الخمسة عشر ألف لفظة. ومن ناحية أخرى، ما في القرآن الكريم، لا يمثّل إلا أقل من ثلث ما في لغة الضاد من جذور وتراكيب ومعان، كما ذكر مؤخرا الشيخ الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية، في مؤتمر في القاهرة. يبدو أن القول الفصل في إمكانية الحفاظ أو عدمه على لغة معينة يرجع بالأساس إلى أبناء هذه اللغة ودورهم الثقافي والحضاري بين الشعوب الأخرى. في هذا السياق الراهن للغة العربية الأدبية الحديثة (MSA) ثمّة عوامل ودلائل غير مشجّعة بالنسبة لمستقبلها، نذكر منها ما يلي. الحبّ والتقدير للغة العرب لا يتعدّىان في الغالب الأعم الشفتين؛ العرب، حكومات وشعوبا، مغلوبون على أمرهم، تابعون، إذ لا إرادة سياسية مستقلة لهم حتى الآن وبعد ما سمّي بالربيع العربي الذي سرعان ما انقلب خريفا أو شتاء، والمغلوب شغوف بالاقتداء بالغالب في كل شيء كما قال ابن خلدون (تونس 1382-مصر 1406) “إن الأمّة إذا غُلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء” وقال أيضا “إن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وإن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم”. ينظر بعض العرب إلى لغتهم بازدراء معتبرين إياها منحطّة ولذلك يؤثرون استخدام غيرها من اللغات، الإنجليزية، الفرنسية، العبرية؛ أو في أحسن الأحوال يقحمون دون مسوغ الكثير من المفردات والتعابير الأجنبية في كلامهم. من الواضح أن ذلك الاحتقار أو النفور لا ينبت من فراغ، إذ أن المعلمين والمؤسسات الرسمية لا تحترم العربية. من المعروف أن المواضيع العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء إلخ. تدرَّس في الكثير من المدارس وفي كل الجامعات العربية تقريبا باللغات الأجنبية أما العربية فتُسمع في حصص التاريخ والجغرافية والعربية إلخ. بالعامية حتى وليس بالفصحى إلا لماما. والطامة الكبرى أن التلميذ العربي منذ المرحلة الابتدائية عليه أن يفهم ما يسمع بالعامية أولا وعليه التعبير عن ذلك في الدرس وفي الامتحان بالفصحى! أهناك أغرب من هذه الحالة المعروفة جيدا ولم تلق الحل بعد! هذا الوضع يؤدي إلى ازدهار ظاهرة الحفظ غيبا “البصم” والاهتمام الزائد بالمبنى على حساب المعنى. العربية لغة رسمية في البلاد العربية شكلا فقط إذ لا وجود لأنظمة أو قوانين وآليات لتنفيذ المكتوب، رغم أن أغلب الدول المتقدمة تتدخل سياسيا في مجال اللغة والتخطيط لها؛ هوة الازدواج اللغوي بين الفصحى والعاميات (diglossia) عميقة إذا ما قورنت بالوضع المماثل في لغات أخرى؛ الأمية ضاربة أطنابها في العالم العربي والقراءة سلعة جدّ جدّ نادرة فيه، قيل إن أمّة إقرأ لا تقرأ وإن قرأت فبالأذنين، معدّل ما يقرأه الفرد سنويا في الغرب هو خمسة وثلاثون كتابا وفي إسرائيل مثلا أربعون، أما عند العرب فهنالك كتاب واحد مقروء لكل ثمانين فردا!، أي أن نسبة ما يقرأه العربي هو واحد على ثمانين من كتاب سنويا. الميل للتحدث بالإنجليزية والفرنسية وفي الديار المقدسة بالعبرية على حساب العربية؛ أبناء النخبة أو الذوات يدرسون في مدارسَ أجنبية أو مدارس خاصة ونصيب العربية فتات في أحسن الأحوال؛ زعماء العرب لا يُقدّمون أُنموذجا حسناً لشعوبهم في هذا المجال؛ ممثلو دول العرب في منظمة الأمم المتحدة وفي محافل دولية أخرى لا يستخدمون عادة العربية؛ أين المعجم التاريخي للغة العربية؟ متى يُعرّب التدريس الجامعي في البلدان العربية أسوة بالجمهورية العربية السورية مثلا؛ مناهج التدريس بحاجة ماسّة للتعديل والتطوير الدائمين تمشيا مع التطورات العلمية الحديثة في العملية التربوية التي في تطور دائم وضرورة استخدام التقنيات الحديثة؛ لا بد من مشروع حقيقي شامل لتبسيط تعليم العربية والتركيز على الجانب الوظيفي فيها (functional grammar) والابتعاد عن التقعرّ والتعليلات التي تعلّ قلوب الطلاب؛ افتقار شديد لمفردات العصر؛ ظاهرة شيوع الأخطاء اللغوية الفادحة والفاضحة في الصحافة الإلكترونية خاصّة والورقية عامّة؛ مكانة أستاذ اللغة العربية بحاجة ماسّة للدعم معنويا وماديا والإشراف الحقيقي والمتواصل على تأهيله؛ محاولة تقليص نسبة الأمية لا سيما عند النساء في العالم العربي؛ إعلاء شأن أدب الأطفال أمانة مقدسة في أعناق وزارات التربية والتعليم وربما المثقفين أولا. نقول كل هذا بالرغم من أن العربية تعتبر واحدة من خمس لغات حملت مخزونا ثقافيا هامّا جدا وهي اللغات الكلاسيكية: الصينية والسنسكريتية واليونانية واللاتينية. أحيانا، قد يتساءل المرء بعد مثل هذا التأمّل، أهناك أمة لا تحترم فعلا لغتَها مثل العرب؟ الصين وكوريا واليابان وغيرها من الدول أمثلة يُحتذى بها بهذا الصدد. حافظتِ اليابان على تراثها اللغوي رغم إنجازاتها التكنولوجية المميزة ولم تهرول وتلهث لإعلاء شأن اللغات الأجنبية على حساب اليابانية. العربية في وسائل الإعلام المختلفة ستُسمع وستُقرأ فهناك، بالإضافة إلى الصحف والمجلات على أنواعها، العشرات من محطات التلفزة في الدول العربية وخارجها. هناك على سبيل المثال، أربع وعشرون محطة عربية فضائية ضمن الثمانين على القمر الأوروبي ومؤخرا سمعنا عن صوت روسيا. في تقديرنا السؤال الأساسي هو ماذا سيكون جوهر اللغة العربية الأدبية في الإعلام في أواخر هذا القرن؟ ماذا ستكون مكانة العربية في العالم بعد نضوب آبار الذهب الأسود في أرض العرب؟ قد يُضيف المرء أيضا ما طبيعة المكانة ذاتها في حالة انحسار ما يسمّى بالإرهاب الأصولي الإسلامي في العالم أو تفاقمه؟ مثقفو العرب الحقيقيون من شعراء وأدباء وأكاديميين وباحثين سيستمرّون في حمل مشعل سلامة اللغة والعمل على تطويرها لا تقديسها وتحنيطها في أجواء وظروف ليست سهلة على العموم. إنهم سيستمرون في نفخهم على الجمرة كيلا تنطفىء كليا. نأمل أن يُولي الإنسان العربي عامّة والمغترب خاصة، مثل المقيم هنا في بلاد الشمال النائية، موضوعَ اللغة أهمية قصوى، لا سيما كلغة محكية وأن “يورثها” لفلذات أكباده رغم الصعوبات الجمّة التي تعترضه، خاصة عندما تكون الزوجة أجنبيةً ولا تعرف العربية بشكل مُرض. اللغة المحكية هي اللغة الحية، عُنوان الهوية ومرآة العادات والتقاليد وعليه فإنها تستحقّ منّا كل جهد ووقت للحفاظ عليها بل والعمل من أجل تطويرها فالوسائل التقنية في عصر العولمة هذه متوفرة وينبغي استغلالُها خير استغلال. اللغة، أية لغة، ليست أداةً للتواصل فحسب، يل لها دور أساسي في تكوين نظرة الإنسان وفلسفته للكون، إنها وعاء الفكر والوجدان والهوية، مخزن تجارب الأمة بأسرها. كل لغة عبارة عن وسيلة فريدة في تحليل العالم وتركيبه، طريقة في بناء الواقع. وفي الديار المقدسة آمل أن تتظافر جهود أولياء الأمور والمعلمين بغية الحفاظ على العربية الفلسطينية المحكية وتنقيتها من شوائب الدخيل المتزايد وغير المبرّر، العبرنة والتعبرن وإلا فإنها ستكون في خطر حقيقي في نهاية هذا القرن مثلا وتغدو مسخا ممسوخا. معرفة اللغة، أية لغة بشرية حيّة معناها بالأساس الحديث بها في المقام الأول كابن اللغة تقريبا. ما نعرفه عن لغات العالم بشكل كاف لا يتعدى ٥-١٠٪ منها. عندما سُئل الفيلسوف المعروف “كونفوشيوس” (551-479 ق.م.)، نبي الصين، عمّا سيقوم به بدايةً من إصلاحات عند تسلمه الحكم أجاب: “أبدأ بإصلاح اللغة وبإعادة وصل اللفظ مع معناه”.

A View on the Phenomenon of the Extinction of Languages Including Arabic

In this article an attempt is made to shed light on the ancient phenomenon of the extinction of languages, which is rather unknown to most Arab readers. What is new in this phenomenon is the massive rate of language extinction. ِAccording to the National Geographic Society, every two weeks a language dies. At this rate, half of the world’s languages, which currently number approximately 7,000, will die out by the end of this century.

A variety of questions and subjects are raised and discussed in the article, which also includes a selected bibliography. What is the definition of an extinct language? What are the internal and external factors that cause such extinction? The extinction of a language can have the same result as committing suicide or murder. Extinction also means the impoverishment of a centuries-old civilisation. It is distressing to note that, as a rule, this extinction happens to poor and developing nations, which are in dire need of their cultural resources to survive.

A selected list of moribund languages is given. Why does a specific language fall out of use or why do its speakers shift from their native tongue to another? An example is the Palestinian Arabs in Israel. Where are the hot spots of alarming language extinction? What can be done to preserve such dying languages? Is it possible to resuscitate a language? The influence of European colonial powers during the last centuries is also taken up. Is there any correlation between the extinction of a language and its syntactical structure – SVO, SOV, VOS, and OSV – or is there any relation between linguistic complexity and extinction? What is meant by linguistic balance? What will be the fate of MSA, for instance, after the depletion of Arab oil? What will be the nature of Palestinian Arabic in Israel by the end of this century if the wave of Hebraisation continues?

مراجع مختارة

ابن رشد (١٩٩٤). رسائل ابن رشد الفلسفية. رسالة ما بعد الطبيعة. تقديم وضبط وتعليق د. رفيق العجم، د. جيرار جهامي. بيروت ط. ١: دار الفكر اللبناني.

Abley, M. (2003). Spoken here: Travels among threatened languages. USA: Houghton Mifflin Co. Asher, R. E. & Moseley Ch. (eds., 2007). Atlas of the World’s Languages. London: Routledge. Bradley, D. & Bradley M. (2013). Language endangerment and language maintenance. London: Routledge Curzon. Brenzinger, M. (ed., 1992). Language death: Factual and theoretical explorations with special reference to East Africa. Berlin: Mouton de Gruyter. Brenzinger, M. & Yamamoto A., Aikawa N., Koundiouba D., Minasyan A., Dwyer A. et alia (2003). Language vitality and endangerment. Paris: UNESCO Ad Hoc Expert Group Meeting on Endangered Languages. Campbell, Lyle & Mithun, M. (eds., 1979). The languages of native America: Historical and comparative assessment. Austin: University of Texas Press. Campbell, L. (1997). American Indian languages. Oxford University Press. Capell, A. (1963). Linguistic survey of Australia. Sydney: AIAS. Crawford, J. (1989). Bilingual education: History, politics, theory and practice. Trenton, New Jersey: Crane Pub. Co. Crawford, J. (ed., 1992). Language loyalties: A source book on the Official English controversy. Chicago: University of Chicago Press. Crawford, J. (1992). Hold your tongue: Bilingualism and the politics of "English only". Reading, MA: Addison-Wesley. Crawford, J. (2000). At war with diversity: Language policy in an age of anxiety. Clevedon: Multilingual Matters. Crystal, D. (2002). Language death. Cambridge: Cambridge University Press. Dalby, A. (2003). Language in danger - How language loss threatens our future. London: Penguin. Denison, N. (1977). Language death or language suicide? in: International Journal of the Sociology of Language 12, pp. 13-22. Dixon, R. M. W. (1980). The languages of Australia. Cambridge: Cambridge University Press. Dixon, R. M. W. (1997. The rise and fall of languages. Cambridge, U.K. New York: Cambridge University Press. Dorian, N. C. (1981). Language death. The life cycle of a Scottish Gaelic dialect. Philadelphia: University of Pennsylvania Press. Edwards, J. (1985). Language, society and identity. Oxford: Basil Blackwell (in association with André Deutsch). Edwards, J. (1998). Languages in Canada. Cambridge: Cambridge University Press. Evans, N. (2001). The last speaker is dead-long live the last speaker. In: Paul Newman & Martha Ratliff (eds., 2001). Linguistic field work. Cambridge: Cambridge University Press, pp. 250-281. Evans, N. (2009). Dying words: Endangered languages and what they have to tell us. Oxford: Wiley-Blackwell. Fishman, J. A. (1991). Reversing language shift: Theoretical and empirical foundations of assistance to threatened languages. Clevedon, UK: Multilingual Matters Ltd. Fishman, J. A. (ed., 2001). Can threatened languages be saved? Reversing language shift revisited: A 21st century perspective. multilingual matters 116. Clevedon, UK: Multilingual Matters Ltd. Haboud, M. & Ostler N. (eds., 2011). Endangered languages: Voices and images. Foundation for endangered languages XV Annual International Conference. Pontificia Universidad Católica del Ecuador, Quito, Ecuador. Hakuta, K. & D’Andrea, D. (1992). Some properties of bilingual maintenance and loss in Mexican background high-school students. Applied Linguistics 13, pp. 72-99. Hale, K., Krauss M., Watahomigie L. J., Yamamoto A. Y., Craig C., Jeanne L.M. et alia, (1992). Endangered languages: On endangered languages and the safeguarding of diversity. Language 68/1, pp. 1-42. Harrison, K. D. (2007). When languages die: The extinction of the world’s languages and the erosion of human knowledge. New York & London: Oxford University Press, Inc. Hinton, L. & Halle K. (2001). The green book of language revitalization in practice. San Diego: Academic Press. Kaaro, J. (2005). kun kieli katoa. Tiede 2, Helsinki, pp. 34-36. [When language falls]. Krauss, M. (1992). The world’s languages in crisis. Language 68/1, pp. 4-10. Ladefoged, P. (1992). Another view of endangered languages. Language 68, pp. 809-811. Landweer, M. L. (2012). Methods of language endangerment research: A perspective from Melanesia. International Journal of the Sociology of Language 214, pp. 153–178. Lenore A. G. & Lindsay J. W. (2006). Saving languages: An introduction to language revitalization. Cambridge: Cambridge University Press. Lenore, A. G & Whaley L. J. (1998). Endangered languages: Current issues and future prospects. Cambridge and New York: Cambridge University Press. McConvell, P. & Thieberger N. (2001). State of indigenous languages in Australia. Canberra: Department of the Environment and Heritage. McConvell, P. & Thieberger N. (2006). Keeping track of language endangerment in Australia. In: Cunningham, D., Ingram D. E. & Sumbuk K. (eds.). Language diversity in the pacific: Endangerment and survival. Clevedon: Multilingual Matters Ltd., pp. 54-84. Mithun, M. (1999). The languages of native north America. Cambridge: Cambridge University Press. Pinker, S. (1994). The Language instinct: How the mind creates language. New York: Morrow. Moseley, Ch. (editor, 2012). The UNESCO atlas of the world’s languages in danger: Context and process. Cambridge: Cambridge University Press. Nettle, D. & Romaine S. (2000). Vanishing voices: The extinction of the world’s languages. Oxford University. Robins, R. H., & Uhlenbeck, E. M. (eds., 1991). Endangered languages. Oxford: Berg. Sasse, H.-J. (1992). Theory of language death. In: Brenzinger, M. (ed., 1992), Language death: Factual and theoretical explorations with special reference to East Africa. Berlin, New York: Mouton de Gruyter, pp. 7-30. Schmidt, A. (1990). The loss of Australia’s aboriginal language heritage. Canberra: Aboriginal Studies Press. Skutnabb-Kangas, T. (2000). Linguistic genocide in education or worldwide diversity and human rights? Mahwah, New Jersey & London: Lawrence Erlbaum. Woodbury, A. (1993). A defence of the proposition ‘When a language dies, a culture dies’. Proceedings of SALSA 1 Texas Linguistic Forum 33, pp. 311-330. Wurm, S. A. (1991). Language death and disappearance: Causes and circumstances. In: Robins, R. H., & Uhlenbeck E. M. (eds., 1991). Endangered languages. Oxford, pp. 1-18. Wurm, S. A. (1996). Atlas of the world’s languages in danger of disappearing. Paris/Canberra: UNESCO Publishing/Pacific Linguistics.

http://www.hawamer.com/vb/showthread.php?p=11154262 http://www.qatarshares.com/vb/showthread.php?t=461481 http://www.lifenet-sy.com/vb/t694.html http://en.wikipedia.org/wiki/Extinct_language http://www.globaled.org/issues/155/e.html http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_languages_by_time_of_extinction http://www-01.sil.org/~simonsg/preprint/Wisconsin%20Symposium.pdf http://www.environment.gov.au/system/files/pages/30bedb2e-29d7-4733-b45d-835b1bf2bef3/files/indigenous-languages.pdf