Translation

Exchange Rates

يونيو 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

العمل الأهلي الفلسطيني والسياسة

هيئة التحرير, 21/6/2009

ماجد الزير

يحتاج الشعب الفلسطيني، فيما نعتقد، ومعه جموع الأمة العربية والإسلامية، إلى مراجعة دائمة تقييمية نقدية لمسيرة العمل الوطني، في طور استعادة الحقوق. ذلك أننا نخوض صراعًا عربيًّا إسرائيليًّا ضاربًا في التاريخ، وممتدًّا في الجغرافيا ليتعدى القطري والإقليمي ويكون على اتساع المعمورة.

وجوانب الصراع متنوِّعة، فهو صراع سياسي، وفيه جوانب دينية واقتصادية واجتماعية وثقافية. وقد استُخدمت فيه كل الأدوات والوسائل من طرفي الصراع، سعيًا لأن يحسم أحدهما المعركة لصالحه.

لم يدّخر الجانب الصهيوني جهدًا ولا حيلة لكي يستتب له القرار على أرض فلسطين. ولم يكن وحيدًا في مكائده، فمعه دبّر صانعوه والمتعاونون معهم في المنطقة فيما يمكن أن نطلق عليه شمولية التخطيط.

ومن أهم معالم الخطة أنها سعت لتجنيد كلّ من هو يهودي أو يؤمن بالمشروع الصهيوني حيث كان، سواء في فلسطين أو في أية بقعة في العالم. وبذلك تضاعفت قدرة المشروع الصهيوني عددًا وإمكانات.

وساهم ذلك في تغطية مساحات مهمة على أصعدة عدّة، وهو ما يُعدّ من نقاط القوة في ذلك المشروع على باطله. لسنا بصدد التفصيل في هذا، فهو يحتاج إلى مبحث آخر للاستفادة منه.


لا يمكن أن نبخس من حق تجربة الثورة الفلسطينية الحديثة في الستينيات والسبعينيات في تصدِّيها للمحتل وأدواته، واستخدامها لوسائل عدّة ومنوّعة لكي يبقى الحق الفلسطيني حيًّا, لكنه لم يكن بوتيرة مقبولة طوال الوقت

لم يكن الشعب الفلسطيني في وضع المتفرِّج غير ذي الحيلة أمام هذا المعتدي طوال عمر الصراع، حتى في العقود التي سبقت النكبة. ولا يمكن أن نبخس من حق تجربة الثورة الفلسطينية الحديثة في الستينيات والسبعينيات في تصدِّيها للمحتل وأدواته، واستخدامها لوسائل عدّة ومنوّعة لكي يبقى الحق الفلسطيني حيًّا. ولم يقلّ أداء قادة العمل الفلسطيني شأنًا في التنبّه لمكونات القوة لدى الشعب في العموم.

ولكننا نسجِّل، حسب رأينا، أنّ هذا لم يكن بوتيرة مقبولة طوال الوقت، ولم يوازِ عظمة هذه الطاقات وحجمها. وبدا ذلك واضحًا في فترة العقود القليلة الماضية، بل زاد بشكل صارخ ومُخلّ في التسعينيات من القرن الماضي، وبالتحديد في حقبة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو.

يقع على أعلى سلّم النقاط المسجّلة في جانب التقصير، استدعاء طاقات فلسطينيي الخارج وحشدها. وهم الذين وصل عددهم، تقديرًا، إلى ستة ملايين، ضمن تعداد عام يصل إلى ما يقرب من أحد عشر مليون فلسطيني.

وهؤلاء منتشرون على اتساع الكرة الأرضية من شرقها حيث جزر نيوزيلندا إلى أقصى نقطة في غربها حيث جزر الهاواي في وسط المحيط الهادي. من الممكن، وما زال الأمر متاحًا، أن نخرج بأمور إيجابية من سلبية الشتات والتبعثر وعدم الاجتماع في وطن واحد، ثم نطوِّر هذه التجربة ونراكم عليها حتى تكون مفيدة بشكل دائم.

يحتاج هذا الأمر إلى تطلّع من جانب كل صاحب قرار فلسطيني، أو من يعتقد في نفسه أنه مسؤول عن مصير الشعب وقضيّته. وهنا نقصد من يمسك بزمام الأمور في منظمة التحرير الفلسطينية. وبنفس الدرجة أن تتضمّن أجندة الفصائل الفلسطينية، وخصوصا النافذة منها كحركة "حماس"، برامج وآليات تهتم بشأن فلسطينيي الخارج.

ولا نعني هنا كثيرًا السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فهي وُلدت ضمن اتفاق أوسلو وعلى جزء وحسب من أرض فلسطين.

لا بد من القول إنّ الشعب الفلسطيني خلال فترة العمل الوطني الفصائلي المنظم، لم يكتف بمنظمة التحرير مظلة للعمل، مع عدم تنكره لها. بل نشأت مبادرات في كافة الحقول بشكل فردي وتطوّر بعضها إلى بُعد جماعي مؤسسي، سواء في الأعمال الثقافية والاقتصادية والإغاثية والأكاديمية والعلاقات العامة والجانب السياسي.

ومن هذه الأعمال ما تأسّس على خط مواز للعمل الفصائلي الحزبي، انبثاقًا من الوعي بأنّ العمل الأهلي يسعه ما لا يسع العمل المؤطّر الحزبي لاعتبارات وعوامل جديرة بالاهتمام.

سجّلت العديد من هذه المبادرات، وخاصة في خارج فلسطين، نجاحات مهمة واختراقات على أكثر من صعيد، خاصة في فترات تأزّم فيها وضع الداخل الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وكان بحاجة إلى إسناد فلسطينيي الخارج بكل الوسائل.

نذكر هنا صندوق التعاون الدولي بكل إسهاماته في مجال الإغاثة والتنمية، وصحيفة "القدس العربي" في حقل الإعلام، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، والصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية "إنتربال"، ومركز العودة الفلسطيني، وعشرات بل مئات الجمعيات والمؤسسات التي أطرّت التجمّعات الفلسطينية ولو بشكل محدود. ونذكر أيضًا مجهودات فردية مبدعة، منها ما قدّمه الراحل إدوارد سعيد للقراء والمكتبات العالمية، وجهود الدكتور سلمان أبو ستة، وجهود آخرين كثر.


خلال السنين السبع الماضية، انتظم عمل جماهيري تعبوي فلسطينيي في القارّة الأوروبية، تحت اسم "مؤتمر فلسطينيي أوروبا"، وربط نفسه بمبدأ التمسك بحق العودة

وخلال السنين السبع الماضية، انتظم عمل جماهيري تعبوي فلسطينيي في القارّة الأوروبية، تحت اسم "مؤتمر فلسطينيي أوروبا"، وربط نفسه بمبدأ التمسك بحق العودة.

بدأت فكرة المؤتمر بمبادرة من مركز العودة الفلسطيني في لندن. كان ذلك في صيف سنة 2003، بعد توقيع شخصيات فلسطينية رسمية وغير رسمية على "وثيقة جنيف"، التي تضمنت تنازلاً عن حق العودة.

وجاء تلك الوثيقة متزامنة مع المبادرة العربية التي تبناها مؤتمر القمة المنعقد في بيروت سنة 2002، التي لم تتعامل كذلك بجدية، كما رآها الفلسطينيون، مع حق العودة الفلسطيني لصالح تطبيقه. فقد نصّت الوثيقة، حتى بعد التعديل اللبناني، على "حل عادل متفق عليه" لقضية اللاجئين. وبذلك أُخضع حق العودة إلى مبدأ التفاوض السيئ الصيت، الذي لم يكن لصالح الفلسطينيين يومًا.

هكذا جاء المؤتمر الأول لفلسطينيي أوروبا في 19 يوليو/تموز 2003 تحت شعار "لن نتنازل عن حق العودة"، ضمن حاجة ظهرت ملحّة، لضرورة تنظيم عمل فلسطينيي الشتات، ورفع درجة الوعي لديهم والاهتمام بشؤونهم، بعد الفراغ الذي توّلد من انتقال ثِقل العمل الفلسطيني إلى الضفة وغزة على حساب الخارج.

لقد تشرّف المؤتمر الأول بمشاركة الراحل الدكتور حيدر عبد الشافي على رأس الضيوف، واعتنت وسائل الإعلام به، وتوافد المئات من أبناء الشعب الفلسطيني من عموم القارة للمشاركة. لقد تحققت نقاط إيجابية كثيرة، حيث أظهر المؤتمر حالة التَوق عند أبناء الشعب الفلسطيني في أوروبا إلى الالتقاء والحوار والتأكيد على الثوابت، وإبراز صوت فلسطينيي أوروبا. وقد تعاهد الجميع على انتظام مثل هذه المؤتمرات سنويًّا.

ثم التأم المؤتمر الثاني في برلين، في الخامس عشر من مايو/أيار من سنة 2004، تحت شعار "لن نتنازل عن حق العودة، ولم نخوِّل أحدًا بالتنازل عنه"، وتميّز بصدور "وثيقة برلين للتمسك بحق العودة". ثم جاء المؤتمر الثالث في فيينا، في العاشر من مايو/أيار من سنة 2005، وتميّز ببدء بلورة عمل مؤسسي بتشكيل الأمانة العامة لمؤتمر فلسطينيي أوروبا، وكان شعار المؤتمر "فلسطين أرض وشعب، وحدة واحدة لا تتجزأ، لا للجدار العنصري في فلسطين". ثم المؤتمر الرابع في مدينة مالمو في السويد، في السادس من مايو/أيار من عام 2006.

وانتقى المؤتمر شعارا له هو "هوية فلسطينية متجذرة، وتمسك راسخ بالحقوق"، وتميّز بمشاركة وزير شؤون اللاجئين في حكومة "حماس" الدكتور عاطف عدوان، وهو ما شكّل اختراقًا للحصار على الشعب الفلسطيني. وكان لافتًا أنّ العدد المشارك في المؤتمر قد قفز إلى خمسة آلاف، جُلُّهم من أبناء الشعب الفلسطيني.

ثم جاء المؤتمر الخامس في مدينة روتردام الهولندية، في الخامس من شهر مايو/أيار من سنة 2007. ورفع المؤتمر شعار "رغم البعد والآلام، شعب واحد وحق ثابت". وتميّز المؤتمر بمشاركة غربية رفيعة المستوى، تمثلت بكلمة مُطوّلة من رئيس وزراء هولندا الأسبق دريس فان آخت، الذي فنَّد شروط اللجنة الرباعية الدولية الظالمة المفروضة على الشعب الفلسطيني.

ثم كان المؤتمر السادس في كوبنهاغن، عاصمة الدانمارك، في الثالث من مايو/أيار من عام 2008، وقد وافق حلول ذكرى ستينية النكبة. لقد حمل المؤتمر شعار "ستون عامًا وللعودة أقرب"، ووصل العدد فيه إلى عشرة آلاف احتشدوا على صعيد واحد. وكان الاهتمام بهذا فائقًا، من جانب الإعلام العربي والعالمي.

ثم جاء المؤتمر السابع، الذي التأم مؤخرًا في مدينة ميلانو الإيطالية، في الثاني من مايو/أيار من العام الجاري (2009). وعُقد المؤتمر تحت شعار "العودة حق، لا تفويض ولا تنازل". وشاركت في المؤتمر شخصيات فلسطينية وازنة، وأبرز ما فيه ثبات عدد المشاركين بحدود عشرة آلاف من عموم القارة الأوروبية، علاوة على الحضور اللافت للانتباه لأبناء الجالية العربية من غير قطر، والاهتمام غير العادي من وسائل الإعلام العربية لرصد الحدث حيًّا على الهواء مباشرة لتتابعه الملايين، بمن في ذلك الفلسطينيون في الوطن والشتات.


أثر مؤتمر فلسطينيي أوروبا منذ دورته الأولى عام 2003 وحتى هذا العام بطريقة أو بأخرى في المعادلة السياسية، سواء على الصعيد الداخلي الفلسطيني أو الإقليمي أو الدولي, مع عدم التقليل من شأن الأعمال التراكمية الأخرى

نعتقد أنّ ما تحقق خلال هذه السنين السبع قد أثّر بطريقة أو بأخرى في المعادلة السياسية التي تحكم مجريات الأحداث، سواء على الصعيد الداخلي الفلسطيني أو الإقليمي أو في البُعد الدولي. ومع عدم التعظيم غير المبرّر في المجهود والمؤتمر، فإننا يجب أن لا نقلل من شأن الأعمال التي تدخل في دائرة التراكمي من الجهد الذي يغيِّر على المدى البعيد. ويمكن رصد بعض آثاره على المستوى القصير والمتوسط.

فمجرد أن يربط المؤتمر نفسه بالتمسك بحق العودة، وأن تحتشد هذه الأعداد الغفيرة من أبناء الشعب الفلسطيني من أرجاء القارة الأوروبية، يعني حضور المبدأ الدائم في العقل والضمير الفلسطيني.

ويضع ذلك حقائق على الطاولة السياسية لكل المعنيين، بأنّ الفلسطينيين حيث كانوا لن يَرضَوا بتغييبهم، ويجعل ذلك من الصعب القفز على الإرادة الشعبية الفلسطينية. ويمكن أن نلمس هذا في أعداد الدارسين الغربيين الذين اهتموا بهذه المؤتمرات الضخمة والمتواصلة وما تمخضت عنه من نتائج.

تعطي مؤتمرات فلسطينيي أوروبا، كلما انعقدت، برهانًا على إخفاق المشروع الصهيوني في محاولة التحكم في مصير الشعب الفلسطيني، أو تغييب ذاكرته، أو الأمل في تذويب أبناء الشعب الفلسطيني في المجتمعات الجديدة، أو إلغاء ذاكرة الأجيال الجديدة.

ففلسطينيو أوروبا وهم يعقدون مؤتمرهم كل عام، يعلنون أنه لا يمكن أن تستقيم الأمور للمخطط الصهيوني، فإن كانوا هم مع بُعدهم الجغرافي، يُصرّون على حق العودة فكيف الحال مع فلسطينيي المخيمات في الضفة وغزة ودول جوار فلسطين، الذين يرون فلسطين رأي العين، ويتنسّمون عبقها، ويرون أرضهم المسروقة رأي العين.

لقد ساهم المؤتمر في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للفلسطينيين الذين حضروه، وبلورتها عند الأجيال الجديدة، وغذّى الشعور الوطني والانتماء لفلسطين عند الآلاف ممن شاركوا في أعماله عامًا بعد عام.

وساهمت الشعارات والرموز الفلسطينية، كالعلم والكوفية ولبس الثوب المطرّز للنساء والبنات، والدبكة الفلسطينية، والأهازيج الشعبية، في أن تغدو أدوات فاعلة في تعزيز الهوية، بل تعدت الفلسطينيين إلى العرب والمسلمين وعامة الأوروبيين الذين أمّوا المؤتمرات. وبالتأكيد فإنّ كل ذلك قد تحوّل إلى محفز لهؤلاء كي ينتظموا في أعمال لفلسطين ودعم القضية، وهو ما تجلّى إبان الحرب العدوانية على غزة.

ومن أهم ما تحقق في المؤتمر، إيجاد منتدى تعارف سنوي بين الفلسطينيين في أوروبا، وتقوية العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، على توزع بؤر الشتات التي حلّوا بها، وخصوصًا تعارف الأقران من الجيل الفلسطيني الجديد، والحرص على تبادل العناوين وسبل التواصل الثنائي، ليتحقق التفاعل المتبادل بين انعقاد المؤتمرات.

وقد أدّى هذا إلى الانتظام في الحضور مع تناميه بتوالي الأعوام. ويكفي أنّ آلاف الفلسطينيين قد قطعوا آلاف الأميال وأمضوا عشرات الساعات سفرًا على امتداد القارة الأوروبية، لكي يصلوا إلى مواقع انعقاد مؤتمرهم الكبير، في حدث يتجدّد كل عام، بما يحمل دلالات فائقة، ويجسد الشعور بالمضيّ المتواصل في مسيرة العودة.


تأسّست من رحم مؤتمر فلسطينيي أوروبا، مؤسسات مركزية تعمل على المستوى القاري، كالحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة، وتجمّع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، واتحادات وجمعيات للمهندسين والمعلمين والنساء والشباب

ونرصد أنّ مؤتمرات فلسطينيي أوروبا كانت منطلقًا لنهوض العمل الفلسطيني العام على مستوى القارة. فقد تبلورت الصورة في الدول التي يُعقد فيها المؤتمر. وتتولد من خلال ذلك خبرات تشارك فيها أعداد غفيرة من الفلسطينيين في بلد الانعقاد، خاصة مع البعد الدولي للمؤتمر والعديد من الاحتياجات التي يتطلبها انعقاده.

ومن جانب آخر، فقد تأسّست من رحم المؤتمر، مؤسسات مركزية تعمل على المستوى القاري، كالحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة، وتجمّع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، واتحادات وجمعيات للمهندسين والمعلمين والنساء والشباب.

وباتجاه مواز، أوجد المؤتمر فرصة للتواصل مع شخصيات مهمة ومؤثرة ومفيدة للعمل الفلسطيني في أوروبا، سواء الفلسطينية منها أو العربية أو العالمية. وطوّرت هذه الفرصة الخبرات في حقل العلاقات العامة، بما ساهم في صقل التجربة. فقد شارك في المؤتمر خلال السنين الماضية أكثر من مائة شخصية عامة نافذة.

ونذكر فيما تحقق، التفاعل الإيجابي مع المحيط الأوروبي، ونقل الصوت الفلسطيني للغربيين من خلال هذه المؤتمرات. ويتطوّر هذا الوقع مع انتظام الانعقاد. ففي مؤتمرات مالمو، وروتردام، وكوبنهاغن، دخل المؤتمر دائرة الخبر الأول في الإعلام المحلي والإقليمي، واعتلت منصّة المؤتمر شخصيات سياسية ونقابية وحزبية أوروبية مهمة. وآخرها البارونة جيني تونغ من مجلس اللوردات البريطاني، في المؤتمر الذي انعقد في ميلانو.

وليس من شكّ في أنّ مؤتمر فلسطينيي أوروبا تقدّم خطوات مهمّة في النفاذية والتأثير في الأحداث السياسية، بتقديمه الدعم للداخل الفلسطيني، ومحاولة كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني. فكانت دعوة الوزراء الفلسطينيين من الداخل، وخاصة من المحسوبين على حركة "حماس" التي أفرزها الشعب، ومخاطبة رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية للجمهور، ودعوته شخصيًّا لحضور مؤتمر روتردام، وما لاقاه هذا من حوار حادّ ومفتوح داخل أوروبا بهذا الشأن.

كما يلحق بذلك انطلاق قافلة الأمل الإغاثية، بعد مؤتمر ميلانو (2009) نحو قطاع غزة بحرًا عن طريق مصر. وقد أبدعت الحملة الأوروبية منذ تأسيسها، في ابتعاث الوفود التضامنية وعقد المؤتمرات لكشف الظلم الواقع على قطاع غزة ووضعه تحت دائرة الاهتمام العام.

وفي المجال نفسه، سلّط المؤتمر الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين وخارجها، وسعى إلى فضح الممارسات الصهيونية ضده، والوقوف ضد سياسات الاحتلال وإجراءاته وانتهاكاته، كبناء الجدار العنصري وحمى الاستيطان والهجمة على القدس.

ونضرب مثالاً في سياق هذه التفاعلات، بقضية فلسطينيي العراق، التي طُرحت في المؤتمرين الأخيرين. وكان الجدار العنصري حاضرًا في شعار المؤتمر الثالث وأعماله، حيث شارك محاضرون وسياسيون من داخل الأراضي المحتلة ليتحدثوا عن هذا الأمر، منهم الدكتور رائد نعيرات، وعبد الله الحوراني والدكتور مصطفى البرغوثي.

وبادر المؤتمر إلى إعطاء أهمية خاصة لفلسطينيي 48، بكل ما يعنيه هذا من إظهار وحدة الشعب الفلسطيني، وكذلك لإشعارهم بأنهم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب، وأنهم غير مغيّبين عن الذهن الفلسطيني، ولما يعنيه وجودهم من معايشة الأرض والديار بالنسبة للساعين إلى العودة، التي يشدِّد فلسطينيو أوروبا عليها، أسوة بعموم شعبهم.

فكان حضور الدكتور عزمي بشارة، والشيخ رائد صلاح، وأمير مخول في هذا الاتجاه، كما لا تغيب أهمية حضور المطران عطا الله حنا وشخصيات مسيحية بشكل مستمر، لتأكيد وحدة الشعب حول قضيته.

كما اهتمّ المؤتمر بالأجيال الفلسطينية الجديدة وأعطاها مساحة مهمة في ورش عمل متخصصة، وأطلق أمامها الفرص لإظهار طاقاتها وصقلها وتبادل الخبرات والعناية بجوانب الإبداع لديها. وهكذا تفجّرت طاقات بعض الشباب والناشئة في المجالات الفنية والرسوم والشعر والرياضة والقيادة والخطابة.


أثبت المؤتمر أنّ بإمكان المؤسسات الأهلية الفلسطينية أن تقوم بجهود إستراتيجية مهمة، يمكن أن يُبنى عليها بشكل كبير, ويحمِّل هذا كلّ أبناء الشعب الفلسطيني أعباء إضافية، لظهور مساحات عمل كبيرة

ومن جانب آخر تطوّر العمل النسائي، وساهمت النساء والفتيات في إحداث نجاح حقيقي للمؤتمر. كما شاركت شخصيات نسائية من عدّة دول أوروبية، في إلقاء أوراق عمل والمداخلات والمداولات وورش العمل.

وعلاوة على ذلك، فقد التفت القائمون على المؤتمر إلى الجانب الإعلامي والتوثيقي لأحداثه، حتى تخرج رسالة المؤتمر عن دائرة الحاضرين إلى أوسع مجال. وكان لهذا الأثر الكبير في أن يحسب السياسيون الفلسطينيون وغيرهم حسابًا للمؤتمر.

ونذكر أنّ رئاسة السلطة الفلسطينية أصدرت أمرًا للسفراء الفلسطينيين في هولندا والدانمارك وإيطاليا بمقاطعة المؤتمر، في محاولة للتقليل من شأنه. وهذا يشير إلى وصول رسالة المؤتمر وتأثيرها. وفي الدعاية لأفكار المؤتمر، دشنت الأمانة العامة صفحة على الشبكة العنكبوتية لكي تنشر أخبار المؤتمر وتبشر بما يريده.

وعلى نحو عام، أثبت المؤتمر أنّ بإمكان المؤسسات الأهلية الفلسطينية أن تقوم بجهود إستراتيجية مهمة، يمكن أن يُبنى عليها بشكل كبير. ويحمِّل هذا كلّ أبناء الشعب الفلسطيني أعباء إضافية، لظهور مساحات عمل كبيرة.

ويبقى أنّ إمكانية التغيير موجودة، ولا عذر لأحد، فكلّ على قدر استطاعته. ونقول ختامًا إننا أمام نموذج يرسم مستقبل فلسطين المُشرق الذي سيكون بلا احتلال. هذا ليس حلمًا طوباويًّا، بل هو واقع بدأت تباشيره تلوح في الأفق، عبر هذه الأنشطة وفعاليات كثيرة غيرها حيث حلّ الشعب الفلسطيني.

المصدر: الجزيرة