Translation

Exchange Rates

يونيو 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

من فلاسفة المسلمين في العصر الحديث

هيئة التحرير, 9/7/2009

1) عبد الرحمن بدوي:

قال عنه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في مجلة الكاتب المصري قبل أكثر من قرن من الزمان ما نصه: "يوجد في مصر شاب أشعر بضآلتي إذا ما قورن اسمي باسمه، ذلكم هو عبد الرحمن بدوي"، مشيرًا إليه بأنه أول فيلسوف مصري، وكان طه حسين عضوًا بلجنة المناقشة التي منحت الدكتور بدوي - وهو في سن الثامنة والعشرين - درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى على رسالته بعنوان "الزمان الوجودي" التي صاغ فيها مذهبا فلسفيا لم يسبقه إليه أحد؛ حيث فسَّر الوجود على أساس الزمان في نسق منطقي أشبه بالنسق الرياضي.

كان بدوي يجيد إحدى عشرة لغةً فقها وأدبا، منها: الفرنسية والألمانية والإنجليزية واللاتينية واليونانية، ومن علامات نبوغه وعبقريته المبكرة أنه وقت أن كان طالبا بقسم الفلسفة بكلية آداب جامعة فؤاد الأول.. أثرى المكتبة العربية بأربعة مؤلفات غير مسبوقة هي: أفلاطون، وأرسطو، وربيع الفكر اليوناني، وخريف الفكر اليوناني، ولا تزال إلي يومنا هذا من عمد المراجع في الفلسفة اليونانية".

توفي الفيلسوف والمفكر المصري المثير للجدل عبد الرحمن بدوي عن عمر يناهز 85 عاما، بعد عودته بأربعة أشهر من منفاه الاختياري في فرنسا إثر تعرضه لانتكاسة صحية، وأكدت مصادر طبية في "معهد ناصر" - أحد مستشفيات القاهرة - أن بدوي فارق الحياة صباح الخميس (25-7-2002).

ولد بدوي في قرية شرباص شمال محافظة الدقهلية 1917، وكان تسلسله الخامس عشر في عائلة عمدة البلدة من بين 21 شقيقا وشقيقة، وبدأ بدوي تعليمه في مدرسة السعيدية بالجيزة التي اشتُهرت بأنها مدرسة أبناء الأثرياء والوجهاء، والتحق بدوي بجامعة القاهرة عام 1934، حيث درس الفلسفة نظرا لإعجابه الشديد بالمفكر طه حسين، ونشأت بينهما علاقة صداقة استمرت حتى وفاة الأخير عام (1973).

وفور عودته من بعثة رسمية إلى ألمانيا والنمسا عام 1937م تم تعيينه معيدا بقسم الفلسفة جامعة القاهرة التي قدم فيها رسالة الماجستير حول "الموت في الفلسفة المعاصرة"، وحصل بدوي على الدكتوراه عام 1944م، وكانت رسالته "الزمن الوجودي" التي علق عليها طه حسين أثناء مناقشته لها قائلا: "أشاهد فيلسوفا مصريا للمرة الأولى".

وعرض في الرسالة مذهبه في الفلسفة الوجودية، لكنه لم يضف عليه كثيرا في كتبه اللاحقة، التي تجاوزت 120 كتابا تأليفا وترجمة، وكانت أكثر مؤلفات بدوي إثارة للجدل كتابه الأخير "مذكرات عبد الرحمن بدوي" الذي كتبه قبل عودته من فرنسا التي قصدها في 1962 بعد أن جردت ثورة 23 يوليو عائلته من أملاكها.

وقد هاجم المفكر الراحل النظام المصري إبان حكم الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر وسخر من الجميع، موجها لهم انتقادات شتى، وعلق بدوي بأسلوب ساخر على حجم المشاركة الجماهيرية الكبير في تشييع جنازة عبد الناصر بأن هذا "أمر عادي ولا يمت بصلة إلى وجود علاقة حب بين المصريين وعبد الناصر"، مشيرا إلى أن "هذه هي طبيعة شعب هوايته المشي في الجنازات".

كما اتهم رموزا سياسية منها سعد زغلول بالعمالة للبريطانيين، وطه حسين بالعمالة للأجهزة الأمنية، واعتبر الطلاب جواسيس على بعضهم البعض، مشيرا إلى أن قيام عبد الناصر بتأميم قناة السويس كان سعيا وراء الشهرة.

ومن أشهر كتب بدوي "تاريخ الإلحاد في الإسلام" الذي تطرق فيه إلى تاريخ المشككين في التاريخ الإسلامي مثل الفيلسوف الراوندي, وعالم البصريات الحسن بن الهيثم إبان العصر العباسي، وكتابي "نيتشه" و"التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية"

مؤلفات عبد الرحمن بدوى:

التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية - تاريخ الإلحاد في الإسلام- شخصيات قلقة في الإسلام - الإنسانية والوجودية في الفكر العربي - أرسطو عند العرب - المثل العقلية الأفلاطونية - منطق أرسطو في 5 أجزاء - رابعة العدوية - شطحات الصوفية (أبو يزيد البسطامي) - روح الحضارة العربية - الإنسان الكامل في الإسلام - التوحيدي: الإشارات الإلهية - مسكويه: الحكمة الخالدة - فن الشعر لأرسطو وشروحه العربية - الأصول اليونانية للنظريات السياسية في الإسلام - في النفس لأرسطوطاليس - ابن سينا: عيون الحكمة - ابن سينا: البرهان من الشفاء - الأفلاطونية المحدثة عند العرب - أفلوطين عند العرب - المبشر بن فاتك: مختار الحكم - فلهوزن: الخوارج والشيعة - مؤلفات الغزالي - أرسطوطاليس: الطبيعة - الغزالي: فضائح الباطنية - أسين بلاتيوس: ابن عربي - دور العرب في تكوين الفكر الأوربي - مؤلفات ابن خلدون - مذاهب الإسلاميين - أبو سليمان المنطقي: صوان الحكمة - أفلاطون في الإسلام - حنين بن إسحق: آداب الفلاسفة. (موقع: "إسلام أون لاين" بتصرف).

2) الإمام محمد عبده:

(مقال للدكتور عاطف العراقي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب - جامعة القاهرة، من موقع: "الديموقراطية").

(ولد عام 1849)، حياته الفكرية كانت ثراء بغير حدود، ومن يطلع علي العديد من الكتب والرسائل والمقالات التي تركها لنا الإمام محمد عبده يدرك تمام الإدراك أننا في عالمنا العربي في أَمَسِّ الحاجة وحتي في أيامنا الحالية إلى الاستفادة من آرائه، ومن الفتاوي التي أصدرها، ومن اهتمامه بتأويل النص الديني حتي يتفق وروح العصر، أي متطلبات الأيام التي نعيشها.

ترك لنا الشيخ محمد عبده العديد من الكتب والرسائل ومن بينها علي سبيل المثال لا الحصر، رسالة التوحيد، والإسلام دين العلم والمدنية، وتفسير جزء من القرآن الكريم، ومجموعة من النصائح والأمثال والتي تكشف عن غزارة اطلاعه وتأمله الدقيق. وكانت حياة الشيخ محمد عبده -كما قلنا- غاية في الثراء الفكري والنشاط الثقافي والاجتماعي. نجد هذا كله واضحا غاية الوضوح طوال السنوات التي عاشها سواء في مصر، أو في فرنسا.

صحيح أنه من الصعب أن نطلق علي محمد عبده لفظة الفيلسوف بالمعني الاصطلاحي الدقيق، إلا أنه ترك لنا العديد من الآراء التي تجعله مجددا من الطراز الأول ومفكرا لا تخلو كتاباته من الروح الفلسفية، وليرجع القاريء إلي موضوع كتابه (الإسلام دين العلم والمدنية)، وإلي دراسته لمشكلات فلسفية وفكرية لا حصر لها كمشكلة الحرية ومشكلة الخير وإلي آرائه في مجال الإصلاح الأخلاقي وتفسير القرآن الكريم، وإصلاح الأزهر، وسيجد ذلك كله واضحا كل الوضوح. ولسنا في حاجة إلي القول بأن الإمام محمد عبده قد ترك لنا مدرسة فكرية ليس في مصر وحدها، بل في العديد من البلدان العربية الإسلامية. وكم نجد آراءه تتردد بلا انقطاع وحتي أيامنا الحالية عند كثير من مفكرينا شرقا وغربا ، وبصورة مباشرة تارة أو غير مباشرة تارة أخري، وهذا إن دلنا علي شيء فإنما يدلنا علي بصماته القوية علي خريطة فكرنا العربي الإسلامي المعاصر. ومن يحاول إهمال أو تغافل دوره الخلاق المبدع، فإن وقته يعد ضائعا عبثا .

وآراء الشيخ محمد عبده تدلنا بوضوح علي أن مفكرنا كان صاحب نظرة تجديدية، والمجدد ينظر دائما إلي الإمام وإلي المستقبل، وذلك علي العكس من المقلد والذي ينظر إلي الماضي ويبكي علي الأطلال.

إن النظرة التجديدية لا تقوم علي رفض التراث جملة وتفصيلا ، ولا تقوم أيضا علي الوقوف عند التراث كما هو ودون بذل أية محاولة لتأويله وتطويره، بل أن النظرة التجديدية تعد معبرة عن الثورة من داخل التراث نفسه، إنها إعادة بناء التراث وبحيث يكون متفقا مع العصر الذي نعيش فيه. فالتجديد إذن هو إعادة بناء Reconstruction، ولا يعد التجديد تمسكا بالبناء القديم لمجرد أنه قديم، وبصورته التقليدية، كما لا يحمل في طياته هدما أو رفضا مطلقا للتراث، إذ قد نجد في التراث العديد من الأفكار البناءة التي تعد أكثر حيوية من بعض آراء المعاصرين في العديد من المجالات. إننا نجد الدعوة إلي إعادة البناء واضحة تمام الوضوح عند كثير من المفكرين من أبناء أمتنا العربية ومن بينهم مفكرنا الشيخ محمد عبده. وهذا يدلنا علي أن الإمام محمد عبده إنما كان يدرك تمام الإدراك أن العيب ليس في التراث، ولكن العيب في النظرة إلي التراث من خلال منظور تقليدي رجعي لا يتماشي مع العصر.

يجب إذن أن نضع هذا في اعتبارنا ونحن نتحدث بعد وفاته بقرن من الزمان، حتي نستطيع إدراك الجهد الكبير الذي قام به الشيخ محمد عبده. ويكفيه فخرا أنه كان من خلال كتبه ورسائله مدافعا عن العقل إلي حد كبير، العقل الذي يعد أشرف جزء في الإنسان، والذي عن طريقه استطاع مفكرنا تأويل النصوص الدينية، تأويلا معبرا عن الاجتهاد، وسعة الاطلاع والرغبة في اكتشاف الحقيقة. نجد هذا واضحا غاية الوضوح في العديد من الكتب والرسائل التي تركها لنا محمد عبده ومن بينها مقالاته في العروة الوثقي، وحاشيته علي شرح الدواني لكتاب العقائد العضدية للايجي، ورسالة التوحيد، وتقرير في إصلاح المحاكم الشرعية، والإسلام والرد علي منتقديه، والإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية، وحديثه الفلسفي مع الفيلسوف الانجليزي هربرت سبنسر، وتفسيره لسورة العصر، وسورة الفاتحة، وتفسير جزء عم، وتفسير المنار الذي أكمله رشيد رضا، ودروس دار الإفتاء، بالإضافة إلى فتاواه.

لهذا كله لم يكن غريبا أن يهتم العديد من المفكرين والمؤلفين سواء كانوا من العرب أو كانوا من الأوروبيين بالكتابة عن مفكرنا الكبير محمد عبده ودراسة أفكاره، ومن بينهم، : محمد رشيد رضا، ومصطفي عبدالرازق، وعثمان أمين، وأحمد لطفي السيد، وعباس العقاد، ومحمد بخيت، ومنصور فهمي، وحافظ إبراهيم، وأحمد أمين، ومحمد مصطفي المراغي، وماكس هورتن، وشارل آدمز، وشاخت، وجولد زيهر، وجومييه .. إلي آخر هؤلاء المفكرين والباحثين والدارسين. لقد خاض محمد عبده الكثير من المعارك الفكرية وكان له من الأعداء أكثر بكثير من الأصدقاء، وكان هذا شيئا متوقعا ، إذ أننا في كل عصر وكل مكان، إذا كنا نجد دعاة للنور، فإننا نجد أيضا خفافيش الفكر والذين يؤثرون الظلام، ولا تقوي أبصارهم علي مواجهة النور والضياء. وإذا كنا نجد دعاة للإصلاح والتجديد والتقدم إلي الأمام، فإننا نجد أيضا دعاة الجمود والانغلاق والرجعية والصعود إلي الهاوية. وإذا كنا نجد أناسا من المفكرين في هذا العصر أو ذاك من العصور يطلبون منا التمسك بالعقل وجعله المرشد والدليل في حياتنا، والاعتصام بالعلم، فإننا نجد بجوارهم أهل الخرافة والرجعية والشعوذة واللاعقلانية.

بحث الشيخ محمد عبده في العديد من الموضوعات التي تعد بالغة الأهمية. لقد بحث في موضوع الدين والمتدينون، وبين لنا أن الله تعالي خلق الإنسان عالما صناعيا ، وهو يعني بذلك أثر البيئة علي الإنسان لو ترك العمل ساعة من الزمن، وبسط كفيه للطبيعة ليستجديها نفسا من حياة، لما تمكن من ذلك، بل انتهي إلي حالة العدم، بل إننا إذا انتقلنا من الأفعال المادية إلي الأحوال النفسية من الإدراك والتعقل والملكات والانفعالات الروحية، فإننا نجد أيضا أثر البيئة عليه. إن شجاعته وجبنه وجزعه وصبره وكرمه وبخله وشهامته ونذالته وقسوته ولينه وعفته وشرهه، كل ذلك يعد نابعا من تربيته الأولي وأثر المحيطين به كالآباء والأمهات. ومعني هذا أنه يعد ثمرة ماغرس ونتيجة لما كسب، فهو مصنوع يتبع مصنوعا ، وإنه في عقله وصفات روحه يعد عالما صناعيا . والنتيجة التي يمكن استخلاصها من هذا الرأي الذي يقول به محمد عبده، إنه لابد من التأكيد علي أهمية الفعل الإنساني. إن الإنسان يعد حرا ولا يعد مجبرا . إنه لا يصح للإنسان أن يذهب إلي القول بأن الطبيعة هي التي أجبرته، بل إن الإنسان لديه القدرة والفاعلية.

وإذا كان الله تعالي قد خلق الإنسان عالما صناعيا ، فيما يذهب محمد عبده، فإن الدين فيما يقول يعد وضعا إلهيا . إنه سلطان الروح ومرشدها إلي ما تدبر به نفسها. ويثير محمد عبده الكثير من الأسئلة والتي يحاول عن طريقها معرفة أسباب تخلف المسلمين في عصره، في حين أننا في الماضي كنا نتمتع بالقوة والمجد والازدهار. ولا تخلو عباراته من نغمة حزن وأسف علي ما وصلنا إليه الآن. إنه يتساءل قائلا : هل استبدت الأبدان وسيطرت علي الأرواح? هل انقطعت الصلة بين الأسباب ومسبباتها? لقد كان للمسلمين إنجازاتهم في الماضي، لقد قاموا بالعديد من الأعمال التي بهرت الأبصار وأدهشت الألباب.

ويحاول محمد عبده تحديد الأسباب التي أدت إلي ضعف المسلمين. لقد ظهر بين المسلمين رجال ارتدوا الزي الديني، ولكنهم قالوا بالكثير من البدع التي لا صلة لها بالدين. لقد انتشر بين المسلمين الإيمان بالجبر، وأدي هذا إلي سخريتهم من العمل والكفاح. ونجد في آراء محمد عبده الكثير من الجوانب الإيجابية والصادقة تماما ، ومن بينها أهمية الدعوة إلي الحرية والابتعاد عن القول بالجبر، وأيضا تفرقته بين الدين في أساسه وأصوله وأحكامه، وبين ما نجده شائعا عند بعض الناس والذين لم يفهموا الإسلام فهما صادقا ودقيقا . إن الإسلام لم يكن دعوة إلي الضعف والتواكل. بل دعوة إلي القوة.

والواقع أن محمد عبده في آرائه هذه، كان متسلحا بالشجاعة والصبر والمناقشة المستفيضة لكل حجة من حجج الخصوم. ويحلل محمد عبده في الكثير من كتبه، العديد من الأسس والأصول بديننا الحنيف، وهذه الأصول هي: النظر العقلي لتحصيل الإيمان، تقديم العقل علي ظاهر الشرع عند التعارض، الاعتبار بسنن الله في الخلق، قلب السلطة الدينية والإتيان عليها في أساسها، حماية الدعوة لمنع الفتن، مودة المخالفين في العقيدة، الجمع بين مصالح الدنيا والآخرة. والمتأمل في دراسة الشيخ محمد عبده لهذه الأصول، يدرك سعة أفقه وعقليته النقدية الدقيقة. كما يدرك تمام الإدراك أننا الآن في أمس الحاجة إلي مثل تلك الآراء سواء في حياتنا الفكرية أو حياتنا الاجتماعية السياسية، كما يدرك تماما أن العيب ليس في الدين، ولكن في الفهم الخاطيء لهذا الدين. لقد ذهب محمد عبده في دراسته لأصول الإسلام إلي أن الإسلام قد أطلق للعقل البشري أن يجري في سبيله الذي سنته له الفطرة بدون تقييد، وأن الإسلام قد عمل علي هدم السلطة الدينية ولم يجعل لأحد سلطانا علي عقيدة أحد، وأن من حق كل مسلم أن يفهم القرآن بعد دراسته لبعض العلوم التي تتصل به كقواعد اللغة العربية والناسخ والمنسوخ. ومن الواضح أننا الآن وأكثر من أي وقت مضي في أمس الحاجة إلي أقوال محمد عبده، وذلك لوضع الأمور في نصابها وفهم الدين فهما صحيحا ، لقد تحول الدين عند مجموعة من الناس إلي نوع من التجارة، وأصبح بعض المشايخ الآن لا يقولون كلمة في مجال الدين ولا حتى نصيحة من النصائح الدينية، أو فتوى من الفتاوى إلا بدفع الثمن مقدما ، وكأن الدين قد أصبح من أملاكهم الخاصة ولا يجوز لأحد أن يشاركهم فيه وإلا أصبح كافرا وصدر عليه حكم بالمروق والإلحاد، لقد قال محمد عبده في معرض دراسته لأصل من أصول الإسلام: إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر في مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل علي الإيمان، ولا يجوز حمله علي الكفر.

ويبين لنا الشيخ محمد عبده أن الخليفة عند المسلمين ليس بالمعصوم, ولا هو مهبط الوحي, ولا من حقه الاستئثار بتفسير الكتاب والسنة، إذ ليس في الإسلام -كما يكرر دائما - سلطة دينية سوي سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلي الخير والتنفير من الشر. وإذا كان الشيخ محمد عبده قد بحث في أصول الإسلام، وبين لنا من خلال بحثه في أكثر من كتاب من كتبه، أن الإسلام يدعونا إلي النظر والتفكير، فإننا نجده يبحث أيضا كتأييد لما يقول به - في اشتغال المسلمين بالعلوم الأدبية والعقلية.

ويبين لنا الشيخ الإمام كيف اهتم المسلمون والعرب اهتماما لا حدَّ له بالعلوم الأدبية، وبعد مرور عشرين عاما علي وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم. كما اهتموا بالعلوم الكونية وخاصة أيام الدولة العباسية عند أمثال المنصور وهارون الرشيد والمأمون، كما اهتم المسلمون بإنشاء دور الكتب سواء في بلدان المشرق العربي أو في بلدان المغرب العربي، بالإضافة إلي إنشاء المدارس للعلوم والتي انتشرت في كل الأقطار في المغول والتتار من جهة المشرق، ومراكش وفارس من جهة المغرب. كما يشير محمد عبده إلي أهمية العلوم العربية، وكيف كان علم العرب في أول الأمر يونانيا ثم أصبح عربيا ، وأن أول شيء تميز به فلاسفة المسلمين عمن سواهم من فلاسفة الأمم هو بناء معارفهم علي المشاهدات والتجربة، وألا يكتفوا لمجرد المقدمات العقلية في العلوم ما لم تؤيدها التجربة. ويبين لنا أيضا أن سلوك بعض المسلمين والمعادي للعلم والفلسفة والفكر بوجه عام، لا يصح أن يتخذ دليلا علي أن العيب في الدين، لقد كان ينشر بالجرائد -فيما يقول محمد عبده- العديد من المقالات التي تستهجن إدخال علم الجغرافيا التي يتلقاها طلبة الجامع الأزهر، وكان كتاب تلك المقالات يقومون بالهجوم على من أشار بإدخال هذا العلم وغيره بين تلك العلوم التي تدرس بالأزهر. ومن الواضح أن محمد عبده يشير إلي نفسه لأنه من أنصار تعليم هذه العلوم، وقد وجدت آراؤه معارضة شديدة من جانب بعض المشايخ والذين هم أعداء لكل مخالف لما هم عليه من التقليد والتزمت، أنه إذا قيل لطلبة الأزهر بأنه ينبغي دراسة بعض مباديء الطبيعة والتاريخ الطبيعي، فإن هؤلاء المشايخ -فيما يقول محمد عبده- يصيحون أجمعين: هذا عدوان علي الدين، هذا توهين لعقده المتين، هذا تغرير بأهله المساكين.

والواقع أننا نجد عند مفكرنا الشيخ محمد عبده في هذا المجال دعوة إلي الانفتاح علي العلوم الأخري، حتي لو كانت من العلوم غير الدينية، أي غير المرتبطة ارتباطا مباشرا بالعلوم الدينية الشرعية. وهذه الدعوة من جانب محمد عبده تعد دعوة ممتازة رائعة. إذ نلاحظ أن بعض الناس وحتي يومنا هذا للأسف الشديد ونحن في القرن الحادي والعشرين، يقومون بالهجوم علي العلم وعلي الحضارة القائمة علي العلم، إنهم يتناقضون -فيما أري تناقضا شديدا - إنهم يهاجمون الحضارة الغربية وفي نفس الوقت يكونون من أكثر المستفيدين منها عبر استخدام ثمرات العلم الحديث. والواقع أنه أكثر الآراء التي تركها لنا مفكرنا محمد عبده تدلنا علي أنه كان سابقا لعصره وتدلنا علي أنه كان يتمتع بعقلية نقدية دقيقة من النادر أن نجد مثيلا لها في عصره. وكم نجد في كتاباته العديد من الدروس التي نحن في أمس الحاجة إليها الآن.

لقد دخل الشيخ محمد عبده تاريخ فكرنا المعاصر من أوسع الأبواب وأرحبها، ومن حقنا أن نفخر به ومن واجبنا دراسة أفكاره وسبر أغوارها، لأنه علامة مضيئة في تاريخنا الفكري المعاصر ورائدا من الرواد الكبار الذين سعوا إلي التجديد، إلي إنارة الطريق أمامنا، إلي الربط بين الفكر والعمل، إلي النظرة نظرة مستقبلية إلي حد كبير، لقد دعانا إلي استخدام عقولنا، بين لنا أنه من الضروري التمسك بالعلم، وبالطريق العلمي، بين لنا أن النور يرتبط بالوجود، وأن الظلام يرتبط بالعدم والفناء، تماما كما قال ابن سينا في مناجاته لله تعالي: فالق ظلمة العدم بنور الوجود هذه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا .

3) محمد إقبال:

يعد محمد إقبال من أبرز مفكري الإسلام في العصر الحديث, وتمتاز كتاباته على الرغم من قلتها بالعمق والشمول, فإنتاجه الفكري الوحيد عبارة عن مجموعة من المحاضرات ألقاها في الجامعات والمدارس في (حيدر أباد) و(عليكرة) وجمعها في كتابه الفريد (تجديد الفكر الديني في الإسلام), يضع إقبال في بداية كتابه هدفا يبدو غريبا على المجال التداولي الإسلامي في زمنه ألا وهو:

محاولة بناء الفلسفة الدينية الإسلامية بناء جديدا, آخذا بالاعتبار المأثور من فلسفة الإسلام إلى جانب ما جرى على المعرفة الإنسانية من تطور في نواحيها المختلفة, ويأمل أن يأتي يوم ليس بعيدا, يكشف فيه كل من الدين والعلم اتفاقا متبادلا بينهما لم يكن حتى اليوم منتظرا. (موقع: "الغد").

• توطئة إذا كان للداعية المصلح أسلحته الحاسمة في ميدان الجهاد ووسائله الصادقة في إقناع الجماهير بما يقول، وفي شدهم إلى الطريق الذي يرجو أن يسلكوه، فقد شاء الله أن يكون الشعر هو أمضى أسلحة محمد إقبال، وأكثرها نفاذًا في القلوب, وأعظمها تأثيرًا في النفوس. صنع بشعره صنيع الأبطال العظماء من القادة والفاتحين، حين أنشأ أمة بقلمه لا بسيفه، وبلسانه لا بجيشه، فقاد الجماهير المسلمة في شبة القارة الهندية إلى إنشاء دولة إسلامية منفصلة عن الهند، لها مثلها الثابتة ودستورها الخاص.. وتحقق الحلم وظهرت باكستان على أرض الإسلام دولة فتية وأمة عزيزة.

• النشأة والتكوين وُلد محمد إقبال في بلدة (سيالكوت) بإقليم البنجاب، أحد أقاليم شبه القارة الهندية في "24 من ذي الحجة 1289 هـ = 22 من فبراير 1873م"، ونشأ في أسرة مسلمة متوسطة الحال، معظم أفرادها يشتغلون بالزراعة، وينتمون إلى سلالة البراهمة، نزلت منذ ثلاثة قرون عن امتيازاتها الوفيرة ومنزلتها المرموقة بين الطبقات الهندوسية واعتنقت الإسلام، وكان والد إقبال رجلاً صالحًا يغلب عليه التصوف.

حفظ إقبال القرآن الكريم في الصغر، وحرص أبوه على أن تكون قراءة ابنه للقرآن قراءة وعي وتدبر وفهم تؤدي إلى العمل به والاهتداء بهديه، وكان يقول له: "يا بني اقرأ القرآن كأنه نزل عليك"، ويقول إقبال تعقيبًا علي هذه الوصية العظيمة بقوله : "ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن، وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست, ومن بحره ما نظمت".

تلقى إقبال مبادئ العلوم في مدرسة إنجليزية ببلدته "سيالكوت"، وبعد أن أنهى دراسته بها التحق بمدرسة البعثة الأسكتلندية للدراسة الثانوية، وتلقى فيها أصول اللغتين: الفارسية والعربية على أحد أصدقاء أبيه ويدعى "ميرحسن" وكان أستاذًا متمكنًا في آداب هاتين اللغتين، قام بتشجيع تلميذه على قرض الشعر والكتابة باللغة الأُردية، لما توسم فيه من نجابة وذكاء.

ثم دخل إقبال جامعة (لاهور)، وأظهر تفوقًا في اللغتين العربية والإنجليزية، ونال درجتي الليسانس والماجستير في الفلسفة، وفي لاهور توثقت صلته بالمستشرق الإنجليزي "السير توماس أرنولد" صاحب كتاب "الدعوة إلى الإسلام"، وكان أرنولد شديد الإعجاب بمواهب تلميذه وإنتاجه الشعري، ولذلك طلب منه أن يقوم بدلاً منه بمهمة التدريس في جامعة لندن في فترة من الدراسة الجامعية سنة "1323 هـ = 1905م".

وهناك اتصل بكثيرين من أهل العلم، ثم رحل إلى ألمانيا، وحصل من جامعة (ميونخ) على الدكتوراة في الفلسفة برسالة قدمها عن تطور الفكر الفلسفي في إيران، ثم عاد إلى لندن، والتحق بمدرسة الاقتصاد والسياسة بجامعة لندن، ونال درجة في القانون، ثم عاد إلى الهند سنة "1326 هـ = 1908م".

• الدعوة إلى قيام دولة إسلامية ولما عاد إقبال إلى وطنه اشتغل بالشعر والفلسفة والسياسة، وانتخب عضوًا بالمجلس التشريعي بالبنجاب سنة "1345 هـ = 1926م"، واختير رئيسًا لحزب مسلمي الهند، ورئيسًا لجمعية حماية الإسلام التي كانت تشرف على عدد من المؤسسات الدينية والاجتماعية، ولبث زمنًا طويلاً يلقي المحاضرات في أرجاء الهند.

ويُعد محمد إقبال أول من نادى بضرورة انفصال المسلمين في الهند عن الهندوس، وتأسيس دولة خاصة بهم يحيون فيها الحياة التي تتمشى مع تعاليم الدين الحنيف، ومنذ أن أعلن إقبال هذه الفكرة سنة "1349 هـ = 1930م" حتى أصبحت الهدف الأول الذي جاهد المسلمون في الهند لتحقيقه، إلى أن تمّ لهم إنشاء دولة باكستان في سنة "1367 هـ = 1947م" بعد نضال متصل وكفاح مستمر، اشترك فيه جميع المسلمين هناك تحت قيادة "محمد علي جناح".

• تجديد الفكر الإسلامي دعا إقبال إلى تجديد الفكر الإسلامي، وذلك في سلسلة من المحاضرات ألقاها باللغة الإنجليزية سنة "1347 هـ 1928م"، ثم نشرها سنة "1353 هـ = 1934م" بعنوان "تجديد بناء الفكر الديني في الإسلام، نادى فيه إلى فتح باب الاجتهاد، للكشف عن الحقائق الأصيلة في الإسلام، مثل: الحرية والاتحاد والمساواة والاجتماع، فالاجتهاد هوالوسيلة العملية الملائمة للتوفيق بين أحداث الحياة المتجددة وبين مباديء الإسلام، حتى لا تسير الحياة الإنسانية في المجتمع الإسلامي منعزلة عن الدين، وكان يرى أن إبطال الاجتهاد كان من أقوى الأسباب التي أدت إلى ضعف المسلمين.

وفي حديث إقبال عن الإجماع باعتباره أصلاً من أصول الشرع الإسلامي يقول: "والأصل الثالث من أصول الشرع الإجماع، وهو عندي أعظم السنن الشرعية، وعجيب أن هذه السنة الرشيدة نالت كثيرًا من بحث المسلمين وجدالهم، ولكنها لم تعدُ التفكير إلى العمل، وقلَّمَا صارت سنة عملية في بلد إسلامي، ولعل اتخاذها سنة دائمة ونظامًا محكمًا لم يلائم مطامع المُلك المطلق الذي نشأ في الإسلام بعد الخلفاء الراشدين..، ولعل ترك الاجتهاد لأفراد من المجتهدين كان أقرب إلى منافع الخلفاء من بني أمية وبني العباس من تأليف جماعة دائمة عسى أن تفوقهم قوة..، ومما يبعث على الرضا والأمل أن سيرة الحوادث في هذا العصر وتجارب أمم أوربا أشعرت الفكر الإسلامي الحديث بقيمة الإجماع وعرفته أنه ممكن، وشيوع النزعة الجمهورية ونشوء المجالس التشريعية يمهدان السبيل إلى العمل بسنة الإجماع.

وكانت فلسفة إقبال في جوهرها ذات طابع إسلامي عميق، فهي تدعو إلى تمجيد الإسلام وبعث الحياة والقوة في المسلمين، وتبشرهم بمستقبل زاهر ومجد وفخار إذا ساروا في حياتهم علي هَدْي دينهم الحنيف، وكان إقبال لا يسأم من الدعوة إلى النهوض والتشمير وحث الخطى على مواصلة السير مع القافلة، "فالغاية القصوى للنشاط الإنساني هي حياة مجيدة فتية مبتهجة، وكل فن إنساني يجب أن يخضع لتلك الغاية، وقيمة كل شيء يجب أن تُحدد بالقياس إلى تلك القوة على إيجاد الحياة وازدهارها، وأعلى فن هو الذي يوقظ قوة الإرادة النائمة فينا، ويستحثنا على مواجهة الحياة في رجولة، وكل ما يجلب إلينا النعاس، ويجعلنا نغمض عيوننا عن الحقيقة الواقعة فيما حولنا إنما هو انحلال وموت".

وقد تغنى إقبال بعزيمة المسلم فقال: يبتسم المسلم في سلمه عن دقة الماء ولين الحرير وتبصر الفولاذ في عزمه إذا دعا الحرب ونادى النفير ويقول أيضًا: يمشي على الأشواك والنار والسيف ويمضي ساخرًا بالعذاب فهو ترابي ولكنه حرٌّ طليق من قيود التراب ويرفض إقبال أن يكون المسلم المعاصر صورة مكررة من الرجل الأوربي الحديث؛ لأن الأخير قد طغت عليه نتائج نشاطه العقلي الصِّرف، وأعماه ذلك عن توجيه روحه توجيهًا سليمًا إلى حياة تشبع أعماق نفسه وتحقق له التوازن المطلوب، وأصبح ينكر ما هو غيبي ويراه وهمًا، ويجد نفسه في أغلب الأحيان عاجزًا عن ضبط أنانيته وشهواته، ومأخوذًا بسحر المادة، يتكالب عليها تكالبًا لا يعقبه إلا الحسرة والشقاء، وكان إقبال شديد الإيمان بأن للدين الأهمية الكبرى والأثر الفعال في توجيه حياة الفرد والجماعة علي حد سواء.

ورسالة الإسلام عند إقبال رسالة إنسانية ليس لها حدود زمانية أو مكانية، وأن به قوة كامنة تستطيع أن تحرر نفوس البشرية من قيود الأجناس، والألوان والعصبيات، وخلاصة هذه الرسالة هي إقرار الحرية وتدعيم العدالة، وتوطيد المحبة بين البشر.

• محاربة التصوف الإنسحابي رأى إقبال أن الصوفية الهندية الحالمة، والصوفية الإسلامية المتواكلة قد كان من أثرهما في المسلمين نشر اليأس والاستسلام، والهروب من الدنيا، والقعود عن العمل والإقدام، فنهض إقبال المصلح لمحاربة هذه الفلسفة التي ترادف الضعف والفناء، وعارضها بفلسفة جديدة تبشر بالقوة والتفاؤل والنماء، أو ما أطلق عليها بتقدير الذات.

والشخصية عند إقبال حالة فريدة من التجلد والجهد أمام المكاره، ولما كانت بهذا هي أثمن ما يحققه الإنسان، فقد وجب عليه أن يدأب علي الصمود للأحداث وركوب الأخطار، وتجنب مزالق التواكل والاسترخاء، وكل ما يجعلنا نمضي إلى السعي وضبط النفس ومغالبة العوائق والصعاب إنما ييسر لنا الانخراط في سلك الحياة الخالدة.

والحياة حركة دائمة، جوهرها استمرار خلق الرغبات والمثل العليا، وأكبر عقبة تعترض طريق الحياة هي المادة والطبيعة، ومع ذلك فالمادة ليست شرًا، وإنما هي وسيلة لإبراز ما في الحياة من قوىً كامنة، وتصل الذات إلى التحرر والانطلاق بإزالة جميع العوائق التي تعترض سبيلها، وهي تصل إلى حرية أتم وأكمل إذا اقتربت من الفرد الأعلى الذي هو مبرأٌ من كل قيْد وهو الله سبحانه وتعالى.

• موقفه من الوطنية جاهر إقبال برأيه في الوطنية، وأعلن أنها دخيلة على مبادئ الإسلام، إذ أن الإسلام كله وطن، وأن الهندي أخ المغربي والفارسي والعربي والإفريقي والأوربي إذا جمعتهم عقيدة واحدة، وهي عقيدة الدين، فهي أقوى العقائد، ولن يقوم مقامها ما يصطنعه الناس من حدود جغرافية تسيطر عليها الجبال والصحاري والأنهار أو تفرضها السياسة الغاشمة فرضًا، ويوضح موقفه القاطع من الوطنية بقوله: أنا لا أقبل الوطنية كما تعرفها أوربا، وليس إنكاري إياها خوفًا من أن تضر بمضالح المسلمين في الهند، ولكني أنكرها لأني أرى فيها بذور المادية الملحدة، وهي عندي أعظم خطرًا على الإنسانية في عصرنا، لا ريب أن الوطنية لها مكانها وأثرها في حياة الإنسان الأخلاقية، ولكن العبرة بإيمان الإنسان وثقافته وسننه التاريخية، هذه في رأيي الأشياء التي تستحق أن يعيش لها الإنسان ويموت من أجلها، لا بقعة الأرض التي اتصلت بها روح الإنسان اتفاقًا.

• موقفه من حركة أتاتورك انتقد إقبال حركة كمال أتوتورك في تركيا الحديثة التي أدارت ظهرها للإسلام، وانسلخت تمامًا منه، ومن كل ما يتصل به، فألغت الخلافة ومنصب شيخ الإسلام، والحروف العربية التي كانت تكتب بها اللغة التركية، وعطلت المدارس الإسلامية، وعدَّ إقبال هذه الحركة نوعًا من التجدد القائم على رفض القديم برمته، والأخذ بكل جديد دون وعي، ووصف أتاتورك بأنه محروم من الإبداع والابتكار وأنه مقلد فحسب، وقد عبر عن ذلك بقوله: "إن زعيم تركيا لا يملك أغنية جديدة، وإنما هي أغان مرددة معادة تتغنى بها أوربا من زمان، إن الجديد عنده هو القديم الأوربي الذي أكل عليه الدهر وشرب، ليس في صدره نفس جديد، وليس في ضميره عالم حديث، فاضطر إلى أن يتجاوب مع العالم الأوربي المعاصر.. إنه لم يستطع أن يقاوم وهج العالم الحديث، فذاب مثل الشمعة وفقد شخصيته".

• إقبال الشاعر كان إقبال شاعرًا مجيدًا في اللغة الفارسية مع أنها لم تكن لغته، لكنه اختارها لينظم بها أكثر انتاجه الشعري؛ لانتشارها الواسع بين المسلمين في شبه القارة الهندسية وآسيا الوسطى، كما نظم بعض دواوينه باللغة الأردية لغة وطنه..وقد استمد إقبال موضوعات شعره من قضايا أمته، واتسم بشيوع المضامين القائمة على الأفكار الكبرى كالبحث عن الحق والخير والحرية والمساواة مع الالتزام بمبادئ الإسلام.

وقد ترجم الكاتب الكبير عبد الوهاب عزام عددًا من دواوينه إلى العربية، نقلها من الفارسية ونظمها شعرًا، وكذلك فعل محمد الصاوي شعلان، ومن شعره الذي ترجمه الشيخ شعلان: ملكنا هذه الدنيا القرونـا وأخضعها جدود خالدونـا

وسطَّرنا صحائف من ضياء فما نسي الزمان ولا نسـينا

وكنا حــين يأخذنا قويٌّ بطغيان ندوس له الجبينــا

تفيض قلوبنا بالهدي بأسًـا فما تغضي عن الظلم الجفونا

• مؤلفاته ترك محمد إقبال تراثًا أدبيًا وفلسفيًا احتل به مكانة مرموقة بين كبار الشعراء والفلاسفة في النصف الأول من القرن العشرين، ومن أهم مؤلفاته بالإنجليزية: - تطور الفكر الفلسفي في إيران، وقد ترجمه إلى العربية حسن الشافعي ومحمد السعيد جمال الدين، ونشر بالقاهرة سنة 1989م. - تجديد الفكر الديني في الإسلام، وترجمه عباس العقاد إلى العربية. ومن أشهر دواوينه: ديوان أسرار إثبات الذات، وديوان رموز نفي الذات، وديوان: رسالة المشرق، وديوان ضرب الكليم، وقد ترجم عبد الوهاب عزام هذه الدواوين إلى العربية.

• وفاته وبعد حياة حافلة بالفكر والجهاد تُوفي محمد إقبال في "20 من صفر 1357 هـ = 21 من إبريل 1938م"، ودفن في لاهور، واتخذ أصدقاؤه قبرًا له في فناء المسجد الجامع "شاهي مسجد"، ثم كتبوا على ضريحه: "إن محمد نادر شاه ملك الأفغان أمر بصنع ذلك الضريح اعترافًا منه ومن الأمة الأفغانية بفضل الشاعر الخالد".

• أهم المصادر محمد إقبال: ديوان الأسرار والرموز – ترجمة عبد الوهاب عزام – دار المعارف – القاهرة – 1956. عثمان أمين: رواد الوعي الإنساني في الشرق الإسلامي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 2001م. محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين – دار القلم – دمشق – 1415 هـ = 1995م. أبو الحسن الندوي: روائع إقبال – دار القلم – الكويت – 1978م. معن زيادة: الموسوعة الفلسفية العربية "أعلام الفكر الإنساني" بيروت – 1997م. (موقع: "إخوان أون لاين").