Translation

Exchange Rates

يونيو 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

الفيتو الأميركي في ضوء اهتزاز شرعيات الأنظمة في العالم العربي

هيئة التحرير, 6/3/2011

مجلس الأمن أثناء التصويت على القرار العربي.jpg مرزوق الحلبي Related Nodes: مجلس الأمن أثناء التصويت على القرار العربي.jpg

معظم الأنظمة العربية، في غياب شرعيتها لدى مجتمعاتها، تقوم على انتخابات صورية أو على حراك سياسي تحت سقف واطئ يحدد عُلُوَّه لاعبٌ واحد، بينما مأزق إسرائيل ليس في شرعية نظامها أمام مجتمعها بل في شرعيتها كدولة في محيطها الجيو - سياسي العربي، وهو ما يُمكن أن يتطور إلى أزمة لنظامها السياسي في نظر مواطنيها، فالفيتو الأميركي الأخير في مجلس الأمن يطوّبها مرة أخرى دولةً عصية على القانون الدولي، أساسِ الشرعية للدول، خاصة لدولة كإسرائيل، فهو فيتو، على عاديته، يزيد من عزلة إسرائيل والولايات المتحدة، أيضاً، في ظروفِ تحولات جذرية عالمية وشرق أوسطية تنبئ بالمزيد من هذه العزلة ومن التوتير بين إسرائيل ومحيطها.

لقد راهن النظام السياسي الإسرائيلي لعقود على عامل الهوية القومية لفرض استقرار ما على جبهة «الاقتصادي ـ الاجتماعي»، بمعنى أنه راهن على «الأمني» في التجربة الإسرائيلية لتفكيك شحنات الفوارق الطبقية. وكان مؤسس إسرائيل، بن غوريون، أعلن أن إسرائيل لحظةَ قيامها تشكّل انتقالاً نهائياً من حالة الطبقات إلى حالة الشعب! واجتهد هو وخَلَفُه لإخفاء الفوارق الطبقية وما تنتجه من توترات، التي ما أن كانت تظهر حتى يحتويها النظام بالوسائل المتاحة لأي نظام. كان النظام الإسرائيلي في العقود الثلاثة الأولى للدولة العبرية أقرب إلى النموذج السوفياتي في كثير من خصائصه، لا سيما هيمنة الحزب الواحد ومركزية إدارة الاقتصاد ونظام دعم المواد الأساسية والتجييش والتحشيد مقابل الأعداء والتهديدات. أما التحولات الجذرية على الصعيد الاقتصادي ـ السياسي، التي شهدتها إسرائيل في العقود الثلاثة الأخيرة، فقد انطوت على تجديد شباب النظام في كل المجالات إلا في المستوى الأمني. رأينا تعاظم هذا الهاجس في حياة الإسرائيليين منذ الانتفاضة الثانية وبروز التهديد الإيراني وفاعلية ذراعيه «حماس» وحزب الله» في العمق. وتعمَّقَ تأثير هذا الهاجس في ضوء التحولات في الـسـياسة التـركـية وإمكانيات التحول في مصر وغيرها من مواقع عربية. وقد ترافق هذا التعاظم في الهم الأمني مع انحسارٍ في هيبة الردع الإسرائيلية وانحسار في الرقعة الجغرافية للسـيادة الإسـرائيلية بعد انسحابين من قطاع غزة ولبنان.

أدى هذا التضخم في الهاجس الأمني إلى انزياح المجتمع الإسرائيلي يميناً، وهو ما أفضى إلى انسداد المسدود أصلاً من آفاق الانفراج والتسوية مع الفلسطينيين وعبرهم مع المحيط العربي. وهو انسداد استقدم على إسرائيل ضغوطاً دولية من جهات عدة، على رأسها الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي. أما الذين ملّوا من الضغوط ويئسوا من إمكانيات التأثير على التوجهات الإسرائيلية، فقد أداروا ظهورهم وبدأوا بالاعتراف بدولة فلسطينية في حدود حزيران 67، وهو ما جعل النظام في حالة سؤال عن شرعيته في محيطه وفي الحلبة الدولية التي منحته حتى الآن كل الفرص وكل الاعتمادات المتاحة للتصحيح والمراجعة. وهو ما حصل داخل المجتمعات العربية، التي مُنحت أنظمتُها ثلاثةَ عقود أو أكثر من الفرص والاعتمادات كي تستقيم وتعقل، لكنها لم تستثمر ذلك ولم تلتفت إلى نفاد صبر المجتمع والفرد. ونفترض أن الديناميكا التي قادت المجتمعين المصري والتونسـي للوقوف في وجه النظامين، هنا وهناك، والفاعلة بقوة في اليمن وليـبيـا والبحرين وإيران والجزائر، ستفعل فعلها في الحلبة الدولية، حيث تتسع رقعة المجتمع الدولي الذي ضاق ذرعاً بجمود العقلية الإسرائيلية وانغلاقها أمام «حقوق» الدول وآمالها وتطلعاتها.

لكن جدلية الحدث في إسرائيل تشير إلى سباق مع الزمن، بين اهتزاز شرعية الدولة وزيادة الضغوط الخارجية على إسرائيل، بما فيها الأحداث في مصر، وبين الانزواء أكثر فأكثر في صدفة «الهويتي/ القومي» و «الأمني»، بمعنى أن انحسار الشرعية وزيادة التهديد الوجودي في التجربة الإسرائيلية شكّلا رافعة لتعويل النظام على شرعية مواطنيه من خلال جعلهم مجتمعاً من جديد بروح يهودية ـ صهيونية فيها مزيد من الانغلاق والتعنّت. وقد نرى مئات الألوف من الإسرائيليين يتظاهرون غضباً على نتيجة حرب (وقد فعلوا ذلك عدة مرات)، بينما يقلّ عددهم إلى بضع مئات يخرجون للاحتجاج على غلاء معيشة أو ما شابه! إلا أنه دخلت على خط هذا «السباق»، بالرغم من النظام وسياساته، عوامل الاجتماعي ـ الاقتصادي، أيضاً، وهي عوامل فاعلة، على الأخص هذه الأيام، مع اتضاح سعة الفقر ومدى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية والتضرر غير المسبوق للفئات الوسطى، وهي عوامل تضاف إلى ما هو معروف في إسرائيل من اتساع التقاطب الاجتماعي، واسئتثار بضع عشرات من العائلات بالموارد وبالعملية الاقتصادية. قد لا يكون النظام السياسي في إسرائيل مونارخيا ولا أوليغارخيا، لكن النظام الاقتصادي تحوّل إلى «أوليغارخي»، إذا صحّ التعبير، تملكه فئة محدودة من العائلات.

لقد اجتمع انسداد الأفق الأمني في إسرائيل مع اتساع التهديدات وانحسار قوة الردع وغياب عامل التفاوض مع المحيط العربي والتحولات في مصر وغيرها من مواقع عربية وإسلامية، مع نشوء «أوليغارخيا» اقتصادية فاعلة مندفعة إلى أمام بثمن إبقاء المزيد من الإسرائيليين في الخلف. اندماج أفضى إلى بدايات تململ في المجتمع الإسرائيلي، ينعكس يوماً بعد يوم في الخارطة السياسية واصطفاف القوى. كان الإسرائيليون سيغفرون لدولتهم ونظامها لو أنهم خاطروا في ناحية وكسبوا الرهان في ناحية أخرى، كأن يضعُفوا اقتصادياً ويتفوقوا أمنياً، أو أن يخاطروا أمنياً مقابل جني أرباح اقتصادية، ورأينا ذلك طيلة التسعينات! إلا أن الأمر راهنًا يشير إلى بدء تعاظم هاجسهم الأمني، ملازماً لهاجسهم الاقتصادي، في ظل نظام يحاول أن يفك الارتباط بين الاثنين، وقد يكون أفلح حتى الآن، لكن ليس من مؤشّر يثبت أنه سيُفلح في المرحلة المقبلة، وسنراه قريباً جداً أمام السؤال المصيري الذي يقف أمامه النظام المصري هذه الأيام، إما الانفتاح على المجتمع وتململه للحصول على شرعيته، أو انقضاض للنظام على المجتمع قمعاً وعنفاً. سيكون على النظام في إسرائيل أن ينفتح على المجتمع الدولي ومطالبه الصريحة بتغيير عقليته لغرض استعادة كامل الشرعية للدولة العبرية، والأخذ بأصوات المجتمع وفئاته الفقيرة أو المعرّضة للفقر، أو خطف الدولة العبرية أو تجربتها إلى نظام أبرتايد معلن! فهل نشهد مفارقة تاريخية تتجسّد في انقضاض النظام في إسرائيل على الدولة والمجتمع وخطفهما نحو الفناء الداخلي لهوية قومية هي غطاء للفاشية، بينما تتحرك الشعوب العربية لاستعادة الدولة والنظام من سلطة شائخة؟ هل تنسحب طريقة فض مأزق شرعية النظام العربي في عيون مجتمعه ومواطنيه على مأزق شرعية إسرائيل في عيون المجتمع الدولي! هل يستطيع المجتمع الإسرائيلي إصلاح ما أفسده النظام في هذا الباب؟ الباحثون الجدد في إسرائيل يشـككون في إمكان نجاح مجتمعهم، بينما رئيس دولتهم لا يزال متفائلاً!