Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

الحضارةُ أنثى، ماذا عن السيجارة!؟

מערכת, 9/8/2009

إنَّ الثّوراتَ الرقميةَ المتتاليةَ التي اجتاحتْ وما تزالُ تجتاحُ حياتنا بكلِّ تفاصيلها أصبحتْ مثارَ جدلٍ عميقٍ وكبيرٍ في عالمنا العربي الذي أصبحتْ مجتمعاته (المريضةُ ولن أقولَ الميَّتةُ!) مهووسةً بالتّشبهَ بمن صدّر هذه الثورات بكلّ الطرقِ المتاحة، وتبنّي الجّانب السّلبي والأسود من نظرياتهم وفلسفاتهم وحتّى عقائدهم، فكانَ أنْ يسّرتْ هذه الثورات على النّاس في الكثير في أمورهم وأحوالهم وعَقّدتْ بآنٍ واحدٍ، سَهّلَتْ وأتعبَتْ، عَلّمتْ ودَمّرتْ، وبكلّ أسفٍ فإنّ أغلب الاختراعات المذهلة التي وصلتْ لعالمنا العربي (المحافظ!) ساهمتْ بشكلٍ أو بآخر بزيادةِ مصائبنا الأخلاقية والاجتماعية والفكرية والعقدية، وأفرزتْ بالمقابل المزيد من الأسئلةِ الكبيرةِ حولَ أمل هذه الأمّةِ الموغِلةِ في فسادها وتخبّطِها الأخلاقي في أنْ تستعيدَ عبرَ هذه الأجيالِ المُخَدَّرَةِ بـ (الريموت كونترول) دورها القيادي الذي كانَ لها فيما مضى، فصنعتْ الحضارة وصَدّرتها بقوّة المنطقِ لا بمنطقِ القوّة، وبالأخلاقِ الكريمة والمُعاملةِ الحسنة لا بـ (إف 16) ولا بالقنبلة النووية!. مؤامراتٌ خفيةٌ وخبيثةٌ تُديرها مجموعاتٌ منظّمةٌ وغيرُ منظّمةٍ، موجّهةٌ أو تعملُ اعتباطياً دونَ أدنى حسابٍ ولا مسؤولية وحَسَبَ مصالحها أو رؤاها السوداءَ، وكُلٌّ لأسبابهِ ومصالحهِ. هذه المؤامراتُ الكبيرةُ وغيرُ المرئيةِ للكثيرين - للأسف - تستهدفُ الأعمدةَ الرّئيسيةَ التي تقومُ عليها مُجتمعاتُنا لتشغلَ القيّمينَ على قوّتهِ وسلامتهِ عن قضايا الأُمّة الكبيرةِ والمصيريةِ. ومن أخطرِ الأدواتِ التي تستخدمُها هذه المجموعاتُ المشبوهة هي التلفاز لكونهِ الوسيلةَ الأكثرَ شعبيةً لدى كلِّ فئاتِ المُجتمعِ وقِطّاعاتهِ، ولذا فلا غرابةَ في أنْ نُشاهِدَ هذا الكمَّ الهائلَ منَ القنواتِ العربيةِ وعَبْرَ أكثرِ من قمرٍ صناعيٍّ يغزو بيوتنا وأفكارنا، ويبثُّ سُمومهُ المصنوعةَ بعنايةٍ في العقولِ العربيةِ المنهكةِ أصلاً والمتهالكة والتي لا تشبعُ جهلاً وتخلّفاً. أيُّ (رَجُلِ أعمالٍ) حتّى لو لم يكنْ يملِكُ شهادةَ التّعليم الابتدائي بإمكانهِ أنْ يمتلِكَ قناةً تلفزيونيةً يُديرها بالمنطقِ الذي يعجبُهُ بغضِّ النّظر عمّن وافقَ أم لم يوافق، رَضي أم لمْ يرضى، أُعجِبَ أمْ لم يُعجبْ، لنُشاهِدَ من خلالِ هذه القناةِ أو تلكَ ما يمكنُ أنْ نُسَمّيَهُ "المُختصرُ في الفِكرِ العَربي في القرنِ الواحِدِ والعشرين"!. ولذا فإنّ التلفازَ أصبحَ أخْصَبْ أرضيةٍ يُمكنُ من خلالها زرعُ الألغامِ لتنفجر في أفكارنا وسلوكياتنا كيفما اِتُفِقَ، وبدأتْ كُلُّ جهةٍ مشبوهةٍ تَبثُّ رسائلها المُلغَمةَ بكلِّ يُسرٍ، وبمباركةِ الجهاتِ الرّسميةِ التي يُفترضُ أنْ تحمِلَ عِبْأَ وَصْفِ (مسؤولة) فتُراقِبَ وتوّجِهَ وتُحاسِبَ من لمْ يردعُهم وازِعٌ دينيٌّ ولا وازعٌ أخلاقيٌّ فعاثوا في عقولنا وعقولِ أبنائنا فساداً. حَربٌ أخلاقيةٌ وثقافيةٌ واجتماعيةٌ شاملةٌ تُخاضُ ضِدنا، ومشاريعٌ استعماريةٌ خطيرةٌ تُؤسَّسُ بمَكرٍ في رؤوسنا، وأفكارٌ تُطرحُ بخُبثٍ ما بعدهُ خُبثٌ يتمُ تسويقها للعامّة ليتمَّ تقليدُها وتداولُها باعتبارِ أنّ من يظهر في برنامجٍ ما أو في مسلسلٍ آخرَ منْ شخصياتٍ معروفةٍ ومحبوبةٍ بحسبِ القسمِ الأكبرِ من المتلقين يُعتبرُ قدوةً يُحتذى بها ومثلاً أعلى يَجِبُ تقليدَهُ بكلامهِ وسلوكياتهِ وملبسِهِ وبقصَةِ شَعره وبأدقّ التفاصيل لنكونَ قد ركِبْنا رَكبَ المتحضّرين والحداثيين بغضِ النّظرِ عن التقييمِ الصحيحِ لهذا الشخص وفيما إذا كان يجوزُ لنا أنْ نُقلِّدهُ!!. ولأنّ المُقامَ (أو المَقَامَ) لا يتسِعُ للخَوضِ في كلِّ أشكالِ وأنواعِ هذه الحربِ المسعورةِ، لأنّ كُلاً منها يحتاجُ للكثيرِ من التحليلِ والتشريحِ والتوضيحِ لمخاطرها وطُرُقها وأدواتها وأهدافها، فإنني أكتفي بالموضوعِ الذي مَهدّتُ لهُ (و قد أكونُ أطلت) وهو يختصُّ بإحدى الظواهر السلبية والخطيرة التي أصبحتْ مشهداً شبهَ عاديٍّ في شاشاتنا برغمِ قُبحها ووقاحةِ الأدوات التي تُستعمَلُ في تقديمها للمُشاهِدِ الذي تورّطَ بمُشاهدةِ مُسلسلٍ تلفزيونيٍّ أو فيلمٍ أو برنامجٍ ليُدّسَ لهُ السُمُّ بين الحدثِ والحدث، بين الفِكرةِ والفكرة، وكُلُّ هذا ليصبح مشهداً اعتيادياً بل وأكثر!!.

هذه الظّاهرةُ القبيحةُ والخطيرةُ والمذمومةُ هي ظاهرةُ التّدخينِ عندَ النّساءِ، والتي أصبحتْ إحدى أكبرِ المصائبِ التي تشغَلُ مجتمعاتنا في ظلّ النِسَبِ العاليةِ جدّاً وغيرِ المسبوقةِ التي سُجّلتْ بناءً على إحصاءاتٍ عِلميةٍ تمّتْ في أكثرَ من بلدٍ عربيّ، حيثُ وصلَ عددُ النّساء المُدخناتِ في السّعودية مثلاً إلى مليون امرأة من أصل ستة ملايين أي بنسبةِ تفوق 16.5% مما خوّلها لتكون الدّولة الثانية في الخليج فقط (!!!) بعدَ البحرين (1)، فيما أشارت إحصائيةٌ أُخرى أنّ أكثر من 6% من الطبيبات السعوديات مدخنات!!! (2)، وكَشفَ آخرُ تقريرٍ لمنظمة الأمم المتحدة بمناسبة اليومِ العالمي لمكافحةِ التدخينِ وكانَ محصّلةَ دراساتٍ ميدانيةٍ أُجريتْ على مستوى دولِ العالم وطالتْ جميعَ الفئاتِ العُمريةِ أنّ 3% من فتيات الكويت اللواتي تتراوح أعمارُهُنَ بين 13 و15 سنة مُدخنات وهي نسبةٌ تجعلُ من الكويتِ الأولى على مستوى الخليج والسّادسة على مستوى الشرق الأوسط (!!) من حيث انتشار عادة التدخين بينَ الفتياتِ الصغيرات، فيما جاءت اللبنانياتُ على قمّة المدخناتِ ليسَ فقط على مستوى المنطقة بل على مستوى العالمِ أجمع وبنسبة 54.1%!!!!!!. (3) وفي إحصائيةٍ شملتْ عيّنةً من الطالباتِ السورياتِ تبيّنَ أنّ نسبةَ المُدخنات منهنَّ 12% وأنّ 19% منهنَّ يدّخنَّ (النرجيلة) رغم أنّ كُلّ الدّراسات أثبتتْ أنّها أخطرُ وأشدُّ فتكاً من السجائر (4)، بينما كشفت دراسةٌ أخرى أنّ العدد الإجمالي للمدخنات في سورية يصل إلى 23%!!! (5)، بينما وصلت النسبة في السعودية للمدخنات في المدارس والجامعات بناءً على إحصاءاتٍ رسمية إلى 35%!!! (6). مع العلم أنّ هذه الأرقام تعدُّ السّقف الأدنى للحقيقة نظراً لامتناع الكثيراتِ عن التصريحِ عن كونها مُدخنةً لاعتباراتٍ اجتماعيةٍ وأخلاقية فيما يُسمّى بالتدخين السرّي. هذه النّسبُ المُرعبةُ في ازديادٍ مطّردٍ للأسفِ الشديد وأحدُ أهمِّ الأسبابِ لهذه الزيادة هو أنّنا ألِفنا الرّبط المصنوعَ بخُبثٍ وحرفنةٍ بين الأنثى النّاضجة والمتحضّرة والمتحرّرة والمنفتحة وبين السيجارة أو النرجيلة، هذا الرّبطُ ساهمَ في ترسيخِ صورهِ ما قُدّم ويُقدّمُ على الشاشاتِ العربيةِ الصغيرةِ والكبيرةِ من صور الأنثى المتميّزة والنّاجحة في شخصيتها وفي أُسرَتِها وبيتها وفي عملِها والمُتحرّرةِ والمنفتحةِ والتي لا تُفارقُ سيجارتها كدليلٍ إضافيٍّ على كلِّ مميزاتها الخارقة ومواصفاتها الكاملة!!!، وصارتْ السيجارة علامةً مُهمّةً وإضافية على المساواةِ بين الرّجل والمرأة، ولمْ تعدْ كما كانتْ سابقاً رمزاً للفساد الأخلاقي والنّقص الفكري والشذوذ النّسبي في تكوينِ أيّةِ أُنثى تُدخنّ بل وتُجاهر بسيجارتها!!. إقحامٌ مشبوهٌ في مُعظم الإنتاجاتِ التلفزيونية والسينمائية العربية الضّخمة لصورةِ الأنثى المُدخنة زادتْ صورهُ بشكلٍ كبيرٍ في السنوات القليلة الماضية توازياً مع التنامي الكبير وغير المحدود لشركاتِ الإنتاجِ الرّبحية الصِبغةِ، ولضمانِ هذهِ الرّبحية كانَ لا بُدّ من طَرقِ كلّ الأبوابِ المُتاحةِ بغضّ النظرِ عن شرعيتها سواء سمحَ لنا الدّين والمجتمع أم لم يسمحا. ولذا فإنّك لن تفاجأ مثلاً من جوابِ إحدى المعلّمات عن رأيها في ظاهرة تدخين الطالبات بشكلٍ خاصٍّ والنّساء بشكل عام لمّا قالتْ " من تريدُ أنْ تبدوَ أنيقةً ومتكلفةً وتجذبً عريساً فلتُدخّـنْ مثل (سلاف فواخرجي) في مسلسل (أسمهان)"!!!، بينما أيّدت إحدى طالباتُها وزادتْ قائلةً "المرأةُ يمكنها أن تذوّبَ الرّجل بسيجارةٍ شريطة أن تعرِفَ كيف تُدخنها بطريقة جذّابة"!!!!، وهذه ليستْ الأنثى الوحيدة التي تُؤخذُ بما يُعرضُ بطرقٍ خبيثةٍ ومسمومةٍ على شاشات التلفاز التي تصوّر أنثى تحمل علبة سجائرها وتدّخن أمام زوجها وإخوانها وأهلها والمحيطِ الذي حولها في المدرسة والجّامعة والعمل والمقهى والسّوق لتظهر بصورةٍ طبيعيةٍ تألفُها العينُ وتنساقُ لها القلوبُ وتندفعُ لتقليدها والاقتداء بها. وهكذا وجدنا أنّ كاتبي ومخرجي هذه الأعمال ومن ورائهم شركاتُ الإنتاج (لأنّ المسؤولية مشتركة يُصرّونَ مثلاً على مَشهدِ الكاتبةِ المثقفةِ تكتبُ قصصها أو مقالاتها ومنفضةُ السجائر بجوارها تعبأُ بحِملِها، ومَشهدُ المديرةِ صاحبةِ الشّركةِ أو مجموعة الشركات وهي تُشعِلُ السيجارةَ الفاخرة تلو الأخرى كدليل كثرةِ الأشغال وضغطِ العمل والرّفاهية بآنٍ واحدٍ، وعلى مشهدِ الزّوجةِ التي تتناول سيجارةً من علبةِ سجائرِ زوجها كدليلٍ على التفاهمِ والشراكة!!، ومشهدِ مجموعةٍ من الصديقات في أحدِ المقاهي وكُلُّ واحدةٍ منهنّ تمسكُ (نربيش) نرجيلتها وصوتٌ أنثويٌّ يفترضُ أنّه ناعمٌ يُطالبُ بالمزيدِ من الجمر في الفينةِ والأخرى!!!، ومشهدُ الأمّ التي تُدخنُّ بحضرةِ أبنائِها وهي تدندنُ على نغماتِ الأغاني الراقصة، ومشهدٌ لواحدةٍ تُطفِئ سيجارتها على عجلٍ احتراماً (!!) لوالدِها لمّا تُحسّ أنّه قد قدِمَ فجأةً إلى البيت وأخرى لا يعنيها أن تحترمهُ ولا هو أساساً ينتظر منها ذلك!، ومشهدُ البطلةِ في حضنِ البطل في مشهدٍ يتمُّ التلاعبُ فيهِ بحرفنةٍ ليبدوَ بأقصى درجاتِ الرومانسيةِ في جوٍّ لن يبدوَ ربما بوجهةِ نظرِ المخرجِ مبهراً ومقنعاً إذا لم يُملأُ جوّهُ الفاسدُ أصلاً بدخانِ سجائرهما المشتعلة كدليل وئامٍ ونشوة!!!، ومشهدُ الأختِ الغاضبةِ تهدِّئ من فورةِ غضبها بسيجارةٍ تلتهمها بعصبيةٍ وتنفضُ رمادها بفوضويةٍ. وعشراتُ المشاهدِ القبيحةِ التي تُقحمُ بشكلٍ مكرّر ومتعمّدٍ وبأكثر من أسلوب ووجه ولأهدافٍ تتجاوز طيب النّية وخدمة العمل الدرامي وسياق الأحداث كما يتحجّجُ ويتبجّحُ أغلبُ أولي أمر هذه الأعمال، وليترسّخ في ذهنِ المُتلقي ذاكَ الرّبطُ الشّريرِ بين ظواهرَ وأحداثٍ يُفترضُ أنّها جميلةٌ ومحبّبةٌ وبين السّموم التي تسمّى تعدّياً بالسجائر. والسُؤالُ الذي يستدعي نفسهُ هنا، ألا يكونُ التعبيرُ عن الرفاهيةِ وعن صفاءِ الفكرِ أو عكرِهِ وعن الرّاحةِ والتفاهم والنّشوة والقوّة والغضبِ والتعبِ والتفكير والشّرود وغيرها من الحالاتِ والمشاعرِ التي يُمكنُ لأيّةِ أنثى أنٍ تمرّ بها إلا من خلال علبةِ السجائر أو قرقعةِ النرجيلة!!؟، أَمَا مِنْ مَخْرَجٍ دراميٍ يملكُهُ هؤلاء المخرجون المحترفون الذين يُذهلونَ كلّ من يُشاهدُ أعمالهم بالسَويةِ العاليةِ التي تُنفّذُ فيها أعمالُهم يجعلهم يستعيضون عن هذه المشاهدِ الأنثويةِ المُلوّثةِ بدخانِ السجائر ورائحتها بخياراتٍ أخرى يتصدّى لها ممثلاتٌ أثبتنْ قدرتهنّ على تجسيد أعقدِ الأدوار بدون الحاجةِ لا لسيجارة ولا لنرجيلة حتّى في المشاهدِ التي ربما يكونُ وجودُ هذه المصائبِ وارداً كأنْ يكون المشهدُ في مقهى أو في ملهى!!. كيف أُفسّرُ هذه المبالغة في إسقاطِ عشراتِ المشاهدِ بداعٍ أو بدونهِ لامرأةٍ بغايةِ الأنوثةِ والرّقةِ والجمالِ والرّقيِ تحمِلُ سيجارتها وتنفثُ دخانها وتتأملهُ وكأنّها في ملهىً ليليٍ قد يكونُ وجودُ مثلِ هذه المشاهدِ فيه أمراً طبيعياً!!؟. نعم.. قد يكونُ من المُلحِّ استخدامُ المحظور أو المكروه لخدمةِ الفكرةِ في حالاتٍ استثنائيةٍ ضمنَ أيّ عملٍ تلفزيونيٍّ أو سينمائيّ، لكنْ أنْ يتمَ تحويلُ هذا المشروع الفنّي الذي يفترض أن يكون مشروعاً ثقافياً، اجتماعياً، ذا رسالةٍ إنسانيةٍ وأخلاقيةٍ إلى مؤسسةٍ منظّمةٍ ومشبوهةٍ تحرّضُ النّساءَ على التّحرر والتحضّر والمطالبةِ بحقوقها على طريقةِ المخرج ووفق مزاجهِ وأفكارهِ وبشكلٍ مقزّزٍ ومُثيرٍ للريبةِ وعبرَ مسلسلٍ يتابعهُ عادةً كُلّ أفراد البيتِ ويشدُّ انتباههم ويؤثّرُ فيهم خاصةً في ظلّ التحييدِ الكبيرِ الذي أُصيبَ به دور الآباءِ الغائبين أو المُغيبين!. وهكذا نكتشِفُ أنّ الأجواءَ الفاسدةَ التي تحيطُ بنساءِ مجتمعاتنا كانتْ وراءَ هذا الوضعِ المُزري الذي أصبحنا نُشاهدهُ ونَعيشهُ في يومياتنا بعد أن كانَ مشهدُ امرأةٍ تُجاهر بسيجارتها أمام العامة في جامعةٍ أو في حديقة أو في مقهى أو في وظيفة كما هو الحال اليوم أمراً لا يكادُ يُصدّقُ قبلَ سِنينَ عديدة، بينما أصبحَ اليومَ مشهداً مألوفاً واعتيادياً وبالتالي غيرَ مستهجنٍ وغير مُنكرٍ ولا مستغربٍ كما كان قبل الثورات الرّقمية التي تركنا حسناتها للآخرين وأخذنا عنها كلّ مصائبها!!. فهلْ ستتحملُ أجهزةُ الإعلامِ المسؤوليةَ الأخلاقيةَ المُلقاةَ على عاتِقها كأجهزةٍ مؤثّرة وفاعلةٍ في تغيير أنماطِ العيشِ وسلوكياتِ النّاس وتوجيهها كيفما يُراد، وتُصحّحَ عبر القيّمين عليها والعاملين فيها المسارَ الأخلاقيَ الذي تمشي عليهِ باعوجاجٍ ودونما رقيبٍ ولا حسيبٍ؟، وهل تعي الحكوماتُ العربيةُ أنّ الرّقابةَ على هذه المشاهدِ المدسوسةِ في المسلسلاتِ والأفلام مهمّةٌ وضروريةٌ ومُلحّةٌ كأي رقابةٍ تُمارسُ على أيّ عملٍ يُعرضُ خشيةَ أن يحرّض النّاس على حكومتهم أو على مسؤوليهم!!؟.

في بحثٍ ميدانيّ قامَ بهِ أحدُ الأطباءِ وتناول فيهِ النّساءَ المُدخنات (7) حيثُ وجّه لهنّ من خلالهِ مجموعةً من الأسئلةِ ومن ضمن الأجوبةِ الغريبةِ والمثيرةِ للاستهجانِ أنّ 53% من العيّنة التي شملتْ سيداتِ أعمالٍ مُدخناتٍ و24% من العينة التي شملت طالبات الجّامعات اعتبرنَ أنّ التدخين يُعدُّ مظهراً من مظاهر التحرّرِ للمرأة!، ولمّا كانَ أحدُ الأسئلة الموجهة هو " لماذا تُدخنين؟ " كانت إجابة 50% من العينة المختارة أنّهنَ بدأنَ بالتدخين كنوعٍ من التسلية و32 % اتهموا الضّغوط النفسية وباقي الإجابات تراوحت بين التقليد للآخرين ولفت الأنظار ولكنّ الجواب الأكثر غرابة هو أنّ بعضَ النساءِ اعتبرن أنّ التدخينَ يُعدُ علامةً إضافيةً تسجّلُ لصالحهن في سبيلِ الحصولِ على فتى الأحلام!!!!. وعندما كان السؤال: "هل فكّرتِ يوماً كيف ينظرُ إليك المجتمعُ كامرأة مدخنة؟" كان الجواب من قبل 76% من طالبات الجّامعات أنّهنَ لا يكترثنَ و14% منهنّ قُلنَ بأنّهن يتضايقنَ ولكنْ يتجاهلنْ!! والقسمُ الباقي قال إنّه يُفضّلُ عدم التدخين في الأماكن العامة، بينما كانتْ النِسَبُ لسيدات الأعمال 38% لا يكترثن و32% يتجاهلن و34% يُقنّن!!!. في موقعٍ آخر وعبر استطلاعٍ ميدانيٍّ (8) قام به أحدُ الصحفيين أوضحتْ إحدى المُدخناتُ رأيها فقالت: "أدخّنُ كنوعٍ من التحدي لكلّ التقاليد البالية والمتخلفة، من الظُلمِ أنْ يتّهموا كلّ فتاةٍ مدخنة بأوصافٍ لا أساس لها من الصحة. نعم أنا أدخنُ نكايةً (أي تشفّياً!!) من أجل أن أظهرَ أمامهم بأنّني حُرّة وأنّ رأيهم لا يهمُني"!!!!. وتقولُ أخرى: " إنّ التدخين حقّ طبيعي لكلّ فتاةٍ أو شابٍ، وأنّ من يقول غير ذلك هو «موضة قديمة» فأنا أشعرُ بسعادةٍ حقيقيةٍ عندما ينظر الجميع إليَ وأنا أدخنُ، هذا يعني أنني «كول»!!!" وختمتْ أخرى هامسةً: "قد يذبحني أبي إذا علِم أنّني أدخن"، وأضافت ساخرةً: "وضعْتُ خِطّة بوليسية محكمةً ووجدتُ مكاناً آمناً أخبئ فيه عُلبَ السجائر بحيثُ لا يمكن حتى للجنِّ الأزرق أنْ يجده، أخبرتُ أمّي أنني أدخن أما أبي وإخوتي فأعوذ بالله "!!!!!!. بينما كان في الاستطلاع بعض الآراء التي تثلجُ الصّدر خاصّة أنها تأتي ضمنَ " وشَهِدَ شاهدٌ من بناتِ جنسها! " حيثُ قالتَ إحداهُنّ بكلّ جرأةٍ وصراحةٍ: "التدخين بالنسبة إلينا يعتبر من قلة التهذيب والأدب، هذه هي الصورة التي نقلتها الأفلام الأجنبية والعربية، التي ارتبط فيها التدخين براقصات الملاهي الليلية وسيدات الأعمال اللواتي يتاجرن بالمخدرات وغيرهن. أخافُ أن ألمِسَ سيجارة بيدي، لا أدري كيف تتجرأُ بعضُ الفتيات ويُدخنّ علناً وبكلِّ وقاحة، ربما فقدنَ أصول الاحترام والذوق". هذا الرأي يُعبّرُ عن النظرةِ العامةِ والسّائدة للنساء المدخناتْ، هذه النّظرة ستكونُ مخطئةً وظالمةً إذا ما تناولتْ كلّ المدخنات بالمطلق رغم أنّها تعبّر عن حقيقة قسمٍ كبيرٍ من المدخنات، لكنْ يَجِبُ أنّ نُقِرَّ أنّ هناكَ حالاتٍ خاصّةٍ يحقُّ لها أنْ تُعذر بشكلٍ أو بآخر على تدخينها دونَ أن يعني هذا أنْ نباركَ لها فعلتها.

المُضحكُ في الأمرِ أيضاً أنّ بعضَ النساءِ تستنكرُ وتنكِر السيجارة لبناتِ جنسها بينما تُحلّلُ لنفسها نرجيلتها وكأنّ النرجيلة تعتبرُ من أنواع (الكولا) أو العصير لا من أخطر أنواعِ التدخين بل وأقبحهِ، والغريبُ أنّ بعض الأهلِ يباركونَ لبناتهم جلساتهم المسمومةَ بحضرة النرجيلة ويعترضون على السجائر!!!، وفي إحدى الاستطلاعات التي تمّ ذكرها في فقرةٍ سابقةٍ قال أحد الآباء: "النرجيلة أمرٌ مختلفٌ فمن حقِّ الجميع تدخينها، أتقبلُ أن تُدخنَ ابنتي النرجيلة أمّا السيجارة فلا أسمحُ بها مطلقاً"!!!!. من زرعَ في رؤوسنا ورؤوس نسائنا هذه الأفكار!!؟، ومن أوصلنا إلى الزمان الذي نعتادُ فيهِ القباحة ونبارِكُها بلْ ونتواطأُ لصالحها عن جهلٍ أو عن قناعةٍ وفي كلتا الحالتين مصيبتنا كبيرةٌ كبيرة!!؟. من المتورّط في إخفاءِ بياضِ الياسمينِ بسوادِ دخانِ السجائر المغشوشِ ببياضهِ!؟، ومَنْ المستفيدُ مِن تلويثِ رائحة الوردِ برائحة التبغِ، ومِنْ خَدْشِِ نعومة الورد بخشونة التبغ!؟، ومَنْ حرَّض وأغرى المرأة أن تجمعَ في حقيبتها أدواتِ زينتها وقارورةَ عطرها، وعُلبةَ السجائر والولاعة!!؟. من المسؤول عن تحويلِ السيجارة إلى ثقافةٍ وحضارةٍ!!؟، ومن أقنعَ نساءنا أنّ السيجارة أنثى والنرجيلة أنثى وأنّهما مرتبطتان بكونِ أنَّ الحضارة أنثى والثقافة أنثى والأناقة أنثى!!؟، من يتمكنُ من إقناعِ نسائنا أنّهُنَ أجملُ وأشهى وأطهرُ وأنقى وأطيبُ وأكملُ وأروعُ بلا سجائر ولا نرجيلة!!؟، وأنّ الأنثى مرتبطةٌ ارتباطاً أبدياً بالحضارةِ والأناقةِ والدّهشةِ والأسطورة بلا تدخين!!؟. من يُقنِعُ النّساءَ أنّ رائحتهُن لا يجبُ أنْ تُذهبهُ مجرّد سيجارة، وأن طَعم شفاههنّ يجبُ أن لا تُفسِدَهُ مجرّدُ سيجارة ملفوفةٍ على حشائشَ مسمومةٍ؟، من يستحلفُ نساءنا بالذي أبدعَ في تكوينهنّ ليكنْ رمزْ النقاءِ والصفاءِ والعذوبةِ والطّهر والجمال أنْ لا يكفرنْ بأنوثتهنّ بإيحاءٍ وتحريضٍ من أعداءِ الجمالِ والأنوثة؟. إنّ حديثي عن النّساء المُدخناتِ لا يعني أنّني أُرّخِصُ للرجلِ سيجارته ونرجيلته وأُحلّلُها له بينما أحظُرها وأنبُذُها وأحرّمها على المرأة لأنّها (ضِلعٌ قاصرٌ)!، فأنا ضدّ المفاهيم المغلوطةِ التي ارتبطتْ بفِكرِ الرّجلِ الشرقيّ عن السيجارة التي تحوّلت إلى علامةٍ من علاماتِ الفحولة والرّجولة والقوّة، ولطالما حاربتُ هذه النّظرة الذكورية المريضة للسيجارة وللنرجيلة. لكنّني لا بدّ أنْ أعترف أنّني متعصّبٌ جدّاً في الاعتراض على الجّنسِ النّاعم، اللطيفِ، الرّقيقِ الذي آثر قسمٌ من المحسوبين عليهِ أن يَخدِشَ نُعومتهُ بسيجارةٍ أو نرجيلةٍ ارتبطت لفتراتٍ طويلةٍ بالمجتمع الذكوريّ الخشنِ وخاصّةً في مجتمعاتنا الشّرقية. أنا ضدّ تدخينِ الرجل لأكثرَ من اعتبار وضدّ تدخين المرأة لكلِّ الاعتبارات، فالمرأةُ أمّاً وزوجةً وأختاً وبنتاً نِصفُ المجتمعِ حسبَ كلّ الأعرافِ وبما أنّ النِصْفَ الآخر(أي النصف الذكوري) قدْ لوَّثَتْ صورتُهُ لفافةُ تبغٍ ونرجيلة ومنذ زمنٍ بعيدٍ، فلا يجوزُ أنْ نُحرّض ونُلهِمَ النّصفَ الآخرَ (النصفَ الأطهر والأجمل) ونبارِكَ لهُ سيجارةٌ أو نرجيلةٌ تعطيهِ المساواةَ بالنصفِ القبيحِ من مجتمعنا فالأنثى خُلقتْ بالأصل كما ذكرتُ ذاتَ مرّةٍ "لتكونَ في ميزانِ الكون ثِقلاً يرجّح كفّة الجمالِ على كَفّة القباحة أو توازيها على الأقل" ولذا فلا يمكنُ أن نرضى للأنثى أنْ " تستحيلُ إلى شكلٍ آخر وأبشع للقباحة بعينها ".