Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

أبَرُّ من هِرَّة

ג'ואד בולוס-, 12/1/2013

يساورني شعور بأن انحسار نسبة الناخبين العرب قد يكون دليلًا على انخراط أجزاء واسعة من هذه الجماهير في حياة الدولة، وأن عزوفهم عن التصويت هو تصرّف إسرائيلي طبيعي لمواطنين أصبحوا إسرائيليين بالممارسة والمثاقفة وامتحان المصالح، وهي حبال سرّة هؤلاء مع دولة إسرائيل التي تصير مع كل "أرفيزيون" دولة كل واحد منهم وملجأه. تجسيد فظ وانتهازي لشعار أصبح مقلوبًا وملتبسًا: مواطنون من أجل دولتنا. هؤلاء لا يراعون أهمية للمشاركة في الانتخابات لبرلمان دولتهم، تمامًا كما في ديمقراطيّات تعتمد طريقة التمثيل النيابي الغربي ونسب التصويت فيها تقارب نسبة المشاركة العربية المتوقعة. ما أدّعيه هنا قد يغضب كثيرين لأنّه غير مألوف وينفي ما قد تدّعيه الحركة الإسلامية الشمالية وحركة أبناء البلد، وهما حركتان تناديان بشكل علني، عن عقيدة ومبدأ، بضرورة مقاطعة انتخابات "البرلمان الصهيوني"؛ طبعًا ذلك لا ينفي أن نسبة معيّنة من الممتنعين عن التصويت تفعل ذلك إذعانًا لنداء الحركة الإسلامية الشمالية وامتثالًا لنداء حركة أبناء البلد، ولكن لا براهين علمية على دوافع الممتنعين عن التصويت، بينما تدلل مؤشرات سياسية واجتماعية سلوكية على عدم تأثر أكثرية الممتنعين بدوافع عقائدية إسلامية ومبدئية بلدية. يحتمل هذا الموضوع دراسة خاصة ونقاشًا مستفيضًا، وإلى أن يقتحمه ذوو الشأن والمصلحة أعود إلى جنى التجربة مؤكّدًا: "ما العيش إلّا أكلة وتشرّق/ وتمْرٌ كأكباد الجراد وماء"، كما علّمنا الحماسي ومن تبعه في مسيرة الحرف وحبّبوا إلينا أمّنا اللغة. وما دمنا في حضن أمّنا اللغة لا بأس أن نطلّ على ما يكابده البروفيسور فاروق مواسي بمدوّناته الفاروقية، فهو يحاول، منذ زمن، أن يخرج الماء من الصخر وأن يوقف ما يتنامى من تصحّر لغوي وهجرة الطير من أرض اليباس. يوجعني قلبي حينما أقرأ ما ينقله من "دردشات" أبنائنا وأهلنا في معظم محادثاتهم اليومية، نصف الكلام يأتينا بالعبرية ولمن يعي هذه الظاهرة يعرف أننا قد نعيش موت "هوية" وإحياء لغة جديدة، ربما ستسمى في قواميس المستقبل "عربانية". هو واقع متفاعل في بلداتنا يشارك فيه الجميع، فحتى عندما توقفنا لنسأل عن بيت عزاء قصدناه في إحدى القرى أجابتنا سيّدة ستينيّة وهي تزهو بملاءتها المورّدة ومنديل رأسها الأبيض كالحقيقة: "كمّل خيّا وبعدين فوت سمولا (يسارًا) بتيجي عككار (دوّار) خود يمينا (يمين) ويشار (مستقيم) في تسوميت (مفرق) وهناك اسأل ...". كما أرشدتنا، مشينا فوصلنا وعزّينا ولم نجد من يعزّينا. عدنا، نتندر على هوانا والوجع وحال عشيقتنا يقول "فتنفّست صعدًا وقالت ما الهوى/ إلا الهوان فزال عنه النون"، فهل سيتوقف علماء السياسة والاجتماع والأحياء عند ما يجري في هذا المفاعل وهل سيفيدونا عن وقع ذلك وعلاقته بهويّتنا المحلّية المتولّدة من يوم إلى يوم؟! ندخل مقصفًا. أدندن بعضًا من أبيات قصيدة لشاعر كانت حجارة ساحات بلادنا تنام على هدير حنجرته. تنام وهي مطمئنة أن صاحبها ما زال هناك يحرس أحلامها ويطيّب جراحها. أسأل الفتى، الذي استقبلني بحفاوة هدهد، ولقد همّ لسكب فنجان قهوتي، إن كان يعرف القصيدة والشاعر. ضحك من سؤالي وأنكر على ذاته مثل هذه "التفاهة". بصوت عال رددت اسم الشاعر وأبياتًا من القصيدة. أردفت غاضبًا، ببعض العتب والتوبيخ، كيف لا تعرفه ورفاقه؟ وهم من حافظوا على سمرة وجهك وصانوا الراء من إغواء الغين في حلقك؟ صعقني. واقفًا أمامي، علٌق ببرودة حلزونة لزجة: هذا ورفاقه "خَوَن" وأكّد كي أفهم وقال "بوغديم"!. بحزم رجل مخابرات هاوٍ تابع تقيُّؤهُ وقذف كلّ ما تلقّنه في نشرات حزبية توعوية وحلقات تحشيدية لبناء هويّة الجيل الواعد، هوية فلسطينية بيضاء وطنية نظيفة خالصة. حزنت لضياعه. شربت قهوتي وكلماته. غصصت بما يشبه بقايا علقم. أصفرَ تبسّم، أدار وجهه ليحدّق في مرآة ويطمئن على سواد يميل الى خضرة، كتلك التي تميز جبنة فرنسية عفنة، مرّر سبابته متكئة على إبهامه، تحسس شفته، لكنّه لم يجد ضالته. تجهّم قليلًا، ابتلعته المرآة فبكى زجاجُها وتعكّر. لقد هزمني ذلك الجاهل وتبخّر. في هذا الزمن نحن نشقى ونعيش. في عصر غابت فيه مفاهيم البداهة الوطنية، حينما كان "الذَّنَب" يعني الفاسد والمفسد والفسّاد. في ذلك الزمن كان الذَّنَب معروفًا للقاصي والداني وكان صاحبه لا يبصبص به، لا من فرح ولا من تشاوف، فالحيّز السياسي العام والراصد الوطني المهيمن ما كانا ليسمحا بذلك. القضية لا تتوقف عند تماهي الحدود وتداخلها بين الخائن واللاخائن، بل تتعداها حتى الخطر. لقد تبخرت هذه التسمية وغاب ما كانت تحمله من تبعات اجتماعية وسياسية. أجيال اليوم لا تعرف مِن الأذناب، إلّا ما زيّن مؤخرات كلابها وهررتها المدلّلة. لذلك صار أهون ألف مرّة أن يُقذفَ بطلٌ من ذلك الزمان، زمن البنائين، ويوصف من سفيه وطنجي "بخائن" وصار أصعب ألف مرّة أن تجد من يجرؤ على أن يصف ابن حمولة أو قبيلة أو طائفة بخائن، حتى لو كانت كل أجراس الخيانة والعمالة والفساد تجلجل مدلاة من عنقه العريضة، وهو يختال على كل منصة ويشارك في كل وليمة عيد وصلحة. إنّه زمن القطط العجفاء والهررة السمان التي عنها قالت العرب "أبرُّ من هرّة" لأنها كانت تأكل أولادها خوفًا عليهم من جوع، ورأفة بهم من شقاء هذا العالم. لذلك، وبعد أن عزّت كرامات وساد جهل وطغى نفاق، لماذا لا يفقد الأبناء، في مثل هذا التيه، شهيّتهم الوطنية ويستسقفون "بالحركة" "والعمل" ويهتفون: هيّا إلى الإمام أو كديما شباب، كما كانت "عربانيتنا" ستفصح. يتبع....