Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

مروان مخول: لم أشعر بأنّ القدس عاصمة للثّقافة العربيّة

מערכת, 7/9/2009

  • إنّ احتلالنا هو احتلالٌ ثقافيٌّ وليسَ عسكريٌّ فقط!
  • إنّنا شعبٌ لا يجرؤ على الانكشاف!
  • 90 % من النّدوات التي تُعقد في الدّاخل مملّة وبعضها يُمثّلُ عقابًا جماعيًّا!
  • لا يوجد مؤسّسة ثقافيّة حتّى يكون هناك معايير نجاح وفشل!
  • اغتسلتُ من العنصريّة والعنف وردّ الفعل!
  • مَن هو المُخوّل الّذي يصنّف النّاس، ومَن منّا لا يعرف أنّ ثلاثة أرباع الفضائيّات مشبوهة!

حوار أجراه في رام الله جميل حامد_خاصّ بـ (الوسط اليوم)

القصيدةُ بما تُمثّله مِن موروثٍ أدبيٍّ، والشّاعرُ بما يُمثّلهُ مِن شهادةٍ على العصرِ في زحمةِ الأحداثِ الواقعةِ على مساحةِ الهمّ، والثّقافةُ الّتي تتدحرجُ على صدر الوطن كحبّاتِ اللّؤلؤ، على صدر صبيّة أفنتْ شبابَها في رثاء ثوبٍ تمزّق على وقع الاغتصاب، وما تبقّى مِن حلمٍ على هذه الأرض الّتي أفنتْها الأنا بين جموعِ مَن التحفوا بالوطن، وتغطّوْا بأوراقِ التّوت المتساقطة في خريف الانتماء، تتابعت الأسئلةُ باحثةً عن إجاباتٍ قد تروي ظمأ الأمنياتِ البعيدة، وتفتّشُ عن حقيقةِ التّمرّدِ على الأنا الّتي سَلبتْ مِن الثّقافة بلاغة اللّغة، وتُنقّبُ عن تلك الرّوح الّتي ما زالتْ تقبضُ على أرض الزّيتون بنزفِ الحروف.

حوارٌ أردْتُهُ مُشبَعًا بالحقائق، وخاليًا من كربونات اللّغة الّتي أضحتْ ككوبونات الحياة في الجزء المحتلّ من بلاد السّمن والعسل، وفارغًا من الشّخصنة الّتي أطرتْ القصيدة، وجعلتْها تأشيرةً تقتحمُ ثقافةَ الزّيتون وحقولَ الألم برقع الذّات، الّتي تطفحُ من كؤوس الدّمع وصهاريج الألم!

أردتُهُ حوارًا يُفجّرُ هذه الصّهاريج على صفحات التّأمّل والمصالحة مع الذّات، ويخلعُ مِن حقولِنا أشواكَ التّستّرِ وراءَ الحروف!

هنا، أتركُ للقارئِ والمثقّفِ العربيِّ المساحةَ الكافيةَ، للغوْصِ في بحرِ هذا الحوار، مع الشّاعر مروان مخول ....... إلى تفاصيل الحوار

الوسط اليوم: أينَ تقف الآن شعريًّا وإنسانيًّا؟ مخول/ أنا أقفُ في مكانٍ غيرِ ثابتٍ على الدّوام، فعلى أيّ إنسانٍ أن يتطوّرَ ما بين لحظةٍ وأخرى، ومثلما قال الأمير السّعوديّ في ردّه للسّائل "كم هو رصيدك في البنك؟"، كان ردُّهُ: "على بين ما أجاوبك يتغيّر رصيدي"، وهذا ينطبقُ عليّ أنا أيضًا، ولكن من النّاحية الإنسانيّة والشّعريّة، ففي اللّحظةِ الّتي سأجيبُك بها، سيتغيرُ رصيدي الفكريّ، بل سيتغيّر وعيي الثّقافيّ، ويبقى الخلافُ الوحيدُ في جوهرِ الأمورِ، من أمورٍ ثقافيّةٍ وأدبيّةٍ وحتّى معنويّةٍ، مع الحفاظِ على الثّوابتِ الضّروريّة.

الوسط اليوم: هل المقصودُ بأنّكَ متأثّرٌ بمتغيّراتٍ معيّنة؟ مخول/ أوّلُ دوْرٍ يجبُ أن يلعبَهُ أيُّ فنّانٍ هو مواكبةُ العصرِ والتّحدّثِ بلغتِهِ، ولا يمكنُ أن أتحدّثَ بلغةِ عصرِ الأندلسِ، في زمنِ أغنيةِ "الرّاب"، أستطيعُ أن أتحدّثَ عن الأندلس كنوستالجيا فقط، وليس كنهجِ حياةٍ أمارسُها في واقعي، وبالتّالي لكي توصلَ وجهةَ نظرِكَ أو حديثَكَ للمتلقّي، يجبُ أن تعاصرَهُ وأن تلامسَ الأمورَ الّتي تمسُّهُ في الحياةِ اليوميّةِ العاديّةِ، وليسَ مِن خلالِ التّنظيرِ الّذي لا يرتبطُ باللّحظةِ والزّمان بشيء.

الوسط اليوم: هل تجدُ نفسَك ابنَ قضيّةٍ، أم أنّك بحدِّ ذاتِكَ أنتَ قضيّةٌ تحاولُ أن تترجمَ نفسَها شعريًّا؟ مخول/ أصبحَت أتحسّس لكلمةِ (قضيّة) أو (وطن)، ولمصطلحاتِ الاحتلالِ ومناخِه السّياسيِّ والثّقافيّ العامّ، أعتقدُ أنّ الإنسانَ يجبُ أن يترجمَ إبداعَهُ مِن خلالِ ما يشعرُ به كفرد أوّلاً، وإذا كانَ ينطبقُ هذا التّعبيرُ الصّادقُ على العامّ وعلى المجتمعِ ككلّ، فلا ضيرَ في ذلك، أنا لا أجدُ نفسي مِن أيّ قضيّةٍ بالمفهوم السّطحي، أو مرتبطًا بانتماءٍ مطلق، مع العلم، بأهمّيّة ضرورة الحفاظِ على الثّوابتِ الوطنيّةِ الأساسيّة، فأنا مجموعةُ متغيّراتٍ تحثّني دائمًا على صياغةِ الذّاتِ أوّلاً، مع الحفاظِ كما قلتُ على هذا الخيطِ الضيّق بين التطوّرِ، وبينَ المحافظةِ على الثّوابتِ الأخلاقيّة، أريدُ صياغةَ الأخَرِ مِن خلالي، أرى أنّهُ يجبُ أن نكونَ صادقينَ قدْرَ الإمكانِ. ففي طريقي وأنا قادمٌ إليكَ ظُهرَ اليوم، مررتُ من وادي عارة، فرأيت بيتًا مهدومًا (عملوا مظاهرات بالدّاخل، وبعد أن هدموهُ عملنا مظاهرات أخرى وأعدنا بناءَهُ وأعاد الاحتلال هدْمَه).. أنا أرى قسوةَ الاحتلال والتّضييقِ في مُسطّحِ البناء، لذلك نضطرُّ لبناءِ بيوتٍ بدونِ ترخيص، ولكن دعني أسأل نفسي سؤالاً آخر، إذا كنتُ أنا الشّاعر أو الفنّان الموجود على السّاحةِ، أتغنّى ببناءِ البيت مرّة أخرى بعدَ هدْمِهِ، مِن جهتي، لا أرى الأمرَ بهذا الشّكل، ولا أقصدُ أحدًا بهذا الحديث، ولكن أسأل:

لماذا أعودُ إلى بنائِهِ بهذه الآليّة، وأنا أعلمُ سلفًا أنّهم سيعودون لهدمِهِ؟ ولماذا هذا الصّراعُ وهذه المعركة الخاسرةُ مِن البداية؟ لماذا لا أحاولُ أن أوسّعَ مُسطّحَ البناءِ مِن خلالِ أساليب أخرى ذكيّة أكثر؟ كالمركزِ العربيِّ للتّخطيطِ البديل مثلاً؟ أو محاولة توصيل هذه الممارسات إلى جهاتٍ دوليّةٍ معنيّة، وهذا حاصل، ولكن بشكلٍ غيرِ كافٍ؟

الوسط اليوم: كيفَ برأيكَ يكونُ الأمرُ؟ وما هي الأساليبُ الأخرى؟ مخول/ أنا مع إعادةِ بناء المنزل، لكن ليس بهذه الطّريقةِ الّتي تمنحُ السّلطةَ الإسرائيليّةَ مبرِّرًا جيّدًا. لماذا لا أبحثُ عن نهجٍ آخر لإعادةِ بنائِهِ، دون أن يعودوا لهدْمِهِ؟ لماذا لا أذهبُ للمحاكمِ الدّوليّةِ وأفضحُ ظّلمَ السُّلطة وممارساتِها وتضييقاتِهِا؟ يزيدُني غيظًا عندما أمرُّ بالقرب مِن أمّ الفحم، فأرى الرّكام، دليلاً على أنّني فشلتُ في المعركةِ مع السّلطةِ، بل وأنّه كسَرَ شوكتي بيدي.

أنا مع المقاومة، شرطَ أن تمتثلَ لمعاييرَ شعبيّةٍ بتقنيّةٍ عاليةٍ، وليسَ مع المقاومةِ من أجلِ المقاومةِ كشعارٍ كبيرٍ، هذا ما أقولُهُ، الشّاعر العصريّ وابنُ القضيّة الحقيقيّ والفعليّ يجبُ أن ينتقدَ شعبَهُ أوّلاً، ويجب أن ينتقدَ أداءَهُ بوقتٍ متزامنٍ مع انتقاد الآخر.

الوسط اليوم: لكنّهُ نوعٌ من أنواعِ النّضالِ والتّحدّي، وأحزابٌ وحركاتٌ كثيرةٌ بنَتْ أيدولوجيّاتها على هكذا توجّهات، فهل أنت تُخطِّئُ الجميع؟ مخول/ أنا أعرفُ أنّي سأواجهُ انتقاداتٍ، وسيُوجَّهُ لي سؤالٌ واحدٌ، فيما لو هُدمَ بيتُك، ألن تعودَ لبنائِهِ؟ نعم أريدُ بناءَهُ، ولكن بأسلوبٍ ذكيٍّ وغير قابعٍ للعاطفةِ فقط، أنا أستاءُ جدًّا عندما أمرُّ قربَ السّوقِ على مدخل أمّ الفحم، الّذي هدموهُ أوّل يومٍ فاعتصمنا هناك أسبوعًا، وقمنا بمظاهراتٍ وأعَدْنا بناءَهُ مرّةً أخرى، ولكن بعدَ يوميْن عدتُ هناك، فكانَ السّوقُ ركامًا مضحكًا، ممّا دعاني للتّساؤلِ عمّا إذا كنتُ قد نجحتُ في سعْيي إلى ذلك.

الوسط اليوم: ما بين عام 1948 حتّى عام 2009، هناك أكثر من ستّين عامًا.. أين تجد التّغيّر سياسيًا؟ مخول/ لقد حصلَ تغييرٌ في مسألتيْن فقط؛ التّغييرُ الأوّلُ يكمنُ في تطوُّر سلطةِ الاحتلال، أمّا الثّاني فهو تطوُّر تخلّفِنا عن مرحلةِ السّبعيناتِ الرّائعةِ؛ إنَّ تطوُّرَ الاحتلالِ كانَ مُحصّلةً واضحةً لنتيجةِ الإمبرياليّةِ وتخلّفِنا. أنا لا أنكرُ كلَّ الجهودِ المبذولةِ كالمقاومةِ الفاعلةِ للحركاتِ السّياسيّةِ، لكن، إذا رأينا أنّنا لم نجدْ خلالَ ستّينَ عامًا طّريقَنا الصّحيحَ والكافي، فيجبُ إذًا إعادة صياغةِ الموقفِ السّياسيّ والثّقافيّ، لأجلِ إيجادِ الطّريقِ الأصحّ!

الوسط اليوم: يبدو أنّ حلولاً وسبلاً لمعالجةِ بعض القضايا تدورُ بخلدكَ، ما هي الطّريق الصّحيحة برأيك؟ مخول/ هذهِ جهودٌ جماعيّةٌ، وأنا كفردٍ لا أملكُ حلاًّ شاملاً وسليمًا، أريدُ أن أقولَ شيئًا قبلَ أن أبحثَ عن آفاقٍ وحلولٍ عريضةٍ، سياسيّةٍ وغير سياسيّة، لتخطّي هذه المرحلةِ، دعْني أبحثُ عن كيفيّةِ جعْلِ السّائقين يقفونَ بانتظامٍ في زحمةِ الانتظارِ على الحاجزِ العسكريّ، ونحن ننتظرُ البائسينَ من الجنودِ كي يفتّشونا أو يهينونا، يجب بدايةً أن نطوّرَ أخلاقيّاتِنا وأدبَنا، ففي طريقي إلى رام الله ظُهرَ اليوم كنتُ في طابور، أمامي عشرات السّيّارات، عندها وخلالَ ساعةٍ من الوقوف الموضعيّ، تجاوزتْني أكثر من عشرين سيّارة، وأخذتْ دوْري ودوْر غيري! وهل سأستطيعُ بهذهِ الحالةِ أن أعوّل على نفسي مرحليًّا؟ إذًا؛ يجب أن نطوّرَ أنفسَنا وأن نكونَ جاهزينَ لمعركةٍ حضاريّةٍ أخرى، كعملٍ رديفٍ لمحادثتي مع هذا البائسِ الواقفِ أمامَنا على بُعدِ مائتيْ متر، ويجبُ أن أعالجَ نفسي بنفسِ حجم خطاي السّائرة، إلى حيث الجنديِّ المغرور في الحاجز!

الوسط اليوم: ما هو اللّونُ الّذي تصبغُ به نفسَكَ، وتفضحُكَ به قصائدُك؟ مخول/ أنا لا أخفي شيئًا، وكلُّ ما أشعرُ به وأكونُ واثقًا منه أصرّحُ به وأقولُه، قصائدي تمثّل أسلوبًا فنّيًّا لا أكثرَ، إنها تُعبّرُ عمّا يخرجُ منّي بمسؤوليّة. أنا إنسانٌ عاديٌّ جدًّا وطبيعيٌّ جدًّا، أشعرُ فقط بالتّمرّدِ على تخلّفي، وأحاولُ أن أتطوّرَ يوميًّا للأفضل، فالإنسانُ السّليمُ يُغيّرُ في ذاتِهِ ليُغيّرَ في المجتمع.

الوسط اليوم: ما هي المؤثّرات الّتي لعبتْ دورَها في صقلِ شخصيّة مروان مخّول الإنسان والشّاعر؟ مخول/ هناكَ الكثيرُ مِن المؤثّرات، كسيكولوجيّةِ نشأتي الاجتماعيّةِ، لقد كبرتُ لدى مجموعةٍ سكّانيةٍ معيّنةٍ في الجليلِ الغربيّ، أي في كنفِ المجتمعِ المسيحيِّ الّذي قد لا يكونُ في تماسٍ مساوٍ لتماسِ أهلِ بيتِ حانون ونابلس مع الاحتلال، ولكنّني استطعتُ كالكثيرينَ غيري مِن أبناءِ هذهِ الأقلّيّةِ، أن ألامسَ القضيّةَ فعليًّا، وبحُكمِ القراءةِ الشّاملةِ للمشهدِ السّياسيِّ، كنتُ أتمنّى أن يتعاطفَ كلُّ أهلي في الجليل مع غزّة، مِن منطلقٍ إنسانيٍّ على الأقلّ، وكم بالحري، إن كانوا فلسطينيّين بالهويّة. لماذا تأتي فتاةٌ نرويجيّةٌ مبتورة السّاقين، لتدافعَ عن الأسرى والمعتقلين، وأنا هنا في الجليلِ أجلسُ في حضرةِ المكيّف الهوائيِّ، أمارسُ حياتي برفاهيّةٍ قصوى ولا مبالاةٍ صارخةٍ؟ أنا لستُ مع أنصارِ الحزنِ ومعايشتِهِ، ولكن على الأقلّ، أريدُ أن أمارسَ واجبي الإنسانيَّ تجاهَ شعبي، إن كانَ بدعمٍ معنويٍّ أو أخلاقيّ على أقلِّ حدٍّ، بمجرّدِ أن أقفَ في وجهِ الاحتلال، واعتصمَ في الجليلِ الهادئِ بينَ المستوطنات الزّراعيّة، فهذهِ خطوةٌ داعمةٌ تُشبعُ الإحساسَ بالوجودِ فعليًّا.

لأجلِ إنصافِ الوطنيّينَ أقولُ، إنّ في الجليلِ الأعلى (المنطقة الدّرزيّة والمسيحيّة)، مجموعةٌ وطنيّةٌ واعيةٌ، ولكن هنالكَ أيضًا مَن يعيشُ في تقدّمٍ حضاريٍّ في غير مجالِ الوعيِ الفكريِّ السّياسيّ، فلماذا لا يُجنِّدُ هؤلاء العصريّونَ هذهِ القدراتِ لصالحِ فهْمِ الموقف، ومِن ثمَّ نُصرة هذا الشّعب ضدَّ آخِرِ احتلالٍ في تاريخِ البشريّة؟ وما هي إسرائيل أصلاً؟ إنها أنا الفلسطينيّ، فإذا استطاعَ هذا الفلسطينيُّ أن يغيّرَ ملامحَهُ، عندها ستتغيّرُ ملامحُ إسرائيل كاحتلال.

أمّا على الصّعيدِ الشّعريِّ، فنحنُ في الجليلِ نملكُ شيئًا آخر، سوى حياةِ الاستهلاكِ السّلعويِّ، إنّهُ الفنّ، صحيح أنّ هاجسَنا اليوميَّ كجماعةٍ ليسَ هاجسًا سياسيًّا بحتًا، ولكنّهُ يعتمدُ في المناخ العامِّ على التفرّغ للفنِّ بأشكالِهِ، وإنّ طبيعةَ المكانِ الجغرافيِّ الجميلِ تُحتّمُ على لاوعيِنا الجماعيِّ، أن يتغنّى بوردةٍ أو مرجِ زيتونٍ، ليغدو بعضَنا بطبيعةِ الحالِ مبدعًا.

الوسط اليوم: لندخلْ في الجانبِ الإنسانيّ.. الكاتبُ ينطلقُ مِن مجموعةِ مسبّباتٍ أو عناصر، كالحزن والفرح الّتي تُشعلُ هذه الشّرارة.. هل أنت مع هذا المنطلق؟ مخول/ أيّ شيءٍ تقولُهُ يُعبّرُ عن إنسانيّتِك، لكن دعني آخذ شقًّا آخر مِن سؤالِك، الحزنُ والفرح هما أرضٌ خصبةٌ للإبداع، وهناك مَن يعتقدُ أنّ الألمَ وحدَهُ يُكوّنُ أرضَ الإبداعِ الخصبة.. أنا لا أؤيّدُ هذا الكلام، ولكن أقول، إنّ مع الحزن والبؤس يولد أدبًا، كما يولد مع الفرح والرّفاهيّة، شريطةَ أن تكونَ اللّحظةَ الّتي يُكتبُ فيها هذا الأدبُ، ليستْ ذاتَها لحظةَ الحزنِ والبؤس، إنّما يُكتبُ بعدَ زوالِ هذهِ الحالةِ النّفسيّة، أي في مرحلةٍ متأخّرةٍ وخارجةٍ عن إطارِ الألم ذاتِهِ، أي في لحظةِ التّمتّعِ بوعيٍ وإدراكٍ أعلى، لا بالتّعاملِ مع العاطفةِ بوتيرةٍ عالية، ولذلك، تخرجُ اللّوحةُ الفنّيّةُ أو القصيدةُ من منطلقاتِ تجربتِهِ الأليمةِ، وليس من حالتِهِ الرّاهنة. أنا لا أومنُ أنّ هناك إنسانًا خارقًا على وجهِ الأرض، يستطيعُ كتابةَ قصيدةٍ تُجسّدُ لحظةَ وجعِ سِنِّهِ مباشرةً، إنّما يمكنُ أن يَكتبَ عن وجعِ سنِّهِ في يومٍ آخر.

الوسط اليوم: ما رأيُكَ بمن يكتبونَ بشكلٍ يوميّ؟ وهل يُمكنُ للشّاعر أن يتحكّمَ بقدرتِهِ الذّهنيّةِ والتّأمّليّةِ كيفما يشاءُ ووقتما يشاء؟ مخول/ أنا ضدّ منطقِ الوحي، فهذه شعاراتٌ رنّانةٌ فارغةٌ، وبرأيي، الشّاعرُ يكتبُ قصيدةً ليس فقط عندما تكونُ لديهِ فكرةٌ جيّدةٌ تحومُ فوقَهُ كما يقولُ البعضُ، إنّما حينما يشعرُ بحالةٍ من الاستقرارِ والهدوءِ النّفسيّ، وإنّ أجملَ ما كتبتُهُ ليسَ وليدَ فكرةٍ كبيرةٍ، إنّما هو المناخُ الّذي كانَ مناسبًا ومؤاتيًا. أمّا فيما يتعلّقُ بكثافةِ وزخم الإبداع، فهذه مسألةٌ نسبيّةٌ تختلفُ مِن شخصٍ لآخر، مع العلم، بأنَّ ما يختمرُ مِنَ الصّورِ يكونُ أكثرَ صدقًا مِن سِواه. لا أصدّقُ أنّ هناكَ شاعرًا يتطوّرُ فكريًّا كلَّ يوم، ولا يمكن أن تتطوّرَ نفسيّتُهُ في ظرفٍ قصيرٍ، وأنا لا أمانعُ أن تكتبَ قصيدةً كلّ يومٍ، ولكن لا أتصوّرُ شاعرًا يكتبُ ملحمةً شعريّةً طويلةً كلَّ ساعةٍ، هذا مستحيل واقعي، أنا أؤيّدُ أن يكونَ بينَ كلِّ قصيدةٍ وأخرى مرحلةُ تطوّرٍ إنسانيٍّ لدى صاحبِ التّجربةِ، ولا أريدُ أن تكونَ ركيزتي الأساسيّةَ نفسَ الثّقافةِ، لأكتبَ عن الموضوعِ ذاتِهِ بإطنابٍ مُملّ.

الوسط اليوم: لماذا فشلَ المثقّفونَ عامّةً والفلسطينيّونَ خاصّةً، في فرْضِ الرّوايةِ الفلسطينيّةِ كنتاجٍ إبداعيّ، كانَ مِن الممكنِ أن تُساهمَ التّجربةُ والمعاناةُ في إحداثِهِ؟ مخول/ أنا أؤيّدُكَ الرّأيَ جزئيًّا.. يوجد شعراء وكتّابٌ وفنّانونَ أسهموا بالتّعبيرِ عن القضيّةِ الفلسطينيّةِ بشكلٍ حضاريٍّ، واستقطبوا آراءَ ومواقفَ رائعةً، فالمثقّفونَ الفرنسيّونَ على سبيل المثال، على درايةٍ بما نُعانيهِ مِن اضطهادٍ، مِن خلال أغانٍ وقصائدَ محلّيّةٍ وصلتْهم، ولكن سؤالَكَ انطلقَ من أنّ هؤلاء قلّة، وهذا صحيح، أنا لا أؤمنُ أيضًا أنّ هناكَ مجتمعًا لديهِ مليون شاعر أو فنّان، ومن جهةٍ أخرى، أنتَ لا تستطيعُ أن تعتمدَ على أربعة أو خمسة فنّانين لكي يُعبِّروا عن القضيّة، فهؤلاء أفراد فقط، لديهم همومُهم الشّخصيّةُ الذّاتيّةُ أيضًا، وهم غيرُ مبرمجين من خلال منهجٍ أو مؤسّسةٍ، ليوصلوا هذهِ المرحلةَ للآخر، بل أنتَ تحتاجُ إلى عقودٍ من الوقتِ، وأمّا مَن تتحدّثُ عنهم، فغالبيّتُهم ليسوا مُبدعينَ حقيقيّينَ، أنتَ تتحدّثُ عن ألف شاعرٍ وهميٍّ.

الوسط اليوم: الإعلامُ جزءٌ مِن الماكينةِ الإعلاميّة الثّقافيّةِ في كلِّ مجتمعٍ، والرّوايةُ الإسرائيليّةُ فرضتْ نفسَها على الإعلام الفلسطينيِّ والعربيّ، ولو نظرنا إلى المرئيّاتِ والمسموعاتِ والتّرجماتِ والصّحفِ عن الإعلامِ الإسرائيليّ، لرأينا أنّها تحتلُّ الجزءَ الأكبرَ مِن منشوراتِنا ومطبوعاتِنا الصّباحيّة.. ألا يوحي لك ذلك بفشلٍ ثانٍ، على صعيدِ إبرازِ هويّتِنا الثّقافيّةِ وروايتِنا العربيّةِ الفلسطينيّة؟ مخول/ هناكَ مشكلةٌ، فقبلَ أن تنبعَ مِن المثقّفِ الفلسطينيّ، هي تنبعُ مِن المؤسّساتِ الفلسطينيّة العاجزةِ، وقبلَ أن تنبعَ من المؤسّسةِ، هي تنبعُ من الاحتلالِ الإسرائيليِّ والأمريكيِّ اللّذينِ يحاصرانِ المواردَ الماليّةَ أوّلاً، وهم بالأساسِ يُحاولونَ منْعَ وجودِ مراكز أو مؤسّساتٍ ثقافيّةٍ ترعى هؤلاء المثقّفين، أو تساهمُ في تطويرِ وجهةِ نظرِهم، وبلورةِ أفكارٍ جديدةٍ مغيِّرةٍ للإسرائيليِّ ووجهةِ نظرِهِ.

نحنُ نملكُ أسماءً جيّدةً ومثقّفين، لكنّهم بحاجةٍ إلى مؤسّساتٍ واعيةٍ، والمؤسّسة بحاجةٍ إلى مادّيّات. إنّ احتلالَنا هو احتلالٌ ثقافيٌّ وليسَ عسكريٌّ فقط، وأنتَ أكثر مَن يَعلمُ، أنّ معظمَ الشّعوبِ المحتلّةِ قبلَ احتلالِهِا عسكريًّا، يتمُّ احتلالَها ثقافيًّا، وهذا ينطبقُ علينا أيضًا، إذ أنّهم بذلك يُهمِّشونَنا ويَسعَوْن لإبقائِنا أمامَ الفضائيّاتِ، للتّفرّجِ على عارياتٍ، وأن نشاهدَ ما يُعرَضَ من سخافاتٍ على الفضائيّات اللّبنانيّةِ والمصريّةِ وغيرِها، تحتَ بند الفنّ والغناءِ الاستعراضيِّ والعَرَضيِّ، وهذا هو ما يُسهمُ في خلْقِ جيلٍ جديدٍ يَحملُ همومًا سخيفةً، وبالتّالي، يكونُ أسهلَ على المحتلّ تقسيمُنا كما يشاء، ليسَ بسايكس بيكو فحسب، بل بخمسة أضعاف سايكس بيكو، لأنّهُ لم يَعُدْ لدينا همٌّ واحدٌ مشتركٌ، بل دوْرٌ تلعبُهُ الإمبرياليّةُ قبلَ المثقّفِ الفلسطينيِّ، في تهميشِ الدّافعيّةِ الدّاخليّةِ إلى الثّورةِ السّليمةِ سياسيًّا، ولذلك، يجبُ أن نبحثَ عن مواردَ ماليّةٍ نظيفةٍ.

الوسط اليوم: نحن نتحدّثُ عن المؤسّسةِ الثّقافيّة.. أين ترى أوجهَ الفشلِ وأوجهَ النّجاح في المؤسّساتِ الثّقافيّةِ العربيّةِ الفلسطينيّة؟ مخول/ لا يوجد مؤسّسة ثقافيّة حتّى يكون هناك معيار للنّجاح والفشل، فنحنُ نملكُ كوادرَ مِنَ المثقّفينَ كأفراد، كلّ واحدٍ منهم يُغنّي على موّالِهِ.

الوسط اليوم: هل أنتَ تتحدّثُ عن الشّقِّ الّذي يتعلّقُ بجغرافيا موقعِك؟ أم تتحدّثُ عن حالةٍ عربيّةٍ شاملة؟ مخول/أنا أتحدّثُ عن الحالةِ العربيّةِ بمُجملِها.

الوسط اليوم: أنتَ تتخطّى بذلك كلَّ المنابرَ الّتي نراها ونشاهدُها، فما معنى هذه المنابر والاتّحادات، إن لم يكن هناك حالةٌ ثقافيّةٌ؟ مخول/ ىأيّةُ منابر تلك؟ ومَن هو المُخوّلُ الّذي يُصنّفُ النّاسَ المعتلين لهذه المنابر؟ مَن منّا لا يعرفُ أنّ ثلاثة أرباع الفضائيّاتِ مشبوهةٌ؟ ومَن منّا لا يعرف أنّها مُسيّسةٌ؟.

لا أريدُ أن أخوضَ أكثر.. يجبُ أن نقاتلَ بالأساس مِن أجل صياغةِ الذّات، ولكن ليس في كلِّ مكان، فهذهِ المنابرُ ليستْ أهلاً لذلك، ويجبُ أن يسعى المثقّفُ الفلسطينيُّ لكسْرِ الحواجزِ بينَهُ وبينَ المتلقّي. فمشكلتي هي مع الإمبرياليّةِ في هذه المرحلةِ، وأنا ضدّ التّحالفِ مع الخطأ كي نصلَ إلى الصّحيح، وأنا مع أن أكون مؤيّدًا للمقاومة اللبنانية معنويًًّا، بما يتعلّقُ بتحريرِ لبنان وكرامةِ لبنان، وكرامةُ لبنان قبلَ لبنان كأرضٍ، فالأرضُ لا تعني شيئًا عندَ غيابِ صاحبِها، الأرضُ تعني الكرامةَ والشّخصَ الّذي يسكنُها، والتّرابُ والشّجرُ والبَرُّ والبحرُ أمورٌ لا تعنيني في غياب الإنسان، فأنا أريد الإنسانَ والاستقرارَ أوّلاً، وهذا رأيي؛ أن تقدِّسَ نفسَكَ قبلَ تقديسِ التّرابِ.

الوسط اليوم: لذلك أنت ترى بحيفا أجمل من القدس؟

مخول/ نعم صحيح، مِن هذا المنطلقِ أخذتُ الموضوعَ في قصيدةِ القدس الّتي كتبتُها، فتخيّلتُ أنّني أحبُّ القدسَ لأجلِ الفتاةِ الّتي ليستْ من ملّتي فيها، لذلك كنتُ أحبُّ القدس في سياقِ النّصّ، وعندما خرجتِ الفتاةُ منها لم تعدْ تعنيني هذه القدس. ليسَ صحيحًا أنّني أحبُّ حيفا أكثرَ من القدس، ولكن قصدتُ أن أكسرَ هذا القالبَ المُتّبَع، بأنَّ القدس كلُّ شيءٍ يملكُهُ الفلسطينيّ.

القدسُ لا تعنيني بحجارتِها، إنّما بالرّمزِ المعنويّ، صحيح أنّني لا دينيّ، ولكنّي أتفهّمُ هذا المؤمنَ الّذي يريدُ أن يدافعَ عن مقدّساتِهِ، مثلما أملكُ أنا الحقّ في أن أدافعَ عن مقوّماتي الوطنيّةِ، وإن كنتُ أختلفُ معهُ، لكنّي لا أقبلُ أن أفرضَ فكري على الآخر، حيفا ليستْ أجملَ مِن القدس أبدًا، لكنّي قصدتُ مِن القصيدةِ أن أصل إلى الاستعارةَ والسّخريةَ والتّهكّم على كلّ الّذين يتعاملونَ مع القدس، كما نرى مِن الشّعاراتِ المضحكةِ.

الوسط اليوم: ولكن القدس برمزيّتِها السّياسيّةِ والدّينيّةِ، لا يمكن التّعاملَ معها بمنظورٍ سلبيٍّ أو من خلال شعورٍ شخصيٍّ، وهنا نتحدّثُ عن مكانةٍ لها تاريخٌ ومرتبطةٌ بالمستقبل، وكأنّكَ تلغي بإجابتِكَ كلَّ ذلك؟ مخول/ مكانةُ القدس السّياسيّةِ نابعةٌ من مكانتِها الدّينيّة، وهذا سلاحٌ فلسطينيٌّ نستخدمُهُ منذ زمنٍ لاستقطابِ العالمَيْن الإسلاميِّ والمسيحيِّ لصالحِنا أوّلاً، وأنا أؤيّد هذه الإستراتيجيّةِ السّياسيّةِ الجيّدة، وهذا رأيٌ حكيمٌ في الأمورِ السّياسيّة، لكنّي تحدّثتُ عن اللّغط والخلط بالأمور، وعن المسألةِ العاطفيّة، وأنا لا أجدُ في القدس الشّيءَ الأجمل، فلماذا أحرّرُ القدس ولا أحرّرُ رام الله؟ فما الفرقُ بينهما من حيث المنظورِ العلمانيّ؟

الوسط اليوم: القدس تحتلُّ واجهةَ الثّقافةِ العربيّةِ، مِن منطلقِ اختيارِها عاصمةً للثّقافةِ العربيّةِ لعام 2009.. هذا الحدثُ العربيُّ الفلسطينيُّ، كيفَ تحرَّشَ ذلك بشاعرٍ من الشّمالِ الفلسطينيّ؟ مخول/ لم أشعرْ بأنّ القدسَ عاصمةَ الثّقافةِ العربيّةِ فعلاً، ولا أريدُ أن أذكرَ تفاصيل، ولكن، عندما يُفرضُ الأمرُ، وتُعيّنُ القدسُ كعاصمةٍ ثقافيّةٍ، فيجبُ أن تحتفلَ كلُّ الحياةِ بهذهِ الاحتفاليّة، لكن ممّا رأيت، نجد أنّ هذه الاحتفاليّةَ اقتصرتْ على الكُتّابِ والفنّانينَ المؤازرين لكرسي المسؤولين، ولم تدخلْ فعليًّا في الحالةِ الثّقافيّةِ إلى النّاس، فمِن الصّوابِ أن تقفَ هذه الحالةُ على الشّعب، كي تُبرزَ حالةً عامّةً في حاضرةِ الثّقافة، أنا شخصيًّا لم أشعرْ بأيِّ تغييرٍ في المجتمعِ المَحَلّيِّ، ولم أحسّ بأيّ تغييرٍ في الحالةِ الثقافيّةِ بينَ أوساطِ النّاس، لذلك أرفضُ بأن أعترفَ بهذا المصطلح، لكن يمكننا تسميتُها تسميةً أخرى، (القدس عاصمة رام الله مثلاً!)، بمعنًى آخر؛ كان هذا المشروعُ مهرجانًا بيروقراطيًّا وشكليًّا فقط، حتّى أنّهُ طُلبَ منّي إحياءَ أمسيةٍ شعريّةٍ في الجولان، تحت شعار "القدس عاصمة الثّقافة"، ولم أُلَبِّ الدّعوةَ، لأنّني لم أشعرْ أصلاً أنّ الموضوعَ يمسُّني بشيء. أين كانتْ هذه الاحتفاليّة عدا عن رام الله والضفّة؟ في النّاصرة منعَتْنا السّلطاتُ الإسرائيليّةُ من الاحتفال، وفي القدس أيضًا، فقط في رام الله كانتْ احتفاليّةُ القدس، فهل تُعقلُ هذه المهزلة؟

الوسط اليوم: أينَ تجد نفسَكَ بينَ شعراءِ اليوم، وبينَ هذه الجموعِ المتمترسة وراءَ القصيدة؟ مخول/ الحقيقة، لو لم أكن شاعرًا لكنتُ قلت، بأنّ الشّعراءَ الجيّدينَ في الوسط الثّقافيّ الفلسطينيّ قلّةٌ، ويُعدّوْنَ على أصابع اليد، وكلّ هذه الجماعات والتّجمّعاتِ والاتّحاداتِ، والعلاقاتِ الّتي ترتبطُ ببعضها تحتَ شعارِ الأدبِ لا تناسبُني، مِن منطلقَيْن؛ الأوّلُ أنّني أملُّ مِن الحديث بمن يحاولُ أن يكون أديبًا، فيتكلّم بلغةٍ غيرِ ملموسةٍ حياتيًّا، وبشكلٍ مُملٍّ وغيرِ عصريّ، ويتكلّمُ بلغةٍ فصيحةٍ ثقيلةٍ على مسامعِ الناس.

أمّا المنطلقُ الثّاني، فإنّ الهدفَ هو ليسَ إثراءَ الحالةِ الأدبيّةِ كما في الظّاهر، إنّما هو مسح جوخ، وأنا لستُ مع هذهِ الخامة، وكلّ ما أريدُهُ، أن يكونَ لي طابعي الخاصّ، وأن يحبَّني العاديّ من العامّة لأنّني أحكي بلسانِهِ، وإذا أردتُ أن أُصنّفَ نفسي بين الشّعراءِ والأدباءِ في الدّاخل، فأعتقدُ أنّني سأكونُ غيرَ صادقٍ وغيرَ موضوعيٍّ، كوْني سأقيّمُ نفسي مِن منطلقٍ عاطفيٍّ أنانيٍّ صرْف، أضعُهُ لنفسي بدونِ حياديّةٍ موضوعيّةٍ، فرصيدي الّذي أريدُهُ هو؛ أن أرى دمعةً على خدِّ مشاهد، كالّذي رأيتُه بينَ جموعِ مُشاهِدي مسرحيّتي، ومِن هنا، لا أريدُ التّصنيفَ، ولا أحبُّ كلَّ هذه المصنّفاتِ الزّائفةِ، فنحن شعبٌ نحبُّ الجماعاتِ والشّكليّاتِ والتّقييماتِ مِن كبيرٍ إلى أصغر.

الوسط اليوم: بعدَ اختتامِ مهرجان "مسرحيد" في عكّا، وفوْزِكَ بجائزةِ أفضل كاتب نصّ مسرحيّ، كيفَ تفسّرُ النّقلةَ مِن نظْمِ الشّعر إلى كتابةِ السيناريو؟ مخول/ أريدُ أن اعترفَ اعترافًا خفيفًا؛ أنا لستُ مُلِمًّا بالمسرح كما ينبغي، إنّما هي محاولة نابعة من حاجةٍ داخليّةٍ صرف، فقد كان عندي هاجسٌ، إذ عانيتُ مِن طفولةٍ لم أكنْ راضيًا عنها رغم أنّ شكلَها الخارجيَّ بدا جميلاً، إلاّ أنّها في الصّميم كانتْ تُقلقُني جدًّا.. لديَّ إخوةٌ ذوو احتياجاتٍ خاصّةٍ، وكانت حالةُ تعبيرٍ عن نفسيّةٍ معيّنةٍ، وتعبير عن لا مبالاة المجتمع العربيّ في هذه المسألة، وذلك مِن منطلقِ عدم الوعيِ الفكريِّ عندَ الأقلّيّة، وفي المجتمع الفلسطينيِّ بشكلٍ عامّ. حاولتُ أن أعبّرَ عن هذه الفكرةِ وعن حبّي لأخي، فلجأتُ إلى المسرح، بحُكم أنّ إمكانيّةَ التّعبيرِ مِن خلالِهِ أكبر، ومِن منطلق أنّك تستطيعُ بالتّجربةِ المسرحيّةِ أن تفي الحالةَ حقَّها، فتبكي وتصرخ على الخشبةِ كما تشاء، وهذه الحالةُ تزامنتْ مع ورشةِ الكتابةِ في مهرجان مسرحيد.

الوسط اليوم: ما مدى نجاح تجربتِكَ المسرحيّة الأولى؟

مخول/ كان لي حاجة شخصيّة أردتُ التّعبيرَ عنها مسرحيًّا فقط، فالقصّةُ مستوحاةٌ مِن واقعي، ولكن ما آسفُ له، أنّ أفرادًا مِن محيطي القريب، أظهروا استياءَهم ممّا وردَ في المسرحيّة، تحتَ مُبرِّر ضرورة التّعتيم على خصوصيّاتٍ مِن هذا النّوع! إنّنا شعبٌ لا يجرؤ على الانكشاف، مع أنّ ما وردَ في النّصّ المسرحيِّ لا يستدعي ربطَ الواقعِ الحيِّ بالعملِ المسرحيِّ كعملٍ فنّيٍّ مُتَخيَّلْ، أعتقدُ أن ما دعاهُم إلى ذلك، هو كوْني أظهرتُ بعضَ الأمورِ القريبةِ نوعًا ما مِن هذا الواقع المُرّ، مع أنَّ العكسَ شبهُ صحيحٍ في مُجملِ هذا العملِ، وأستطيعُ القول، إنّنا بحاجةٍ لقراءةٍ تمهيديّةٍ لفهْم مبدأ المسرحِ وثقافتِهِ.

الوسط اليوم: هل هناكَ نوايا لعرضِ المسرحيّةِ خارجَ فلسطين؟ مخول/ طبعًا، هناكَ عروضٌ مقترَحةٌ، منها عرْض في ألمانيا وآخر في جامعةٍ شمال إيطاليا.

الوسط اليوم: علمْنا بأنّ كافّةَ البطاقاتِ نفَذَتْ قبلَ العرضِ بثلاثةِ أيّام.. ما السّرُّ في هذا الحضورِ الكبير؟ مخول/ نعم، المسرحيّةُ عُرضتْ لمدّةِ ثلاثةِ أيّام، والبطاقاتُ بيعتْ قبلَ العرضِ الأوّلِ بثلاثةِ أيّام، وفوجئْنا بأنّ الحضورَ في الخارجِ فاقَ الحضورَ في داخلِ القاعةِ، ممّا اضطرّنا لإعادةِ عرْضِ المسرحيّةِ مرّةً أخرى، بعدَ انتهاءِ العرضِ الأوّل بنصفِ ساعةٍ، وما فاجأَنا أكثر، أنّ الحضورَ خرجوا مصدومينَ جرّاء ملامسةِ الواقعِ الخاصِّ بهم، حاملينَ معَهُم صمتَهم العالي.

الوسط اليوم: مِن أين استقيْتَ هذه الجرأةَ في طرْحِ هذا النّصّ المسرحيّ الّذي يحملُ قضيّةً شخصيّةً وشائكةً؟ مخول/ هذا أنا، ولست مختلفًا عن أحد، أعتقدُ أنّ والدتي تحملُ نفسَ الصّفةِ، إنّها مِن قريةٍ في جنوبِ لبنان، عاشتْ في ريفِ الفلاّحين الّذين يتمتّعون ببناءٍ سيكولوجيٍّ يعتمدُ على الصّراحةِ والجرأة، كنهجٍ منطقيٍّ رديفٍ لجغرافيّةِ المكانِ وتركيبتِهِ الاجتماعيّةِ. أعتقدُ أنّني انتهجتُ أسلوبًا جديدًا في المسرح المحلّيّ، إذ حاولتُ أن أكونَ أوّلَ المنتحرينَ في سبيلِ التّجديدِ، وأن أعاكسَ التّيّارَ لأقولَ، إنّني أخطأتُ مع الآخر، وليس بالعكس، كما هو مُبتذَلٌ في أعمالِنا الأدبيّةِ.

الوسط اليوم: وأينَ المفاصلُ الّتي وَجدتَ نفسَكَ تغتسلُ منها وتنظّفُ نفسَكَ منها، وأنتَ الدّاعي لتنظيفِ المجتمعِ وتطويرِهِ؟ مخول/ ثلاثةُ أمورٍ؛ من العنصريّة الّتي كانتْ تطغى عليّ في مرحلة معيّنة من طفولتي، ومن العنفِ الّذي تربّيتُ في محيطِهِ لخلافاتٍ عائليّةٍ ساذجةٍ، ومِن ردودِ الفعل الّتي كانتْ ملازِمةً لي، عِلمًا، بأنّ كلّ حياتِنا ردودُ أفعالٍ فاشلة.

الوسط اليوم: ما الّذي حقّقتَهُ في نصِّكَ المسرحيِّ ولم تُحقِّقْهُ في قصائدِكَ؟ مخول/ حقّقتُ تماسًا مع النّاس، رأيتُ الأنا فيهم، ورأيتُ قربَهم وحاجتَهم ولهفتَهم على مدار سبعة وخمسين دقيقة دراميّة، تتحدّثُ فيها عن ألمِكَ ووجعِكَ بأسلوبٍ واضحٍ شفّاف، وهذا يختلفُ عن تجربةِ الشّعر، إذ تقرأ القصيدةَ خلالَ دقيقةٍ عابرةٍ، ولا تتركُ أثرًا مركّزًا بهذا الحجمِ، ناهيك عن الجوانبِ التّقنيّةِ مِن مؤثّراتٍ صوتيّةٍ وإضاءةٍ وديكورٍ وموسيقى وإخراج وما إلى ذلك.

الوسط اليوم: هذه الجموعُ المتمترسةُ خلفَ القصيدةِ عبْرَ الإنترنت، وهذا الكَمُّ الهائلُ مِنَ الشّعراءِ الّذين يتوافدون على الشّعر، في ظِلِّ عدم وجودِ رقابةٍ وضابطٍ ومُنظِّمٍ للحالةِ الأدبيّة.. ما هي المخاطرُ الّتي ترى بها فعلاً خطرًا على القصيدة؟ مخول/ هناكَ ثلاثةُ أسبابٍ رئيسيّةٍ لهذا الانجرافِ وراء قصيدةِ النّت؛ السّببُ الرّئيسيُّ هو فقدانُ المعايير المقياسيّة للنّصّ الشّعريّ في هذه الشّرفةِ الإعلاميّةِ غيرِ المُحرّرةِ، بمعنى؛ أنّه لا يوجدُ مَن يَضبطُ العملَ مِن حيثِ الوزنِ والفكرةِ والمستوى الفنّيِّ، إنّ سهولةَ النّشرِ أدّى إلى سهولةِ الكتابةِ، لذا نرى اليومَ أنّ بكبسةِ زرٍّ تستطيعُ أن تسمّي نفسَكَ شاعرًا مقروءًا في اليمن والمغرب، إنَّ هذا الإغراءَ السّطحيَّ يؤدّي بنا إلى ما وصلْنا إليه، وأمّا السّبب الثّالث، فهو يتجسّدُ في التّعلّقِ النّوستالجيّ للشّاعرِ والإنسانِ العربيِّ بحضارتهِ القديمةِ كحالةِ هروبٍ مِن واقعِهِ المتخلّفِ في هذه المرحلةِ.

الوسط اليوم: هل المثقّفونَ العربَ استطاعوا أن يوظّفوا تكنولوجيا المعلوماتِ في خدمةِ قضاياهم كما فعلَ الغرب؟ مخول/ نحنُ ننظرُ دائمًا إلى كلِّ منْفَذٍ عصريٍّ وحديثٍ بنوعٍ مِنَ الخوفِ والتّشاؤمِ المُسبَقِ. أنا أرى أنّه يجبُ على الإنسانِ أن يُطوّرَ وعْيَهُ كي يتمعّنَ جيّدًا بالمنتَجِ الجديد قبلَ رفْضِهِ، أتذكّرُ كيف كنّا نكرهُ الهاتفَ المحمولَ، وكيف صارَ مع الوقتِ حاجةً لا غنى عنها؟

الوسط اليوم: الإنترنت ليسَ اختراعًا جديدًا، بل الغرب والأمريكان تداولوهُ منذ عقودٍ، ودخلَ في حسْمِ الكثيرِ منَ الحروبِ والصّراعاتِ، وأنتَ هنا تتحدّثُ عن شيءٍ جديدٍ وعصريٍّ ومخيفٍ! مخول/ مع أنّ الجمهورَ قد تداولَ هذا الاختراعَ منذ زمنٍ طويلٍ، ولكنّهُ لا يزالُ جديدًا علينا. أنا مِن أنصارِ التّأقلمُ معَهُ، وبسرعةٍ تُقلّلُ مِن حجمِ الفارقِ العصريِّ بينَنا وبينَ الغربِ، خذ الحاسوبَ مثلاً، إنّهُ ولأسبابٍ كثيرة، آلةٌ جيّدةٌ تتيحُ للشّاعرِ أن يُطوّرَ موسيقى شعرِهِ، جرّاء وقْع الضّغطِ على أزرارِ مفاتيحِهِ، كما كانَ يفعلُ الشّعراءُ الأسبانُ عندما كانوا يكتبونَ على آلةِ المطبعةِ اليدويّة قبلَ خمسين عام.

أمّا الإنترنت فهو سلاحٌ ذو حدّيْن، المفيدُ فيهِ هو أنّهُ يُسارعُ في النّشرِ والتّرويجِ إلى حد الشّهرة السّريعةِ، إضافةً إلى استقطابِ علاقاتٍ مختلفةٍ، لتصبحَ تحتَ معيارِ الذّائقةِ العامّةِ في كلّ أنحاءِ العالم، لكنّ الأبوابَ أوسعَ، فيما يتعلّقُ بالسّلبيّات، لأنّ مواقعَ إنترنت كثيرةٌ، لا يوجدُ فيها مراقبٌ أو محرّرٌ أدبيٌّ، هذا مِن جهةٍ، أمّا من الجهةِ الأخرى، فإنّ الإنترنت يُساهمُ في غلطِ الأمورِ، لأنّهُ عندما تستقبلُ معلوماتٍ مِن مكانٍ لا تعرفُ مصدرَها الفعليِّ، فإنّكَ بذلك تُشوّهُ توجُّهَكَ الثّقافيّ سلفًا، وأنا أقولُ لكَ إنّ عدّةَ أنظمةٍ كجوجل وياهو، والعديدُ مِن محرّكاتِ البحثِ تتبعُ للمخابراتِ الأمريكيّةِ أو الفرنسيّةِ الخ.. لذلكَ كثيرٌ من المعلوماتِ تَصُبُّ في صالحِهم واقعيًّا، هم يسوقونَ أمورًا أنتَ تأخذُها كحقيقةٍ، والأخطرُ من ذلك أنّكَ تساهمُ في إعداد بطاقةٍ شخصيّةٍ، على برنامج غرار فيس بوك، الّذي على الأقلّ مُراقَبٌ مِن وكالاتِ الاستخباراتِ بشكلٍ عامّ، سواء إسرائيليّة أو أمريكيّة، وبالتّالي أنتَ تعطيهم معلوماتٍ عن نفسِك، بل تصبحُ لستَ بحاجةٍ إلى مَن يُتابعُكَ، لأنّكَ تخابرُ على نفسك.

الوسط اليوم: هل تؤيّد فرْضَ رقابةٍ على مواقع النّشر وطريقة النّشر الإلكترونيّ؟ مخول/ لو لم يكن هناك شرطيّان يقفان في دوّار المنارة في رام الله، لكانت الجهاتِ الأربعةَ من الشّوارع المؤدية إلى المنارة ستكون مغلقةً أمام الناس. وهذا ينطبق على كل نواحي الحياة، كوجود رقابةٍ وتنظيمٍ، لتنظيم السّيْرِ الأدبيِّ من أجلِ تطويرِ حركةٍ صحيحةٍ.

الوسط اليوم: في مشاركاتِكَ المحلّيّةِ، هل عدمُ ظهورِكَ في المناسباتِ الثّقافيّةِ بوتيرة عالية نابعٌ مِن موقفٍ، أم أنّ شخصيّتَكَ لا تتماشى مع ما يُطرَح في هذه المناسبات؟ مخول/ إنّ هذه المنتدياتِ بمعظمِها تعتمدُ على المحسوبيّاتِ والعلاقاتِ الشّخصيّةِ والتّملّقِ المبالَغِ فيه، فتجدُ أحدَهم ينتقدُ شاعرًا أمامَ شاعرٍ آخر، وفي زحامِ هذه المناسباتِ تجدُهُ عادَ ليتملّقَ لمن سبقَ وانتقدَهُ قبلَ قليل. لستُ من هذا الاتّجاه، فبدلَ تضييع الوقتِ في هذه النّدوات، يجب على الشّاعر أن يجلسَ في بيتِهِ ليقرأ أو يكتبَ شيئًا مفيدًا، ناهيك عن أنّ الظهورَ شّكليًا لا يعكس الظّهورَ الموضوعيَّ، بمعنى؛ لا أريد أن أملكَ سلعةً بقيمةِ 10%، نسبةُ تسويقِها 90%، إنّما العكس.

الوسط اليوم: ألا يعودُ إلى هذا الّذي قلتَهُ إلى غربةٍ بينكَ وبينَ المجموعِ الثّقافيِّ في محيطِك؟ مخول/ هنا يجبُ أن أركّزَ على مسألةٍ لأجل التّواصلِ مع المتلقّي بالتّحديد، يجبُ ألاّ تكونَ في غربةٍ، لكنّكَ بحاجةٍ إلى مساحةٍ أو فاصلٍ مِن الغربةِ، لأنْ ترجعَ بها إلى نفسِكَ لغايةِ التّأمّل، يجب أن يكونَ هناكَ حيّزٌ للحياةِ مع الآخرين، أقصدُ النّاسَ العاديّينَ وليسَ مع هؤلاء مِن الجوّ الأدبيّ البعيدِ عن الواقع، أنا بحياتي لم أكن عضوًا في رابطةٍ ولا منتدًى ولا أيّةِ مؤسّسة.

الوسط اليوم: ما السّبب؟ مخول/ لأنّني لا أجيدُ ذلك.

الوسط اليوم: ألهذا السّببِ تقفُ قريبًا مِن مدخلِ القاعةِ؟ ما الّذي يستفزُّكَ لتخرجَ مبكِّرًا، وما الّذي يدعوكَ للبقاءِ؟ مخول/ نعم، أنا أذهب إلى ندوةٍ، وإن أعجبَني ما فيها أجلسُ، وإذا لم يُعجبْني، أخرجُ دونَ اكتراثٍ بمن يعتلي المنصّةَ، فإذا كانَ هذا المتحدّثُ على المنصّة يُسيءُ للثّقافةِ وللحالةِ الأدبيّةِ، فلماذا أمنحُهُ الفرصةَ وأشجّعُهُ وأخدعُ نفسي وغيري؟ أنا لا أتدخّلُ فيما يقولُ لكنّني أخرج.. أخرج فقط، وأنا أؤكّدُ لك أن 90% مِن النّدواتِ الّتي تعقدُ في الدّاخل مملّةٌ، فقبل فترةٍ دعيتُ إلى أمسيةٍ في الناصرة، وكان يُفترضُ أن يُلقي فيها ثلاثون شاعرًا قصائدَهم، فقلتُ للمنظّم: إنّ هذا عقابٌ جماعيٌّ للأمّةِ العربيّةِ بأكملِها، ليس لدينا ثلاثون شاعرًا كي تنظّموا أمسيةً كهذه، إنّها مهزلةٌ تُعقدُ للتّسوّلِ وجلبِ الميزانيّات.

الوسط اليوم: قد يتفهّمُ المتتبِّعُ للشّعرِ تدنّي نسبةِ القرّاءِ في الوسطِ العربيّ، فما هو تصوّرُكم لحالةِ بعضِ الكُتّابِ والشّعراءِ الّذينَ يكبّونَ نتاجَهم في إيميلات وبريد مواقع الصّحف، دون حتّى التّأكّد مِن وصولِها؟ مخول/ مَن لا يقرأ ما يكتبُهُ، فهو يخاطرُ بذائقةِ القرّاء أولاً، وهذا الكمّ الكبيرُ مِن الكتاباتِ الطّويلةِ والكثيفةِ والمُملّةِ، لا يَعِدُ بتفاؤلٍ ملموسٍ، إنّ الكتاباتِ المطروحةَ اليومَ لا تستفزُّ القرّاءَ، أعطِني شيئًا جديدًا وأنا أضمن لك التّغيّر في الحالة الثّقافيّة، على رأسِها القراءة.

الوسط اليوم: أليسَ بُعدُ الكاتبِ عن نبضِ الشّارعِ هو السّبب؟ مخول/ بل هو السّببُ الوحيد والرّئيسي.

الوسط اليوم: بالشّكل الّذي تتحدّثُ عنه، هناكَ ذوبانٌ للجيّدِ في الغثِّ، فما هو الحلّ؟ مخول/ يجب إنشاء منابرَ جيّدةً، كصحفٍ ومواقعَ إلكترونيّةٍ تتمتّعُ بتحريرٍ انتقائيٍّ، تنشرُ هذه المنابرُ لفئةٍ مِنَ الكُتّابِ والشّعراءِ الجيّدينَ فقط.

الوسط اليوم: مَن هو الشّاعرُ الّذي توقّفتَ عندَهُ عربيًّا؟ مخول/ هو ذاته الّذي أغوى كلَّ الحالةَ الثّقافيّة؛ محمود درويش! لقد أُعجبتُ وتأثّرتُ به كسواي، وهذا كانَ واضحًا في مرحلةٍ ما في قصائدي، لكن يجب على الشّاعرِ أن يتطوّرَ ليحاولَ تطويرَ ذائقتِهِ، إلى حدٍّ يبدو فيه محمود درويش شاعرًا جميلاً ومرحليًّا، ,يجبُ أن نتطوّرَ ولا نؤلِّهَ أحدًا، كي نستطيعَ رفعَ السّقفِ إلى فضاءٍ أبعدَ ممّا نحنُ تحتَهُ.

الوسط اليوم: ألم يُغويكَ أو يُطريك امتداحُهُ لكَ في يومٍ ما؟ مخول/ نعم، يُغويني جدًّا.

الوسط اليوم: توارثٌ خطيرٌ وغريبٌ يختزلُ مسيرةَ وطنٍ وأمّةٍ في توابيت أكلَ الدّهرِ عليها وشرب.. كيفَ ترى الحالةَ الثّقافيّةَ في ظلِّ الشّلليّةٍ الّتي أوقفتْ نبضَ التّواصلِ والتّطوّر، وماذا ترجو مِن واقعٍ ثقافيٍّ تطغى على رموزِهِ لغةُ القرصنةِ والابتزازِ، وللابتزازِ وجوهٌ وأشكالٌ يندى لها الجبينُ في ساحةِ الثّقافيّةِ؟ مخول/ هناك سطوٌ على الحالةِ الثّقافيّة، إنّ بعضَ المثقّفينَ يجلسونَ في أماكنَ إستراتيجيّةٍ وحسّاسةٍ، سواءً في الإعلام المرئيِّ أو المسموع أو المكتوب، يؤثّرونَ مِن منطلقِ القوّةِ المكانيّة، أو قوّة الكرسي في الرّأيِ العامّ، هذا تجاوزٌ خطيرٌ، تكمُنُ خطورتُهُ على النّاسِ العاديّينَ، وليسَ على المثقّفينَ الّذينَ يعرفونَ ما بينَ السّطورِ. كنتُ أدعو السّلطةَ الفلسطينيّةَ أن تنفضَ كرسيّها مِن هذه الشّللِ، ويجبُ أن لا نُعوّلَ كثيرًا على هذه المؤسّساتِ الّتي هي بالتّالي تُشوّهُ صورةَ الأدباءِ في الدّاخل، وتتبّعَ إستراتيجيّةَ المصالحِ المتبادلةِ، ناهيك عن الأطماعِ غيرِ المباشرة، كأنْ تأتي كاتبةٍ جميلةٍ تعطي محرّرِ صحيفةٍ أو موقعٍ إلكترونيٍّ ما عندها، فتُفاجَأ به ينفخُها كالبالون، فيُعظّمها لأهدافٍ أخرى، ويُضيّعُ عليها بذلك فرصةَ اكتشافِها الموضوعيِّ، لِما تملكُهُ الموهبةُ الكامنةُ بها.