Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

העדתיות- גזענות

מערכת, 28/6/2009

سعد الله مزرعاني

الحشد الكبير من المراقبين الدوليين (منظمات دولية وقارية) والعرب (حتى العرب يراقبون سلامة الانتخابات!) خلص إلى أن الانتخابات النيابية اللبنانية كانت ممتازة. استحقّت السلطات اللبنانية والشعب اللبناني تهنئة كبيرة تكاد، أيضاً، تكون غير مشروطة. قسم كبير من اللبنانيين المشاركين في الانتخابات (وأنا شخصياً كمرشح)، ظن أن الحديث إنما يدور عن بلد آخر وعن انتخابات أخرى! كاد الإصرار على الإشادة بكمال وبمحاسن "إنجازنا" الانتخابي، أن يشعرنا بشيء من الجحود حيال سلطاتنا (وحتى وطننا) لولا أننا استدركنا: الإشادة إنما تنصبّ على نتائج المعركة لا على قانونها، ولا على مجرياتها، ولا، حتى، على كونها قد جرت في مناخ هادئ وسلمي (ربما هو العنصر الإيجابي والإجباري الوحيد فيها). والواقع أن المعركة الانتخابية كانت الأسوأ في تاريخ لبنان. قلنا هذا الكلام قبل النتائج (التي كانت سلبية بالنسبة إلى المرشحين المستقلين واليساريين، وأنا منهم) ونقولها الآن، خصوصاً، بعد صدور النتائج وما رافقها، أو ما استثارته من ردود فعل أو أفعال أو انفعالات: إنها الأسوأ بسبب القانون الذي جرت على أساسه وهو قانون الـ 60 كما اصطُلح على تسميته. وهي الأسوأ أيضاً بسبب ضخامة ما تميّزت به من إنفاق مالي جعل مسألة تحديد سقف للإنفاق، بموجب القانون، أمراً مثيراً لأبشع أنواع التناقض ما بين النص أي القانون، والممارسة التي اتسمت بالفجور إلى حدود التباهي لدى البعض. أرقام الإنفاق بلغت (ربما) المليارات. وهي الأسوأ أيضاً لأن المال الانتخابي أو السياسي قد اقترن بقوة بالتدخل الخارجي، وكان على أوسع نطاق، ثمرة من أفعل ثمراته وأخطرها. والتدخل الخارجي الأبرز كان التدخل الأميركي دون أدنى شك. وقد توجّت زيارة نائب الرئيس الأميركي حلقات هذا التدخل بكل الوقاحة الضرورية لجعل الفريق الحليف لواشنطن يقطف ثمار هذا الدعم إلى الحد الأقصى (بما في ذلك جذب الجزء الأساسي "من المترددين" عبر ترهيبهم بما ستكون عليه الأمور سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فيما لو ربح "مفسدو السلام"، حسب تعبير نائب الرئيس الأميركي!). وبديهي أيضاً أن المقصود بكون انتخابات السابع من حزيران الجاري هي الأسوأ بسبب ما سُخّر فيها من مواقع النفوذ الرسمية ومن موارد الدولة في خدمة المرشحين في هذا الفريق أو ذاك. فهذا الاستخدام هو جزء من "التقاليد" اللبنانية الراسخة التي تتعزز دورة بعد دورة، لتؤكد طابع وواقع المزارع والتقاسم والمحاصصة الذي يمعن إضعافاً في مؤسساتنا الرسمية والعامة. لكن الأشد سوءاً، الذي نودّ تظهيره هنا، إنما هو انفلات العصبيات والفئويات إلى حدودها القصوى وانفجارها، من حيث التطرف والمبالغة والتنابذ والتباعد. كان الانقسام الطائفي (والعامل الطائفي عموماً) حاضراً باستمرار في معاركنا الانتخابية السابقة (وهو كان لا يزال أداة رئيسية لممارسة أو حجب الأشكال الاجتماعية والسياسية من الصراع). وهو، على الدوام، مثّل مصدر الخلل الأساسي في بنيتنا الوطنية والسياسية (النظام السياسي خصوصاً). وقد تناسل الانقسام الطائفي إلى فروع مذهبية. حصل ذلك، خصوصاً، بعد الغزو الأميركي للعراق، ومن ثم عجز الغزاة الأميركيين عن الانتصار في تثبت احتلالهم وتوسيعه. فلقد لجأت إدارة بوش الى استخدام العامل المذهبي في داخل العراق بداية، ومن ثم، في وجهة معكوسة، على صعيد المنطقة عموماً. وأصاب لبنان الكثير من نتائج هذه السياسية بوصفه أولاً "موضوعاً قابلاً" في تناقضات بنيته السياسية الداخلية، ثمّ، بسبب تحوله ساحة ثانية للصراع بعد العراق، في خدمة محاولة تعزيز ورفد، أو حتى إنقاذ، الغزاة الأميركيين، كما حصل في حرب تموز الإسرائيلية ـ الأميركية الفاشلة عام 2006 ضد لبنان وشعبه ومقاومته. وفي امتداد هذه التطورات، انطلقت في الداخل اللبناني دينامية شديدة السلبية والخطورة، وهي دُفعت في الانتخابات النيابية الأخيرة إلى حدّها الأقصى. ورغم ما نشهده من مصالحات (هي دائماً الوجه الثاني للنزاعات)، فإن إشارات عنصرية حادة قد برزت على الألسن واعتملت في الصدور. فهنا نحن في جبيل مثلاً أمام "قضية شيعية"، وفي "المتن" أمام "قضية أرمنية"، وفي "زحلة" أمام قضية سنّية... وصولاً إلى قضاء "حاصبيا" (حيث مزارع شبعا وتلال كفر شوبا المحتلة...) حيث خاض "تيار المستقبل" معركته هناك تحت عنوان الانتصار في هذا القضاء (المدموج انتخابياً مع قضاء مرجعيون) عبر تعبئة الأصوات السنّية بالدرجة الأولى. وقد حصل ذلك بالفعل، لتعميم قاعدة استقطاب الأكثرية السنّية الساحقة هناك وفي كل لبنان من قبل تيار المستقبل، بما في ذلك، في المناطق ذات الموقع الخاص في الصراع مع العدو الصهيوني. إنّ تعمّق الطائفية وتداعيها مذهبياً وحتى عنصرياً، أمر يتفاقم بمقدار ما كان ولا يزال يتراجع، باطّراد، مشروع بناء دولة، هو بالتعريف وبالممارسة نقيض لمنطق ولنتائج استمرار النظام السياسي اللبناني الراهن. فإلى أين تسير الأمور بعد الآن؟ وهل "المصالحات" الناشطة حالياً تمثّل بداية إدراك من قبل الأطراف المستخدمة للطائفية والمذهبية، للمدى الذي يمكن أن يتدهور إليه الوضع اللبناني من تقسيم وتقاتل، إذا تعذّر الاتفاق والتقاسم؟ لا نشك في أن الكثير من عوامل الخطر بدأت تقلق هنا وهناك، من كانوا إلى الأمس القريب (بعضهم لا يزال) يقللون من هذه العوامل، ويمعنون في سياسة الاستقطاب الطائفي والمذهبي وقرينها الاستقواء المثابر بالخارج، وبكل الوسائل والأثمان. إلى ذلك، لا بد من رؤية إرهاصات، ولو خجولة، بحضور متصاعد لمطالب وتحذيرات من قبل الفئات العصرية والحديثة من البورجوازية اللبنانية المنقسمة هنا وهناك. فهذه الفئات بدأت تدرك أن الإمعان في سياسة الانقسام، بل الانقسامات الداخلية، إنما هو أقرب الطرق إلى محاصرة لبنان واقتصاده، وخصوصاً الفروع المالية والمصرفية فيه. إن هذه الفروع التي تخوض سياسة توسّع بالاستناد إلى انفتاح في المحيط وإلى تجربة لبنانية ذات مميزات معروفة، تواجه عقبات خطيرة في عملية توسعها إن استمرت في التصفيق للمنقسمين، بل في تغذية وتمويل هذا الانقسام في معادلة غريبة على ما تمليه المصالح في عالم المال والأعمال والعلاقات والتوازنات السياسيةـ الاقتصادية. نعم إن دور البورجوازية اللبنانية الوطني في بعده الحداثي والاقتصادي والمؤسساتي هو موضع تساؤل كبير الآن. وهو دور على كل حال قد ظهر بطريقة ملتبسة تراوحت ما بين الانتهازية والخوف والتواطؤ والذيلية. ساعد في ذلك عوامل تاريخية أبرزها الاندماج ما بين الإقطاع السياسي والطغمة المالية، وما بين الطابع الريعي للاقتصاد وتحولات في الجوار لعبت، أحياناً، لمصلحة ازدهار بدا كأنه "معجزة" قابلة للاستمرار، وهو ما كشفت التطورات خطأه، ابتداءً من أوائل السبعينيات حتى يومنا هذا (ازدهار القطاع المصرفي، راهناً، هو بالدرجة الأولى، أحد عناوين أزمتنا الاقتصادية في مجال المديونية وارتفاع كلفة خدمتها...). وتطرح في سياق نتائج الانتخابات نفسها عناوين شديدة الأهمية أيضاً. من بين هذه العناوين، العلاقة ما بين الصراع الوطني والقومي، وبين أشكال التعبئة الشعبية ومن ضمنها التعبئة ذات المرتكز الطائفي أو المذهبي. كذلك يطرح عنوان آخر كبير ومهم يحتاج هو أيضاً إلى متابعة واستنتاجات جذرية. والمقصود بذلك دور القوى الديمقراطية، اليسارية واللا طائفية. فهذه القوى تطرح بديلاً للنظام الطائفي بكل مفاعيله ومرتكزاته السياسية والاقتصادية والتعبوية، دون أن تتوصل بعد إلى صيغ وبرامج وأطر صحيحة وفاعلة. إنّ غياب ذلك هو نقطة الخلل الأساسية في البحث عن البدائل، وهو ما يستدعي، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية التي كشفت نقاط ضعف هائلة بل قاتلة في أداء "القوى الديمقراطية" (وخصوصاً الحزب الشيوعي)، مراجعة ونقداً ذاتياً واستخلاصات يجب أن تكون ثورية بالمعنى الحقيقي، أي البسيط للكلمة!

  • كاتب وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني عن صحيفة "الأخبار" اللبنانية