Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

الآليات المفسرة لديناميكية المجتمع الأمريكي

מערכת, 18/6/2009

الكاتب/ سربست نبي

يكشف السياق التاريخي لنشوء المجتمع الأمريكي عن حالة فريدة, ذلك أن غياب ماض إقطاعي للولايات المتحدة، أدّى إلى خضوع الدولة للمجتمع المدني. ولهذا بقيت الدولة في هذه الحالة، دولة الحدّ الأدنى.

ظلت الدولة الأمريكية التي ظهرت على هذا النحو، كمستبد عديم الجدوى، منفصلة وتابعة للمجتمع المدني إلى حدّ كبير، وقد كرّس هذا الوضع النظام الاتحادي الذي مكّن سلطة المجتمعات المحلية لكل ولاية على حساب سلطة المركز حتى غدت كيانات سياسية أصيلة، شبه مستقلة, وكان الإسهام الأمريكي على صعيد نظرية النظام الفيدرالي أكبر تجديد جاءت به أمريكا في ميدان علم السياسة. فمنذ أمد غير قريب اتخذ الأمريكيون من الفيدرالية عقيدة ومبدأ رئيساً, وجعلوا من المجتمع المدني الديمقراطي أساساً, بحيث لايوجد أية سلطة بمعزل عن إرادته, ولا يمكن تصور فكرة البحث عن أية شرعية للسلطة خارج المجتمع. وبهذا فقط تكون الإرادة السياسية وحتى السيادة موزعة بالتساوي على كل فرد من أفراد هذا المجتمع, وتكون الخيارات السياسة تابعة لإرادة الجميع.

في مثل هذه الأحوال من المفيد أن نستعين بعبارات توكفيل, الذي لم يستطع مفكّر من قبله, ولا من بعده إلى حدّ ما, أن يصوّر الحياة الأمريكية بمثل دقته, ولا أن يتكهن مثله بقوّة الديمقراطية الأمريكية الثقافي وزخمها السياسي, التي أثبتت للتوّ تفوقها وامتيازها بأنها قادرة على التغلب على تناقضاتها, وأن تتخطى مثالبها السياسية أكثر من أي نظام سياسي آخر.

إن الشطر الأعظم من أسباب نجاح هذه الديمقراطية, لا ترجع إلى الدولة فحسب, وإنما إلى المبادئ السائدة في المجتمع الأمريكي والراسخة فيه, ذلك أن تاريخ الديمقراطية هو بالدرجة الأول تاريخ مؤسسات ومجتمعات ديمقراطية قبل أي اعتبار آخر. ويلاحظ أن الديمقراطية التي تستطيع أن تتجاوز مثالبها وعيوبها السياسية, وبخلاف الديمقراطيات الراكدة التي تنجم عن مجتمعات راكدة, يصاحبها عادة تحول في العادات والأخلاق والقوانين, إنها الديمقراطية الخصبة والحية. بهذا المعنى الديمقراطية في أمريكا كانت بالنسبة لـتوكفيل تمثل حالة أخلاقية وثقافية للمجتمع المدني أكثر من كونها نظاماً سياسياً. ومن هنا لانبدو مكترثين بديمقراطية النظام السياسي للدولة, وقد غدت أمراً واقعاً ومعاشاً, فحسب. إنما الأكثر أهمية من ذلك التنويه بثقافة المجتمع المدني الديمقراطية, حين يغدو الأخير حافزاً للحرية الفردية ويؤدي في المآل إلى إظهار إبداعات الفرد الخلاقة وتميّزه. نحن نبدو معنيين هنا بالبحث في الحرية المدنية والمساواة الفعلية وطبيعة السلطة التي يمارسها المجتمع على أفراده وجماعاته وأقلياته. هذا هو السؤال الذي يتوقف على إجابته فهم التحول الذي حدث في أمريكا بانتخاب رئيس من أصول أفريقية للمرة الأولى. وهو السؤال الذي يبحث في التوافق بين قوة الأغلبية في المجتمع المدني ودور الأقلية, وفي الشروط التي تؤمن تخطي استبداد الأغلبية العرقية أو الدينية أو السياسية؟؟

قوّضت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة العقبات الثقافية والأيديولوجية, التي كانت تحول دون انجاز المساواة التامة بين أفراد المجتمع الأمريكي, بسبب التباينات الثقافية والعرقية وغيرها, وأزاحت إلى حدّ كبير الحالة القديمة وتناقضاتها المضادة للمساواة. فلو كانت المسألة مجرد مساواة شكلية تتم عبر تحقيق إرادة الأغلبية باسم شرعية انتخابية لقادت إلى استبداد وهيمنة العنصر الأبيض فحسب, دون أن تمنح الفرصة أو الحرية, لبروز عنصر ينتمي إلى ثقافة الأقلية. وهذا هو التحدّي الخطير الذي استطاعت الديمقراطية الأمريكية أن تتخطاه, وذلكم هو النظام العقلاني القائم على الانسجام بين المساواة والحرية كما تكهن توكفيل. إن التهديد المرعب للحرية والمساواة يكمن هنا, في احتمال طغيان الأكثرية, وتلكم أحد أهم شرور الديمقراطية, التي تعمل في العمق, في المنطقة السرية للحياة, حيث تتغذى على الأفكار والعواطف الدينية, وعلى المشاعر العرقية اللاعقلانية.

وحققت الديمقراطية في حدها الأدنى, بهذا التحول, نوعاً من المساواة في الحقوق, ومن ثم نوعاً من المساواة في الشروط التي تقود إلى تقدير متساو لجميع الأفراد بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والثقافية. وجعلت من الجميع متساوين دون أن تفقدهم خصوصياتهم أو حرياتهم الخاصة, وقادت باراك أوباما, المهاجر الأفريقي, إلى سدة الرئاسة في أعظم دولة رأسمالية, دون أن ترغمه على تغيير لون بشرته, وهذا ماكان الحلم المستحيل بالنسبة للسود الأمريكيين في وقت من الأوقات. إن الديمقراطية لاتحقق المساواة السياسية عبر ضمان ذات الحقوق فحسب, وإنما هي أداة لتخطي التباينات الثقافية والعرقية والاجتماعية, باسم الفضائل المدنية العليا. وهي تبين أن التفاوت, في الثروة والجنس والعقائد, لايقف حائلاً دون ممارسة الحقوق المدنية والسياسية ذاتها. لقد أثبتت الثقافة الديمقراطية السائدة قدرتها هنا على التسامح وعلى حماية التنوع والانسجام في وقت واحد, وعلى ضمان الخصائص الثقافية والدينية المختلفة للمجموعات العرقية, وصون التطلعات الفردية على نحو متكافئ. وهنا تكمن جدارة المجتمع المدني الأخلاقية والثقافية, حين يبدو قادراً على مقاومة هيمنة عنصر أو ثقافة دينية أو عرقية بعينها على السلطة السياسية, أو السيطرة على المجتمع السياسي وطبعه بطابعه الخاص. فالمجتمعات المدنية القوية وحدها القادرة على مقاومة هيمنة دين أو عرق أو أية ثقافة معتقدية على السياسة, وعلى مجابهة تماه الدولة في أيديولوجية قومية أو مذهبية مستبدة. وبموازاة ذلك تبرهن هذه السابقة التاريخية على أننا نستطيع أن نعيش معاً بطريقة أفضل برغم اختلافنا, ونؤسس لحياة أرقى وأكثر انفتاحاً وإنسانية برغم التنوع القائم, الذي يعدّ شرطاً لأي تواصل إنساني, حقيقي ومثمر.

ويتعين علينا أن نذكر أيضاً, إن هذه الديمقراطية, علاوة على تعدديتها, هي في بعدها الشامل علمانية. وكما يشير آلان تورين فإن ميزة الديمقراطية تكمن هنا في تناقضها مع هيمنة معتقد بعينه أو دين على السياسة, وفي إثبات حرية الرأي لشخص أو طائفة. إن الاتكاء على ثقافة دينية, أومعتقدية, أو عرقية من جانب السلطة السياسية تقوض الديمقراطية وتقيد أسس المساواة.

إن انتخاب أوباما يعكس شغفاً لامتناه بالمساواة لدى المجتمع الأمريكي, هذا الشغف الذي ينمو بلا انقطاع لديه ولا يشبع, لأن هذا المجتمع لن يتوصل قط إلى مساواة تكفيه, وقد بلغت الآن انبساطها الأكمل لديه بهذا الحدث. وأثبتت نبوءة توكفيل بأن التحول الديمقراطي الشامل بعيد عن أن يكون عارضاً ومؤقتاً أو ذا طابع محلي. إن الاندفاع المتواصل إلى تحقيق المساواة يوازيه هنا بالمثل تقدم نحو تحقيق الحريات الاجتماعية والسياسية, الأمر الذي يبرهن على الدور المتعاظم للمجتمع المدني في النظام السياسي, وعلى عزم مكوناته وذواته الفاعلة على التصرف بشكل مسؤول وحرّ في الحياة العامة.

© منبر الحرية،