Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

فهم ثقافة الآخر من خلال لغته وأهميته في التواصل الإنساني

מערכת, 10/12/2009

أقسام المادة فهم ثقافة الآخر من خلال لغته وأهميته في التواصل الإنساني
صفحة 2

صفحة 1 من 2 مقدمة: إن العالم اليوم يتحول ويتغير بسرعة ووتيرة لم يعرف لها التاريخ مثيل في أي مرحلة من مراحله منذ بدء الخليقة إلى الآن. والمؤسف أن التغيير التكنولوجي والرقمي والعلمي يقفز قفزات كبيرة وفائقة ولكن بالمقابل لا تتقدم الثقافات والحضارات والعلوم الإنسانية بنفس الوتيرة، بل دخلت في دوامات مع نفسها ومع بعضها لدرجة أصبح الإنسان يعاني فيها من بعض الصعوبات حتى في التعرف على نفسه وهويته فما بال الآخر الذي هو مختلف عنه. وساعد الإعلام بأنواعه في إيجاد حالة من عدم الإطمئنان والبعد عن الآخر تصل إلى درجة الخوف والتوجس منه أحياناً وهذا ما حصل الآن بدرجة ما بين المجتمع الغربي والمجتمع الإسلامي. فصار الإنسان يفكر في الحاجة للدفاع عن نفسه أكثر مما يفكر في فهم الآخر للتكامل والتطور الإنساني والحضاري الذي يرقى بالطرفين معاً. ففي خضم الصراعات بين الدول وخلافاتها، تتأثر الشعوب بذلك لا محالة، فينظر إلى تلك الشعوب والأفراد والآخر المختلف بالنظرة التي يرسمها الإعلام أو ما يتم سماعة من الآخرين. فيعزز الاختلاف ويتحول إلى خلاف وهذا لا يخدم السلام ويدفع باتجاه البعد عن الحس الإنساني. فهناك حاجة ماسة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، للتواصل بشكل فعال مع الآخر المختلف وإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم والفهم وبناء علاقات إنسانية لتعزيز ثقافة السلام. وهذا لايمكن أن يحصل بالعمق الذي يحتاجه ما لم يلامس الجذور وهذه الجذور مرتبطة ارتباطا وثيقاً باللغة الأم للطرف الآخر. فاللغة الأم لأي شعب لا تحمل مسميات الأشياء والأماكن والأفعال فقط، وإنما هي تحمل ثقافة تلك الشعوب وقيمها ومخاوفها وتوجساتها وطموحاتها ومعتقداتها وخلاصة تاريخها. فعندما نفهم لغة الطرف الآخر نستطيع أن نتعرف على درجة أعمق من هويته ومن ثم نستطيع أن نتواصل معه بالمشتركات التي نستطيع أن نوجدها بين ثقافتنا وثقافته وبين شخصنا وشخصه ونبني عليها للوصول إلى حالة من الثقة المبدئية لكي نستطيع أن نتواصل معا للوصول إلى مشتركات أكبر وتحويل الخلافات إلى اختلافات ومحاولة فهمها واحترامها وإبعداها عن دائرة التوجس والمخاوف. تلخص هذه الورقة العوامل المؤثرة في ارتباط اللغة الأم والتواصل الإنساني في النقاط التالية: 1- الهوية: لقد عرف التاريخ أن هوية الشعوب تختزن في لغتها، ولذلك كان الاعتزاز باللغة عند القدماء والشعوب العريقة والتأكد من أنها تصل من جيل إلى جيل بقوة ومعها مخزون من ثقافة ذلك الشعب وتاريخه بكل ما فيه من تطلعات وتوجسات وقيم ومعتقدات ومخاوف وإخفاقات وبطولات. فتبدأ الأم بغرس كل ذلك من خلال الأناشيد التي تنشدها الأم لوليدها ونبرات صوتها في كل معنى من معاني الأناشيد والهدهدات ومن ثم خلال ما يسمع الطفل من حوله من لغته التي ما أن يصل سن الإدراك وفهم المعنى حتى يصل إليه المخزون التراكمي للشعور واللاشعور الجماعي الكامل لشعبه من خلال اللغة والذي يقوم هو بدوره بعدها بالتعامل معها ونقلها للجيل التالي. فعندما يفتقد الطفل للغته الأم أو عندما تكون ركيكة أو غير خالصة وممزوجة بكلمات من لغة أخرى، فإنه قد يدخل في تحدي مع نفسه لتحديد هويته كجزء من هوية شعبه. فبعدم فهمه لهويته وموضع اللغة منها يصعب عيه فهم القيم والمعتقدات والمخاوف والتطلعات وغيرها من الأمور التي يختزنها الكلام عندما يتكلم الشخص بلغته الأم. فمن لا يفهم نفسه من جانب يصعب عليه فهم الآخر من ذات الجانب. التواصل هو بين طرفين ولكي يكون التواصل فاعلا يجب أن يكون الطرفين في حال متوازنة وجيدة. فمن جانب يجب أن يكون الطرف الأول هو متقن لغته الأم ويعتز بجذوره وتاريخه ليتمكن من تقدير قيم الآخرين وجذورهم وتاريخهم. فالبعد عن الهوية الذاتية وصعوبة وجود هوية حقيقية كاملة تجعل من الصعب على الفرد أن يتواصل مع غيره بقبول واحترام إذا ما كان هو لديه مشكلة في التواصل مع نفسه بقبول واحترام. من لا يحترم لغته وهويته يصعب عليه احترام لغة وهوية الآخر ومن ثم قبوله كما هو والتواصل معه واستكشاف الجوانب الإنسانية المشتركة بينه وبينهم. 2- الموقع من اللغة الأم: ساهمت العولمة والعصرنه كثيرا في ابتعاد الناس عن لغتهم الأم. فالإنسان المعاصر مقياسه لدى الكثير من الناس هو الذي يجيد اللغة الأجنبية ويتقنها بالدرجة الأولى وهي الأنجليزية في الكثير من المجتمعات العربية. ناهيك عن سعي الكثير من الآباء والأمهات لتعليم أولادهم في المدارس الخاصة التي تركز على اللغة الانجليزية مثلا كلغة أولى والمعتمدة بالدرجة الأساسية ولا يكترث إذا كانت اللغة العربية تأتي في الدرجة الثانية أو تكون لغة فرعية أو أحيانا لغة غير معتمدة في النظام التعليمي للمدرسة، فالبعض يشعر بنوع من التباهي والفخر عندما يتكلم ابنه اللغة الأجنبية معه أو أمام أهله وأقرانه العرب. وفي ذلك تحد كبير إذ إنه يتعلم لغة ثانية وهو لايتقن اللغة الأولى والتي هي تعتبر الأساس لطريقة تفكير الطفل وتحليله. فنحن نفكر ونحلل في أمورنا الحياتية باستخدام اللغة والتي من البديهي والطبيعي، أن تكون هي اللغة الأم كونها اللغة المشبعة بالعاطفة والمجربة في حالات الخوف والنجاح والحزن والفرح وغيرها. ولعل المجتمعات الخليجية من الشعوب القليلة في العالم التي تعتبر لغتها الأم أصبحت لغة مهددة لجيل أطفالها. فهناك من العائلات التي تترك أولادها منذ نعومة أظافرهم مع الخادمة التي لاتجيد العربية أو تتكلمها بتحريف وأحيانا تبتكر لغة دخيلة ممزوجة برائحة العربية وبرائحة لغتها التي تتكلم بها، فضلا عن تفضيل بعض الأهل التكلم مع أولادهم باللغة الانجليزية كونها لغة تجيدها عصرية من وجهة نظرهم حتى ولو كانت ضعيفة لديهم. فيتكلمون مع الأطفال بكلمات إنجليزية ظنا منهم أنها لغة أنجليزية متناسين أن اللغة بأبسط معانيها ليست مجرد كلمات بل هي قواعد وأسس. فالوالدين كثيرا ما يستخدمون البناء اللغوي العربي مستعينين بكلمات إنجليزية وهي كارثية بالنسبة للطفل إذ أنه بهذا يفقد البناء اللغوي العربي والإنجليزي معاً فتصبح اللغة التي يتحدثها مجرد كلمات مصفوفة مع بعضها لتعطي معنى محدداً.
ومثال على هذا نرى أن من الجمل الشائعة التي يستخدمها الآباء والأمهات عند الحديث مع أولادهم don’t do like this والتي يقصد منها "لاتفعل ذلك" مع أن هذا المعنى ليس صحيحا باللغة الانجليزية، فتركيب الجملة هو ترجمتها من العربية باستخدام كلمات انجليزية والذي يفقد الطفل مكونات أساسية من هويته وبناء تفكيره من خلال فقدانه للبناء اللغوي المتناسق مع كلمات اللغة التي يتكلمها. ويساهم في تعميق هذه المشكلة ان تكلفة وجود الخادمة طوال الوقت في المنزل هو سعر زهيد مما يشجع الناس على توظيفهن. ومع أن المسمى الوظيفي لهم هم خدم منازل، إلا أن أعمال تربية الأطفال والاهتمام بهم بل وأحيانا تدريسهم – في حال إتقانها اللغة الانجليزية – يعتبر تحصيلا حاصلا وهو الوضع القائم في أغلب البيوت الذين يتواجد فيهم أطفال. ومع أن تاريخيا كان وجود الخادمة الدائمة يتواجد أكثر عند العائلات الكثيرة الملكية مثلا تأتي بمربية من أهم مواصفاتها أن تكون من عائلة عريقة انتقلت إليها اللغة والثقافة من جيل إلى جيل بطريقة صحيحة وأن تكون لغتها ولهجتها سليمة تماماً. هذا يحتم على الوالدين تحمل مسئولياتهما في تمرير تاريخهما وثقافتهما وعزتهما إلى الجيل التالي نقية كما وصلت إليهما وعن طريقهما هما مباشرة وليس عن طريق وسائط ليس لها علاقة بلغة الأم الأصلية. فمهما كانت انشغالات الأم والأب فعليهما أن يتكلما ويمزحا ويعاقبا وينصحا ويحاورا ويدللا أولادهم بلغتهما الأم الأصلية التي تحمل في طياتها روح المعاني الموجودة فيها. فعندما تقول الأم لولدها "فديتك" فهي لاتقول له فقط إنني أحبك وانك مهم عندي بل تذهب إلى أعمق من ذلك لتقول له إنني كأم عربية في ثقافتي انك طفلي ولك قيمة كيبرة وأنا أبذل كل ما لدي في سبيل أن تعيش أنت سعيدا وموفقاً فتدخل من خلال هذه الكلمة روح التضحية ومحبة الحياة المستقبلية لابنها. 3- في حالة القهر والغضب تزداد تحدي اللغة الأم في بلداننا العربية بسبب حالة القهر والغضب واليأس والشعور بالخذلان التي تنتاب أعداداً كبيرة من العرب. فالكثير من الآباء الذين يتكلمون مع أبنائهم اللغة الانجليزية كلغة أولية ويتعاملوا معها معاملة اللغة الأم لدى طفلهم، يقولون عندما يسألون عن السبب أو عندما يسمعون كلمات بها ملامة لحرمان أبنائهم من لغتهم الأم، يقولون أنهم يتساءلون عن جدوى تعلم أولادهم اللغة العربية ما دام العلم والتطور والتقدم التكنولوجي في الغرب الذي يتحدث الإنجليزية ونحن في تخلف ولاتستطيع لغتنا تغيير هذا الواقع فنحن نريد لأولادنا أن يكونوا جزءا من التقدم وليس التخلف. ويساعد في هذا التوجه أيضاً المستقبل الوظيفي في بلداننا العربية والذي يعطى الأولية عادة لمن يتقن اللغة الانجليزية أو الغربية ولايعطى ذات القيمة لمن يتقن لغتة الأم. 4- العولمة: ازدادت التحديات مع انتشار العولمة فانتشرت معها مفاهيم جديدة ولغة جديدة يستخدمها بعض الشباب وبعض المتعلمين في الجامعات التي تستخدم اللغة الأجنبية كلغة أساسية في التدريس والكثير من الذين يدرسون في المدارس الخاصة، مما أبعدتهم عن أصالة لغتهم الأم. ومع انفصالهم عن لغتهم، تحولت اللغة كأداة لتوصيل المراد من القول بغض النظر عن الطريقة أو الشكل. فعندما يتكلم الفرد ويجد صعوبة في إيجاد كلمة لمعنى معين في لغته الأم فمن الأسهل عليه أن يستجد بكلمة من اللغة الأجنبية من إعطاء نفسه فرصة لثوان لاستعادة الكلمة من ذهنه مما يجعله يفقد تكامل لغتة الأم ويصبح أقل التصاقاً بها. وهذا يعيقه من فهم الآخر عندما يتكلم فهو لايأخذ الكلمات التي يقولها الآخر محمل الجد ككلمة لها مغزى ومعنى ظاهري ومعنى آخر ثقافي، بل يراه كمعنى ليكمل به الجملة ليوصل ما يريد إيصاله. فهو قد يرى الكلمة مجرد طريقة لتوصيل المفهوم ولايتأثر بمغزاها ومعناها. ------------------------------- صفحة 2 من 2-الجزء الثاني

5- الكلمة ومعانيها: إن اللغة الأم لأي شعب ترمز إلى هويته وتاريخه. فعندما يتكلم أي شخص بلغته الأم عن أي موضوع، فالكلمة هنا لاتدل فقط على على المعنى الحرفي للكلمة بل تتعداه إلى المفهوم الحضاري والثقافي المخزون للكلمة عند المتكلم. فهناك اختلاف بين الكلام العلمي والكلام اليومي الذي يوصل المفاهيم والأفكار والرغبات والحاجات والقيم والمعتقدات. فعندما يتكلم أي شخص من أي ثقافة عن تكوين الماء من ذرتين هيدروجين وذره أكسجين، فهو يتكلم بلغة عالمية لاتختلف من ثقافة إلى أخرى حتى ولو قال المكونات بلغته هو. فالمعنى واحد وليس له مدلولات وبواطن، ولكن إذا ما كان الموضوع يتعلق بالماء ومعنى الماء بالنسبة للشخص، فهنا الوضع مختلف تماما. فالعرب مثلا قد يرون الماء على أنه عنصر نظافة وطهارة وترى بعض قبائل الهنود مثلا أنه عنصر تعميد وترى بعض قبائل تايلاند أن الماء هو عنصر تدخل فيه الأسطوره وعند بعض القرى في أفريقيا ككنز ثمين للإبقاء على الحياة. فعندما يتكلم كل واحد منهم عن الماء فهو يتكلم بمعنى وقصد مختلف. واللغة الأم تجسد الثقافة الكامنة في الكلمات وخاصة المصطلحات التي يستخدمها الناس يوميا في حياتهم مع أنفسهم ومع غيرهم. فعندما يقوم شخص عربي بدعوة آخر لبيته للعشاء في الساعة الثامنة مساءً مثلا ويسأله: هل ستأتي؟ فهناك احتماليه كبيرة أن يكون تعبيرة للاستجابة بـ "إن شاء الله" بدل كلمة "نعم" ولكن لمن العربية ليست لغة الأم وهو يستمع للترجمة، قد تعني له الكلمتين نفس المعنى وهو قبول الطرف الثاني دعوة الأول ولكن هل هما يحملان نفس المعنى بالنسبة لمن لغتة الأم؟ فـ "إن شاء الله" تحمل في معانيها الهوية الإسلامية ومعتقد الناس بأن كل ما يصيبهم هو بمشيئة الله وانهم لا يستطيعوا أن يقوموا بأي عمل دون مشيئته ومنها ايضاً حضور هذه الدعوة. فعندما تتم الترجمة فستكون أن شخصا دعا آخر للعشاء في بيته في الساعة الثامنة مساءً وأن الآخر قبل الدعوة!! عندما نرجع إلى لغة الأم عند العرب نرى كيف أن كلمة "الله" تندرج في لاكثير من الأمور غير الحتمية أو تلك التي لا يمتلك الإنسان السيطرة عليها كاملة. فمثلاً إذا أراد شخصا ما أن يعمل شيئاً فعادة ما يستبقها بكلمة "إن شاء الله" وإذا كان في قتر من العيش أو في ضيق فالكلمة التي يتم مواساته بها هي "الله كريم"، ومن ابتلى بعدو اضر به "حسبي الله ونعم الوكيل"، ومن كان مريضاً "الله يشفيك"، ومن مات "الله يرحمك". هذه الكلمات نابعة من معتقدات راسخة عند غالبية الناس في المناطق العربية وهي بها مدلولات عميقة. وفي الثقافة العربية أيضاً تستخدم كلمات مثل "رحم الله والديك" ككلمة دعاء للشخص ويعتبر الدعاء لوالدية بمثابة شكر له هو، وارتباط التوفيق في رضا الوالدين وخاصة رضا الأم والكلمات العامية التي تقال في أكثر البلدان العربية إذا ما كان شخصا موفقا "أمك داعية لك". ويعتبر اكبر سباب أو شتيمة لعربي عندما يشتم أحد والدية وخاصة أمه. وفي لغة أخرى مثلا نرى الكلمات التي ترمز للخمر والدير والخال تستخدم في الأشعار العرفانية عندما يراد بها التغزل في الجمال الروحي ولكن عند ترجمتها تصبح عديمة المعنى، أو حتى مضحكة لكون اللغة العربية لاتستخدم هذه التعابير في هذه المواضع بل وقد تستخدم في معان مغايرة أصلاً. وفي بعض اللغات مثلا تستخدم كلمة "الفداء" بين الناس كنووع من الشكر والاحترام مثل "فديت يداك" عندما يقدم شخص خدمة لآخر، و"فديت قدميك" عندما يقوم شخصاً بزيارة لمنزل شخصا آخر، و"فديت روحك المحبة" عندما يقوم شخصا بعمل ما أو يقول شيئا ما ينم عن اهتمامه ومحبته للشخص الآخر ولنا أن نرى كيف أن هذه التعابير تنم عن توقعات معينة في الثقافة لمعنى الاحترام ورد الجميل والتي من الممكن أن ينظر إلى معناها باللغة العربية أو الانجليزية مثلا على أ،ها تعبيرا مبالغا فيه وقد يكون مهنيا، ولكن من يدخل في خصوصيات تلك الشعوب، يعرف من خلال لغتهم توجههم وقيمهم والكثير من المعاني. ولك أن تتصور أن يكون الشخص الذي يشكر الآخرين بهذه الطريقة و يتوقع من الآخرين شكره بهذه الطريقة أيضا، تصور عندما يكون في تعامل مباشر مع شخص من ثقافة امريكية أو فرنسية مثلاً والذي قد يرى أنه أدى الشكر بالحد الذي يوصل للطرف الآخر أنه يعلم أنه قام به بعمل جيد في حال كان لديه الخيار بأن لا يقوم به! في هذه الحالة مثلاً، من الصعب الحكم على من له الحق ومن عليه!! ونستطيع أن نتعرف على ذلك أيضاً إذا ما قارنا الترجمات المكتوبة في المسلسلات أو الأفلام من لغة إلى أخرى. فنرى الفارق الكبير بين روح الكلام والقصد منه وبين ما هو مكتوب أو مدبلج ومعناه. ونرى ذلك بصورة كبيرة أيضا في الكتب المترجمة. فمن يتقن اللغة الثانية ويقارن الترجمات، خاصة في الكتب الاجتمعية أو القصص أو غيرها من المواضيع التي تتضمن معتقدات أو قيم أو مشاعر، قد يرى أنها تبدو وكأنها تتكلم عن موضوعين مختلفين ولكن بهما بعض التشابه!! 6- الجهل بالآخر: كثيرا ما يكون الآخر المختلف هو من نتوجس منه ومن ننسج في مخيلتنا عنه الأساطير والقصص والمخاوف عن بعض الأمور والأحداث التي تحصل لنا سواء في الوقت الحاضر أو على المستوى التاريخي. ولطالما تم تفسير الاختلاف على أنه دليل تهديد كالتوجس الحاصل حاليا عند بعض الغربيين عن كلمات مثل "الجهاد" فيرون من وجهة نظرهم أنها تعني ضوءاً أخضراً للهجوم على الآخرين الذين يتم تصنيفهم على أنهم أعداء بسبب اختلافهم في الدين أو غيره. ولكن هذا ليس هو المعنى الموجود عند أغلبية الشعوب العربية وليس ما هو موجود في الشعور الجماعي للعرب ولا هي السياق الذي يستخدم فيه كلمة "جهاد" عند العرب. فلو أخذنا عينة عشوائية من الشارع عاديين وسألناهم عن معنى الجهاد لديهم، لقال أغلبهم أن كلمة "الجهاد" لاتستهدف الشعوب ولا الشخص المختلف ولاحتى من ليس على دينهم ومعتقدهم. فلكي نتعرف على المعنى الحقيقي لمدلولات المعاني والمفاهيم فنحن بحاجة للتواصل الإنساني القريب وفهم لغة الآخر لكي نستطيع التعرف على معاني وأبعاد الأمور وحيثياتها الخاصة من وجهة نظرهم وليس بالطريقة التي تصل إلينا عبر الوسائط المتعددة المرئية أو المسموعة كالإعلام مثلاً. عندها نستطيع تفهم الاختلافات وتسخيرها بهدف التوصل إلى فهم مشترك لتعزيز ثقافة السلام. عينة عشوائية من الشارع لأناس عاديين وسألناهم عن معنى الجهاد لديهم، لقال أغلبهم أن كلمة "الجهاد" لاتستهدف الشعوب ولا الشخص المختلف ولا حتى من ليس على دينهم ومعتقدهم. فلكي نتعرف على المعنى الحقيقي لمدلولات المعاني والمفاهيم فنحن بحاجة للتواصل الإنساني القريب وفهم لغة الآخر لكي نستطيع التعرف على معاني وأبعاد الأمور وحيثياتها الخاصة من وجهة نظرهم وليس بالطريقة التي تصل إلينا عبر الوسائط المتعددة المرئية أو المسموعة كالإعلام مثلاً، عندها نستيطع تفهم الاختلافات وتسخيرها بهدف التوصل إلى فهم مشترك لتعزيز ثفافة السلام. ويمكننا طرح مثال آخر من قبائل الناتال بجنوب أفريقيا، فالتحية الأكثر انتشاراً و المرادفة لكلمة "مرحبا" باللغة العربية هي “Sawu bona” والتي تعني ترجمتها الحرفية "أنا أراك"، ويرد الطرف الآخر “Sikhona” والتي تعني "أنا هنا". و ترتيبها يأتي كالتالي: أنا غير موجود حتى تراني فتبعثي للوجود. فهذه اللغة تظهر الثقافة الموجودة لديهم فأخذ الأقوال المأثوره لديهم: "الشخص هو شخص بسبب الناس". فالناس الذين يترعرعون في هذه القبيلة يركزون وبشكل أساسي على أن وجودهم يعتمد على احترام الاخرين لهم. وفي الآونه الأخيرة قامت بعض الشركات العالمية بالتوظيف من جنوب أفريقيا ومن هذه القبائل وقد واجهة الشركات تضارب في الثقافات بين الثقافة السائدة في الدول التي أسست فيها الشركة والموظفين الجدد. ففي بعض الثقافات، إذا مر شخص ولم يحيك لأنه مشغول البال فإن هذا لايشكل أي مشكلة، أما بالنسبة لشخص من هذه القبيلة فهذا يعد أكثر من عدم اهتمام، فهو يعني لديه أنك لم تشعر أنه موجود..!! 7- مصادر الثقافة: إن التحدي الأكبر في هذا العصر هو المصدر الذي نتعرف فيه على الآخرين والذي غالبا ما يستبعد الحوار الشخصي. فنحن نتعرف على شعوب ونكوّن أفكاراً أو أحياناً مواقف منهم ونحن قد لا نكون التقينا بشخص واحد منهم أصلاً. نسمع ما يقال عنهم عبر القنوات التلفزيونية وخاصة الإخبارية والجرايد والمجلات والانترنت. فالمعلومة التي تنقلها لنا الوسائط المتعددة تكون مقننة، في أغلب الأحيان وفق معايير تدخل فيها عوامل كثيرة تجارية واجتماعية وسياسية وغيرها لتخرج بهذه الحيلة الإعلامية، فصورة الحقيقة لا تخرج للعيان كاملة نظيفة كما لو كانت على أرض الواقع. فنحن نفهم الآخر من خلال ما فهمه غيرنا ونقله لنا وليس من خلال تواصلنا المباشر معه. ويقوم الإعلام بدور حساس وخطير في آن. فكما أن الإعلام من الممكن أن يساعد في فهم الآخر، إلا أن الكثير من القنوات الإعلامية تظهر الآخر بالصفة والشكل الذي تريده بناء على الصورة التي تريد هي رسمها. فمنذ أحداث التاسع عشر من سبتمر ووصمة الإرهابي هي الوصمة المطلوبة والفاعلة دوليا، فيقوم الاعلام باعطاءها كل مخالف لمنهج الجهة التي تستخدم القناة الإعلامية وتتعدى هذه الوصمات الأفراد والحكومات وتصل إلى الشعوب أيضاً. فالشعوب الغربية مثلاً يزداد تخوفها وتوجسها من العرب والمسلمين وخاصة تلك الشعوب التي ليس لديها تواصل مباشر مع الشعوب العربية. فقد كانت كاتبة هذه الورقة في جمهورية الدومنيكان لحضور مؤتمر قبل عامين وكانت تتحدث مع أحد المؤتمرين من سكان جمهورية الدومنيكان وكان يقول لها بعد أن أبدى استغرابه الشديد من أنها تبدو لطيفة وغير عدوانية!! أنه تعرف على إمام مسجد في مدينته وحسب تعبيره انه كان رجلا لا يبدو عليه أنه سيء أو إرهابي. وقال أن إمام المسجد هذا قد دعا هو وعائلته إلى منزلهم لتناول وجبه عشاء، وقال عندما قلت ذلك لأصدقائي نصحوني بأن لا أذهب مع عائلتي لمنزلهم لأنني لا أعرف ما الذي يخبئه لي. كان يقول هذه الجمل بلهجة الذكي الذي لاتخفي عليه خافية، ثم أكمل أنه قال لأصحابه بأنه لن يذهب بالطبع فهو ليس أحمقاً ليذهب وعائلته لبيت مسلم ويلقي بنفسه للتهلكة!! وكان يقول بلهجة ساخره، لا أدري لماذا يكرر كلمة سلام سلام!! وعندما شرحت له معنى كلمة سلام ولماذا يقول المسلمين هذه الكلمة للترحيب ببعضهم قال إنه لم يفكر بالموضوع بهذه الطريقة من قبل، وقال أن كل ما يعرفه عن المسلمين العرب هو مايراه في التلفاز والذي لايزيده يوما بعد يوم إلا سببا وجيها آخرا للتوجس والتخوف منهم، وأنه لم يتواصل مع أي مسلم غير إمام مسجد وكاتبه هذه السطور!! 8- الثقافة الدينية: لقد قال الله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (الحجرات/13). فالله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين لكي يتعارفوا ويتواصلوا ويرتقوا إنسانيا. فالشعوب والقبائل لاتتكلم لغة واحدة بل لكل منها لغة مختلفة. فعلى أئمة المساجد والخطباء الدينيين التركيز على الهوية من خلال احترام لغتهم الأم وتشجيع الناس وخاصة الشباب على احترام لغات الأمم الأخرى وحثهم على التواصل الإنساني والتعرف على الآخر بكل أشكاله بما يساهم في التطور الإنساني للطرفين ونشر ثقافة التعارف والسلام. الخاتمة: في عالمنا الواسع المفتوح والمتعدد الثقافات، لا مناص لنا من التعرف وفهم بعضنا البعض وأن نتواصل كشعوب ونسعى لترسيخ ثقافة احترام الآخر مهما كان مختلفا وأن نكون أكثر اعتزازاً بهويتنا وجذورنا وتاريختنا الذي تختزله لغتنا الأم وأن نكون أكثر وعياً عندما نحكم على الآخرين خاصة إذا مالم تكن مصادر المعرفة صافية. فالتواصل الإنساني هو السبيل الوحيد لتقليص الخلافات وتحويلها إلى اختلافات وهي الوسيلة الأرقى لنشر ثقافة السلام. ورقة مقدمة من د. سرور قاروني، للمؤتمر الدولي الأول بين اللغة الأم والتواصل مع العصر


د. سرور قارون - ورقة مقدمة من د. سرور قاروني، للمؤتمر الدولي الأول بين اللغة الأم والتواصل مع العصر- (فهم ثقافة الآخر من خلال لغته وأهميته في التواصل الإنساني)