Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

التناقض في الشخصية أمر طبيعي!

ד"ר רפיק חאג', 2/10/2012

هل صادفتم شخصا “يهدّ ويرعد” ويخافه القاصي والداني لكنه يخاف من جروٍ صغير ينبح عليه؟ هل صادفتم ثريا يتبرع بالملايين للجمعيات الخيريه والمؤسسات العامة لكنه يجادل سائق الاجرة “الغلبان” على أجرته؟ نحن نتظاهر احيانا بما نحن لسنا به من اجل الحفاظ على بقائنا او مجاراة للبيئة

النفس البشرية معقدة ومكتظة بالتناقضات, وقد يحتاج الباحثون والمختصون النفسيون الى آلاف السنين لاكتشاف اسرارها ومعرفة مكنونانتها فالخافي منها اعظم من الظاهر للعيان؟ هنالك الكثير من السلوكيات التي لم تُفسّر بعد بشكل كامل والتي لم يتم “تنميطها” وتحديد دوافعها. هنالك الكثير من الناس غير المدركين لاطباعهم وجنونياتهم لذا تراهم احيانا يقومون بسلوكيات منافية لما يعرفه الآخرون عنهم. هل يجوز ان نكون كرماء وبخلاء بنفس الوقت؟ هل يُعقل ان نحب نفس الشخص ونكرهه؟هل يجوز ان ننام وديعين ونُصبح حادّي المزاج؟ هل نحن علمانيون ام متدينون؟ اذا كنا علمانيين فلماذا تصيبنا الرهبة والخشوع عندما ندخل مسجدا او كنيسة واذا كنا متدينين فلماذا نسمح لبناتنا بالتبرج ولبس القصير؟

تخيلوا شخصا يقود دراجة نارية يتورّط بحادث طرق خوفا من ان يقوم بالدوس على دجاجة حاولت قطع الشارع لكنه في نفس الوقت يطعن كل من يغيظه من الناس حتى لو كانوا اصحابه, وأخر يجهش بالبكاء عندما يقوم القط بالتهام الفأر في نهاية الفيلم الكرتوني الذي يشاهده ولكنه يضرب زوجته حتى يسيل دمها, وأخر يخاف الذهاب عند دار عمه لوجود كلب صغير يشرع بالنباح عليه, ولكنه يضرب الشرطي لأنه “أهانه”؟

هل جرى ان قمتم بتبذير أموال هائلة على كماليات وأمور تافهة دون حساب, ولكن لم تتورعوا من الدخول في جدال حامي الوطيس مع سائق سيارة “غلبان” الذي طلب منكم اجرة نقل بقيمة عشرين جنيها؟ ما الذي يُمكن ان نقوله عن انفسنا؟ هل نحن سخيون ام بخلاء؟ وكيف يُعقل ان ننعف الاموال ونتبرّع بها للداني والقاصي ولكننا نبخل على الفقراء والمحتاجين؟

لا اريد ان اخوض في التحليلات النفسية للشخصية المتناقضة فأنا لا اعرف عن علم النفس إلا النزر القليل وقد وجدت ان الاعتراف بقلة المعرفة “فضيلة” ويعفيني من الخوض في جدالات لا نهائية مع المهنيين والعاملين في المجال.

السبب الاول في التناقض المتواجد في شخصيتنا هو رغبتنا بالتظاهر بما نحن لسنا به من اجل الحفاظ على بقائنا او مجاراة للبيئة التي نحيا بها . يقول المثل العالمي ” في روما.. كُن مثل اهل روما”, والمثل العربي يقول “دارِهم ما دمتَ في داراهِم.. وجارِهم ما دمت في جوارِهم.. وأرضِهِم ما دمتَ في أرضِهِم..”. من كثرة محاولتنا اخفاء جوهرنا وخصوصا اذا كنا نملك اسرارا او عقدا دفينه, نبدأ بالتكيف للصورة التي رسمناها لانفسنا ونصدّق اننا “شجعان” او “كرماء” او “ودودون” مع اننا بعيدون كل البعد عن ذلك, وعندما نتصرّف على “حقيقتنا” نُذهل من انفسنا ونُذهِل من حولنا. كلنا نعرف المقولة الشعبية “صدّق حاله فلان..” من كثرة كذبه على نفسه.

السبب الثاني للتناقض في الشخصية هو حيازتنا لهويات عديدة وتواجدنا في دوائر حياتية مختلفة- كدائرة البيت, ومكان العمل,والعائلة الكبيرة والنادي والحزب والفريق. هل تتوقعون ان نملك نفس النمط السلوكي في كل تلك الدوائر؟! هل صادفتم شخصا “يهدّ ويرعد” في مكان العمل يتحوّل الى انسان وديع ومسالم عندما يتواجد في بيت الزوجية؟. في كل واحدة من تلك الدوائر نحن نحمل هوية خاصة بها ونتواجد في ظروف بيئية مختلفة, ونتعامل مع اناس مختلفين ولذا فمن الجائز ان تكون لنا شخصية مختلفة في كل دائرة نعيش بها, وقد تتداخل الدوائر في بعضها البعض. فقائد الجيش العظيم الذي انهك الاعداء بقساوته وضراوته يتحوّل الى طفل صغيرعندما يزور والديه المُسنين ويتقبّل اوامر ابيه الحادة بصدر رحب, ويتحوّل الى “حمل وديع” مع الفتاة التي يحبّها. أحيانا في نفس الدائرة نحن نشغل اكثر من منصب, ففي دائرة العائلة قد نشغل منصب “الأب” و “الزوج” و “الأخ” و “الإبن” و “العم”. هل تتوقعون ان نتصرّف بنفس الشخصية بكل تلك المواقع؟! فهنالك زوج رائع لكنه أب لامبالي أو ابن بار لكنه زوج قاس, وهكذا.

السبب الثالث للتناقض في الشخصية هو عدم المامنا المُطلق بأنفسنا, وبالمتوقع منا بعد تراكم تجاربنا الحياتية الفاشلة منها والناجحة. نحن لا نُدرك كيف يُمكن ان نتصرّف في حالات متطرّفة او غير اعتيادية. نحن لا نُدرك كيف سنتصرّف اذا خسرنا اموالنا بالبورصة او هجرنا الحبيب او فُزنا في المكان الأول. مع كل الاحترام للتجربة الحياتية التي مررنا بها, لم نختبر انفسنا في كل الحالات والمواقف, لذا فنحن مُعرضون ان نُفاجئ انفسنا ونفاجئ الآخرين بتصرفات لم يعهدوها عنا من قبل. فالزوج الوديع والمُسالم قد يطلق النار على زوجته اذا ضبطها في حالة “خيانة”, والكسول الخامل الذي لم يسعَ قط لكسب رزقه يهبّ به النشاط لأن حبيبته اشترطت اقترانها به بأن يصبح صاحب مهنة “محترمة”, والذي فاز بالمكان الأول يفقد تواضعه وانسانيته ويصبح مغرورا وتافها. من الصعب ان يُحافظ الانسان على نفس النمط السلوكي في كل حالة ومكان وزمان. هنالك الكثير من العوامل التي تؤثّر على تصرفاتنا وتجعلنا نبدو غريبي الأطوار و “مختلفين” و “مناقضين” لما هو معروف عنا, نحن غير مُدركين لوجودها كالتواجد في مكان مُظلم او في حضرة جمهرة كبيرة من الناس او في بيئة معادية. يحدث التناقض احيانا بسب متغيرات طارئة, وهذه المتغيرات تؤثر على القناعات التي توجه الأفعال. معروف ان لكل فعل ردة فعل, ولكل مقام مقال, ولكل حادث حديث.

اطمئنوا “التناقض في الشخصية” لا يعني “الانفصام في الشخصية” فشتان بين الظاهرة الطبيعية الانسانية التي تعكس عدم حفاظنا على المنهجية في تصرّفاتنا وبين الحالة المرضية الصعبة المسمّاة “السخيزوفرانيا”.

يقولون ان التناقض في الشخصية قد يكون أمرا مثيرا احيانا لأنه يجعلنا أناس “غير متوقعين” و “غير مقروئين” وهذا يُصعّب على الآخرين, وخصوصا خصومنا ومنافسونا من ان يتنبأوا تصرفاتنا ومواقفنا وطريقة عملنا. قال لي احد الاصدقاء “انا شخصيا ارى في التناقض الموجود في شخصيتي “افضلية” لأنه يُكسبني مرونة قبال من اتعامل معهم..”