Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

كيف تولد الاستقطاب الإثني في اسرائيل ؟ " دراسة "

מערכת, 10/11/2009

ولادة أي أمة يكون عسيراً وشاقاً، حتى عندما تتوفر لها كل مقومات انبعاث الأمة من لغة وتاريخ مشترك ودين وعرق، وثقافة. فهذه عملية متراكمة وبكل تأكيد طويلة الأمد. وأن كانت هذا ما عليه الأمور عند الأمة التي يجمع ابناؤها وشائج الربط التي تؤهلهم لبلورة ذات الذاكرة والوعي الجمعي، فكيف ستكون عليه الأمور إذن عندما قامت الحركة الصهيونية بتحويل التجمعات الإثنية اليهودية التي تفتقد باستثناء الدين، كل وشائج الربط التي تبنى عليها " الأمة "، من لغة وتاريخ مشترك وعرق وثقافة واحدة. لذلك فأن المؤرخ الإسرائيلي مولي بيلغ يشير الى أن الحركة الصهيونية أدركت منذ البداية أن مهمتها صعبة، فعمدت الى " إبتكار " وسائل وأدوات عدة من أجل ايجاد اللحمة بين الطوائف الاثنية المتباينة في المجتمع الاسرائيلي، عن طريق اختراع الأساطير والطقوس لاحتفالية والأعياد مروراً بإحياء اللغة العبرية، وانتهاءاً بشن الحروب على الاعداء في محاولة لطمس وتبهيت الفرقة والاختلاف داخل الفئات الاثنية، بهدف توحيدها في كيان واحد ذي هوية متميزة وشعور بالانتماء لدى جميع اعضائه للمعاير والقيم التي تشكل أسس هذا الكيان.[1] وهناك من نوه الى ان الطبيعة الكولونيالية للدولة العبرية فرضت على قيادة الحركة الصهيونية العمل على " تقزيم " الفوارق الطبيعية بين المهاجرين، عبر دفع قطاعات المهاجرين الضعيفة الى تبني المنظومة القيمية والثقافية للنخبة الإشكنازية التي أشرفت على عملية استيعاب المهاجرين. فالباحث الإسرائيلي يارون تسور أشار الى أنه خلال النصف الأول من القرن العشرين كان العالم يخضع لنظامين أساسيين، الكولونيالية والقومية. وكلا هذين النظامين يصوغان رؤى اجتماعية مختلفة ومتناقضة. ونظراً لأن الصهيونية جمعت بين الكولونيالية والقومية، فقد عملت على تقزيم الفوارق الطبيعية بين نماذج مختلفة من الناس وحثت على اقامة نظام هرمي صارم بينهم.[2] ويشير الباحث الى أنه كان يجب على الحركة الصهيونية أن تدعو بصورة مبدئية الى مساواة تامة بين أبناء الطوائف والجاليات المختلفة بغض النظر عن أصولهم ووضعهم الواقعي. من هنا نشأت وترسخت قواعد تفكير لدى القادة الاشكناز للمشروع الصهيوني قوامها أن على المهاجرين القادمين من الدول العربية والإسلامية أن يتخلوا عن خصوصياتهم الثقافية من أجل المساهمة في بناء الهوية " الإسرائيلية " الجديدة، التي أرتأت النخبة الإشكنازية أن تكون ذات صبغة غربية خالصة. من هنا فأن القيادة الإشكنازية فرضت ظروف وشروط الإندماج على الشرقيين السفارديم. والذي جعلت ظروف الاندماج أكثر صعوبة هي حقيقة أن القيادة الإشكنازية على الرغم من فرضها شروط وظروف الاندماج على اليهود الشرقيين، إلا أنها في الوقت ذاته لم تتعامل مع السفاديم كما لو كانوا جزءاً من " الأمة ".[3] من ناحيته يشير عالم الاجتماع الإسرائيلي سامي سموحا الى ثلاث عوامل رئيسية أدت الى فشل الاندماج بين المكونين الإثنيين الأساسيين، السفارديم والإشكناز.[4] وهذه العوامل تتمثل في:

1- سياسة الهجرة: يرى سموحا أنه على عكس المهاجرين الإشكناز الذين لم توضع قيود على هجرتهم، فقد وضعت القيود على هجرة اليهود السفارديم بشكل كبير بحيث أنه روعي أن يكون هؤلاء المهاجرين من الفئات التي تمد سوق العمل الإسرائيلي بالعمال. وتركت هذه القيود شعوراً بالغبن بين أوساط الشرقيين، على اعتبار أنهم ضروريون لتطوير البلاد، ولكنهم غير مرغوب فيهم، الأمر الذي أظهر الفوقية في فرض الاندماج.

2- سياسة الاستيعاب: يلفت سموحا الأنظار الى أن القيود التي كانت توضع على هجرة اليهود الشرقيين تهدف الى تحقيق هدفين أساسيين إثنين، أولاً: منع الشرقيين من تدمير الثقافة الإسرائيلية ذات التوجهات الغربية الصارخة التي اسسها الاشكناز، أو تهديد أسس النظام الاجتماعي - السياسي الذي بناه الإشكناز. ثانياً: استخدام طاقة العمالة لدى الشرقيين لخدمة الاهداف الإجتماعية والعسكرية للاغنياء والاشكناز. وحسب سموحا، فأنه لكي لا يتم المس بمستوى معيشة الاشكناز، فقد وجهت النخبة الاشكنازية المهيمنة الشرقيين إلى " مخيمات لجوء " مؤقتة، ولاحقاً إلى أماكن إقامة دائمة في مدن التطوير التي أقيمت على الهوامش الجغرافية والإقتصادية في الدولة العبرية. وكانت هذه التجمعات السكانية ينقصها مستوى الخدمات من إسكان، تعليم ، وخدمات أساسية أخرى، في الوقت الذي كانت متوفرة لدى الاشكناز. و ويشدد سموحا على أن موقف المؤسسة الإشكنازية الحاكمة الرافض والمحتقر للمهاجرين الشرقيين عطل قدرتهم على التنافس، وثقتهم بأنفسهم، واحترامهم لأنفسهم وقدرتهم على المبادرة.

3- ينوه سموحا الى أن ضعف الهيود الشرقيين هو عامل حاسم في طبيعة العلاقة بينهم وبين الاشكناز. ويشير الى أن معظم اليهود الشرقيين لم يكونوا متعلمين، ولديهم عائلات كبيرة، ولم يكن هناك ثمة أقرباء يقدمون لهم العون. إلى جانب عدم وجود الخبرة السياسية لمساعدتهم على تنظيم أنفسهم على تنظيم دورات وحملات ناجحة لخدمة مصالحهم.

ويتفق عالما الاجتماع موشيه ليسك ودان هورفيتش مع سموحا على أن هجرة السفارديم الجماعية في الخمسينات تركت آثارها على كل من الصدع الطائفي والصدع الطبقي، وأنها اثرت على تبلور وصيرورة القاسم المشترك بين هذين الصدعين.[5]. ويرى الاثنان أن هناك كان تأثير لظروف استيعاب اليهود الشرقيين، حيث كانت هناك فترة زمنية كبيرة بين وصول هؤلاء المهاجرين وبين استيعابهم الأمر الذي أثر على ظروف التشغيل والسكن وتوفير الخدمات. وكانت المؤسسات المسؤولة عن استيعاب هؤلاء المهاجرين هي التي تقوم بتوفير سبل الحياة لمئات الالاف من المهاجرين من حيث نواحي السكن والعمل، فضلاً عن الانفصال عن ثقافة المجتمع الذي قدم منه هؤلاء المهاجرون.[6] أما سامي سموحا الأديب اليهودي العراقي الأصل فيصف الظروف على عدم قدرة السفارديم الى الاندماج قائلا " في الواقع، لقد المهاجرون من الشرق أقل تعلماً وثقافة، و كان لديهم أطفال أكثر يعتنون بهم، وأن أعداد التقليديين بينهم تزيد بشكل كبير عما هو عليه الحال لدى الاشكناز، لكنهم واجهوا تمييزاً متعمداً وغير متعمد. فالدولة التي خضعت لسيطرة القدماء الاشكناز الذين استغلت نقاط ضعف السفادريم وقامت بتجميعهم في الضواحي ووجهتهم نحو العمل الانتاجي وحالت في البداية دون تعلم اولادهم في المدارس الثانوية، ثم بعد ذلك وجهتهم نحو مسار تعليمي متدن ولم تثق بقدراتهم وكفاءاتهم فضلا عن احتقارها لثقافتهم. قصة الانكسار الكبير او الانتكاسة التي اصابت الشرقيين في اسرائيل مرتبط ايضاً بنوعية المساهمة التي قدموها للمجتمع الإسرائيلي. لا ريب أنهم ساهموا في توطيد اركان الدولة في الخمسينات وفي تعزيز الاغلبية اليهودية وفي الاستيطان في الضواحي وفي تدعيم وتعزيز القى العاملة التي تناقصت بشكل متزايد اعداد المنتمين اليها من بين الاشكناز بشكل متزايد. لقد قام الشرقيون بذلك رغماً عنهم ودون ان يحظوا بأي شكر او أي تقدير ".[7] ويشير جرينبرغ الى أنه لم يكن وارداً لدى القيادة الإشكنازية للحركة الصهيونية تهجير اليهود الشرقيين لفلسطين. ويقول أنه لم يكن وارداً لدى القيادة الإشكنازية للحركة الصهيونية أن تضم السفارديم ليكونوا جزءاً من " الأمة " الجديدة، بل أنصبت جهود هذه الحركة لتحويل اليهود الاشكناز الى تلك " الأمة ".[8] وينوه الى أنه حتى قبل الحرب العالمية الثانية، كان اليهود الإشكناز يشكلون الأغلبية العظمى للتواجد اليهودي في العالم، وكانت لهم لغة مشتركة هي الايديش، وكانوا ينتظمون في مؤسسات اجتماعية وسياسية ودينية وثقافية مشتركة، كما كانوا " يتعرضون للاضطهاد على أيدي اللاساميين ويبحثون عن الخلاص. ومما يرى جرينبرغ أنه دليل على أن قيادة الحركة الصهيونية لم تضع في اعتبارها أن يكون هناك اندماج بين الشرقيين والغربيين،هو حقيقة أنها كانت تسعى الى الحصول على أرض وإقامة جيش يخصان الاشكناز وحدهم وكانت تسعى الى أرض وجيش يخصانهم.[9] ويؤكد أنه فقط بعد أن عرفت قيادة الحركة الصهيونية بنتائج عمليات " الإبادة " التي تمت ضد اليهود على أيدي النازيين الألمان، بدأت الحركة الصهيونية في التفكير بتهجير اليهود الشرقيين الى إسرائيل ليكونوا جزءاً " يكمل الأمة " . من هنا قامت الوكالة اليهودية بوضع خطة " المليون " لجلب اليهود الشرقيين من الدول العربية، والتي وضعها الياهو دوبكين رئيس دائرة الهجرة في الوكالة اليهودية، وقال دوبكين عندما قدمها لدفيد بن غوريون " يجب جلبهم العصا والكلاب.[10] ومما لا شك فيه أن جلب اليهود الشرقيين لم يكن ليتم لولا ما تعرض له اليهود الغربيين في اوروبا على ايدي النازية، حيث استخدم الشرقيين كإحتياط بشري.[11] من ناحيته يرى البرفسور الشرقي البرفسور يهودا شنهاف، الباحث في معهد " فان لير " للدراسات الاجتماعية، والناشط في منظمة " القوس الشرقي "، وهي منظمة تنشط في مجال الدفاع عن حقوق الشرقيين أن قيادة الحركة الصهيونية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وضعت معياريين أساسيين للحكم على اندماج السفارديم، وهما الانخراط في الخدمة العسكرية والمساهمة في الجهد الحربي ضد الدول العربية والشعب الفلسطيني، واستيطان الأراضي المحتلة.[12] ويشير شنهاف الى أنه من أجل دمج يهود الدول العربية في المجتمع الجديد، أرسلوا للخدمة في الجيش وللاستيطان في الأراضي التي احتلت من الفلسطينيين لإقامة المستوطنات، لذلك لأن الجندي والمستوطن هما أهم عنصرين في " الامة " الجديدة.[13] مع العلم أنه سيتبين لاحقاً أنه حتى في مجال العسكرية والإستيطان لم ينجح الاندماج. ويتفق شنهاف مع جرينبرغ في حرص الحركة الصهيونية على تغليب الطابع الغربي للثقافة الإسرائيلية. ويقول أنه لم يكن هناك أي مجال لليهود الشرقيين في النجاح في مجال الاندماج ؛ مشيراً الى أن الحركة الصهيونية كانت على اختلاف تياراتها الرئيسية حركة أوروبية وشكلت بهذه الصفة تحقيقاً لغايات النخب اليهودية الاوروبية منذ اواخر القرن التاسع عشر.ويرى شنهاف أن أية محاولة للادعاء بأن يهود الشرق ساهموا في خدمة أهداف الحركة الصهيونية بصورة مماثلة لمساهمة يهود اوروبا، أنما هي محاولة محكومة بالفشل. ويضيف أن هذه المحاولة تخضع منذ البداية اليهود الشرقيين لخطاب هرمي يقزُم مكانتهم أو مكانهم ".[14] لقد حاولت الحركة الصهيونية أن تصور اجتماع الفئات الإثنية اليهودية في إسرايئل في كثير من الاحيان بلغة صورية وخيالية على أنه " جمع المشردين "، أو " عودة أولاد إسرائيل الى وطن التوراة "، وتحت شعار " شعب واحد ". وتحاول هذه المقولات الإيحاء بأن التقاء هذه المجموعات المتباينة إثنياً المختلفة وكأنه تجمع لأسباب تاريخية تقوم على أساس وحدة المصير والتاريخ والمساواة بين كل اليهو، وبدون اعطاء الفوارق الاثنية أي اعتبار. لكن في الحقيقة فقد تعامل قادة الحركة الصهيونية مع جلب المهاجرين الشرقيين وكأنه مواجهة مع حالة من " التخلف الحضاري "، مواجهة بين الحداثة والتطور الاشكنازي والبدائية والتقليدية السفاردية. ان الاضطهاد الذي مورس ومازال يمارس ضد اليهود الشرقيين قد اسقط شعار وأسطورة " الشعب الواحد". فالحديث عن المساواة خلف الحدود الإثنية ثبت انه خداع وليس له أية مصداقية على ارض الواقع .وهذا كله جعل الشرقيين يدخلون معركة الاندماج من نقطة متدنية جداً. ويرى الباحث في القضايا الاجتماعية الدكتور نزيه بريك أن الذي أثر سلباً على عدم قدرة اليهود الشرقيين على الاندماج هو أن انضمامهم واستيعابهم داخل المجتمع الصهيوني كان يرفاقه الإنكار والاحتقار لقيمهم الثقافية ولاجتماعية، مشيراً الى أن مكانة اليهود الشرقيين في السلم الاجتماعي تعكس استمرار التباين والتفرقة، وهذا ما ادى الى تفاقم الشعور بالاضطهاد والمهانة والاحباط والغربة.[15] وقد عبر أحد اليهود الشرقيين عن بؤس تجربة الاندماج عندما قال موجهاً حديثه للاشكناز " عندما كنتم في السلطة خبأتمونا في الحفر، في المستوطنات الزراعية ومدن التطوير حتى لا يرانا السياح ولا نوسخ صورتكم، لكي يعتقدوا أن هذه دولة للبيض ".[16] الباحثان اليعازر بين رفائيل وستيفن شروت تطرقا الى موضوع " دمج الطوائف " من وجهة نظر المستوعبين الاشكناز الذين توقعوا في المرحلة الأولى على الأقل أن يتخلى المهاجرون من آسيا وأفريقيا عن ثقافتهم وأن يتبنوا الثقافة المستوعبة العلمانية الاشكنازية. ويرى كل رفائيل وشروت أن القيادة الاشكنازية اعتقدت أن جمع كل الطوائف والجاليات اليهودية في إسرائيل سيخلق أمة يهودية تقليدية، وفق النسق الذين حلموا به. لكن لقاء الشرقيين مع علمانية الاشكناز خلقت لديهم أزمة غير متوقعة، فمنهم من تبنى الثقافة المهيمنة ومنهم من تكتل حول العائلة والدين والكنس التابعة للطائفة. لكن التحسن الذي طرأ على الوضع الاقتصادي والسياسي لهؤلاء المهاجرين مع مرور الوقت أوجد الثقة لدى هؤلاء لكي للعودة الى تراثهم الثقافي.[17]. ويرى الباحث دان اوريان أن الثقافة العبرية حرصت على تكريس المكانة المهيمنة للمجموعة الاشكنازية.[18] وكانت النتيجة المباشرة لفشل الاندماج الإثني هو أن إسرائيل انتقلت من قطب النزعة الجماعية الى قطب النزعة الفردية، أي مجتمع القبيلة الذي يعني التخلي عن الاطار العام الموحد واحالة الولاء والالتزام الى مجموعات الانتماء الطائفية والدينية التي تعتبر مباشرة واكثر.[19] وتشير الباحثة ايتسير مئير إلى أن النخب الإشكنازية لازالت تنظر للشرقيين على أنهم " مادة ليست اروروبية، أنها نوع من عرب الشرق الاوسط، هواستيعاب من نوع شرق اوسطي داخل ثقافة ليست قائمة بعد أو هي في الحضيض، من الممكن تحويلهم الى كائنات انسانية ".[20].

ترفع المهاجرين الروس عن الإندماج

بدأت موجات الهجرة الكبيرة من الاتحاد السوفياتي سابقاً إلى إسرائيل العام 1989، وحملت معها حتى نهاية العام 1999، حوالي 538000 مهاجر، يشكلون ما يقارب 13% من مجمل السكان في الدولة، أي حوالي 15% من السكان اليهود، واذا اضفنا لهم المهاجرين الروس الذين هاجروا قبلهم تصل نسبة اليهود الروس الى حوالي 20% من نسبة السكان اليهود.[21] لكن الروس، وبخلاف اليهود الشرقيين، لم يحاولوا منذ البداية الاندماج في المجتمع الجديد، وأختاروا العيش في " غيتو " طوعي خاص بهم، لضمان تمتعهم بخصوصياتهم الثقافية. فالهجرة الروسية قلبت الحالة الاسرائيلية راساً على عقب، وعلى الرغم من أنه كان من المفترض أن يشكل المهاجرون الروس اضافة جديدة لضمان تفوق الإشكناز في الدولة العبرية، وتعزيز المضامين الغربية للهوية الإسرائيلية، إلا أنهم فضلوا البقاء على مسافات، وأن كانت متفاوتة، من مختلف القطاعات الإثنية الأخرى. لذا فقد خيبت موجهات الهجرة الروسية آمال نخبة المركز الاشكنازي في امكانية خلق توازن ديموغرافي يعيد كفة الميزان للرجوع باتجاه الغرب. فالمهاجرون الروس لم يسارعوا الى " التأسرل " بالصبغة الجاهزة لا بل أنهم فضلوا البقاء في حالة من الحكم الذاتي بكل ما يتعلق بالتمسك بلغتهم واقامة معالمهم الاجتماعية والساسية والثقافية. ويقول الباحث هشام نفاع أنه عملياً أدت هذه الهجرة الى نشوء مجتمع داخل مجتمع؛ فهناك حالة ثقافية روسية كاملة تتجلى بعملية داخلية ذات حدود ومعالم: حزب روسي، مسارح روسية، صحف روسية، وعناد روسي على استعامل الروسية باصرار.[22] ويضيف نفاع أن هذه المجموعة الروسية اختارت البقاء خارج كل أفران الصهر، وقررت المحافظة على الاختلاف بشكل لا يخلو من تحد.[23] وقد تميز المهاجرون الروس بنزعة اثنية روسية عميقة الجذور وبأنماط ومواقف تختزن العقائد والتقاليد والعادات التي أثرت على هذه المجموعة خلال فترة النظام السوفياتي.ويرى عالم الاجتماع الإسرائيلي دان أوريان أن جنوح المهاجرين الروس نحو التمايز عن جميع الفئات الإثنية ورفضهم الاندماج هو نتاج حالة الاستقطاب الإثني، التي هي في الأساس نتاج رؤى مختلفة ومصالح متناقضة للمجموعات التي تخوض فيما بينها صراعاً مكشوفاً، أو مستتراً نتيجة لعلاقاتها الاجتماعية والطبقية.[24] ويشير الكاتب الروسي موشيه بيلينكي الى الأسباب التي دفعت المهاجرين الروس للإنكفاء على ذاتهم وتجنب الاندماج. فيقول أن الإعلام الإسرائيلي لازال كما كان في السابق يرسم صورة للمهاجرين من روسيا على أنهم مجموعة من المومسات ومدمني كحول. وبناء على هذا يعتقد كثير من القادمين الجدد بأن هذه هي سياسية الدولة…. فهل هم على خطأ؟ ".[25] ويتابع " ولكن كيف نعيش وماذا نفعل في مثل هذه الظروف؟، أن ردنا على سياسة التمييز هذه يجب أن يكون من خلال تأسيس " غيتو " ثقافي ذي بنية تحتية اقتصادية لخدمة أنفسنا. أن مؤسساتنا تنمو وتتوسع والهوة تزداد اتساعاً بشكل واضح بين هم و " نحن ".[26] ومن الأسباب التي عززت ميل المهاجرين الروس نحو عدم الاندماج هو الموقف المشكك والعدائي ضدهم من قبل قطاعات كبيرة في المجتمع الإسرائيلية. ففي حديثه عن الأضرار التي سببتها الهجرات الروسية لإسرائيل، يقول الكاتب فيكتور بولوسكي " أن الهجرة الأخيرة جلبت معها نسبة 25% على الأقل من غير اليهود مع العلم ان عدد هذه الهجرة بلغ سبعمائة ألف مهاجر". ويضيف " أن للقادمين الجدد علاقة عاطفية قوية مع الدول التي قدموا منها أقوى من علاقتهم مع إسرائيل ". ويتوقع أن يشكل هؤلاء مع مرور الوقت " لوبي " روسي يشكل خطراً على إسرائيل.[27] وحول خيبة أمل اليهود الروس من الهجرة لإسرائيل، يقول الكاتب اليهودي الروسي أركان كاريف " لقد نجح مندوبو الوكالة اليهودية في نهاية الثمانينيات بالكذب الى حد التهور من خلال اطلاق الوعود لليهود الروس بأنهم سيحصلون علىجبال من الذهب. إلا أن تطور وسائل الإتصال فضحت أكاذيب الوكالة وأصبحت الأمور واضحة لكل الناس ".[28] ويضيف كاريف " أن قادة إسرائيل يؤكدون على أنه يجب أن تكون القوة الأساسية المحركة لهجرة اليهود لإسرائيل هي القيم العليا لليهود ". لكنه يتساءل " إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يهاجر يهود أمريكا الى إسرائيل بأعداد كبيرة، مع أنهم يختلفون عن يهود الإتحاد السوفياتي السابق من حيث تمتعهم عبر السنين بالمؤسسات والهيئات الاجتماعية الخاصة بهم بالاضافة الى أنهم يتمسكون بالجذور اليهودية بشكل دقيق ؟". ويجيب كاريف نفسه قائلاً " أنهم لا يأتون لإسرائيل لأن أوضاعهم في أمريكا جيدة وبالتالي فأن من يأتون الى إسرائيل هم فقط أولئك الذين لا يجدون مكاناً آخر يذهبون إليه وهذا ما يحصل دائماً ".[29]


[1] مولي بيلغ، " مختلفون ومعادون …..نشوى العقلية القبلية في اسرائيل "، قضايا إسرائيلية، السنة الرابعة ،العدد 16، خريف 2004 ،ص63.

[2] المصدر السابق

[3] ليف جرينبرغ، " اليسار الإشكنازي: فحص ما بعد الوفاة "، قضايا اسرائيلية، السنة الرابعة، عدد 14، ربيع 2004، ص26.

[4] أسعد غانم، " الهويات والسياسة في إسرائيل "،رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية،2003،ص25

[5] دان هورفيتش، وموشيه ليسك، " بعيوت بيوتوبيا "( مشكلات في المدينة الفاضلة )، ، تل ابيب: عام عوفيد، 1990،ص103.

[6] المصدر السابق، ص 113-114.

[7] سامي سموحا " الانكسار الكبير للشرقيين "، هآرتس، 3 شباط 1995.

[8] ليف جرينبرغ، مصدر سابق، ص 77.

[9] المصدر السابق، ص78.

[10] دفورا هكوهين، " مي هفنتازيا لمتيسؤوت ( من الفنتازيا للواقع )، تل ابيب: وزارة الدفاع، 1996،ص 211.

[11] المصدر السابق، ص223 .

[12] يهودا شنهاف، " اليهود الشرقيين في كتب التاريخ الإسرائيلية "، قضايا إسرائيلية، السنة الرابعة/ العدد 14،ربيع 2004، ص 66.

[13] المصدر السابق.

[14] المصدر السابق.

[15] نزيه بريك، " انعكاس الفكر الصهيوني على وضع الفئات الإثنية في إسرائيل "، قضايا إسرائيلية، السنة الثالثة، العدد 9، شتاء 2003، ص 75.

[16] المصدر السابق.

[17] دان أوريان، " المسرح الإٍسرائيلي والمشكلة الطائفية "، قضايا إسرائيلية، السنة السادسة، العدد21، شتاء ،2006، ص79.

[18] المصدر السابق.

[19] مولي بيلغ، مصدر سابق ص65.

[20] ايتسير مئير، " هتنوعاة هتسيونيت فيهدوت عيراك، " الحركة الصهيونية ويهود العراق "، تل ابيب: عام عوفيد،1996 ص61.

[21] ماجد الحاج،العزار لشم، " اليهود السوفيات: بين الإنصهار والتميز الإثني والثقافي، قضايا اسرائيلية، السنة الأولى، العدد الأول، شتاء 2001،ص76.

[22] هاشم نفاع، "اهتزاز مرتكز ارخميدس في المركز الإسرائيلي هل يؤشر على التغيير؟"، قضايا إسرائيلية،عدد 5، 2002، ص 107.

[23] المصدر السابق

[24] دان اوريان، مصدر سابق، ص79.

[25] موشيه بيلينكي، " الإنقلاب على الواقع " ،صحيفة 24 ساعة، 19/3/1997.

[26] المصدر السابق

[27] فيكتور بولوسكي، " أضرار للهجرة "، حدشوت 1/1/1997.

[28] أركان كاريف، " خيبة أمل"، صحيفة فيستي 25/11/2001.

[29] المصدر السابق