Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

الراهبتان ماري ومريم قدّيستان فلسطينيتان

פרוף חסיב שחאדה -הלסינקי, 14/5/2015

في السابع عشر من أيار ٢٠١٥ سيعلن البابا السادس والستون بعد المائتين، فرنسيس الأول (Franciscus)، في قُدّاس حبري في روما عن قداسةَ أول راهبتين فلسطينيتين في العصر الحديث، وهما ماري الفونسين غطّاس (١٨٤٣-١٩٢٧) ومريم جريس بوادري (Mariam Baouardy) (١٨٤٦-١٨٧٨). اتّخذ هذا القرار في اجتماع الحبر الأعظم بالكرادلة (الكونسيستوار) في ١٤ شباط ٢٠١٥. يطوَّب عادة شخص ما للكنيسة الكاثوليكية عندما يكون قد عاش الفضائل المسيحية المرتكزة على المحبة والإيمان والرجاء في هذا الفانية ونسبت إليه عجائب معيّنة.

الراهبة ماري -الفونسين دانيال غطاس (Mary -Alfonsin/Alphonsine Danil Ghattas) المقدسية ولدت باسم ’ماري -سُلطانة‘ والتحقت برهبانية القديس يوسف وهي ابنة أربعة عشر ربيعا ثم انتقلت إلى بيت لحم حيث ظهرت لها مريم العذراء عدة مرات طالبة منها تأسيس مجموعة من المؤمنين باسم ’’أخوات الوردية‘‘. وكان لها ذلك عام ١٨٨٠ بمساعدة ثماني فتيات كان الكاهن يوسف طنوس قد أعدّهن. أقامت قبل ذلك ’’أخوية الحبل بلا دنس‘‘ و”أخوية الأمهات المسيحية‘‘ وعلّمت اللغة العربية في القدس وأسست عام ١٨٨٦ مدرسة للبنات وديرًا في بيت ساحور وفي عام ١٩١٧ أسست دار أيتام في عين كارم. عملت في السلط في الأردن فنابلس فالقدس، وطوّبت في كنيسة البشارة في العشرين من تشرين الثاني عام ٢٠٠٩. في نفس ذلك اليوم حدثت أعجوبة مع المهندس إميل منير إلياس من كفر كنّا، ابن اثنين وثلاثين عاما، كان في غيبوبة عميقة من الدرجة الثالثة بحسب مقياس غلاسكو وذلك إثر صعقة كهربائية ففقد التنفس ونبض القلب. الصلوات لشفائه والتشفع بالراهبة ماري أدّيا إلى شفاء إميل. ظهرت لها مريم العذراء مرة وقالت لها ’’في هذه البلاد الفلسطينية فرحت وحزنت وتمجدتُ‘‘. قضت عمرها في العمل مع الفقراء والمساكين والمهمَلين في فلسطين وهكذا كانت حياتها شبيهة بحياة الأم تيريزا ألبانية الأصل (١٩١٠-١٩٩٧) في كالكوتا. ومن العجائب التي حدثت معها إنقاذ صبية باسم ناثرة سقطت في بئر ماء عميقة فألقت مسبحتها القديمة والضخمة متضرعة للعذراء مريم للمساعدة. قصّت تلك الفتاة فيما بعد أنها رأت نورًا ساطعا وسلّما بشكل المسبحة. توفيت ماري في عين كارم وهي تتلو المسبحة مع أختها حنّة يوم عيد البشارة في الخامس والعشرين من آذار سنة ١٩٢٧.

الأخت بوادري العبلينية المولد، المعروفة بالراهبة مريم يسوع المصلوب، تيتمت من والديها الواحد تلو الأخرى وهي ابنة ثلاث سنوات، كما مات جميع إخوتها الاثني عشر وهم أطفال. تولى عمّها رعايتها وقد انتقل بعد بضع سنين للسكن في الإسكندرية. أبوها من حرفيش متحدر من أصل سوري وأمها مريم شاهين من ترشيحا، وفي كلتا القريتين سكن مسيحيون ومسلمون ودروز. زارت الأم برفقة زوجها كنيسة المذود في بيت لحم وتضرعت بقلب صادق أن ترزقها أمّنا مريم العذراء بنتا وكان لها ذلك في ٥ كانون الثاني عام ١٨٤٦ وبعد عشرة أيام تعمدت وثبتت وتناولت القربان المقدس وبعدها بسنتين ولد لها شقيق سمّي بولس وقام خاله برعايته.

وفق العادات المرعية آنذاك في المجتمع الشرقي كان على مريم أن تتزوج عندما بلغت ثلاثة عشر عاما دون استشارتها وموافقتها. ردة فعل تلك الفتاة كانت شديدة والحزن عميقا، ولم يغمض لها جفن ليلة العرس. في تلك الليلة صلّت بصدق وحرارة عارمة طالبة الهداية والسلوى وسمعت من أعماق قلبها صوتا يقول ’’كل شيء ماض، إذا رغبتِ في إعطائي قلبك فسأبقي معك‘‘. عرفت مريم أن الصوت صوتُ السيّد، صوت العريس الوحيد الذي ترغب فيه، يسوع. وأمضت بقية الليلة في صلاة عميقة أمام أيقونة مريم العذراء، وعندها سمعت الكلمات: ’’ يا مريم، أنا معك؛ سيري حسب الوحي الذي سأعطيك، سأساعدك‘‘. ردُّ عمِّها كان شديدا وقاسيا لعدم انصياعها لإرادته فألقى على كاهلها أعمال البيت الشاقة. دبّ اليأس والعزلة في قلبها وحاولوا أسلمتها وقتلها بجزّ حلقها بالسيف ورميها في زقاق مظلم إلا أن العناية الإلهية داوتها وأشفتها. كان ذلك في الثامن من أيلول سنة ١٨٥٨.

التحقت بوادري أولا براهبات مار يوسف عام ١٨٦٠ فرُفضت فتوجهت إلى الرهبانية الكرملية في فرنسا وقامت بتأسيس الرهبانية الكرملية ’’دير الكرمل‘‘ عام ١٨٧٥ في بيت لحم حيت توفيت وطوّبت (beatification = تطويب بالسعادة المقيمة) عام ١٩٨٣، وتوجد اليوم ثلاثة أديرة باسم الكرمل إضافة للدير في بيت لحم وهي في القدس وحيفا والناصرة. قال عنها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني ’’راهبة كرملية، ولدت على الأرض التي شهدت حياة يسوع في الناصرة، الأرض التي ما زالت، حتى أيامنا هذه، سبب هموم كبيرة لنا ومركز نزاعات أليمة، إن خادمة المسيح المتواضعة، مريم ليسوع المصلوب، تنتمي من حيث العرق والطقس والدعوة وتنقلاتها الكثيرة إلى شعوب الشرق، وهي اليوم ممثلة لهم‘‘.

موضوع القداسة والتقديس (canonisation) هو عكس التدنيس والتنجيس، وهو يحتمل تفسيرات عدة وفق الأديان والمدارس اللاهوتية، ففي الكنيسة الكاثوليكية مثلا يقال في ماء المعمودية ٌُغسلنا وقُدسنا وبُررنا باسم الرب يسوع (١ كولوسي ٦: ١١). خطية الإنسان الأولى دنّسته بالكامل وغدا مرتعا للرذائل والتشويهات عقلا وقلبا. مفهوم القداسة مرتبط بالطهر والتنزيه، وفي العهدين القديم والجديد هو في الأساس ’’التخصيص لله‘‘. راجع مثلا هذه الآيات في الكتاب المقدس: تك ٢: ٣؛ خر ١٣: ٢؛ يو ١٠: ٣٦؛ تك ٢ :٣؛ لا ٢١: ٤؛ حز ٤٤: ٢٣؛ يو ١٧: ١٩؛ ١ بط ٣: ١٥؛ عب ١٠: ١٠، ١٣: ١٢، ١٩: ١٠؛ ١ تس ٤: ٣، ٥: ٢٣، ٢ تس ٢: ١٣؛ ١ بط ١: ٢؛ أف ٥: ٢٥. في هذه المواضع وغيرها ترد لفظة التقديس ومشتقاتها لوصف الأشخاص والأشياء وتسبغ عليها مفهوم الافتراز والتخصيص كما ذكر. بمشيئة الله يخصّص شخص ما أو شيء ما فيتسم بالطهارة والقداسة ويضحى ملكا للخالق. من المعروف أن الرب يسوع المسيح قد ’’قُدّس وأُرسل إلى العالم‘‘ كما ورد في يو ١٠: ٣٦ وبعد ذلك في ١٧: ١٩ عند مغادرته هذا العالم قال ’’لأجلهم أقدس أنا ذاتي‘‘ وهذا التقديس الإلهي كامل ومطلق. إله السلام يقدّس الإنسان بالتمام أي روحا ونفسا وجسدا ويصل الذروة عند مجيء المسيح. عملية التقديس مستمرة طالما خطية آدم رابضة في أجسادنا وأرواحنا إلا أن تلك الخطية تتضاءل إثر كل جهد إيماني تنزيهي. ومن القوى الإلهية التي يتحلى بها القدّيس نعمة معرفة ما في القلوب والتنبؤ والقدرة على القيام بأعمال خارقة مثل إخراج الشياطين وشفاء المرضى . القديسون أولا وقبل كل شيء، هم أهل المحبّة وفي قلوبهم تسكن نعمة الروح القدس على الدوام، ديدنهم الفضائل المسيحية، محبة وإيمان ورجاء، تواضع وعدم الأنانية وعمل الخير. الجسد ليس سجنًا للنفس كما ذهب إليه أفلاطون بل هيكل لله وهكذا فهو مقدّس (١ كور ٦: ١٣). وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم ’’بالموت لا تتغرب أجساد القديسين عن النعمة التي كانوا يحيون بها، بل تزداد بها‘‘. أولى سمات تألّه الجسد لمعان الوجه وأول من حظي بذلك كان كليم الله، النبي موسى (سفر الخروج ٣٤: ٢٩-٣٥). أضف إلى ذلك انتقال نعمة التقديس بواسطة اللمس (أع ١٢: ١٩)؛ إفاضة الطيب، عدم تعفن البقايا المقدسة، إمكانية حدوث العجائب عبر تلك البقايا. وتمر طريق القداسة عبر الصليب ولا بد من تجرّد وجهاد روحي في القداسة. بعبارة موجزة يمكن القول بأن القداسة بمثابة تجسيد حياة الله وأعماله في السلوك الإنساني اليومي. لا ريب في أن رفع الراهبتين الفلسطينيتين إلى كرامة القدّيسين لهو فخرٌ للديار المقدسة، منبع المسيحية وعلامة نور ورجاء للشعب الفلسطيني بصورة عامّة ولمسيحيي الشرق، في هذه الظروف الصعبة التي يعيشونها، بصورة بخاصة.