Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

إيناس مصالحة: صوت يقترح بحراً جديداً على حيفا: الأبيض المتوهّج

מערכת, 4/9/2009

حلم ليلة صيف. صوت تسكنه غيوم وردية شفافة يحمل بين جناحيه مسرحاً من سماء. يعرّج على الأرض ليقترح بحراً جديداً على حيفا: البحر الأبيض المتوهّج بدراما الحبّ ووجده وشغفه وشقائه وهنائه. حنجرة بأشرعة مائية الذهب تشفّ عن أعماق مشتعلة، ترسو في ميناء الشرق هذا لتعقد مصالحة بين غرب استيطيقيّ وشرق طروب، بين سلطة الذهن واندفاع الجسد، ترفع صوتها جسراً من جمال لا تنطفئ جذوته بين المخيّلة والذاكرة ليعبر عليه الحالمون. إيناس مصالحة تقف، ملء العين والأذن والنفس،في كونسيرتها الأوبراليّ الأوّل أمام جمهور عربيّ غمر عطشه الموسيقيّ القاعة وفاض عنها إلى شوارع المدينة فأنعش آبها اللاهب، و تطلّ عبر سواد تتخلله نجوم هي الروح وقد عادت إلى عناصرها الأولى، فيسطع أداؤها المتمكنّ من تقنياته المحكمة ومن غرامياته المرحة وإيقاعاته التي تحلّق بمهارة إنفعالية مرهفة بين المأساة والملهاة. لصوتها جسد مكتنز بالكاريزما نضر الحركة مكتمل العافية. صوت يقبض على صولجان اللحن ويمارس سلطته بخفة ووقار، بطفولة وكبرياء، بدربة وارتجال، يلعب، يصدح، يأسى، يفرح، يتوسّل، يرقص، ينكسر، ينهمر، يعتم ويضئ، يأمر بالحلم وينهى عن كسل القلب والخيال.
ساعتان من الغناء الجميل تعمل، والأوبرا لغةً عمل، خلالهما المغنية في مناجم الذات البشرية وتصيّر اختلاجاتها لؤلؤاً باهر الرنين ... تقف باقتدار فراشة يحيلها الطيران عطراً مسموعاً وبقوة عندليب لا بيت له إلاّ الفضاء وشدوه، تنقّل فؤادها حيث ما شاءت من هوى الأجناس الغنائية من ليدر إلى أوبرا إلى إوبيرتّا إلى ميوزيكال، تستدرج الجمهور إلى كمين عاطفيّ وذهني مسلّح بالحنين، تسبيه، تطوف به مملكة من نغم تدير الخسارة شؤونها العاطفية و تضبط لحنها وأمنها أنوثة قوية مدججة بالحرير، تغني وتروي ما تخبئه النوتات والكلمات من رغبات وغوايات وحيوات يومية تتوق دوماً إلى الأسطوري. يبدأ الحلم بقمر يحنّ ويئنّ فيBachianas brasilaras no.5 وينتهي بتهليلة صيف Summertime، تهدهد القلب الذي لا يفتأ يضل طريقه تحت الضوء المرتعش لقناديل الطفولة والحبّ والهجران.
تغني الغواية الأنثوية البهيجة في Les Filles de Cadix وتذكرنا أن الحب هو أن ننتظر، وأن الغواية تحبّ الغموض والنقصان. الغواية يضجرها الكمال. وفي مقطوعة يا أبي العزيز Oh mio babbino caro من أوبرا جانّي سكيكّي Gianni Schicchi من تأليف بوتشيني Puccini، كوميديا أوبرالية ساخرة تومض بالمأساة، تغني إيناس فجيعة الحب المهدد بالفناء، القلب، قلب لاوريتّا، الزاهد في نبض لا يأتمر بلقاء العاشق والساعي إلى غرق في لجّة هي أرحم من فقدانه. نفس السخرية اللعوب على شفا الهاوية تعبّر عنها إيناس بحرفية عالية و واثقة في غنائها ل Saper Vorreste من أوبرا الحفل التنكّري Un Ballo in Maschera ل فيردي Verdi. في الأوبرا الفلسطينية الأولى والتي عرضت بنجاح كبير في رام الله تموز الماضي "السلطانة وبائع الأسماك" تستحضر بلغة عربية قصة عشق لا ينجو من الصراع الطبقيّ ودكتاتورية القلب الطموح الجريح الذي يأمر، في خضمّ هزيمته النبيلة، بإجلاء العاشق إلى صمت مؤبّد كناية عن موت يتغلغل في خلايا الروح فلا تنمو ولا تتكاثر. ثنائية الحياة والموت مرة أخرى، والحياة الشعورية في تجلياتها القصوى، حاضرة دائماً في الأوبرا، تعبيراُ ربما عن رغبات مكبوتة للبشر في حياة ممتثلة تماماً لما تمليه المشاعر دون اقتصاد، ودون التفات لاعتبارات اللياقة الاجتماعية وتقاليد النزيف المتعارف عليها، مطلقين العنان لصبواتهم، تاركين لرماح الولع والوله أن تنهل منهم ولبيض الهند أن تقطر من دمائهم الحارّة. في هذا كلّه بدت إيناس كمن يرفل في ثياب عيد عاطفيّ احتضن المسرح الحيفاويّ وأسرى به في ليلة زاد من شفافيتها ولمعانها مطر اختمر في أصابع شوبرت، شوبان وليست وتقطّر من بيانو العازف الموهوب، المرافق للكونسيرت بعزفه العميق، بشارة هاروني. جاء في الأساطير أن الإله وقد استشعر الوحشة داهمه الاحتياج إلى من يؤنسه ويسمع صوته فخلق البشر والملائكة وسواهم من الذين يمتلكون أصواتاً عذبة. شكراً للوحشة. لأنّ فيها إيناس.