Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

שורשי הקנאות החילונית וסכנותיה

מערכת, 26/4/2009

تحدّث جنود إسرائيليون مؤخّراً عن تعليمات أعطيت إليهم بقتل النساء والأطفال في غزّة وإن من دون مبرّر، كذلك شاهدنا شعارات إسرائيلية مرفوعة علناً تدعو صراحة إلى قتل الأمهات الفلسطينيات الحوامل تحديداً! وفي الحالتين، بل في جميع الحالات التي تحضّ على إبادة الجنس العربي الفلسطيني، لم يكن واضحاً أنّ الدعوة لارتكاب مثل هذه الجرائم مصدرها المتديّنين اليهود وحدهم، أو أكثر من غيرهم، فقد دعا العلمانيون الإسرائيليون لارتكابها ومارسوها أكثر بكثير من المتديّنين، منذ ما قبل إقامة الكيان الإسرائيلي وحتى يومنا هذا،

بقلم :نصر شمالي وبما أنّ الحكم على مجتمع آخر أو شعب آخر بالاستئصال والإبادة هو أقصى وأخطر ما يمكن توقعه من الأصولية والأصوليين فإنّ ما يحدث في فلسطين اليوم، كما في جميع الأزمنة والأمكنة، يقطع بأنّ الأصولية ليست وقفاً على المتدينين من أتباع أيّ دين، بل هي تشمل العلمانيين أيضاً، وقد سمعنا عن الباحث الإسرائيلي العلماني الدكتور أمنون رازكوراكشين قوله: "الربّ غير موجود، لكنّه وعدنا بالأرض"! ونحن نعلم أنّ وعداً قطع للمستوطنين الصهاينة باستلام فلسطين خالية من السكان، وكان ذلك يعني بالطبع السماح لهم مسبقاً بتطهيرها لاحقاً من سكانها! وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن قد خاطب جنوده قائلاً: "أنتم الإسرائيليون لا ينبغي أن تكونوا رؤوفين حين تقتلون عدوكم، وينبغي أن لا تشفقوا عليه ما دمنا لم نقض بعد على ما يسمّى بالثقافة العربية ولم نبن على أنقاضها حضارتنا نحن"! فإذا كان بيغن حيروتياً ليكودياً يمينياً فقد رأينا ما فعله المعراخي العمالي العلماني اليساري شمعون بيريز في قانا اللبنانية تحديداً، وعلى سبيل المثال لا الحصر! إنّ الأصولية في تعريفها هي ادعاء طرف واحد أنّه يملك الحقيقة لوحده، وأنّ من حقّه احتكار المعرفة، وممارسة التقريب والإقصاء والتحليل والتحريم والعفو والقتل تجاه الغير، فهل يمكن اقتصار هذا التعريف على المتديّنين وحدهم وعلى الأديان السماوية وحدها؟ في الواقع إنّ العلمانية السائدة اليوم، سواء في مراكز إنتاجها شمالاً أم في أسواق اقتنائها جنوباً، هي في جوهرها الصورة الحديثة لتلك الأصولية الأوروبية الأميركية القديمة التي تطوّر خطابها من ديني إلى علماني، ولعلّ جذورها تعود إلى الحركة اللوثرية الإصلاحية الدينية، فاللوثرية هي التي وضعت الأسس المتينة للعلمانية الإنكليزية/الأميركية خصوصاً والأوروبية عموماً، أي للديانة الدنيوية "المالية" وآلهتها ورموزها في لندن وواشنطن، وفي بقية العواصم غير البروتستانتية أيضاً! ونحن لا ندري إن كان المؤسس مارتن لوثر (1483-1546) قد تنبّأ أو أدرك ما سوف يترتّب على انتصار مذهبه من اجتهادات علمانية وسياسات ربوية دولية مدمّرة، لكننا نعلم أنّه أكّد على أنّ الملكية (التملّك) هي المعيار للتفريق بين الإنسان والحيوان، من دون أن يحدّد لها سقفاً، وأنّه اتّهم القديس فرنسيس الأسّيزي باختلال العقل والطيش والحمق، وبأنّه شرّير، وذلك بسبب دعوته أتباعه إلى التخلّي للفقراء عن بعض ما يملكونه في أواسط القرن السابع عشر، بعد ظهور لوثر واللوثرية بحوالي قرن من الزمان، ظهر القائد اللوثري الإنكليزي الكبير أوليفر كرومويل الذي أسس للدولة العلمانية الليبرالية الديمقراطية البريطانية، والذي في عهده، في العام 1649، ظهرت أول وثيقة إنكليزية مكتوبة تعد اليهود باستيطان فلسطين (مقابل انخراطهم في عملية بناء الإمبراطورية البريطانية طبعاً) أمّا في أميركا الشمالية فقد ظهر القائد اللوثري الإنكليزي الآخر جورج واشنطن (1732-1799) الذي أقام عاصمته واشنطن على ركام وجثث مدينة "هندية" أبيدت عن بكرة أبيها في العام 1623، لكنّه لم يتردّد في القول أنّ عاصمته تنهض على أرض موحشة عذراء كانت مغمورة بالمستنقعات! وهو لم يكن يقول الحقّ، فالمدينة "الهندية" كانت تعجّ بالحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث المساكن الجميلة والأسواق الحرفية والتجارية النشطة. وكان جورج واشنطن قد أصدر أوامره، في العام 1779، إلى الجنرال جون سوليفان بأن يحيل مدن شعب الأوركوا العامرة المزدهرة إلى خراب، وأن لا يصغي إلى نداءات السلام حتى تمحى مدنهم وقراهم وآثارهم عن وجه الأرض! وبعد أن نفّذ الجنرال التعليمات كتب إلى قائده يبشّره: "تحوّلت المنطقة الجميلة من حدائق بديعة إلى أطلال مهجورة تثير الرعب والمقت"! وقد وصف جورج واشنطن ذلك بأنّه: "الأضرار الهامشية التي ترافق انتشار الحضارة"! تماماً كما هو الحال في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها اليوم! أمّا توماس جيفرسون، القائد الأميركي الإنكليزي اللوثري العلماني الآخر، رسول الحرية الأميركية وصاحب وثيقة الاستقلال الأميركي، فقد كتب يقول أثناء عمليات الإبادة الشاملة للشعوب "الهندية" التي كانت تعدّ عشرات الملايين: "نعم، إنّهم قد يقتلون أفراداً منّا، لكنّنا سنفنيهم ونمحو آثارهم عن وجه الأرض، فنحن مجبرون على قتل هؤلاء الوحوش أو طردهم إلى الجرود مع وحوش الغابات"! إنّه الكلام الإسرائيلي والفعل الإسرائيلي في فلسطين بالضبط! وإنّ قول جيفرسون بأنّ الهنود سوف يقتلون أفراداً من جماعته لا يعني أنّهم سيفعلون ذلك وهم يهاجمونه، بل وهو يطاردهم لإفنائهم سواء قاوموه أو لم يقاوموه! ما هي الأصولية الرهيبة الحقيقية السائدة اليوم إن لم تكن هذه التي تمارسها العواصم العلمانية الليبرالية الديمقراطية؟ هل هي أصولية الضعفاء المحرومين، شبه العزّل، الذين يمارسون ردود أفعال مفهومة ومتوقعة، والذين تجري مطاردتهم على مدار الساعة سواء قاوموا أم لم يقاوموا وهاجموا أم لم يهاجموا، حيث أحفاد وأتباع كرومويل وواشنطن وجيفرسون يصرّون على إفنائهم، خاصة في فلسطين، ويرون في ما يترتّب على ذلك مجرّد "أضرار هامشية ترافق انتشار الحضارة"!

نصر شمالي

تحدّث جنود إسرائيليون مؤخّراً عن تعليمات أعطيت إليهم بقتل النساء والأطفال في غزّة وإن من دون مبرّر، كذلك شاهدنا شعارات إسرائيلية مرفوعة علناً تدعو صراحة إلى قتل الأمهات الفلسطينيات الحوامل تحديداً! وفي الحالتين، بل في جميع الحالات التي تحضّ على إبادة الجنس العربي الفلسطيني، لم يكن واضحاً أنّ الدعوة لارتكاب مثل هذه الجرائم مصدرها المتديّنين اليهود وحدهم، أو أكثر من غيرهم، فقد دعا العلمانيون الإسرائيليون لارتكابها ومارسوها أكثر بكثير من المتديّنين، منذ ما قبل إقامة الكيان الإسرائيلي وحتى يومنا هذا،

بقلم :نصر شمالي وبما أنّ الحكم على مجتمع آخر أو شعب آخر بالاستئصال والإبادة هو أقصى وأخطر ما يمكن توقعه من الأصولية والأصوليين فإنّ ما يحدث في فلسطين اليوم، كما في جميع الأزمنة والأمكنة، يقطع بأنّ الأصولية ليست وقفاً على المتدينين من أتباع أيّ دين، بل هي تشمل العلمانيين أيضاً، وقد سمعنا عن الباحث الإسرائيلي العلماني الدكتور أمنون رازكوراكشين قوله: "الربّ غير موجود، لكنّه وعدنا بالأرض"! ونحن نعلم أنّ وعداً قطع للمستوطنين الصهاينة باستلام فلسطين خالية من السكان، وكان ذلك يعني بالطبع السماح لهم مسبقاً بتطهيرها لاحقاً من سكانها! وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن قد خاطب جنوده قائلاً: "أنتم الإسرائيليون لا ينبغي أن تكونوا رؤوفين حين تقتلون عدوكم، وينبغي أن لا تشفقوا عليه ما دمنا لم نقض بعد على ما يسمّى بالثقافة العربية ولم نبن على أنقاضها حضارتنا نحن"! فإذا كان بيغن حيروتياً ليكودياً يمينياً فقد رأينا ما فعله المعراخي العمالي العلماني اليساري شمعون بيريز في قانا اللبنانية تحديداً، وعلى سبيل المثال لا الحصر! إنّ الأصولية في تعريفها هي ادعاء طرف واحد أنّه يملك الحقيقة لوحده، وأنّ من حقّه احتكار المعرفة، وممارسة التقريب والإقصاء والتحليل والتحريم والعفو والقتل تجاه الغير، فهل يمكن اقتصار هذا التعريف على المتديّنين وحدهم وعلى الأديان السماوية وحدها؟ في الواقع إنّ العلمانية السائدة اليوم، سواء في مراكز إنتاجها شمالاً أم في أسواق اقتنائها جنوباً، هي في جوهرها الصورة الحديثة لتلك الأصولية الأوروبية الأميركية القديمة التي تطوّر خطابها من ديني إلى علماني، ولعلّ جذورها تعود إلى الحركة اللوثرية الإصلاحية الدينية، فاللوثرية هي التي وضعت الأسس المتينة للعلمانية الإنكليزية/الأميركية خصوصاً والأوروبية عموماً، أي للديانة الدنيوية "المالية" وآلهتها ورموزها في لندن وواشنطن، وفي بقية العواصم غير البروتستانتية أيضاً! ونحن لا ندري إن كان المؤسس مارتن لوثر (1483-1546) قد تنبّأ أو أدرك ما سوف يترتّب على انتصار مذهبه من اجتهادات علمانية وسياسات ربوية دولية مدمّرة، لكننا نعلم أنّه أكّد على أنّ الملكية (التملّك) هي المعيار للتفريق بين الإنسان والحيوان، من دون أن يحدّد لها سقفاً، وأنّه اتّهم القديس فرنسيس الأسّيزي باختلال العقل والطيش والحمق، وبأنّه شرّير، وذلك بسبب دعوته أتباعه إلى التخلّي للفقراء عن بعض ما يملكونه في أواسط القرن السابع عشر، بعد ظهور لوثر واللوثرية بحوالي قرن من الزمان، ظهر القائد اللوثري الإنكليزي الكبير أوليفر كرومويل الذي أسس للدولة العلمانية الليبرالية الديمقراطية البريطانية، والذي في عهده، في العام 1649، ظهرت أول وثيقة إنكليزية مكتوبة تعد اليهود باستيطان فلسطين (مقابل انخراطهم في عملية بناء الإمبراطورية البريطانية طبعاً) أمّا في أميركا الشمالية فقد ظهر القائد اللوثري الإنكليزي الآخر جورج واشنطن (1732-1799) الذي أقام عاصمته واشنطن على ركام وجثث مدينة "هندية" أبيدت عن بكرة أبيها في العام 1623، لكنّه لم يتردّد في القول أنّ عاصمته تنهض على أرض موحشة عذراء كانت مغمورة بالمستنقعات! وهو لم يكن يقول الحقّ، فالمدينة "الهندية" كانت تعجّ بالحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث المساكن الجميلة والأسواق الحرفية والتجارية النشطة. وكان جورج واشنطن قد أصدر أوامره، في العام 1779، إلى الجنرال جون سوليفان بأن يحيل مدن شعب الأوركوا العامرة المزدهرة إلى خراب، وأن لا يصغي إلى نداءات السلام حتى تمحى مدنهم وقراهم وآثارهم عن وجه الأرض! وبعد أن نفّذ الجنرال التعليمات كتب إلى قائده يبشّره: "تحوّلت المنطقة الجميلة من حدائق بديعة إلى أطلال مهجورة تثير الرعب والمقت"! وقد وصف جورج واشنطن ذلك بأنّه: "الأضرار الهامشية التي ترافق انتشار الحضارة"! تماماً كما هو الحال في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها اليوم! أمّا توماس جيفرسون، القائد الأميركي الإنكليزي اللوثري العلماني الآخر، رسول الحرية الأميركية وصاحب وثيقة الاستقلال الأميركي، فقد كتب يقول أثناء عمليات الإبادة الشاملة للشعوب "الهندية" التي كانت تعدّ عشرات الملايين: "نعم، إنّهم قد يقتلون أفراداً منّا، لكنّنا سنفنيهم ونمحو آثارهم عن وجه الأرض، فنحن مجبرون على قتل هؤلاء الوحوش أو طردهم إلى الجرود مع وحوش الغابات"! إنّه الكلام الإسرائيلي والفعل الإسرائيلي في فلسطين بالضبط! وإنّ قول جيفرسون بأنّ الهنود سوف يقتلون أفراداً من جماعته لا يعني أنّهم سيفعلون ذلك وهم يهاجمونه، بل وهو يطاردهم لإفنائهم سواء قاوموه أو لم يقاوموه! ما هي الأصولية الرهيبة الحقيقية السائدة اليوم إن لم تكن هذه التي تمارسها العواصم العلمانية الليبرالية الديمقراطية؟ هل هي أصولية الضعفاء المحرومين، شبه العزّل، الذين يمارسون ردود أفعال مفهومة ومتوقعة، والذين تجري مطاردتهم على مدار الساعة سواء قاوموا أم لم يقاوموا وهاجموا أم لم يهاجموا، حيث أحفاد وأتباع كرومويل وواشنطن وجيفرسون يصرّون على إفنائهم، خاصة في فلسطين، ويرون في ما يترتّب على ذلك مجرّد "أضرار هامشية ترافق انتشار الحضارة"!

نصر شمالي