Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

الخطاب الكويري الفلسطيني: ضد الاحتلال، بعيداً عن واقعه

נסרין מזאוי, 23/9/2014

في الأسبوع الماضي، قامت مجموعة من الجنود الإسرائيليين في وحدة مخابرات إسرائيلية بالإعلان عن رفضهم مواصلة التجسس على الفلسطينيين، وذلك بسبب استغلال الدولة للمعلومات الإستخباراتية "لابتزاز الأبرياء"، ومن ضمنهم مرضى قد يحتاجون إلى علاج في إسرائيل وذويهم والمثليين في المجتمع الفلسطيني وآخرين. من حيث الحدث، يأتي الجديد هنا في توسع حلقة الجنود الإسرائيليين الرافضين للخدمة في صفوف وحدات المخابرات. أما نزاهة الموساد الإسرائيلي وقذارة عمله فلا جديد تحت شمسها. إذ لطالما ابتزت إسرائيل كل من يمكن ابتزازه، فإذا كانوا رجالاً تضغط عليهم بواسطة تهديدهم بأعراض نسائهم، وإذا كانوا سياسيين توقع بهم في فخّ الفضائح الجنسية لتستغلها فيما بعد ضدهم... فالموساد الإسرائيلي يبحث عن الحلقات الأضعف في المجتمع، وان لم يجدها يعمل على إيجادها. وقد كتب الكثير حول الموضوع ويمكن القراءة عنه بإسهاب في كتاب: "عن طريق الخداع"، لضابط الموساد الإسرائيلي السابق فيكتور ستروفسكي.

إن الجانب الأهم في هذا الحدث ليس "فضح" طرق عمل الموساد، بل تصدع إيمان الجنود الإسرائيليين بمصداقية عملهم الذي يصبّ في مسار هدفه خلخلة المجتمع الفلسطيني من الداخل، ومواصلة السيطرة عليه من خلال القمع الفردي والجماعي. لكن سريعاً، تطورت تغطية الحدث في الإعلام الغربي ليتحول من مُساءلة القيم الأخلاقية للاحتلال إلى مُساءلة لقيم إسرائيل الأخلاقية في موضوع المثلية الجنسية. وهذا التحول الحاد في الخبر أبعد الضوء عن القضية الأساسية والجوهرية للحدث، وألقى به في مكان آخر ربما يُحرج إسرائيل قليلاً، لكنها اعتادت على الإحراج وباتت متمرسة في مواجهته إعلامياً ودبلوماسياً.

البيان

في أعقاب الحدث، أصدرت مجموعة "القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني" بياناً بعنوان: الرد الإعلامي على مراقبة إسرائيل وابتزازها للمثليين الفلسطينيين(*)، مفاده: استنكار الإعلام الذي يصبّ جل جهده على القضية المثلية ويهمل القضايا الأخرى، فابتزاز المثليين هو قمع صارخ لا يزيد ولا يقل عن ابتزاز الآخرين. والردود الإعلامية التي تعبر عن "خيبة الأمل" في إسرائيل، ناتجة عن توقعات أخلاقية غير واقعية تتعامل مع التسامح الإسرائيلي إزاء المثلية الجنسية ورهاب المثلية الفلسطيني كفرضيات أساسية مطلقة، وما كان غير ذلك فهو شاذ عن الواقع. كذلك، يحذّر البيان من خطر الانزلاق نحو الفكر الاستعماري الذي يلقي علينا كفلسطينيين وصمة رهاب المثلية، ومن الانجرار خلفه وتذويت مفاهيمه وإسقاطاته علينا. ويشير إلى أن الاستغلال الإسرائيلي للمثليين الفلسطينيين وابتزازهم من قبل المؤسسة الإسرائيلية والضغط عليهم للتعاون معها هي عوامل ناتجة عن إدراك تام لمكانة المثليين في المجتمع الفلسطيني ولإسقاطاتها على أفراده. كما يستنكر البيان ويجرم ما تقوم به إسرائيل من مراقبة للجنسانية في المجتمع الفلسطيني عامة، ويشير إلى أن نظرتنا إلى الأمور يجب ألا تكون جزئية أو منفصلة عن الواقع.

ويكتفي البيان بالاستنكار والإدانة، ولا يتطرق إلى الصورة العامة أو إلى الواقع حيال هذا الحدث. وهو يحقق بذلك ما حاول تجنّبه، وهو الانفصال عن الواقع الفلسطيني والنظرة الجزئية للأمور. ولكي نضع الأمور في سياقها، من الهام التوضيح أن بيان "القوس" جاء للرد على بعض المقالات التي نشرت في الصحف الغربية. من هنا، فقد كتب ونشر باللغة الانجليزية أولاً، ومن ثم تمت ترجمته إلى اللغة العربية. و قد تنجم بعض الصعوبات في قراءة البيان عن الترجمة، فمن المهم مراجعة البيان بنصه باللغة الانجليزية. لكن التمعن في البيان بنصيه العربي والانجليزي يكشف عن إشكاليات أكبر من مجرد إشكاليات لغوية.

من حيث المضمون، أوافق على النقاط الرئيسية التي جاءت في البيان، وأهمها نقد الخطاب الغربي المتملق إن كان إعلامياً أو سياسياً، معارضاً أو متضامناً، والنظرة الشمولية في التعامل مع المجتمع الفلسطيني كون القضية المثلية هي واحدة من عدة قضايا في المجتمع وليست القضية بـ"ال" التعريف. لكن البيان بمجمله هو رد على الإعلام الغربي. ومن هنا، فهو جزء من خطاب حقوقي سياسي دولي بعيد عن الواقع الفلسطيني. وما ينقصني فعلاً في هذا البيان هو البعد المحلي والنظرة الواقعية للأمور. فالبعد المحلي في هذا البيان معدوم تماماً. بالإضافة إلى ذلك، لم تتطرق "القوس" أو أي جمعية حقوقية أخرى، إلى الجانب المثلي لهذا الحدث على المستوى الاجتماعي المحلي بأي شكل آخر، واقتصر الأمر على الرد على الإعلام الغربي في سياق خطاب الـ shaming والـ pink-washing، وهما وجهان لعملة واحدة محورها تبييض أو تسويد وجه إسرائيل من خلال التزامها بالمعايير الدولية لمواثيق حقوق الإنسان أو الإخلال بها. ويتمحور حول إسرائيل وحول ما تقوم أو لا تقوم به حيال القضايا الحقوقية للفلسطينيين. يوبخها حين تفشل، ويصفق لها حين تنجح، ويبقي الفلسطينيين وتجاربهم الحياتية اليومية خارج السياق، وفي أفضل الحالات على هامش الحدث.

وطبعاً، ليس من العدل أن نتوقع من البيان خطاباً محلياً على صفحات الإعلام الغربي، لكن غياب الخطاب المحلي في الساحة المحلية، وغياب أي طرح حيال قضية المثليين وتعرضهم للابتزاز السياسي وغيره، بالإضافة إلى تغييب البعد المحلي عن الخطاب الدولي، هي عوامل تفرض على هذا البيان حالة انجرار، للأسف الشديد هو يحذر منها لكنه لا ينجح بتفاديها وبطرح خطاب مستقل عن الخطاب الثقافي الغربي السائد. وعلى الرغم من كونه معارضاً مستنكراً ومديناً، فإن المعارضة بذاتها هي جزء من الخطاب وليست أكثر من مُلحق به.

جوهر القضية الفلسطينية

لقد أشار مكتوب الجنود في وحدة المخابرات الإسرائيلية إلى المثليين الفلسطينيين كإحدى الحلقات الأضعف في المجتمع الفلسطيني. وعلى الرغم من أن التحول السياسي الأخلاقي في تغطية هذا الحدث هو أمر لا يروق لي، لكننا إذا أردنا التطرق إلى مكانة المثليين في المجتمع الفلسطيني وإلى نضال المجتمع الفلسطيني من أجل الحرية، لا بد لنا من مواجهة الأمر والتعامل مع هذه المعلومات القديمة بجدية أكثر. فالقضية المحلية هي قضية حصانة المجتمع الفلسطيني في وجه الاحتلال، وتمتين الحلقات الضعيفة فيه. القضية الفلسطينية هي قضية تحرر على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمع، ولن تتحقق جماعياً (سياسيا، ثقافيا، اقتصاديا، روحيا وغيره) إن لم تتحقق على مستوى الأفراد. فالمجتمعات الصحية والحصينة هي مجتمعات تحفظ الضعفاء فيها، فلا يكونوا عرضة للحاجة أو الاستغلال. التكافل والتسامح الاجتماعي هما من أسس المقاومة، ونضال التحرر لا ينجح في مجتمع أفراده ضعفاء. حصانة المجتمع هي من حصانة أفراده.

إن ابتزاز المثليين وغيرهم واستغلال نقاط ضعفهم على أشكالها هي ظاهرة عامة في المجتمع الفلسطيني، كما في كافة الدول العربية، وهي لا تقع حصرياً على سلطات الاحتلال في فلسطين. فتجريم المثلية قانونياً واجتماعياً يجعل من المثليين فريسة سهلة يقوم أصحاب القوة على أشكالهم وأشكالها باستغلالها وابتزازها لمصالحهم المختلفة. وفي الوضع الفلسطيني الراهن، هناك حاجة ماسة لصقل المجتمع وترسيخ اللُحمة الاجتماعية بين أفراده، لتمكنهم من صدّ الاحتلال ومواجهته. إلا أن هذه اللحمة هشة يمكن اختراقها بسهولة، وهشاشة المجتمع هي من هشاشة أفراده والعكس صحيح. والهشاشة ليست من نصيب المثليين فقط بل هم حلقة واحدة من عدة حلقات ضعيفة يجب على المجتمع الفلسطيني تدعيمها وتقوية عزيمتها وثباتها. ومن هنا يطرح السؤال: كيف نزيد من حصانة المجتمع الفلسطيني ومن قدرته على المقاومة وعلى منع الاختراقات الإسرائيلية عامة؟ وكيف نزيد من الحصانة الاجتماعية للمثليين ومن قدرتهم على الوقوف بمتانة أمام محاولات الابتزاز الرخيصة وغير الأخلاقية من قبل الاحتلال وغيره؟ وطبعاً، لا أتطرق إلى الموضوع المثلي لأنه أهم من غيره، لكنه واحد من عدة أمور أخرى ولا يقل أهمية عن أي منها.

الحصانة الاجتماعية والمثليون في نظر المتشددين

من المهم التذكير أولاً بأن المثلية الجنسية ليست اختراعاً إسرائيلياً لمحاربة الفلسطينيين، كما إنها ليست اختراعاً غربياً لمحاربة العرب والمسلمون كما يحلو لجهلة التاريخ الإعتقاد. بل هي حالة طبيعية موجودة منذ البدء في كافة ثقافات العالم بما فيها الثقافة العربية والثقافة الإسلامية. طبعاً، التعامل مع المثلية وممارسات جنسية أخرى تغيّر على مدار السنين، وهذا أمر طبيعي، فالمجتمعات البشرية هي مجتمعات حية متفاعلة تتغير بفعل التجربة والزمن. وقد يحصل التغيير للأفضل أو للأسوأ، فليس كل حديث أفضل مما سبقه، وليس كل قديم أعرق أو أهم. والأسوأ والأفضل كقيم، يبقى معيارهما هو شكل المجتمع الذي نصبو إليه.

للأسف الشديد، ليست قلة من المحافظين والمتشددين التي تعتقد بحتمية القضاء على الضعفاء، للحفاظ على حصانة المجتمع وعلى متانته. لكن، هل يستطيع هؤلاء فعلاً القضاء على كافة الضعفاء في المجتمع؟ هل سيقضون على المرضى الذين يلجأون للعلاج في إسرائيل؟ هل سيقضون على النساء كي لا تنتهك أعراضهن؟ هل سيقضون على كل عوز وحاجة أساسية في المجتمع؟ هل سيلغون مفهوم "الفضيحة" من الوجود؟ وما هي مفاهيم "الفضيحة" أصلاً في المجتمع الفلسطيني وأي منها يخدم مسار التحرر وأي منها يخدم القمع والاحتلال؟ هل يسعون إلى مجتمع أفراده مثاليون مقدسون بلا عيوب أو أخطاء، وفي قمة قداستهم هذه (التابعة لأي منظومة فكرية؟) سيحققون التحرر من الاستعمار؟ هل يستطيع هؤلاء إلغاء كافة نقاط الضعف في المجتمع التي لن تسأم إسرائيل من البحث عنها؟ وهل بالتشدد نقضي على نقاط الضعف في المجتمع أم إننا بهذا نقضي على حصانة المجتمع ونزيده ضعفا وهشاشة؟ هل سنعتلي على سلم القداسة يوماً فنتحرر أو أننا سنكون عرضة دائمة للانتهاك والاستغلال؟

طبقية الخطاب "الكويري"

لا بد من الانتباه إلى أن رد الفعل الأولي في صفوف المثليين الفلسطينيين تجاه الحدث تميزت ببلادة تامة، فلم تجد أي من المجموعات المثلية الفلسطينية فيه فرصة للتعبير عن رأيها بالموضوع أو فرصة لحث الحوار الاجتماعي حيال موضوع قديم لا جديد فيه. مع العلم أن أي من هذه المجموعات لم تسجل أي موقف معلن أو أي طرح اجتماعي سياسي داخلي حيال هذه القضية. بالإضافة إلى ذلك، وحتى بعد تحوّل الخبر في الإعلام الغربي من "أخلاقيات الاحتلال" إلى "أخلاقيات إسرائيل تجاه المثليين"، لم تتحرك أي من هذه المجموعات، واقتصر تحركها عملياً على الرد على هذا التحول الذي حصل في الخارج ولا شأن للمجتمع الفلسطيني به.

والمحزن في الأمر أن التمعن في البيان الصادر عن "القوس"، وقراءة ما بين سطوره وما خارج إطاره، يكشفان عن حالة انفصام اجتماعية وحالة إنكار عميق للواقع الفلسطيني. فإنكار "الخزانة الفلسطينية"، وإن شئتم لجدلية المصطلح الثقافي فلنقل إنكار "فضيحة المثلي الفلسطيني" بوصفها: رواية مغلوطة، كما إنكار العلاقة بين "الفضيحة" وبين قمع الاحتلال بوصفها: علاقة ملفقة تعتمد على ثنائية عنصرية زائفة تقوم بزج الفلسطينيين في بوتقة رهاب المثلية كما جاء في البيان، ما هما إلا إنكاراً لوجود تابوهات اجتماعية ولوجود إمكانية لكسر هذه التابوهات الاجتماعية سراً، ما قد يعرض حامل السر (سر الفضيحة) لضغوطات مختلفة. فعلى غرار المتشددين، يأتي ذلك كمحاولة تحصين اجتماعي للمثليين من خلال رسم صورة وهمية للمجتمع تتجلى من خلالها فلسطين كفردوس المثليين على الأرض.

طبعاً، من الممكن أن يعبر وصف الحال الذي جاء بالبيان فعلاً عن وضعية قلة قليلة من الفلسطينيين، المتسامحين جنسياً مع ذاتهم ومع الآخرين، لكنه بالتأكيد لا يعبر عن رفاهية شاملة لكافة أفراد المجتمع الفلسطيني. ما يعكس علاقات قوة داخلية على خلفية طبقية-سياسية-ثقافية-مثلية-اجتماعية أكثر تعقيداً. والمحزن في الأمر، أن هذا البيان الذي من المفروض أنه يمثل المثليين الفلسطينيين ويتحدث باسمهم وعنهم، هو غير مفهوم لغالبيتهم حتى بعدما تمت ترجمته إلى العربية. فهو من الأساس جزء من خطاب حقوقي-سياسي-ثقافي-اجتماعي المثلي الفلسطيني العام ليس جزء منه، وغير منكشف عليه مهنياً-أكاديمياً-ثقافياً (انكليزياً)، ما يعبر عن حالة انفصام اجتماعي. وترجمة البيان للعربية ليست كفيلة بمعالجتها لكنها تعكس وجودها وتعبر عنها.

طبعاً، من الهام التنويه بأن بيان "القوس" حول الموضوع هو بيان هام جداً، ولو لم يكن هذا البيان لما استطعنا الخوض في النقاش حول القضية المثلية والكويرية في المجتمع الفلسطيني. وفي ظل البروباغندا الإسرائيلية والتحول الإعلامي في تغطية الحدث، كان لا بد من إصدار هذا البيان، وليس هناك غنى عنه. لكن يبقى السؤال المفتوح: كيف يصبّ هذا في العمل المحلي لـ"القوس" وفي تطوير الفكر والخطاب الفلسطيني المحلي حول الموضوع؟ والتحدي والمعضلة الأكبر هما: كيف يعمل "القوس" محلياً على قضية هو ينكر وجودها أساساً؟ فبحسب ما جاء في البيان، لا توجد خزانة ولا يوجد سر ولا توجد فضيحة ولا توجد علاقة مركبة للضعفاء مع الاحتلال. والمحزن أنه بدل الإشارة إلى المشكلة ومواجهتها، يتم الترويج لحالة إنكار عامة للواقع الذي نعيش فيه، وكأن عمليات السيطرة والإشراف والمراقبة هي حصة الإسرائيليين فقط، وحصة المخابرات الإسرائيلية والاحتلال لا غير.

الاستثمار الدبلوماسي

في محاولة إجراء فهم أعمق للأمور، تكتشف أنه تنافسنا كفلسطينيين مع تل أبيب على صدارة الحريات ليس نكتة. وهو ليس تنافساً سياحياً تجارياً إنما هو تنافس دبلوماسي. فالخطاب الكويري الفلسطيني تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى خطاب يتمركز حصرياً حول محاججة إسرائيل ومقارعتها دولياً، ولا علاقة له بالواقع الاجتماعي-السياسي-الثقافي للمثليين في فلسطين. وخلافاً لما اعتدنا عليه من استثمار دبلوماسي إسرائيلي للقضية المثلية في خطاب التسامح المثلي الذي بات يشار إليه بالـ"Pink Washing"، أود هنا التطرق إلى الإستثمار الدبلوماسي الفلسطيني في الموضوع، من خلال الخطاب الذي يشار إليه بخطاب مقاطعة إسرائيل.

بشكل عام، لا يمكن التغاضي عن دور الجمعيات غير الحكومية في الدبلوماسية غير الرسمية. وفي هذه الحالة، لا يمكن التغاضي عن دور جمعية "القوس" في الموضوع. فكما تستخدم إسرائيل "التسامح المثلي" لتبييض وجهها أمام العالم، باتت الدبلوماسية الفلسطينية تستخدم المثلية الفلسطينية لمقارعة إسرائيل دولياً ولتسويد وجهها في الحلبة ذاتها. ومن الواضح جداً أن أي دبلوماسي فلسطيني لن يستطيع أن يحرز أي انجاز في هذه الحلبة من دون التعاون مع المثليين الفلسطينيين. وقد يكون هذا التعاون رسمياً أو غير رسمي، مباشراً أو غير مباشر، لكن نتيجته هي جني الانجازات الدولية من دون أي تغيير فعلي أو أي التزام حقيقي بالقضية المثلية على أرض هذه الحلبة.

من هنا، وللأسف الشديد، تماهينا كفلسطينيين مع هذا الخطاب سياسياً، إلا أن إهمال العمل على الساحة المحلية بقضاياها المحلية يشير إلى أن "القوس" قد وقع في شرك تعاونٍ غير مشروط وغير محدود مع هيئات سلطة. وهكذا، تتحول القضية المثلية عملياً من قضية دفاع عن حقوق وعن حريات فردية أمام السلطات على أشكالها، إلى أداة بائسة في خطاب سياسي دبلوماسي فلسطيني. ما يفسر الخطاب المثلي السياسي المنبثق عنه، الذي يصور فلسطين كفردوس المثليين على الأرض. فإحراز الانجازات الدولية من جانب، وإهمال الساحة المحلية من جانب آخر، ما هو إلا انفصام اجتماعي-سياسي-ثقافي-طبقي عن الواقع وعن المجتمع الفلسطيني، يدفع ثمنه المثليين غير الكويريين في فلسطين، فـ"كوير" لا معنى لها في حياتهم، وهم الأغلبية التي تجد نفسها خارج فردوس المثليين المزعوم في فلسطين.

وفي النهاية، إن الخطاب السياسي الدبلوماسي الفلسطيني (خطاب المقاطعة) قد نجح باحتواء القضية المثلية الفلسطينية، وحوّلها إلى قضية دولية حصرياً. قضية تطرح بصوت عالٍ في المنابر الدولية وتكتم محلياً. في المقابل، يعاني المثليون على أرض الواقع من قلة التسامح الجنسي العام، لا تقدم عليه إلا فئات نخبوية تتمتع بحيز من الرفاهية والحرية السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية يمكّنها من تفادي آليات السيطرة والرقابة الاجتماعية. أما المشهد الاجتماعي العام فهو مشهد رهاب المثلية ورهاب الجنسية تعمّه مفاهيم "الفضيحة" و"العار" التي تعتمد بالأساس على السلوكيات الجنسية للأفراد.