Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

انهيار الأنظمة السياسية يحتم مراجعة الأنظمة الفكرية

מערכת, 6/3/2011

بروفسور مروان دويري الأحد 6/3/2011

لا يستطيع أحد الادعاء أنه استطاع تنبؤ انهيار الأنظمة العربية بالشكل والتوقيت الذي نشاهده في هذه الفترة. إذن فالأنظمة النظرية التي قرأنا بواسطتها المجتمعات والأنظمة السياسية العربية كانت عاجزة على فهم وتنبؤ السيرورات السياسية والاجتماعية الجارية، وعليه فإننا مطالبون اليوم بمراجعة وتعديل هذه الأنظمة النظرية لتستطيع قراءة وتنبؤ الأحداث بشكل أدق، وتصبح قادرة على التوجيه إلى سبل التأثير على السيرورات الاجتماعية والسياسية. الملفت للنظر هو أن أصحاب النظريات السائدة، الماركسيين والقوميين والليبراليين والدينيين والنسويين، بالرغم من اختلافهم، رأوا بالتحرك الثوري الأخير دليلا على صدق طرحهم. إذن هناك ضرورة للتوقف وفحص معنى هذا التحرك الثوري وفهم نقاط التقائه ونقاط تعارضه مع كل نظرية، وتحاشي اتخاذ موقف رافض بشكل سافر أو متقبّل بشكل كامل وأعمى لكل نظرية، وادراك الدروس التي يمكن استنباطها من هذه الثورات لنستطيع صقل وتطوير فهمنا وتعاملنا مع هذه النظريات.

*"السلطة البطركية" أمام "سلطة الشعب والشباب":

يكاد يكون إجماع في الأدبيات التي درست وحللت المجتمع العربي على أن السيرورات السائدة فيه تتحرك بفعل سلطة "أبوية"، غالبا ذكورية وكبيرة السن، في الأسرة والحزب والمجتمع والدولة. طبعا لم يكن باستطاعة هذه النظريات تنبؤ سقوط الأنظمة السياسية البطركية الغاشمة اليوم، والتي هي سيرورات ثورية شعبية وشبابية دون قيادة أو سلطة بطركية. ثورة عارمة لكنها غير منفلتة بل خاضعة للانضباط الذاتي لكل فرد مشارك فيها وجميعهم يسيرون نحو هدف واحد. الانضباط الذاتي قاد جماهير هذه الثورة نحو الهدف وكان أقوى من الضوابط الخارجية التي وضعتها الأنظمة السياسية على مدار عقود من الزمن. عجز النظرية البطركية عن فهم وتنبؤ هذه الثورات يحتم علينا مراجعة هذه النظرية. من المبكر طبعا "تأبين" النظرية البطركية إذ أن السيرورات البطركية ما زالت فاعلة في مجتمعنا، لكن الجديد هو أن ندرك أنه بالإمكان وقوع سيرورات فردية أو جماعية ثورية فعالة تتحدى وتهدد المؤسسات البطركية. من شأن مثل هذا الإدراك أن يجعل السلطات البطركية تعيد حساباتها وبالتالي سلوكها، ويجعل الناس تتجرأ وتتحرك لتحقيق ذواتها الفردية والجماعية متحدية السلطة البطركية في في مختلف الدوائر كالأسرة والمدرسة والعمل والحزب والدولة.

*"الظروف القاهرة" أمام "الإرادة":

هناك نمط سائد لدى الناس يعزون فيه سبب معاناتهم لظروف قاهرة في البيت والمجتمع والدولة وهكذا يبقون في حالة عجز دون ممارسة سيادتهم على نفوسهم لاختيار الطريقة التي يريدون مواجهة هذه الظروف بواسطتها. هذا النمط من التفكير يستبعد دور الإرادة والإيمان بقدرات الفرد أو الناس في التغيير. إذا عدنا للثورات التونسية والمصرية والليبية نجدها تحركت ليس بفعل تغيير غير عادي في الظروف، إذ لم يقع أي حدث خارجي مؤسس للثورة التونسية وبعدها المصرية والليبية وغيرها. التغيير الأساسي الذي وقع هو تغيير في الوعي الذي شمل إيمان الناس بقدرتهم على التغيير وجرأتهم على تفعيل إرادتهم واستعدادهم لدفع ثمن هذا القرار. طبعا لا يمكن التغاضي عن تراكم أثر الاضطهاد والقمع على مدار عقود أو التغاضي عن تأثير نجاح الثورة التونسية على بقية الثورات، لكن الأثر التراكمي لم يكن كافيا لإحداث الثورات، فهو كان قائما قبل سنة وقبل عقد من السنين أو أكثر ومع هذا لم تقع الثورات حينها. دون التقليل من أهمية القمع المتراكم لا بد لنا أن ندرك أن هناك "أداة" أو طاقة، منسية عادة، اسمها "الإرادة" أو السيادة على الذات. أقول منسية، لأنها كانت قائمة قبل سنة وقبل سنين وكان بالإمكان تفعيلها وإحداث الثورة في وقت مبكر، إلا أن الشعب لم يكن يعي قوة إيمانه وإرادته. حين نعود ونتذكر قوة هذه الإرادة أمام أي مأزق نواجهه في حياتنا الشخصية والاجتماعية والسياسية نستطيع عندها الاهتداء إلى بدائل مواجهة جديدة وفعالة لهذه الظروف التي اعتبرناها قاهرة. حالة العجز ليست حالة موضوعية بل ذاتية تتعلق بقراءتنا لواقعنا وبقراراتنا. حين يدرك معلمو المدرسة مثلا أنهم يملكون إرادة ويكونوا جاهزين لتحمل نتائج قراراتهم ودفع الثمن، عندها تتحول الظروف القاهرة التي يشكون منها إلى ظروف خاضعة لإرادتهم. حين يدرك مواطنو بلدة معينة أنهم يملكون إرادة ويكونون مستعدين لدفع الثمن، عندها يستطيعون تغيير واقع بلدتهم. وحين ندرك نحن المواطنين العرب في إسرائيل أننا أسياد أنفسنا ونملك إرادة ومستعدون لدفع ثمن قراراتنا فعندها نستطيع قهر الواقع السياسي وتغييره.

*ثورية "الأحزاب" أمام ثورية "الناس":

طالما اعتقدنا أن التغيير يحدث من خلال أحزاب ثورية تحشد الجماهير خلفها من أجل إحداث تغيير في النظام. وطالما انتظرنا تحرك الأحزاب ولم تتحرك وبقينا في امتعاضنا. وهكذا أصبح حالنا منذ سنين: ننتظر لجنة المتابعة والأحزاب لفعل شيء ما. هذه قناعة يجب إعادة النظر فيها على ضوء ما يحدث في العالم العربي. ليس أن أحزاب المعارضة في تونس ومصر لم تكن وراء التغيير فحسب، بل كانت أحزابا إصلاحية وجزءا من النظام السائد ولم ترتق إلى مستوى تطلعات الجماهير. كانت الأحزاب قيادة مذدنبة للجماهير ولم تكن في الطليعة. إذا نظرنا إلى دور الأحزاب العربية في واقع الجماهير العربية نراها أيضا لا ترتقي لمستوى تطلعات الناس. هي تسبق الناس في شعاراتهم لكسب تأييد جماهيري لكنها تتخلف وراءهم في فعلها. دون إلغاء دور الأحزاب، علينا أن نعيد النظر في التعويل المفرط عليها وعدم انتظارها لتتحرك، بل نتيح لأنفسنا أفرادا وجماعات وجمعيات أن نتحرك في مختلف الدوائر المحلية والقطرية. وعلى الصعيد الداخلي لكل حزب، لا بد أن يتحرك الأعضاء من أجل تحريك الحزب وقيادته.

*"المختلف عليه" أمام "المشترك المتفق عليه":

ما جعل الثورات العربية تنجح هو أن الناس غلّبوا القضية العامة المشتركة على جميع الخلافات الفئوية والأيديولوجية والشخصية. في واقعنا العربي في إسرائيل تُصرف طاقات هائلة على الاختلافات والخلافات بين الأحزاب وبين الفئات والطوائف كلها على حساب القضية المشتركة العامة. يجري استعمال الديمقراطية والحق في التعبير بالأساس لمقارعة الآخر الأقرب أيديولوجيا بدل استعمال هذا الحيز للتحالف مع الطرف الأقرب من أجل القضايا المشتركة ومقارعة الآخر الأبعد. هناك مساحة مشتركة شاسعة تجمع الأحزاب العربية في قضايا المساواة وقضايا السلام بالمقارنة يمكن أن تضيع فيها المساحة الخلافية؟ إذا أرادت الأحزاب العربية إحداث تغيير جدي في القضايا المشتركة عليها حتما تنحية النقاط الخلافية والمصالح الحزبية والشخصية جانبا، بالضبط كما حصل في المد الثوري العربي، والتحرك معا نحو الأهداف الرئيسية التي تطمح إليها الجماهير.

*"المقاومة المسلحة" أمام "المقاومة الشعبية"

ما شاهدناه في تونس ومصر وليبيا هو انتصار لجمهور أعزل من السلاح لكنه مدجج بالحق والأخلاق والإصرار. لقد رأينا مثل هذه المعادلة في الانتفاضة الأولى أيضا. هناك ضرورة لدمج فكرة "قوة الحق والإصرار الفعال" ضمن منظومة تفكيرنا لكي ندرك أن المعركة لا تتطلب دائما مواجهة السلاح بالسلاح، بل أحيانا يمكن مواجهته باللا-سلاح والإصرار الإنساني الفعال على الحق والاستعداد إلى دفع الثمن. وفي كثير من الأحيان يكون هذا الأسلوب هو الأنجع في مقاومة السلاح. بل وأحيانا، في غياب توازن بين القوى العسكرية للفريقين، تكون مقاومة السلاح بالسلاح عملية تضر بالفريق الأضعف. إن ما شهدناه في الدول العربية يحتم علينا إعادة النظر في مفهوم "المقاومة". ودون التقليل من أهمية ودور من يطلق على مشروعه مشروع المقاومة، علينا أن ندرك أن هناك مقاومة شعبية لا-عنفية، لا تقل شرعية عن المقاومة المسلحة، والتي تكون أحيانا هي المقاومة الحقيقية المجدية.

*"قضايا الخبز" أمام "قضايا الحريات":

بالرغم من الظروف الاقتصادية التي عانت منها الشعوب العربية نتيجة الأنظمة القامعة إلا أن المطلب الأساسي الذي طرحته الشعوب العربية هو مطلب الحرية: إسقاط النظام والمشاركة في اتخاذ القرار. لا أعتقد أن التغيير الثوري كان يمكن أن يحصل لو انحصر مطلب المتظاهرين بتحسين ظروفهم المعيشية. كذلك هذا هو أمر جديد يجب أن يدخل منظومة تفكيرنا. الحرية ليست فقط أداة لتحقيق المطالب المعيشية بل هي قيمة ومطلب أعلى لا يمكن للحياة الكريمة أن تتم بدونه. إذا أدخل الأهل والمربيون مفهوم الحرية إلى منظومة تفكيرهم عندها يدركون أن دورهم لا ينتهي بتوفير الحاجات المادية لأبنائهم أو لطلابهم بل يشمل توفير الحرية وتمكين الأبناء والطلاب من ممارسة سيادتهم على نفوسهم. وإذا وضعنا الحاجة للحرية والكرامة والسيادة على الذات في مرتبة متقدمة من مطالبنا عندها ستتغير استراتيجية التحرك والمواجهة. أخيرا، لا توجد إجابات بسيطة لمآزق الناس ولمواجهة الاضطهاد والقمع، لكن من المهم أن ندرك أن أمام كل مأزق أو اضطهاد هناك أكثر من بديل للمواجهة منها البدائل التي استخدمت حتى الآن، والتي ما زال لها دور في دوائر معينة، ومنها بدائل أخرى استخدمت ونجحت مؤخرا في تونس ومصر وليبيا وغيرها. علينا أن ندرك أن التحرك الشعبي التلقائي دون قيادة بطركية ودون انتظار الأحزاب، وتفعيل الإرادة والسيادة على الذات، وإدراك قوة الحق والأخلاق، والتمسك بالحق والإصرار الفعال والاستعداد لدفع الثمن، وتغليب القضية المشتركة على القضايا المختلف عليها، كلها بدائل واردة وتكون فعالة في ظروف معينة كما رأيناها فعالة أسقطت أنظمة قمعية غاشمة.