Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

مع أوري أبنيري وشخصيات إسرائيلية أخرى

פרוף פארוק מואסי- סופר ומשורר, 24/9/2013

من سيرتي الذاتيـــة: من صفحاتي السياسية ........................................................................................

غدًا يحتفل أوري أبنيري بيوم ميلاده التسعين، وأصدقكم أن هذا الرجل مميز وحصيف، هو صاحب فكر ورؤية ثاقبة، وعندما يقف إلى جانب القضية الفلسطينية فإنما هو يقف إخلاصًا ودفاعًا عن وجود شعبه وإسرائيليته أولاً وقبلاً. شغل أوري أفنيري وشغلت آراؤه الساحة الإسرائيلية طيلة ستة قرون، وكانت مجلته هعولام هزيه مجلة جريئة تتحدى المخابرات والأمن، وقد تعرفت إليها في يفاعتي.

كتب غدعون ليفي أمس في هآرتس تحية له، وذهب إلى أن آراءه هي التي كان يجب أن تعتمد في المؤسسة الصهيونية، لأنه حريص جدًا على وطنه بمفاهيمه، ويعرف بدهائه أن مصلحة الشعبين تقضي بالعيش المشترك والحفاظ على أن يؤتى كل ذي حق حقــه. عرفت أوري من خلال اللقاءات الثلاثية بين الأدباء والكتاب الفلسطينيين والإسرائيليين والألمان، وسأحدثكم عنها. ولكن قبل ذلك سأرافقكم – إن أحببتم- إلى شخصيات إسرائيلية مختلفة التوجهات.

*من كتابي: "أقواس من سيرتي الذاتية"، ط2، طولكرم- 2011، ص 172- 181. ...........................................................................................

شخصيات إسرائيلية قابلتها:

ما من شخصية سياسية بارزة إلا وكان لي حديث معها أو استفسار منها، فأنا لا أستطيع أن أسكت أو أصبر إذا ألح عليّ رأي أو راودتني فكرة.

*فأما إسحق رابين رئيس الحكومة الذي اغتاله اليمين الإسرائيلي، فقد كتبت إليه في 21/3/1993 مطالبًا إياه بإطلاق سراح المبعدين إلى مرج الزهور في لبنان، فأجابني برسالة يزعم فيها مدى "خطر هؤلاء المبعدين” على مسيرة السلام. ثم حدث أن التـقيته بعد أن استقال من رئاسة الحكومة، وذلك في كيبوتس جان شموئيل القريب من مكان سكناي (في 23/10/1993) حيث كانت تُعرض هناك مسرحية. وقد تسنى لي أن استمع إلى حوار له مع لفيف من الحضور، وكنت واقفًا معهم، فلم أستلطفه وهو يدفع بألفاظه دفعًا. وربما كان هذا النفور متأتيـًا بسبب أنني كنت قد استمعت إليه سابقًا - وبصوته الثقيل في الإذاعة- وهو يصف كيف طرد عرب اللد، وكيف أشرف على ذلك. وبسبب هذه النغمة الثقيلة الوطء، وبهذا الصوت الذي يدب لم اطمئن إلى أن مبادرة أوسلو كانت حقيقية تمامًا، مع أنني صفقت لها في مراحلها الأولى، ذلك لأن "الفأر لعب في عبّي” في مرحلة مبكرة، وقدّرت أن الهدف الماكر هو تجميع الفلسطينيين الفعالين سياسيًا في الضفة والقطاع، وحصرهم، والتضييق عليهم بشتى صنوف الممارسات القمعية، ومن ثم فإن الخروج من مدنهم لا يعني إلا الإيقاع بهم كلما همّوا بالتحرك أو بـممارسة "الإرهاب" حسب قاموسهم. شاهدت بأم عيني الشريط الذي بثه الإعلام الإسرائيلي مرة واحدة فقط، وفيه تفصيل باغتيال رابين خطوة خطوة. أما لماذا لم يذع الشريط ثانية؟ ولماذا تجاهلوه وهو بينّة ساطعة، فالعلم عندهم وعند ربهم.

  • زرت إسحق نافون رئيس الدولة- في أواسط الثمانينيات- ضمن وفد اتحاد روابط الكتاب، وقد طرحت أمامه مسألة أحقيّـة الأديب العربي في الحصول على جائزة التفرغ (ولم يكن قد حصلنا عليها بسبب سياسة التمييز المتبعة) ثم، وبعد انتهاء دورته رئيسًا للدولة – التقيـته في استوديوهات التلفزيون في هرتسليا، حيث حضر هو لتسجيل دعاية انتخابية لحزبه (المعراخ)، وحضرت أنا لتسجيل برنامج ثقافي؛ فتيسر لي أن أجالسه أكثر من ساعة تناولنا فيها الأوضاع السياسية. وبالطبع، فإن قوالب الإجابة لديه هي كالمألوف والمنتظر منه ومن غيره ممن ليسوا من اليسار. عندما عين وزيرًا للمعارف حضر إلى كلية الشريعة في باقة الغربية – حيث أعمل- لزيارتها، وللاعتراف بها وكانت حديثة العهد، وقد قمت بترجمة أقواله في لقائه مع مجلس الأمناء. لكنه، وفي لقاء آخر في اليوم نفسه لم يتحمل كلمتي وتعليقي عندما سألته: "أنت في المجلس الوزاري المصغر، وأنت"ابن عرب” كما تقول، كيف توافق على هذه الجرائم اليومية التي تحدث للشعب الفلسطيني؟” وإلى متى؟ وقد أخبرني سمير درويش- رئيس المجلس- أنه تضايق جدًا مني.

  • وكان لي أن أجالس إسحاق شمير رئيس الحكومة إذاك، وكنت مع الأدباء مصطفى مرار و د. محمود عباسي وميشيل حداد الذين فازوا بجائزة رئيس الحكومة، وكنت أنا محكّمـًا، فأخذ يلقي بكلماته الثقيلة المستفزة أيضًا، ويتناول الوضع السياسي بما يشف عن كراهية للفلسطينيين، مع حرصه أن يمايز بينهم، فنحن- العرب في إسرائيل- نختلف عن سائر العرب، لأننا مواطنون مخلصون، ويجب أن نحظى بالمساواة التامة. (حكـــي!!!).

  • وعلى ذكر الاسم(شمير) فقد تعرفت إلى موشه شمير الكاتب اليميـني المتطرف، إذ كنت وإياه في جامعة بئر السبع على منصة واحدة ضمن محاضرة عن الأدب والسياسة، وكان النقاش السياسي حادًا، وتبيّن لي كم يكره هذا الكاتب الوجود العربي في البلاد.

  • وأما شمعون بيرس فما أكثر ما التقيت هذا السياسي الماكر، وذلك في أثناء زياراته الانتخابية لباقة الغربية، أو في حضوره للتعزية لبعض الأقرباء كرئيس المجلس عبد اللطيف مواسي، أو في اجتماع له مع الأدباء. وكنت ألاحظ أنه مثقف متميّز حاد الذهن، وهو كذلك يكتب الشعر، بل أهديته مجموعتي الشعرية بالعبرية "الأحزان التي لم تفهم”، فرد عليّ برسالة ممتدحًا وشاكرًا. ومع ذلك، فقد "نزلت عليه“ بعد جريمة( قانا) وأخواتها، فقلت ما قلت، وهو يصغي. ثم أخذ يجيب على طريقة الرد بأن ما جرى هو دفاع عن النفس، وأن لتحقيق السلام لا بد من ضحايا الخ... ولم يأت لي بأي جديد، وما قلته كان مجرد إشفاء بعض غليل.

  • أما إيهود باراك – رئيس الحكومة- فقد زار كلية الشريعة في 24/3/1999 ضمن حملة انتخابية، فلما طلبت حق الكلام رفض مرافقه من أبناء بلدي ذلك، لأنه خشي أن أضايق رئيسه براك، لكن مرافقًا آخر هو السيد وجيه كيوف رئيس مجلس عسفيا - فيما بعد- أنكر عليه منعي من حق الكلام، وقال له: ألا تعرف من يخاطبك؟ ومن هو؟ فدعاني إلى ذلك، واعتذر باسم ابن بلدي. بدأت الحديث موازنًا بين الحزبين المتنافسين – الليكود والمعراخ، وان المواطن العربي لم يعد يميّز بين الشر والشر، فليس هناك أهون بينهما.... وأجاب باراك ما أجاب، لكنه ختم كلامه بالحرف الواحد وبالعربية: "يا دكتور فاروق الحكي ما عليه جمرك”. وأنا لا اعرف لماذا قال ذلك؟ هل قصد كلامي؟ أم أي كلام في السياسية؟ أم أنه يقصد أن السياسة الإسرائيلية هي بالفعل لا بالقول؟

  • في 9/3/1996 دعاني رئيس المجلس المحلي جلال أبو طعمة للقاء مع وزير المالية بايجا شوحيط، فعرضت أمامه قضية الحصار على شعبنا، وإغلاق المؤسسات التعليمية وفرض منع التجوال بصور مستمرة، وسألته عن موقف حزبه المعراخ الذي يدعي انتهاجه نهج السلام – من بقاء المستوطنات في الضفة الغربية والقطاع؟ أجاب شوحيط متهمًا عرفات بأنه السبب في جمود المسيرة السلمية (وهذه شنشنة يعودون إليها دائمًا، وقد نسوا أنه شريكهم في"سلام الشجعان“). أذكر أن بعض أقربائي هم وحدهم الذين تضايقوا من كلماتي، فكان أحدهم يرغي ويزبد، وسبب دعواه أنني قلت: "ليس ثمة فرق جوهري بين الأحزاب الصهيونية" فأخذ أحدهم يصرخ ضد هذه الموازنة الظالمة للمعراخ.

  • أما أمنون روبنشتين فقد قابلته مرة وهو وزير للمعارف، ومرة أخرى وهو وزير للعدل، وعرضت أمامه في فترة تسنمه وزارة المعارف تأسيس أول جامعة عربية، وكنت قد عرضت هذا المطلب أكثر من مرة ولأكثر من مسؤول، وما زلت أطالب به، وكانت أجوبتهم جميعًا تتلاقى أن هذه الجامعة ستكون بؤرة معادية للدولة.

  • في 23/3/1993 تسنى لي اللقاء بوزير القضاء ليبائي فعرضت أمامه شكوى من الإعلام الذي يبث صراخ الموتورين"الموت للعرب”، فهل كانوا يذيعون صرخات"الموت لليهود” في الإعلام الإسرائيلي لو سُـمع ذلك؟ مع أن ذلك منعدم بيننا بسبب المستوى الحضاري المختلف.
    أجابني ليبائي: "أنا أرفض ذلك قطعًا، وكم بالحري ونحن ضحايا العنصرية"، وقال لنا إنه "دعا إلى تأسيس دستور لضمان المساواة الحقيقية."

من الطريف أن أذكر أنني ألقيت في المركز الثقافي في القدس الشرقية (23/10/1996) –وعلى مسمع من إيهود أولمرت قصائد وطنية. وقد حاول أحمد كبها الذي كان يترجم القصيدة أن يتهرب من بعض الألفاظ: عين غزال، الأقصى، ولكن أولمرت كان يعي ما يقال من كلام يؤذي مسامعه، وينتبه إلى تصفيق القاعة، ولم يعترض. يومها قال – وكانت موجة الحرائق المتصلة في غابات البلاد –"إن المخربين هم الذين يفعلون ذلك، لأنهم بعيدون عن الحضارة”. فأجبته وكنا معًا على المنصة: "إن الوطني الحقيقي يشعر أن هذه الأرض أرضه والأشجار له، فلا يمكن أن يحرق ماله، لأنه في ذلك يحرق قلبه. فعلينا إذن أن نفكر في أسباب أخرى معقولة“.
وكنت قد التقيت أولمرت أولاً في 14/10/1995 في منزل رئيس المجلس عبد اللطيف مواسي وهو من أعمامي. يومها كان يتحدث بلهجة واثقة، وبقدرة وبدفاع عن الباطل بصورة عجيبة وقوية، وبطلاقة لم أجد نفسي قادرًا على مجابهتها.

                                                         ***

من جهة أخرى فقد كنت فعالاً في الحركات اليسارية الإسرائيلية ضمن حركات السلام المختلفة بأسمائها وتوجهاتها. وشاركت بصورة فعّالة مع مبادرة الأدباء الإسرائيليين والفلسطينيين برئاسة إميل حبيبي ويورام كانيوك، وقد توجنا هذه اللقاءات السياسية في نابلس 30/7/1994- حيث حضرت اللقاء آنذاك الشاعرة فدوى طوقان، وقمت بترجمة النصوص من العربية إلى العبرية وبالعكس. كان يجمعنا إطار واحد خلاصته: دولتان لشعبين، وأن حدود 67 هي الحدود الرسمية، وأنه تجب إزالة المستوطنات، وأن القدس العربية هي عاصمة للدولة الفلسطينية. ثم زرت مدارس يهودية كثيرة مع شعراء يهود يساريين.

لكني أذكر أنني في مدرسة دينية قرب مستشفى هليل يافه جوبهت بعداء شديد وتهجمات عليّ وعلى العرب، حمدت الله بعدها على سلامة الوصول إلى بيتي. على ذكر هذه الخوف من هذه العدوانية الشرسة فقد حدث أن كنت في معلوت (قرب ترشيحا)، فقرأت قصائد سياسية. وفي أثناء خروجي أرشدني موظف هناك إلى طريقة الخروج من القاعة، وكانت في الدور الأسفل، وكانت الساعة بعد منتصف الليل، فخرجت من دهليز لأدخل في دهليز آخر برفقة هذا الشخص المتجهم. كنت أراقب حركاته بنوع من الارتياب، فلم أأتـمنه، وقلت في نفسي بعد أن لاحظت كيف كان صدود الجمهور في القاعة عني: هنا النهاية!.

الشيء بالشيء يُذكر: كنت قبل ذلك بسنين في جفعات حبيبه- مقر الحلقات الدراسية الإسرائيلية- وقد اجتمعت مع مجموعة سياسية كبيرة أسمعتهم ما لم تستسـغه آذانهم. ولما عدت إلى قريتي في سيارتي بعد الواحدة صباحًا كنت حذرًا جدًا وخائفًا جدًا، أنظر ورائي من خلال زجاج السيارة، وذلك بسبب الحدة التي جوبهت فيها، فمن أدراني إلى أين تنتهي الحدود؟!.

ومع ذلك رأيت في أن استمرار العلاقة مع اليسار الإسرائيلي ضرورة كبيرة، وقد شاركنا مع بعض الأدباء منهم في زيارة معتقل أنصار(كتسيعوت) للتنديد بهذه الاعتقالات وبظروفها الهمجية. وكان الأدباء اليهود معي يجابهون بصدورهم الجنود الذين تجمعوا لمنعنا من التقدم.

كنت قد شاركت في لقاء ثقافي واسع في نادي تسافتا في تل أبيب- وذلك في أيلول 1985-، وأذكر أن وقع كلماتي كان قاسيًا جدًا، ومن العجيب أن أحد"الأدباء" العرب كان يهزأ من أقوالي استرضاء للأصوات المعارضة لي، وكان يهاجم حركة فتح والحركات الفلسطينية الأخرى التي لا يُطمأن إليها، ففي رأيه أنهم أوصلوا الشعب الفلسطيني إلى ما وصلوا إليه. أغضبني جدًا هذا الادعاء- إلى درجة أنني أبيت أن يعود معي في سيارتي من تل أبيب في طريقه إلى قريته. ثم تسنى لي أن أتعرف جيدًا إلى أعضاء كنيست من اليسار الإسرائيلي: ران كوهن الذي كان يقطن جوار بلدتي - (جان شموئيل)، وكان لي معه قبل انتخابه في البرلمان أكثر من نشاط ثقافي. و شولميت ألوني المرأة الحديدية التي لا أعرفها إلا مناضلة ضد الاحتلال والغطرسة العدوانية، وحتى عند تسنمها وزارة المعارف كانت لها لغة أخرى في القاموس السياسي الإسرائيلي.
و يوسي سريد الذي اجتمعت إليه أكثر من مرة، وهو ذكي، حاد المزاج، يتهم الأعضاء العرب في البرلمان الإسرائيلي بأنهم يركزون معالجاتهم في القضية السياسية بدلا من اهتمامهم بقضايا الوسط العربي اليومية، وله" نهفات" تبعده في رأيي عن اليسار، مع أن له كثيرًا من المواقف التي تسجل له إنسانيًا ومنطقيًا. راقت لي بعض قصائد يوسي الذي يكتب الشعر أيضًا، فترجمتها ونشرتها له في الصحف الورقية والألكترونية، وحدث أن اتصلت به لاستشارته في هذا المعنى أو ذاك.

حدثتكم أعلاه عن علاقتي بماتي بيلد عضو الكنيست والمحاضر(الذي أشرف على أطروحة الدكتوراة التي أعددتها في جامعة تل أبيب)، كما حدثتكم عنه ضمن نشاطي في" الحركة التقدمية“، وكذلك عن أوري أفنيري الذي أرى أن آراءه في الساحة الإسرائيلية هي التي يجب أن تعتمد، لأنه حريص جدًا على وطنه بمفاهيمه، ويعرف بدهائه أن مصلحة الشعبين تقضي بالعيش المشترك والحفاظ على كل حق. وقد نشط أوري في اللقاءات الثلاثية بين الأدباء والكتاب الفلسطينيين والإسرائيليين والألمان، وإلـيـك فكرة عنها.

اللقاءات الثلاثية بمبادرة ألمانية:

 بادر مركز التربية السياسية في ولاية راين لاند بفالتس في ألمانيا ورئيسه جورج ماير إلى عقد مؤتمرات  ثلاثية يشارك فيها أدباء وكتاب فلسطينيون وإسرائيليون وألمان، وتعقد هذه تباعًا في موقع من المواقع الثلاثة: في إسرائيل، فلسطين وألمانيا.

عقد المؤتمر الأول في ألمانيا ولم أكن مشاركًا فيه، ثم كان الثاني سنة 1996 في جبعات حبيبا، وشارك فيه من أدبائنا: محمد علي طه، أدمون شحادة، محمود دسوقي، فاروق مواسي، جمال قعوار وغيرهم، ومن الجانب الإسرائيلي كان عدد لا بأس به من الأدباء والكتاب، وقد تناولت الصحافة الإسرائيلية الحدث بنوع من الاهتمام.

ثم دعيت بعد سنة إلى مدينة شباير في ألمانيا، كنت مع الأدباء شكيب جهشان وسالم جبران وسامي الكيلاني وغانم مزعل، ومن الجانب الإسرائيلي برز أوري أفنيري، آشر رايخ وروت ألموغ وليئه فلايشمان وأهرون ميجد. وكان هناك أدباء ألمان معروفون، منهم هيلدا دومين وزيغفريد جاوخ ومارتن لودكه وغيرهم. كان كل أديب يقرأ نصًـا له، ويلي ذلك نقاش؛ وكثيرًا ما كنا نستطرد لندخل في حوار سياسي، ومنه ما هو حاد، الأمر الذي كان يعكر الصفو، ويقلل من متعة الرحلة إلى ألمانيا الباهرة. ومع أن أغلبية اليهود المشاركين هم أصلا من المعتدلين، إلا أنهم كانوا يجدون الحرج إزاء الممارسات الإسرائيلية الرسمية، ويجِمون أمام الألم الفلسطيني الذي يعبر عنه سامي الكيلاني من يعبد – مثلا-، وهو يصف كيف استشهد أخوه في الانتفاضة الأولى. وأنى لهم أن يكابروا وهم في بلد أذاقهم الوبال والويل والموت؟؟!! لكن قِسمًا منهم – مع ذلك – كانوا يترصدون ما يقوله الألماني هذا أو ذاك، فإذا ما جرؤ أحدهم على قولة فيها ميل للفلسطينيين فسرعان ما يُتهم بأنه لا سامي. أما إذا كان النقد من إسرائيلي كما ينقد أوري أفنيري أو سيزيبيل قليل (الأديبة الشابة) فإنهم يواجهون هذا النقد على استحياء، وبنوع من التفهم، وفي حالة(قليل) بأنها عديمة التجربة والخبرة.

كنت أشارك في اللقاءات، وأدلي دلوي في كل بئر. ففي شباير – في قاعة البلدية – جرى حوار سياسي، فما كان مني إلا أن أبديت تعليقًا لم أكن أدري مدى إزعاجه لبعضهم: أنا ضد أن يقتل أي إنسان نفسه، وهو أمر غير طبيعي أيضًا، ولكن أليس من المنطق أن نضرب الكابح مرة، ونسأل: لماذا يفعلون ذلك؟ فهل هم"مقطوعون“ بلا أهل وأبناء وأمهات؟ لماذا وجد الموت هوى في نفوسهم ونجح البعض _ كما يُقال _ بغسل أدمغتهم؟ لنسأل، ولنفكر، فلعل هناك إجابة أخرى لا نكررها! وهنا قامت قيامة بعض الأدباء اليهود، فقد أصبحت في نظرهم مبرِّرًا لما يفعله هؤلاء الذين يفجرون أنفسهم، وأنني أؤيدهم وووو، بل صرح "صديق“ لي منهم أن أعداء الدولة الحقيقيين هم العرب في إسرائيل، وهو يكرههم أكثر من غيرهم، بسبب أنهم يطعنون في الظهر.

شاركنا في مؤتمرات أخرى (في أريحا و في ماينز وفي أيدار أوبرشتاين)، وأضحت ذات نمطية وتكرار. ومما يدفع الملل فيها – أولاً أنها في ألمانيا ذات الجمال في الطبيعة والطقس والناس، وثانيًا أننا نقابل بعض العقلاء من الألمان والإسرائيليين ممن يؤمنون أن لا بد من تغيير ما في ظرف ما في قضية ما، فالابتعاد لا يجدي، والحوار ضرورة. من الغريب أنني وأنا المواطن الإسرائيلي أُحاسَب هناك، وكأني أمثل الفلسطينيين، بل كنت أفعل ذلك دون أن أقصد ذلك، فقد دبج المؤتمرون بيانًا في أحد اللقاءات، وطلبوا توقيع جميع المشاركين.
وقع جميع الفلسطينيين، لكني تحفظت من بند يحاول- بصورة غير مباشرة – أن يتهم الطرفين بنفس التساوي، فقلت لجورج: كيف نساوي بين الفرس والفارس، بين المضطهد والمضطهَد؟ احتد جورج ماير، ورفع صوته- ولم أكن عرفته بهذه الصورة بسبب هدوئه- وقال: أنت لم تفهم النص كما يجب، إنه لا يساوي، أأنت أحرص من فلان وفلان من الضفة الغربية – من قلب فلسطين؟ ووجدت نفسي أوقع بعد أن اقتنعت أن هذا القرار ليس من مواثيق الأمم المتحدة، وبعد أن رأيت من أثق في وطنيته وقد وقّع، ثم من يحسب حساب توقيعنا؟ من الجدير ذكره أن هذا المركز يصدر في كل مؤتمر كتبًا وبمحاور مختلفة، وتكون للمشاركين وسواهم مشاركات أدبية. وقد صدر في الألمانية والإنجليزية كتاب "معنى الوطن“ سنة 1997، كما صدرت أضاميم شعرية ونثرية وبلغات المشاركين الثلاث. في تشرين الثاني 2004 عقد مؤتمر آخر في ألمانيا بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس الفكرة، وكان محور اللقاءات" الأدب بين الجمالية ومعايشة الواقع".

ثم توقفت اللقاءات بدون سابق تنبيه!