Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

اللغة العربية وتحديات العولمة

מערכת, 19/5/2009

يمر الواقع العربي بصراعات مختلفة وحراكات عاصفة على أكثر من مستوى، وليس الحراك الحضاري بأقلها شأنا خصوصا في وقت يرفع فيه منظرو العولمة راية الاندماج الحضاري بين الشعوب حيث نرى صمويل هنتنغتون يؤكد على أن "فكرة حضارة عالمية أو كونية هي نتاج متميز للحضارة الغربية". فهل تحمل العولمة وخصوصا في جانبها الحضاري معها مبدأ الإلغاء ونظرية البقاء للأقوى؟ وهل تعني بالنسبة للعرب مصادرة اللغة العربية وتلاشيها أمام اللغات الأوروبية وخصوصا الإنجليزية "لغة العولمة"؟ كيف يمكن أن نفسر هذه المفارقة المصاحبة للعولمة بين انفجار الخصوصيات وتعميم نموذج حياتي واحد؟ وما هي حال اللغة العربية في زمن العولمة؟ وما وسائل تطوير اللغة العربية لتستطيع مسايرة التطور العلمي والتقني المتسارع؟

وقد طرحنا هذه الأسئلة على ثلاثة جامعيين متخصصين في اللغة العربية فكانت أجوبتهم كالتالي:

اللغة العربية بين الخطر الخارجي والتهميش الداخلي

د. محمد عبد الحي

اللغة وظيفة عضوية، وملكة إنسانية، وظاهرة اجتماعية، تمثل البعد الرمزي الذي يرجع إليه تميز الإنسان، فهي الشجرة التي تثمر الفكر والوعاء الذي يحتضنه، والآلة التي بها يعمل، فينتج العلم والمعرفة. فهي لذلك محرك نشاط الأفراد والجماعات، ومحدد الحدود النفسية والاجتماعية والسياسية بين القوميات والسلالات، والمستويات الاجتماعية؛ وهي الحامل الأبرز لكل خطة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، كما أنها أداة كل مخطط للهيمنة والاحتواء والاستئثار والإقصاء، وهو ما جعلها محل اهتمام علماء الاجتماع والإناسة والسلالات واللسانيات والاقتصاد والسياسة على حد سواء. وجعل منها النقطة المركزية في كافة إصلاحات التعليم وصناعة الإنسان في كل البلدان، وعلى أساسها تشكلت أغلب الأحلاف السياسية الحديثة: الكومنولث البريطاني، منظمة الدول الناطقة بالفرنسية، منظمة الدول الناطقة بالأسبانية، جامعة الدول العربية.

العولمة والحدود اللغوية مستقبل لغات العالم مكانة اللغة العربية لا مكان للتعددية اللغوية

ظلم ذوي القربى

العولمة والحدود اللغوية

                                           -----------------

تعمل العولمة على السيطرة على عالم الواقع لتحويله إلى مواد للإنتاج، وأسواق لتصريفه، والسيطرة على العالم الافتراضي، للتحكم في أذواق الناس ومشاعرهم ------------------ منذ نشأة الظاهرة اللغوية، وهي في نزوع مستمر نحو التنوع بتنوع المجتمعات وتعدد الأمكنة والأزمنة، فنتج عن ذلك تنامي الحدود اللسانية بين الجماعات، مما ظل مثار قلق لدى اللسانيين والفلاسفة، ومع ثورات الاتصال والمعلومات الحديثة، بدأت الحدود اللغوية تتهاوى أمام لغات قليلة تمتلك ناصية الاتصال والمعلومات، فتعبر هذه الحدود دون استئذان، وتهدد عالم اللغات بعولمة لغوية تفرض شيئا فشيئا لغة واحدة، وفي أفضل التوقعات، لغات محدودة، على العالم بأسره، وهو حل سحري للعنة تعدد اللغات، ولكنه نذير بالقضاء المبرم، على تجارب الأمم وعاداتها ومعتقداتها وقيمها وتراثها الذي تختزنه لغاتها أمانة يتركها السابق للاحق.

في هذا السياق تهتم هذه الورقة بإثارة بعض قضايا اللغة العربية في علاقتها بالعولمة لسبر مدى قدرتها على الصمود أمام سيل العولمة الجارف، وذلك للمساهمة في حوار عن واقع هذه اللغة ومسار نموها وعوائق تطورها، ومعالم آفاق مستقبلها، في سياق مد امبريالية لغة العولمة التي ترفض الضرار.

العولمة (Mondialsation، Globalization) هي جعل الشيء ذا طبيعة عالمية، وهو مصطلح عمره يربو بقليل على عشر سنوات، وإن كانت الظاهرة التي يعبر عنها بدأت تبرز للوجود مع بداية الحقبة التي تلت نهاية الحرب الباردة (1945-1989) وهي حقبة شهدت تحولا عميقا، هز الجهاز العصبي العالمي بأكمله، وانجلى ما انجلى من غباره حتى الأزمة المالية الحالية(شتاء2008-2009)، عن هيمنة واضحة لدول المركز بقيادة الولايات المتحدة، وفرض لنظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ وهو نظام في بعديه الاقتصادي والسياسي، يمثل آخر حلقة حتى الآن، من حلقات تطور النظام الرأسمالي الليبرالي، يطبعها تلاحق الثورات العلمية والتقنية، خاصة في مجالات الاتصال، والصورة، والمعلوماتية، المنطلقة من وسط المال والمختبرات ومراكز البحث العلمي التجريبي، التي تكرس جهودها للإنتاج والإنتاجية، دون اعتداد كبير بالأبعاد الإنسانية: الاجتماعية والروحية والنفسية للأفراد والجماعات، وفي سبيل ذلك تعمل على السيطرة على عالم الواقع لتحويله إلى مواد للإنتاج، وأسواق لتصريفه، والسيطرة على العالم الافتراضي، للتحكم في أذواق الناس ومشاعرهم، فهي عملية قائمة على تكثيف مد الأشخاص والبضائع والخدمات ورؤوس الأموال، وما يؤطر هذا المد من دعاية وإعلام، وسلوك وفكر، تفتح كلها الأبواب أمامه ليشمل العالم بكامله ويجعله منسجما مع إيقاعه، وهي عملية أُطْلِقَ عليها مصطلحُ: العولمة، عولمةِ اقتصاد السوق الحرة، المتسم بـ"التداخل الواضح فيها بين أمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك، دون اعتداد يذكر، بالحدود السياسية للدول، و(دون) انتماء إلى وطن محدد، أو دولة معينة، ودون حاجة إلى إجراءات حكومية(1)"، فالبعد الثقافي: الإعلامي المعلوماتي، محوري في نظام العولمة، إذ بالسيطرة على العالم الافتراضي عبر الأقمار الصناعية، وشبكات الاتصال، وثقافة الصورة، يتم تغيير الأفكار وزعزعة المعتقدات، وتحطيم الولاءات، بما تروجه من شعارات مثل: نهاية التاريخ(2)، نهاية الإيديولوجيا(3)، نهاية الجغرافيا(4)، نهاية المثقف، موت التقدم(5)، أو شعارات ما بعد الحداثة(6)، القرية العالمية الواحدة، الاعتماد المتبادل لكسب معركة صدام الحضارات، وكلها تلح على أن الولاء لأمة أو وطن أو دين أو دولة أو مذهب، قد أصبح من مخلفات الماضي التي يجب نسيانها، واستبدالها بالفردية والحرية الشخصية، التي هي ثمرة "حضارة إنسانية" كونية يلزم الناس جميعهم اتِّباعها، لأنها تستجيب لنوازع طبيعية في الإنسان، ومن ثم فإن انتشارها حتمي، لابد من الرضوخ له، إن عاجلا أم آجلا(7)، ولهذا ينبغي التحرر من عبودية الدولة القومية إلى ثقافة عالمية واحدة يتنافس فيها الناس والأمم جميعا، كل وقدراته، منفتحين على كافة الأفكار والشعارات، دون انحياز مسبق لأمة أو دين.

واللغة والدين حصنان منيعان تتمترس خلفهما كل أمة للدفاع عن نفسها أمام أي هجوم يستهدف محو هويتها الذاتية والقومية والثقافية، وخصوصيتها ومصالحها الاجتماعية، لذلك فهما هدف أساسي من أهداف عملية كونية تتوخى تنميط الكون، واستلحاق سكانه، و إزاحة الحواجز اللسانية وتوحيد اللغات، وإقصاء أية لغة لا تعضدها قوة ديموغرافية، واقتصادية، وسياسية، وثقافية، وعلمية، وعسكرية، هائلة.

مستقبل لغات العالم

                            -------------------

كل المؤشرات تشهد أن هناك خطرا فعليا من قبل نظام العولمة يهدد وجود الكثير من لغات العالم " ومن ضمن اللغات المهددة اللغة العربية ----------------------

ويرى باحثون(8) أن 3000 إلى 4000 لغة قائمة اليوم، ستختفي خلال القرن الجاري، ويعتقدون مثلا، أن ما مجموعه 73 لغة من أصل 123، في القارة الأوروبية، بنسبة 59.35%، في طريقه إلى الاختفاء، وذلك رغم الإجراءات التي اتخذتها المجموعة الأوروبية لحماية لغاتها باعتبارها جزءا من التراث الإنساني تجب حمايته. وفي دراسة عن لغات العالم تشرف اليونسكو على إعدادها منذ سنوات(9)، أن 5500 لغة من أصل 6703، ستختفي خلال قرن.

ويرجح (جون دانييل)،(10)- اعتمادا على رأي خبراء-أن هناك ثلاث لغات ستقتسم العالم في حدود 2200 م، هي الإنجليزية والعربية والصينية، وأن الحركية اللغوية التي يدفعها تساقط قلاع الحدود اللغوية اليوم أمام مد الثورة الإعلامية والمعلوماتية، تجعلنا نعيش "مجزرة لغوية".

كل ذلك يشهد أن هناك خطرا فعليا من قبل نظام العولمة، يهدد وجود الكثير من لغات العالم، ومن ضمن اللغات المهددة، رغم ما تقدم، اللغة العربية، ولا يخفي أن اللغة العربية المعيارية المكتوبة (نسبة الأمية في الناطقين بها قد تصل إلى60%)، ظلت عبر تاريخها تستند في قدرتها على البقاء، إلى العامل الديني والقومي، وهاتان الدعامتان الآن، مستهدفتان من قبل نظام العولمة، لأنه يعتبرهما حجر العثرة الأبرز في طريقه.

والمقصود باللغة العربية هو اللغة التي بها نزل القرآن الكريم فيما بين سنة609-632م، يوم كانت لهجة غير مكتوبة، ضمن العديد من اللهجات في شبه الجزيرة العربية، يتكلم بها سكان الحجاز ونجد وما جاورهما، والتي قادت العناية بالقرآن وحاجات الدولة الإسلامية التي انبثقت منه، في القرن الأول والثاني الهجريين/السابع والثامن الميلاديين، إلى كتابتها، وتدوين معجمها، واستنباط قوانينها التركيبية والشكلية الصوتية الصرفية، وأساليبها المعيارية والعدولية؛ وتم كل ذلك في فترة وجيزة، فسيطرت على الحياة الثقافية في العالم العربي الإسلامي، وأصبحت منذ عهد الأموي عبد الملك بن مروان(65-86هـ/685-705م)، لغة التميز، تحتكره لمن يتقنها، فلا حق لمن لا يتقنها في المناصب القيادية، وأصبحت من أقوى اللغات عالميا (سياسيا، عسكريا، ثقافيا، لسانيا، وربما ديموغرافيا واقتصاديا) خلال القرون(8-11)، فاحتكرت المنابر الثقافية في كل مكان يدخله الإسلام. قبل أن تتراجع منذ القرن12م إلى19م، وتنزوي في دوائر ضيقة، وإن ظلت إلى اليوم، تحتفظ بمكانة خاصة لدى أتباع الديانة الإسلامية، لأنها لغة مصدري التشريع الأساسيين في الإسلام: القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلمات هذه اللغة، وهي لغة طقسية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في العالم العربي، كما كتب بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى، وأثرت في كثير من اللغات الحديثة: كالتركية والفارسية والألبانية والعديد من اللغات الأفريقية، واللغات الأوروبية كالروسية والإنجليزية والفرنسية والأسبانية والايطالية والألمانية.

ثم شهدت حديثا خلال القرنين الماضيين، (13-14/هـ19-20م) تطورا على مستوى الإبداع الأدبي على الأقل، لم تكد تعرفه من قبل، لكنها مع ذلك، لم ترق إلى رتبة لغة التميز في أي من الدول العربية، رغم أنها نظريا هي اللغة الرسمية في كل تلك الدول، وأنها تدرس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الأفريقية والآسيوية المحاذية للوطن العربي (تشاد، مالي، السنغال، أريتيريا... إيران، تركيا... )(11).

وعبر هذه التحولات القديم منها والحديث، ظلت اللهجات الموازية لها، تتطور وتنتشر، وتحتكر عنها البيت والشارع والسوق والحديث الشفهي التداولي عموما، إلى اليوم. لكنها اللغة الوحيدة التي يزيد عمرها اليوم – باعتبارها لغة ثقافة وإلى حد ما لغة عمل وتداول- على أربعة عشر قرنا، ومازالت حية، بحيث يفهم شداتها أغلب نصوصها الأقدم دون عناء كبير، ولا دربة خاصة.

مكانة اللغة العربية

تحتل اللغة العربية الآن الموقع الثالث في لغات العالم، من حيث عدد الدول التي تقرها لغة رسمية، والسادس، من حيث عدد المتكلمين بها، والثامن من حيث متغير الدخل القومي، في العامل الاقتصادي، وهي متأرجحة من حيث المنزلة في العوامل الأربعة الأخرى: (الثقافي، اللساني، الاقتصادي العسكري). ففي جانب النشر الإجمالي من العامل الثقافي، تحتل عالميا الرتبة22، و42 في النشر العلمي خاصة، وهي إحدى اللغات الست الرسمية في أكبر محفل دولي: منظمة الأمم المتحدة، وتهيمن على جزء من الإعلام العربي، ولها حضور في النظام التعليمي، و حضور أقل في النظام الإداري والتنظيمي. وبذلك فهي إحدى اللغات الإحدى عشرة الأكثر انتشارا في العالم، ( حسب ترتيب عدد المتكلمين بها: الصينية، الإنجليزية، الأسبانية، العربية، الهندية، الروسية، البرتغالية، البنغالية، الألمانية، اليابانية، الفرنسية)، كما أنها من الثماني، من بين هذه اللغات الإحدى عشرة، التي تكاد تقتسم المعمورة فيما بينها، وتحتفظ كل منها لنفسها بقاعدة جغرافية راسخة: (الماندرين في آسيا الوسطى، الأسبانية والبرتغالية في أمريكا الجنوبية، الإنجليزية في أمريكا الشمالية، العربية في شمال إفريقيا والشرق الأدنى، الهندية والبنغالية في أغلب القارة الهندية، الروسية في أوروبا الشرقية)، كما أنها من بين اللغات الست التي يعرف الناطقون بها تزايدا ديموغرافيا أكثر من غيرها، وهي حسب الترتيب: (الأسبانية والبرتغالية والعربية والهندية والسواحلية والماليزية)(12)، لكن كل تلك المقومات لا تخفي أوجه قصور موضوعية وذاتية لا تني تفت في عضدها، أبرزها:

محاصرة هذه اللغة بلهجات تحتكر عنها نبض الحياة اليومية لأبنائها، من جهة، ومحاصرتها بلغات أجنبية منتجة للحضارة الحديثة، تحتكر عنها مجال العلم والتكنولوجيا وتسمية أشيائهما الجديدة من جهة أخرى، مما يشتت جهود أبنائها بين: لغة ”فصحى“ تفرضها الهوية والانتماء الديني والقومي وامتلاك الموروث الثقافي للأمة، والتفرد عن اللهجات بكل ما هو مكتوب ومقروء، وبنسبة عالية، عن اللغات الأجنبية المهيمنة على الجديد في العلم والتكنولوجيا والتقانة، ولكنها بعيدة عن لغة التخاطب ونبض الحياة اليومية، وعن إنتاج مفاهيم العلم الحديثة، وتعاني من تقصير بارز من قبل الساسة والعلماء في خدمتها. لهجات فرعية: تحتكر التخاطب ونبض الحياة، لكنها غير مكتوبة، وغائبة عن الموروث الثقافي وعن ميدان العلم الحديث. لغة أجنبية: تسيطر على كل ما هو جديد في العلم والتكنولوجيا فلا يكاد يصل منه إلى اللغة العربية إلا ما مر عبر صمام الترجمة، ولكنها غائبة أو تكاد، عن التخاطب ونبض الحياة، وعن الموروث الثقافي الذي يشكل مرجع الفهم والاستيعاب لدى أبناء اللغة العربية، وتختص بجماعة محدودة من المتمدرسين، وهي عند أغلبها سميكة لا تمكن المستخدم من استعمالها وسيلة طيعة للإبداع، لأنها حاجز أمام الأفكار والمفاهيم، والمحصلة في النهاية هي عجز اللغة عن أداء وظيفتها كأداة طيعة للتفكيرالإبداعي. ارتفاع نسبة الأمية بين أفراد القوة الديموغرافية الداعمة له ا(422 مليون)، لدرجة قد تصل إلى 60%. افتقادها شيئا فشيئا لرابطتها بالدين الإسلامي، باعتبار أن ثلثي المسلمين اليوم على الأقل لا يعرفونها أصلا. صعوبات ذاتية خاصة بهذه اللغة مثل، إهمالها لكتابة الصوائت وانعدام خدمة معجمية حديثة ذات مصداقية تدعمها، وتعقيد نظامها النحوي، وابتعادها عن لغة التخاطب ونبض الحياة اليومية. وغيابها الكلي أو الجزئي كلغة عمل، في الوزارات المالية والفنية والمؤسسات المصرفية والفنية التابعة لتلك الوزارات في الدول التي تتخذها لغتها الرسمية الوحيدة أو مع غيرها. أن السياسات التربوية والمناهج الدراسية النظرية، انطبعت بهنات كثيرة: عدم عناية المدرس باستخدام اللغة العربية الصحيحة، مع تلاميذه وطلابه، والافتقار إلى أدوات للقياس الموضوعي في تقويم التعليم اللغوي، وقلة استخدام التقنيات الحديثة في تعليمها، والخلط الكبير في درس النحو بين ما هو وظيفي وما هو غير وظيفي ولا ضروري، قدم الطرق المستخدمة في توصيفها، وعدم وضوح طرق تدريس المبتدئين، واضطراب المستوى اللغوي من كتاب منهجي لآخر، وكون دراسة الأدب والنصوص لاتصل التلميذ بنتاج حاضره وتراث ماضيه وصلا يظهر أثره في حياته، وتبقى تحوم حول النص غالبا دون أن تخترق حصنه، وطغيان مضامين الحياة المفارقة على هموم الحاضر والمستقبل في تدريس الأدب، ونقص عدد المعلمين المختصين وانخفاض مستواهم في أغلب مراحل التعليم. وبعد اللغة التي يتعلمها التلاميذ في المدارس عن فصحى العصر، واستبعادها في أغلب الأحيان من درسي العلوم التطبيقية والمهارات العلمية، واعتماد المناهج على التلقين بدل الاستقراء والوصف والاستنباط، التي تعلم كيفية التفكير والروح النقدية. أن الممارسة العملية، رغم شعارات سيادة الدولة ودعاوى الاستقلال وجعل اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة لكافة الدول العربية، والثانية في بعض الدول الأخرى، جعلت اللغة الأجنبية هي المهيمنة على القطاعات الحساسة في الدولة، وخاصة القطاع المالي، وصيرتها مركز الجذب الأول للباحثين عن الوظائف، مما أعطى الصدارة لتعلم اللغة الأجنبية، وجعلها لغة الامتياز، وفرغ اللغة العربية من مضمون كونها لغة رسمية. هذه الهنات إن لم يتم تلافيها، قد تجعل مع الزمن، هامش مقدرة الدارس العربي على تجاوز حاجز اللغة نحو الإبداع، محدودا لدرجة لا تكاد تتعدى اختيار الاندماج الكلي في حضارة لغة أجنبية في بيئتها الأم، وهو اختيار فردي في المقام الأول، يقتضي ممن يقرره الانبتات من بيئته الخاصة(13).

                                    لا مكان للتعددية اللغوية

                                                    -----------------------------

تشير الدلائل إلى أن اللغات المتوقع بقاؤها لن تكون إلا من ضمن لغات الأمم القوية التي تشغل الجزء الشمالي من الكوكب الأرضي في أمريكا وأوروبا والشرق الأدنى والهند والصين، وخاصة منها اللغات العالمية، وفي مقدمتها اللغة الإنجليزية، تليها الفرنسية، ثم اللغات الأربع الباقية: العربية، الأسبانية، الصينية، الروسية بمنازل متقاربة --------------------------------

إن مد العولمة الثقافية الجاري اليوم- حسب ما خلص إليه فريق البحث اللغوي في (جامعة لا فال) الكندية قبل ثلاث سنوات من الآن- سيقلص الكم الهائل الموجود اليوم من اللغات، إلى أقل من نسبة 4% منه، وذلك في ظرف وجيز قد لا يصل إلى قرن واحد من الآن، خاصة وأن أول شروط بقاء اللغة هو أن تكون مكتوبة، وأن اللغات المكتوبة اليوم في العالم لا تتعدى كثيرا مائتي لغة، أي أقل من نسبة 3% من لغات العالم. وتشير الدلائل إلى أن هذه اللغات المتوقع بقاؤها، لن تكون إلا من ضمن لغات الأمم القوية التي تشغل الجزء الشمالي من الكوكب الأرضي، في أمريكا وأوروبا والشرق الأدنى والهند والصين، وخاصة منها اللغات العالمية، وفي مقدمتها اللغة الإنجليزية، تليها الفرنسية، ثم اللغات الأربع الباقية: العربية، الأسبانية، الصينية، الروسية بمنازل متقاربة، إضافة إلى ما يتراوح بين 70-200 لغة دونها في القوة كالبرتغالية والألمانية والإيطالية، ثم اللغات الإسكندنافية، وهي متفاوتة جدا فيما بينها في القوة، أما حوالي6500 لغة، أي أزيد من 96% من لغات العالم، فهي تتآكل باستمرار وتتقهقر أمام غزو اللغات القوية، وخاصة منها اللغة الإنجليزية، التي إذا سارت الأمور على ما هي عليه اليوم، فمن المحتمل جدا، أن تبتلع لوحدها هذا الكم الهائل من اللغات، الواحدة تلو الأخرى، بل وأن تبتلع بعد ذلك، اللغات القوية العالمية، التي قاومت على مدى آلاف السنين(14)، ولعه لن يبقى منها في مواجهة هذه اللغة سنة 2200م غير اللغتين العربية والصينية، كما تقدم، لخصوصية حضارة كل منهما، ورسوخ قدمهما في المقاومة عبر السنين.

ومع هذا التصور المتشائم، حول مستقبل اللغات عموما، فإن الجزم بأن التعددية اللغوية آئلة إلى الزوال لا محالة، غير دقيق، لأن الظاهرة اللغوية ظاهرة اجتماعية بامتياز، والظاهرة الاجتماعية لا تقبل الجبرية، ولا تخضع للحتمية، فهناك جهود كثيرة إقليمية ودولية تسعى إلى تغيير وجهة التيار، والتدخل لإعادة رسم مجراه، للحفاظ على بعض اللغات المهددة بالانقراض(15)، وهو أمر، إذا توفرت النوايا الطيبة، و الإرادة القوية، ورُسِمتْ الخططُ المحكمةُ، ووُفِّرتْ الوسائلُ اللازمةُ، وأُنجِزَ العملُ المرسومُ، يمكن أن يعيد الأمل في الحياة إلى لغات كثيرة، وبالتالي إلى حضارات كثيرة مهددة الآن بالزوال.

وفي رأينا أن اللغة العربية تواجه تحديات كبيرة، ولكنها لم تصل بعد، إلى موقع الخطر بل ما زال اسمها يتأرجح في أي تصنيف للغات العالمية حسب عوامل قوتها بين: الرتبة الثالثة، والثامنة، والحادية عشرة والثانية والعشرين، والثانية والأربعين، في مجموعة اللغات التي تحظى بصفة الرسمية وعددها 83 لغة. وما زالت تتمتع بمستوى من المناعة، لا يحجب أعراضا من الوهن سببها الأساسي هو إهمال أصحابها لها، فهي رغم النواقص المذكورة ما زالت في طليعة اللغات العالمية القوية، وإن كانت لا تقارن بالإنجليزية، ولا حتى بالفرنسية. وحوافز نهوضها متعددة، فالمجتمع العربي تمسك بها، منذ 14 قرنا، وله معها تاريخ طويل في الصمود والمقاومة، ضد كل الحملات القادمة من الشرق والغرب لاجتتثاثها، وما زالت لها دعامة قوية من القرآن الكريم الذي رغم أن حوالي نسبة كبيرة من المسلمين تقرؤه مترجما إلى لغاتها المتعددة، فإنها تظل مشدودة إلى نصه الأصلي في لغة تنزيله، ومعنى ذلك أن أكثر دين معتنقين في العالم(أكثر من مليار نسمة)، يشد عضد هذه اللغة، ومن المستبعد أن تتمكن العولمة من القضاء عليه، وبالتالي من القضاء على اللغة المرتبطة به، رغم أن التحولات التي تصاحب ثورات المعلوماتية لم تعرف البشرية لها مثيلا في السابق، ولكن من الأرجح أنه بشيء من الإرادة والتناغم بين القول والفعل، يمكن التغلب على النواقص، بعد أن يتضح للمعنيين بمستقبل الأمة أن النهوض المعتمد على لغة الغير، غير ممكن، وأن اللغة إحدى المواد الثلاث التي اتفق المختصون في هذا العصر على أنها الأركان التي تقوم عليها نهضة الأمم في العالم الحديث( اللغة، الرياضيات، العلوم)، وأن اللغة من بينها هي الركن المرتبط بالنسيج الاجتماعي، الذي لا يمكن غرسه في غير منبته، وأنها الوسيلة الأولى للخلق والإبداع، فإذا كانت الأمة عاجزة لغويا، فهي عقيمة فكريا، والعلاقة متعدية، فالعقم الفكري هو الذي أدى إلى العجز اللغوي، وعليه فإذا أرادت الأمة النهوض، فلابد أن تستنفر كافة القوى لمواجهة هذا العقم اللغوي-الفكري الذي لا تخفى أعراضه في أي من مناحي الحياة عند أبناء لغة الضاد، لاكتشاف العلاج، ما دام البديل عنها معدوما، وما دام أهلها متشبثين بخصوصيتهم الدينية والقومية، وصحيح أن المهمة عسيرة في هذا الزمن الذي تطلب العولمة فيه من الأمم المتقدمة تكنولوجيا، أن تتخلى صاغرة عن جلدها وتتقمص نموذج العولمة المادي والسلوكي والرمزي، على نحو ما صاغه عالَم المال والأعمال في أمريكا الشمالية، خلال القرنين الماضيين.

ظلم ذوي القربى

                                      ------------------------

يعتبر انشء العربي اللغة العربية ضيفا ثقيلا، يستنفد وقته وجهده في دراستها ثم لا تفيده شيئا في الترقي إلى المراكز المهمة التي يطمح إليها، وذلك ما سيزيد من شللها وتهميشها، وجعلها عقيمة، لا إبداع فيها، ولا فكر ولا أصالة ----------------------

إن اعتبار اللغة العربية لغة رسمية في دول الجامعة العربية، وفي أكثر من دولة أخرى، هو دعم سياسي لها لا غنى عنه، ولكنه لا يمكن أن يخفي أن لغة التميز التي يحتكر بها المهيمنون على الشأن العام في البلدان العربية امتيازاتهم غير اللغة العربية، وهو ما يفرغ هذا الدعم من مضمونه، ويعطيه نتيجة عكسية، إذ يدفع النشء إلى النفور منها، واعتبارها ضيفا ثقيلا، لأنه يستنفد وقته وجهده في دراستها، ثم لا تفيده شيئا في الترقي إلى المراكز المهمة التي يطمح إليها، وذلك ما سيزيد من شللها وتهميشها، وجعلها عقيمة، لا إبداع فيها، ولا فكر ولا أصالة، وأي شعب يتوقف عن استعمال لغته في الأنشطة الحيوية، ويستعيض عنها بلغة أخرى، فإنه يكون قد دق أول إسفين في نعشها، ومعروف عند المختصين، أن عملية الطرد هذه تمر بأربع مراحل: أولاها مرحلة ازدواجية النخبة: أو استعمال النخبة للغة غير لغة الأغلبية في الأنشطة الرسمية والإنتاجية والعلمية والإعلامية، بحيث يكون من لا يتقنها غير مؤهل للمشاركة في الأنشطة الحيوية، حتى تكون مصدر امتياز النخبة عن العامة، وبالتالي، تكون مصدر حرمان الأغلبية، وثانيتها مرحلة ازدواجية عامة أهل المركز (المدينة)، وذلك عندما يتهافت أهل المدينة على لغة النخبة، حتى يكون لهم الحق في الحصول على نصيب مما تمتاز به النخبة، وبالتالي، يبقى المحيط(الريف) يمثل الفئة المحرومة، لأنه لا نصيب له في سر الامتياز، وثالثتها مرحلة تحول العامة من أهل المحيط إلى اللغة الجديدة، وانحسار الازدواجية في جماعات قليلة هنا وهناك، وأخيرا مرحلة اختفاء اللغة الأصلية جملة؛ ولا أحد يماري في أن رحلة ازدواجية اللغة هذه باتت تكتسح الآن، معاقل اللغة العربية، وأنها لم تعد في مراحلها الأولى، ولكن حياة اللغة كحياة الأمم، تعرف دائما صعودا وهبوطا، إلا أن مرضها يظل قابلا للعلاج، بل إن موتها يختلف عن موت الكائنات البيولوجية، التي لا سبيل لبعث أصحابها قبل يوم الحساب، فهي دائما قابلة للانتشال من براثين الموت، وللانبعاث بعد الموت، بالقرار السياسي المعزز بجهود العلماء وخبرات المختصين، وبالوسائل المادية واللوجستية الضرورية، والشواهد على ذلك متنوعة، فاللغة العبرية بعثت بجهود الباحثين وأصحاب القرار بعد 17 قرنا من موتها وانطماس معالمها، وهي اليوم حية على مستوى الخطاب التداولي والعلمي والأدبي، وأصبحت اللغة الأم لمجتمع لم تكن اللغة الأم لآبائه ولا أجداده.

وخلاصة القول أن تحديات العولمة والزحف الامبريالي للغتها الإنجليزية، قائمة وجدية، ولكنها ليست خاصة باللغة العربية، فكل اللغات القوية في العالم، تعاني منها، ولكنها تتحداها وتواجهها بالقرار السياسي والعمل الجاد الذي تتضافر فيه جهود أصحاب القرار وعلماء اللغة نفسها، ومن الأمثلة البارزة على هذا النشاط الذي تقوم به المنظمة الفرانكفونية.

أما التحدي الأخطر الذي يواجه اللغة العربية اليوم، ولعله يميزها عن غيرها، فهو الاتفاق غير المعلن، وربما غير الواعي، بين واضعي السياسات العامة في كل بلدان اللغة العربية وبين علماء اللغة نفسها، على تهميشها وإضعافها، فواضعو السياسات يؤكدون في قراراتهم تكريسها لغة وحيدة في أغلب بلدانها، ويعملون في ممارساتهم اليومية على تحنيطها وعزلها عن الحياة، وعلماء اللغة يشتكون من تهميش الساسة لها، في الوقت الذي يعززون ذلك التهميش بكسلهم عن خدمتها، وضعف إرادتهم في تطويرها وتحديثها وربطها بالحياة المتجددة، وهو تمالؤ غبي وكسول وضار، ولعله أخطر بكثير من زحف العولمة ومن كل عامل خارجي.

صحيح أن هناك قرارات، ومؤسسات ومراكز بحث وجامعات، عربية وإقليمية، ولكن وجودها فيما يتعلق باللغة، لم يتجاوز الوجود بالقوة إلى مستوى الوجود بالفعل، لأن القرارات بلا تطبيق والمؤسسات بلا فعل، جعجعة بلا طحين، وذر للرماد في العيون.


أستاذ بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا مقر الفجيرة وجامعة نواكشوط

إحالات:

1 - إسماعيل صبري عبد الله: الكوكبة: الرأسمالية العالمية في مرحلة ما بعد الإمبريالية/ المستقبل العربي ع222 آب1998 ص15

2 - مقال لفرانسيس فوكوياما بعنوان نهاية التاريخ، زعم فيه أن الرأسمالية الغربية هي الشكل النهائي، والأمثل للتنظيم الاقتصادي الاجتماعي الذي ترتضيه البشرية، ويتوجب في رأيه عدم تجربة نماذج جديدة للشكل الاقتصادي الاجتماعي لحياة البشرية بعد فشل النظام الاشتراكي، فقد عثرت البشرية عند محطة التنظيم الاقتصادي الاجتماعي المعمول به حاليا في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية على ضالتها المنشودة والفريدة في تاريخ البشرية.

3 - مقال لدانييل بيل: عنوانه نهاية الإيديولوجيا، بشر فيه بتلاشي المد الإيديولوجي.

4 - ريتشارد أوبرين: الاندماج المالي العالمي، نهاية الجغرافيا: يرى الكاتب في هذه الدراسة أنه سيتم عبر الاندماج والتداخل المالي بين أكثرية بلاد العالم المتقدم والنامي، وبواسطة المصارف والبورصات وأسواق النقد المالي ذوبان التخوم الجغرافية، والحدود القائمة بين بلدان العالم، في الشمال والجنوب، وضمور مفهوم السيادة القومية لدول العالم، فتفقد السلطات المالية والنقدية والوطنية سيطرتها الفعلية على آليات السياسة الاقتصادية المحلية وأدواتها في مجتمع ثورة المعلوماتية الكونية والاتصالات السريعة وتسارع حركة التبادل التجاري الذي لا يعرف معنى للحدود الجغرافية.

5 - موت التقدم مقالة لجيمس برنارد ورد ضمن عمل مارشال بيرمان: تجربة الحداثة ترجمه للعربية فاضل جتكر 1993

6 - المرجع نفسه.

7 - د جلال أمين: العولمة والدولة / المستقبل العربي 228/1998ص 35

8 - LECLERC,Jacques »La mort des langues »dans L’aménagement linguistique dans le monde, Québec, TLFQ,Université Laval, 31/12/200139kb. مرجع مذكور

9 - في ندوة عقدت سنة1996 ببلاد الباسك عن السياسات اللسانية، طلب مدير اليونسكو حينذاك فريدريكو مايور من اللجنة الدوليةLinguapax أن تعد تقريرا" يصف ثروتنا (اللغوية) ويشرح المشاكل التي تعاني منها في مختلف مناطق العالم، وحسب موقع w w w.amarauna-languages.com فإنه من المفترض أن يكون التقرير نشر وقد خلال السنة ا2005 ولم نطلع بعد على نصه.

10- 6703 langues sur la terre, redactor Joint-venture Esteve in http / / gardaremlaterra.free.fr/actu/dos8

11 - راجع الخريطة مرفقة.

12 - راجع دراستنا: الظاهرة اللغوية: الأصل والتطور والمستقبل المنشورة من قبل المركز الثقافي الإعلامي بأبو ظبي 2005 ص 43.

13 - راجع مقالنا: اللغة العربية والعولمة الثقافية /مجلة التعليم المعهد التربوي الوطني بنواكشوط العدد34 السنة 28/ 2003 ص 121

14 - المرجع نفسه ص64

15 - في سنة 1981 صدرت توصية بحماية لغات الأقليات من البرلمان الأوروبي وفي سنة1984 تم إنشاء المكتب الأوروبي لحماية اللغات الأقل انتشارا ومقره في دبلن، وفي سنة 1992 صودق على الميثاق الأوروبي المحدد للغات التي تعتبر لغات أقليات تجب حمايتها.

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

عنوان الموضع التالي :-

اللغةُ العربية في مهبِّ العولمة.. مشروع إنهاض

للأستاذ حبيب عبد الرب سروري