Translation

Exchange Rates

יוני 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

النفط في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز

מערכת, 27/4/2011

لعل من المهم التأكيد أن مصادر هذه الورقة متعددة ومتباعدة. وليس من وكدي التحدث بالتفصيل عن هذه المصادر, لأن الحديث عنها يطول ويتشعب. ولكن يهمني حصر أمكنتها, وأما حصرها كلها فيحتاج إلى جهد ووقت طويلين. ثم رأيت أن اعتمد بدرجة كبيرة على كتابين وبحث الأول: كتاب دراسة أهم مصادر تاريخ الجزيرة العربية الحديث والمعاصر. والثاني: King Abdulaziz A Collective Bibliography والثالث: المملكة العربية السعودية وشركة أرامكو: دراسة تاريخية([1]). وما مؤلفوا هذه الأعمال الثلاثة, يعد عمل يشكل معالم الطريق. ومع هذا مازال هناك مصادر كثيرة ومهمة. والحق أن ذكري لمضان تلك المصادر, مما جمعه مؤلفي الكتاب أو صاحب أطروحة الدكتوراه, إنمًا يشير إلى مدى تناثر مصادر من يروم البحث والاستقصاء في تاريخ النفط السعودي. والمأمول أن يصار إلى تأسيس مركز بحثي لتاريخ النفط السعودي وأدبياته, ومصادره ووثائقه. وهذا عرض لمضان مصادر هذه الورقة. وقد تم تصنيفها على فئات حسب مكان حفظها([2]).

أولاً: وثائق وزارة البترول والثورة المعدنية:

يوجد في وزارة البترول والثروة المعدنية ثلاثة أمكنة, كل مكان يضم جمعاً غير يسير من الوثائق. وهذه الأماكن هي: مكتبة الوزارة, وفيها قسم خاص بأرامكو, يحتوي على معظم الوثائق والاتفاقيات, والمراسم والأوامر الملكي, والتقارير المرفوعة من شركة أرامكو إلى حكومة المملكة العربية السعودية. وكانت تلك الوثائق محفوظة في وزارة المالية. وبعد إنشاء وزارة للبترول انتقلت تلك الوثائق إليها. والمكان الثاني هو: الإدارة القانونية بوزارة البترول والثورة المعدنية. وتحتوي هذه الإدارة على معظم الاتفاقيات, والمكاتبات, والقرارات, والحسابات الخاصة بشركة أرامكو. وتعد ملفات الإدارة القانونية أكثر الوثائق تنظيماً وهي في الغالب مرتبة حسب الموضوعات البترولية. والمكان الثالث هو: أرشيف بترومين. وهو أرشيف يحتوي على أغلب الوثائق, والقرارات, والتنظيمات الخاصة بعلاقة المؤسسة العامة للبترول والمعادن بكل من: الحكومة السعودية وشركة أرامكو. كما يحتوي على وثائق بترومين. وهذه الوثائق مرتبة حسب عمل الشركة.

ثانياً: المحفوظات المركزية بوزارة المالية:

كانت وزارة المالية, الوزارة الأم التي خرج من رحمها عدة وزارات. وكانت تشرف على معظم دوائر الدولة ومنها البترول والثروة المعدنية. لذا فإن أغلب القرارات والتنظيمات الخاصة بالشؤون المالية والتنظيمية محفوظة بإدارة المحفوظات المركزية بهذه الوزارة. ومن وثائقها المهمة: الأوامر الملكية, والقرارات الوزارية. كما يوجد بها وثائق الاتفاقيات الرئيسية بين المملكة العربية السعودية وشركة أرامكو.

ثالثاً: مكتبة شركة أرامكو السعودية:

تقع هذه المكتبة في مقر الشركة الرئيس في مدينة الظهران. ويوجد فيها وثائق تحتوي على الاتفاقيات والمكاتبات الأصلية التي تمت بين حكومة المملكة العربية السعودية وشركة أرامكو. وهي وثائق مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية.

رابعاً: وزارة الخارجية السعودية:

يضم قسم الوثائق بوزارة الخارجية كميات كبيرة من الوثائق الوطنية والأجنبية. منها: وثائق تتعلق باتفاقيات المملكة مع شركة أرامكو ابتداءً بالاتفاقية الرئيسة وانتهاءً باتفاقية التملك.

خامساً: دارة الملك عبدالعزيز:

يوجد في قسم الوثائق بدارة الملك عبد العزيز عدد كبير من الوثائق الخاصة بشركة أرامكو. ومعظمها صورة طبق الأصل مما هو موجود في شركة أرامكو, أو في وزارة البترول والثورة المعدنية. كما ويوجد في الدارة وثائق أجنبية صورت عن وثائق الأرشيف الوطني للولايات المتحدة الأمريكية, بواشنطن دي سي, ومريلاند, والوثائق المحفوظة في المكتبات الرئاسية. مثل مكتبات الرؤساء: ترومان, وأيزنهاور, وجون كنيدي, وجونسون. كما يضم القسم مجموعات وثائقية خاصة مصورة من عدد من المراكز الأمريكية, ربما يصل عددها إلى اكثر من 95 ألف وثيقة. وهي وثائق تغطي الفترة من عام 1910-1970م. ويوجد كذلك وثائق مصورة من مكتب السجلات العامة البريطانية, وأرشيف وزارة الهند في لندن, ووثائق من المتحف الحربي, وجامعات بريطانية مثل: درم, وأكسفورد, وكيمبرج, ولندن. وعدد تلك الوثائق حوالي 120 ألف وثيقة.

سادساً: محفوظات معهد الإدارة العامة بالرياض:

يوجد في قسم الوثائق بالمعهد آلاف الوثائق المحلية المتعلقة بالنفط وفرارات أوبك. وأغلبها محفوظة في الحاسب الآلي ومفهرسة بالنوع والدائرة والتاريخ. وهي تغطي الفترة من 1350-1399هـ.

سابعاً: الأرشيف الوطني للولايات المتحدة الأمريكية The National Archives of the United States of America:

وثائق الأرشيف الوطني للولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن العاصمة The National Archives of the United States of America التي تخص المجالات البترولية وشركة أرامكو والعلاقات القائمة بين المملكة العربية السعودية وشركة أرامكو. ويغطي الفترة الزمنية 1906-1968م ثم بعد الفترة الزمنية المسموح بها.

ثامناً: مكتب السجلات العامة بلندن Public Record Office:

الوثائق البريطانية المتعلقة بالنفط السعودي محفوظة في مكتب السجلات البريطانية Public Record Office (P.R.O) وهي وثائق تندرج تحت مجموعة أكبر تعرف بمجموعة وزارة الخارجية البريطانية (F.O) Foreign Office وأيضا وثائق تحت مسمى وزارة الهند India Office الذي تغيَر اسمه إلى Foreign and Commonwealth Relation Office وسجلات المملكة تغطي الفترة 1820-1960م.

تاسعًا: المؤلفات العربية الأجنبية:

تتميًز المؤلفات العربية الأجنبية التي تتناول موضوع النفط السعودي بكثرتها وتنوعها. ويرد فيها معلومات لا نجدها في الوثائق قيد البحث. كما أن عدداً من مؤلفي تلك الكتب كانوا شاهد عيان أو عاصروا قصة النفط السعودي, وبعضهم عمل في مناصب نفطية, وسياسية مهمة في المملكة العربية السعودية أو في شركة أرامكو.

عاشرًا: الرسائل الجامعية ومواقع الإنترنت:

عدة رسائل كتبت باللغات العربية والأجنبية مثل: العلاقات الإقتصادية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وآثارها 1933-1933م. المملكة العربية السعودية وشركة أرامكو: دراسة تاريخية. دور أرامكو في تنمية المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. وأخيرا هناك عدة مواقع عن النفط ومدن النفط في المملكة. يحسن الإطلاع على محرك جوجل للوصل إلى عناوينها.

أحدى عشر: المجلات:

للصحف والمجلات أهمية خاصة بهذا البحث. وخاصة جريدة أم القرى الرسمية وهي صحيفة أسبوعية صدر أول عدد منها يوم الجمعة 15/5/1343هـ الموافق 12/12/1942م ولا زالت تصدر حتى اليوم. وتكمن أهميتها علاوة على أنها الجريدة الرسمية الوحيدة من أنها واكبت بدايات اتفاقيات البترول في المملكة والأحداث البترولية لها إن جميع الاتفاقيات والبيانات والبلاغات الرسمية والأوامر والمراسيم الملكية الخاصة بالبترول وغيرها من أجهزة الدولة الأخرى تصدر في هذه الجريدة وكانت جريدة أم القرى تمثل صوت الدولة الرسمي, لذا فإن ما ينشر فيها مفيد للمؤرخ.

وتأتي مجلة قافلة الزيت, التي تصدرها شركة أرامكو, بعد أم القرى من حيث الأهمية. وهي مجلة شهرية تصدر عن شركة الزيت العربية الأمريكية بالظهران صدر أول عدد منها في سنة 1373هـ 1953م نشرت سلسلة من المقالات عن التنقيب والحفر, وعن أعمال التكرير والتصدير وغيرها. ثم هناك مجلات أخرى سعودية وعربية

نبذة تاريخية عن الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود:

استطيع أن أقول مطمئناً أن تاريخ الملك سعود لم يكتب بعد بالصورة الشاملة. وهذه حقيقة ظاهرة للعيان. ولد الملك سعود بن عبدالعزيز بمدينة الكويت في اليوم الثالث من شهر شوال عام 1319هـ المصادف للثاني عشر من شهر يناير عام 1902م وتلقى مبادئ القراءة والعلوم الدينية على يد عدد من علماء نجد وتدرب في مدرسة والده الملك عبد العزيز. وفي 16/ محرم/ 1352هـ الموافق 1933م بويع بولاية العهد التي استمرت عشرين عاماً ، حيث بدأ يشارك في الإشراف على تنفيذ سياسة والده. ويضطلع بأعباء المسؤولية العسكرية والسياسية. فقد قاد الجيش السعودي في حرب اليمن, وزيارات متكرر لبعض الدول الأوروبية وأمريكا وبعض البلاد العربية كالعراق وسورية ومصر وفلسطين وشرق الأردن وأمارات الخليج. كما حضر الملك سعود مؤتمر أشناص سنة 1366هـ/ 1946م.

توفى الملك عبد العزيز - رحمه الله - في مدينة الطائف صباح يوم الاثنين 2 من ربيع الأول عام 1373هـ/ 9 نوفمبر 1953م وتمت مبايعة الملك سعود في اليوم نفسه. وتولى الحكم في المملكة العربية السعودية. وقد تم في عهده عدد من الإصلاحات الداخلية والمشروعات العمرانية ونورد نماذج مقتضبة لبعض مظاهر المنجزات الكبيرة أهمها:

1- إنشاء مجلس الوزراء وإسناد رئاسته إلى الأمير " فيصل " وقد عقد أول جلسة له في الرياض يوم الأحد 2 رجب عام 1373هـ / 7 مارس 1954م.

2- إنشاء ديوان المظالم.

3- استحداثه للعديد من الوزارات مثل وزارة المعارف والزراعة والتجارة والمواصلات.

4- النهضة التعليمية: فقد تم تحويل مديرية المعارف إلى وزارة المعارف وعين صاحب السمو الملكي الأمير "فهد" وزيراً للمعارف ، وقفز التعليم قفزات هائلة من حيث الكم والكيف.

5- إنشاء أول جامعة في المملكة: جامعة الملك سعود.

6- إنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة1961م.

7- تأسيس كلية الملك عبد العزيز الحربية بالرياض.

8- إنشاء المحجر الصحي الكبير بجدة.

9- النهضة العمرانية: وهي من أوسع النهضات وأبرزها ، فالمشروعات كثيرة وأهمها: توسعة المسجد النبوي الذي اعتمد مشروعها في عهد الملك عبد العزيز ، ثم توسعة المسجد الحرام. تخطيط مدينة الرياض, وإنشاء سد وادي لبن في منتصف سنة 1956م.

وفي عام 1377هـ / 1958م تعرضت البلاد لأزمة مالية وإدارية بسبب الظروف في المنطقة العربية, فقرر الملك سعود في رمضان 1377هـ / مارس 1958م منح صاحب السمو الملكي الأمير " فيصل " ولى العهد ورئيس مجلس الوزراء ، سلطات واسعة لرسم سياسة الدولة الداخلية والخارجية والمالية والإشراف على تنفيذها. وإعادة النظر في نظام مجلس الوزراء وتعديل ما يجب تعديله من الأنظمة القائمة.

ثم صدر أمر ملكي برقم 42 وتاريخ 9 شوال عام 1381هـ / 17 مارس 1962م أصبح بمقتضاه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل نائباً عن جلالة الملك في جميع شؤون الدولة. وفي عام 1384هـ / 1964م اعتلت صحة جلالة الملك سعود كثيراً ، فقرر السفر إلى الخارج للعلاج والبقاء هناك ، فأرسل إلى أخيه في اليوم الثاني من رمضان عام 1384هـ الموافق 5 يناير 1965 يعلن فيه تنازله عن الحكم لأخيه "فيصل" ويبايعه ملكاً على البلاد. وفي شهر ذي الحجة عام 1388هـ الموافق 24/ فبراير/ 1969م توفى الملك سعود بن عبد العزيز في أثينا عاصمة اليونان ، ونقل جثمانه إلى مكة المكرمة حيث صلى عليه في المسجد الحرام ثم نقل في الحال إلى الرياض فدفن فيها([3]).

النفط في عهد الملك عبد العزيز:

من نافلة القول أن النفط في عهد الملك سعود يسبقه حديث عن النفط في عهد الملك عبد العزيز. لقد أدرك الملك عبد العزيز في وقت مبكر من تاريخ تأسيس الدولة السعودية الحديثة, أهمية وجود مصدر اقتصادي من أجل تكريس الوحدة السياسية, والمحافظة على الأمن المحلي, وتهيئة الظروف المناسبة للاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد السعودية المترامية الأطراف, خصوصاً أن اقتصاد المملكة آنذاك كان يعتمد في المقام الأول على الزراعة التقليدية المحدودة في المناطق الخصبة وعلى تربية الماشية, وعلى ما تدره رسوم الحج والعمرة. وهي مصادر لا يمكن التعويل عليها كثيراً لسببين: الأول التوسع في الخدمات العامة وبناء الجيش السعودي والبنية التحتية. والثاني الزيادة المضطردة في عدد السكان([4]).

وكانت الثروة المعدنية في أولويات أجندة الملك عبد العزيز من أجل البحث عن مصدر اقتصادي ثري, من هنا برز النفط وصناعته كخيار اقتصادي, بل واستراتيجي واعد. وقد تمت المحاولة الأولى من أجل البحث عن النفط في عام 1342هـ / 1923م وهي المحاولة التي قامت بها المملكة لاستثمار المعادن. حيث تم منح أحد ممثلي النقابة الشرقية العامـةEastern and General Syndicate Limited امتياز التنقيب عن البترول في مناطق شرق المملكة العربية السعودية. وقد عجزت شركة النقابة الشرقية العامة عن تنفيذ مهمتها واستمرارها, ورغم ذلك لم تتوقف المملكة عن المحاولة, خصوصا وأن البترول قد تم استخراجه في الجهة المقابلة من الخليج في البحرين([5]).

الجدير بالذكر أن زيادة إنتاج البترول في البحرين عام 1351هـ / 1932م شجع شركات البترول الأجنبية للاتصال بالملك عبد العزيز وعرض مسألة التنقيب عن البترول في الأراضي السعودية. وهو أمر لم يكن غائباً عن القيادة السياسية للمملكة. لكن فشل الميجور فرانك هولمز وشركته الإنجليزية إيسترن سينديكيت Eastern and General Syndicate Limited في الأعوام 1923 -1924م و1925م التي أشرنا إليها, جعلت الملك عبد العزيز يتأني في منح امتياز جديد, إلا بعد دراسة موسعة([6]).

بعد الدراسة المتأنية ولمدة ثلاثة أشهر, للعروض المقدمة من الشركات البترولية المتنافسة قررت المملكة منح الامتياز لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا الأمريكية Standard Oil of California المعروفة بالمختصر (سوكال) للتنقيب عن البترول في البلاد السعودية واستخراجه. وقد وقع اتفاقية الامتياز في جدة وزير المالية في المملكة العربية السعودية عبد الله السليمان الحمدان والمحامي لويد هاملتون L. Hamilton نيابة عن الشركة وذلك في 5 صفر 1352 هـ / 29مايو 1933 م في قصر خزام بجدة([7]).

وبعد مضي عدة أشهر من مزاولة شركة (سوكال) لحق الامتياز, كونت شركة أخرى لاستثمار هذا الامتياز عرفت باسم شركة كاليفورنيا أريبيان ستاندرد أويل كومباني California Arabian Standard Oil Company ( كاسوك CASOC ) وفي عام 1364هـ / 1944م وبعد اندماج عدة شركات تغير اسم كاسوك إلى شركة الزيت العربية الأمريكية أرامكـو (Arabian American Oil Company ARAMCO) ([8]).

وبدأ الملك عبد العزيز يرى بأم عينيه نتائج ملموسة من نفط بلاده مع أول شحنة تصدير من النفط السعودي الخام في يوم 11 ربيع الأول عام 1358هـ / الأول من مايو 1939م عندما أدار صمام التحميل على ظهر الناقلة دي جي سكوفيلد D.G. Scfield من ميناء رأس تنورة, مدشناً بذلك أول شحنة من النفط السعودي إلى الأسواق العالمية([9]).

ونحن نبحث في أدبيات تاريخ النفط في البلاد السعودية, لابد من التوقف عند أول باحث غربي كتب بالتفصيل عن تاريخ النفط في عهد الملك عبد العزيز, ذلك هو السيد سنت جون فيلبي St. John philby المعروف بالحاج عبدالله فيلبي في كتابه "مغامرات النفط العربي" وهو يشير بصراحة إلى مدى اتساع التطورات السياسة النفطية بداية من عقد الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي, حيث حفلت تلك الفترة بتسارع عروض شركات النفط العالمية العاملة في منطقة الخليج آنذاك (البحرين والعراق وإيران) بالبحث عن طرق تقديم عروضها من أجل البحث والتنقيب في الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية. وهي الواقعة على ساحل الخليج الغربي باعتبار مماثلة هذه المنطقة لما يجاورها في البحرين وغيرها من الناحية الجيولوجية والطبوغرافية. وبالتالي فإن إمكانية الحصول فيها على النفط بكميات تجارية هي احتمال كبير ومشجع على المغامرة والاستحواذ على امتياز البحث والتنقيب.

ويعزو فيلبي سبب منح شركة كاليفورنيا أربيان ستاندرد أويل كومباني California Arabian Standard Oil Company ( كاسوك CASOC ) امتياز التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية من المملكة, راجع إلى الضائقة المالية التي مرت بها المملكة في تلك الفترة. وهو تحليل منطقي, ذلك أن عقد أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي كانت فترة كساد عالمي شامل. لكن هذا السبب ليس هو الوحيد الذي عجل بتوقيع الحكومة السعودية عقد الامتياز مع شركة كاليفورنيا أربيان ستاندرد أويل كومباني California Arabian Standard Oil Company (كاسوك CASOC)([10]) .

هناك بالطبع عدة أسباب منها رغبة الملك عبد العزيز في إسناد مهمة التنقيب إلى شركة قوية وغنية وذات مصداقية, وقد وجد في شركة كاليفورنيا أربيان ستاندرد أويل كومباني California Arabian Standard Oil Company (كاسوك CASOC) ضالته. وسبب آخر هو أن الملك عبد العزيز يمر في مرحلة تأسيس وحدة سياسية غير مسبوقة في تاريخ العرب المعاصر, ومن أولوياته المحافظة بقوة على تلك الوحدة, وهو لم يرغب في تطويل مدة البحث أو المفاوضات خشية أن يؤثر وضع المملكة الاقتصادي المتدني علي بنية الوحدة الداخلية, كما أنه لم يرغب أيضا في الدخول في منافسات غير شريفة تقودها بعض شركات النفط الأمريكية والأوروبية([11]).

ومع هذا لابد من القول أنه نتيجة للتغيرات التي شهدتها صناعة البترول في الدول النامية, ومنها المملكة العربية السعودية, التي سعت جاهدة لاستكمال استقلالها الاقتصادي بعد إنجاز وحدتها السياسية. اختارت حكومة المملكة العربية السعودية مبدأ المشاركة, الذي جعلته الهدف المستقبلي, أقول جعلته مدخلاً جديداً في الاستثمارات البترولية, مستفيدة من مفهوم العلاقات بين الشركات البترول والدول المنتجة للبترول. ووفقاً لهذه السياسة فقد حصلت حكومة المملكة بعد محادثات مضنية على اتفاقية مناصفة الأرباح مع شركة أرامكو عام 1370هـ الموافق 1950م([12]).

النفط في عهد الملك سعود: استمرار لا انقطاع:

اتسم عهد الملك سعود منذ تقلده مهامه الرسمية بعد وفاة والده المؤسس: الملك عبدالعزيز, رحمهما الله, أقول اتسم بسمتين طالت معظم مناحي الإدارة والسياسة والاقتصاد, وخصوصا صناعة النفط. السمة الأولى: استمرار التوجه على ما كان عليه الأمر في فترة الملك عبدالعزيز. فلم يكن عصر الملك سعود عصر انقطاع, بل عصر استمرار. وبهذا التوجه السليم حافظ الملك سعود على كل المكتسبات السابقة. والسمة الثانية هي: مواصلة البناء فوق البناء السامق السابق, ولكن بروح جديدة, وتطلعات جديدة. ذلك أن الزمن تغير, والظروف تغيرت.

شهدت صناعة النفط قفزات كبيرة في عهد الملك سعود, واكبتها تحديات أكبر لم تكن قائمة في عهد سلفه. تلك التحديات جعلت من الملك سعود وحكوماته المتعددة تتجاوب مع المعطيات الجديدة. وبالتالي نجد أن حكومة المملكة السعودية تقترح أو تؤسس إدارات جديدة تصب في مصلحة النفط. ولعل إعادة النظر في الاتفاقيات النفطية السابقة أكبر دليل على مدى الهمة العالية, التي تمتعت بها حكومة الملك سعود. لقد تم تعديل عشرات الاتفاقيات لتصب في صالح الدولة, وصالح الوطن, وصالح المواطن.

ويستطيع المرء أن يقول أن ما تم تحقيقه, أو ما تم مناقشته, ولم يتحقق في عهد الملك سعود, والمتعلق بموضوع النفط. أضحتا القاعد الصلبة التي انطلق منها من أتى بعده من ملوك هذه البلاد. وأدى ذلك في النهاية إلى تملك الدولة السعودية أكبر شركة بترول في العالم, دون المرور بتجارب التأميم المريرة, التي عرفها العالم آنذاك.

في عام 1370هـ / 1950م حصلت المملكة بعد مباحثات جادة على اتفاقية مناصفة الأرباح مع شركة أرامكو تحت مظلة الاتفاقية الرئيسة. وهكذا لم يعد دخل المملكة رهناً بما تنتجه شركة أرامكو من براميل البترول. ولكن بما تحققه الشركة من أرباح. وفي عام 1393هـ / 1973م واستثماراً للمتغيرات الدولية آنذاك, أصبحت المملكة شريكاً في كل عمليات أرامكو وموجوداتها بنسبة 25% وفي العام التالي 1394هـ /1974م, ومع بداية الطفرة البترولي, ارتفعت حصة المملكة إلى 60 % وأخذت هذه الحصة في الزيادة حتى أصبحت عام 1401هـ / 1980م 100% واستمرت أرامكو في تشغيل حقول البترول وإدارتها نيابة عن الحكومة حتى عام 1409هـ / 1988م عندما تم تأسيس شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية ) بموجب مرسوم ملكي لتتولى جميع المهمات الإنتاجية الإدارية والتشغيلية والتسويقية التي كانت تضطلع بها أرامكو الأمريكية([13]).

ولتبيًن دور الملك سعود في ميدان, النفط نختم بهذه الشهادة التي سجلها وزير لنفط السعودي عبد الله الطريقي. كتب في مجلة أخبار البترول والمعادن ما نصه: عاصر جلالة الملك سعود نشاط البترول والمعادن من أوله. وكان دائما وأبدا مشجعا على التوسع في استغلال الثروة البترولية والمعدنية. وهو الذي أمر بتوقيع الاتفاقية اليابانية, التي هي أحسن ما أمكن الحصول عليه حتى الآن في الشرق الأوسط. بل هي من أحسن الاتفاقيات في العالم.حيث أعطت الحكومة الإشراف المباشر على الإنتاج وتحديد الأسعار. كما دخلت الحكومة شريكة من البئر إلى السيارة. وقد حطمت تلك الاتفاقية قاعدة الـ 50% (مبدأ المناصفة في الأرباح) وجعلت نصيب الحكومة 56%, وأزاحت ما يعتبر غبن وتقييدات لسلطة الحكومة([14]).

الملك سعود وشركة أرامكو:

ألممنا بشيء عن العلاقة بين حكومة الملك سعود وشركة أرامكو. والواقع أن البحث في هذه المسألة يكتنفه صعوبات جمة. فهي علاقة طويلة امتدت عشر سنوات. وهي علاقة استمرار, لذا لابد من التعويل على تاريخ الشركة مع سلفه, بل مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. وسبب ذلك التعويل أننا نؤمن بأن سياسة الملك سعود النفطية هي سياسة قامت منذ اليوم الأول على توليه الحكم, أقول قامت على التواصل مع البناء الذي تم في عهد والده, ومن ثم مواصلة البناء. لقد وضح هذا المنحى أكثر ما يتضح في مسائل النفط. ومن هنا توصلنا إلى نتيجة أسميناها: (سياسة تواصل لا انقطاع).

إن سياسة أي شركة بترول أمريكية, وأرامكو ليست استثناء, لا تبتعد كثيراً عن السياسة العامة للولايات المتحدة الأمريكية. ومن الخلط الاعتقاد أن نشأة العلاقات السعودية الأمريكية بدأت بتوقيع اتفاقية البترول بين المملكة وشركة ستاندرد أوبل أوف كاليفورنيا 1933م. هذا المنحي يبتسر التاريخ الطويل. ذلك أن توقيع اتفاقية امتياز النفط مع وشركة ستاندرد أوبل أوف كاليفورنيا جاء متأخرا عن بدء الاتصالات الدبلوماسية بين الدولتين. وهي اتصالات تمتد جذورها إلى عهد مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها, حين أرسل القائم بعمل مدير الشؤون الخارجية بمكة في مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها فؤاد حمزة رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكية عن طريق المفوض الأمريكي في القاهرة يطلب فيها اعتراف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها, في أعقاب دخول الملك عبد العزيز الحجاز, على أثر تنازل الملك علي بن الحسين عن الحكم, في جدة في جمادي الأول 1344هـ / 14 سبتمبر 1925م وقد تمخضت هذه الاتصالات عن توقيع الاتفاقية بين الدولتين شملت التمثيل الدبلوماسي والقنصلي وكذلك التجارة والملاحة([15]).

ازدادت العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية بعد توقيع اتفاقية التنقيب عن البترول بين المملكة وشركة ستاندرد أوبل وف أف كاليفورنيا عام 1933م وقد أشار ولاس موري Wallace Murry, رئيس قسم شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية, إلى هذا المعنى في رسالة بعثها إلى المستر كارل تويتشل K. S. Tiwtchell, كما أن المسئولين في الشركة بذلوا جهداً مميزاً في توطيد علاقتهم بالملك عبدالعزيز آل سعود وبالمسئولين السعوديين. وذلك بغية تسهيل اتصالاتهم به, وتسيير أمور الشركة فقام مسئولو الشركة بإرسال موظفيهم لمقابلة الملك عبد العزيز أو بدعوته لزيارة مرافق الشركة([16]).

وفي هذا السياق قام ويليام لينهان William Linhan ممثل الشركة بجدة بزيارة الملك عبد العزيز في الرياض في 14 جمادى الثانية 1353هـ/ 23 سبتمبر 1943م. وقد أبلغ ويليام لينهان الملك عبد العزيز بأن معدات الحفر في طريقها إلى الظهران لمباشرة حفر بئر الدمام رقم (1). وفي 23 شوال عام 1353هـ / 8 يناير 1953م رتبت الشركة لهاملتون زيارة للملك عبد العزيز وقد رافقه في هذه الزيارة الجيولوجي روبرت ميللر Robert Miller وقد أبدى الملك عبد العزيز عند مقابلة هاملتون Hamilton وميللر Miller ارتياحه لأعمال الشركة وأنشطتها في المجالات البترولية.

كما أن الشركة استغلت زيارة الملك عبد العزيز لمدينة الهفوف فرتب فريد ديفيس Fred Davies رئيس مجلس إدارة الشركة زيارة للملك وتم تحديد يوم 13شوال 1354هـ / 7 يناير 1936م موعداً للقيام بتلك الزيارة. حيث ترأس فريد ديفيس وفد يضم بعض موظفي الشركة إلى الهفوف, وقابلوا الملك فيها. وقد ركز الملك عبد العزيز في حديثه على مسائل التنقيب عن البترول وتطوير أعمال الشركة. وفي اليوم التالي قام فريد ديفيس بعرض مختصر لأنشطة الشركة. وقد أبدى الملك عبد العزيز سروره بتقدم العمل في الشركة, وأعلن عن رغبته في زيارة المنشأة البترولية وتفقد العمل فيها. وهنا قام فريد ديفيس بدعوة الملك لزيارة مقر الشركة بالظهران طالما أنه موجود في الهفوف وقد قبل الملك عبد العزيز الدعوة على أن تتم عند قيامه بزيارة المنطقة مرة أخرى في المستقبل([17]).

ومن خلال تتبع سير العلاقة بين المملكة والشركة في الفترة بين 1933م – 1993م نجد أن العلاقة بينهما كانت علاقة تتسم بالتفاهم والتعاون. خصوصاً أن الشركة أوفت بالتزاماتها من خلال تنفيذها لبنود الامتياز العربي السعودي. مثال ذلك: فقد دفعت الشركة للمملكة قرضاً مبدئيا قدره (30000) جنيه إنجليزي كما دفعت مبلغ (500) جنيه إنجليزي إيجاراً سنوياً. ودفعت كذلك مبلغ (50000) جنيه إنجليزي سلفه, بعد اكتشاف البترول بكميات تجارية في 22 شعبان 1357 هـ الموافق 16 أ أكتوبر 1938م وبإعلان الشركة عن اكتشافها تكون قد أنجزت جميع تعهداتها المتفق عليها. ومما يؤكد قوة العلاقة بين المملكة وشركة أرامكو هو توقيع اتفاقية الامتياز الملحقة بين الطرفين في 12 ربيع الثاني 1358هـ الموافق 31 مايو 1939م والتي تنص على إضافة بعض الأماكن وتوسيع منطقة الامتياز.

انسجاماً مع سير العلاقة الإيجابية بين المملكة والشركة حافظت الشركة على مبدأ توظيف السعوديين في الشركة قناعة منها بأن توظيف السعوديين يحتل جانباً اجتماعياً مهماً بالنسبة لحكومة المملكة وشعبها ، على الرغم من أن تشغيل السعوديين في الشركة هو حق نصت عليه المادة الثالثة والعشرون من اتفاقية الامتياز العربي السعودي التي نصت على أن تستخدم الشركة على قدر الاستطاعة والإمكان رعايا الحكومة العربية السعودية وطالما كان بإمكان الشركة إيجاد موظفين لائقين من رعايا الحكومة العربية السعودية فإنها لا تستخدم رعايا أي حكومات أخرى.

وبالرجوع إلى إحصائيات الموظفين السعوديين العاملين في الشركة في الفترة بين 1938 – 1950م نجد عدد الموظفين السعوديين كان قليلاً نسبياً في فترة الحرب العالمية الثانية نظراً لانخفاض أعمال الشركة وقد ازداد عدد الموظفين السعوديين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ازدياداً ملحوظاً بسبب الطاقة الإنتاجية للشركة حيث أن من ضمن برامج الشركة المساعدة في تنمية الصناعة والمشروعات المحلية. ولم يقتصر دور الشركة على توظيف السعوديين وإنما تعدى ذلك إلى تعلمهم وتدريبهم على المهن والصناعات البترولية كما استحدثت مدارس تعلم أبناء الموظفين السعوديين وغيرهم وقد شملت الشركة الموظفين بالرعاية أعالطبية كما وظفت عدداً من السعوديين والسعوديات في وظائف التمريض وغيرها([18]).

وكانت حكومة الملك سعود تسعى جاهدة لتجنب تجارب راديكالية مع شركة ترتبط معها باتفاقيات واضحة. من هنا بدأت فكرة مشاركة الشركة في كل الأعمال والأرباح([19]). ولعل فكرة المشاركة طرحت أول ما طرحت في عام 1383هـ / 1963م. فقد عرضت الحكومة السعودية على شركة أرامكو دخول المؤسسة الوطنية الخاصة بالبترول بترومين, وهي مؤسسة سعودية أنشئت لهذا الغرض وغيره, معها شريكاً في عمليات البترول, إلا أن المسئولين في أرامكو رفضوا العرض جملة وتفصيلا. ومع هذا لم تيأس حكومة الملك سعود. لم تتوقف على الإطلاق([20]).

وقد أتت خطط حكومة الملك سعود وطموحه أكلها في عهد خلفه الملك فيصل, الذي عدً موضوع مشاركة شركة أرامكو في سلم أولويات حكومته, مواصلاً ما تم إنجازه في عهد سلفه. ولم تقف مسالة احترام الاتفاقيات البترولية الموقعة مع شركة أرامكو, حكومة الملك فيصل من المطالبة بتعديل تلك الاتفاقيات كلما استجدت ظروف محلية أو إقليمية. وهو حق لا تنطح فيه عنزان([21]).

وتاريخ النفط يحكي بصدق وأمانة أن فكرة مشاركة الشركات النفطية هي فكرة سعودية صرفة. تلك الفكرة التي تبنتها فيما بعد الدول الخليجية المعتدلة كالكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين, ثم تبنتها الأوبك بعد ذلك, بينما دول بترولية أخرى تبنت مبدأ التأميم([22]).

والسؤال الكبير الذي يفرض نفسه في هذا السياق التاريخي هو: كيف أعدت وهيأت حكومة الملك سعود نفسها لتفعيل مبدأ المشاركة؟ وإجابة هذا السؤال المشروع لابد أن نعرف أن تخفيض سعر البترول السعودي المعلن مرتين متتاليتين في عامي 1379 و1380 / 1959 و1960م دون إذن من الحكومة السعودية, أدى إلى اتخاذ حكومة الملك سعود إجراءات فاعلة من أجل مبدأ المشاركة. وحيث أن مبدأ المشاركة لا يقتصر على شركة أرامكو, فقد وجه الملك سعود بإبرام اتفاقيات مشابهة مع: شركة جيتي للزيت في المنطقة المحايدة مع دولة الكويت, والشركة اليابانية المحدودة في منطقة الخفجي, وشركة التابلاين([23]). وقد اتجهت حكومة الملك سعود في هذه المرحلة من المباحثات مع شركات النفط العاملة في المملكة إلى المحافظة على المكتسبات السياسية والاقتصادية التي تحصلت لها في الميادين الداخلية والإقليمية والدولية. ولا ننسى الخبرة التراكمية التي توفرت للمملكة. من هنا نستطيع أن نلمس الإستراتيجية الجديدة التي تبنتها حكومة الملك سعود بخصوص النفط السعودي.

وهذه الإستراتيجية وضعت لها أهداف تسعى لتحقيقها وهي: تحقيق دخول مالية مرتفعة, وذلك عن طريق إعادة النظر في الطرق المحاسبية, والمشاركة في السعر المحقق من بداية الإنتاج حتى وصوله للمستهلك. والهدف الثاني بذل المزيد من الضغط لتصبح أرامكو شريكا في فلسفة النفط السعودي, وهي فلسفة تقوم على أن مصلحة بلد الإنتاج مقدم على مصلحة الشركة المنتجة. ولتفعيل هذه الفلسفة فقد بدأت حكومة الملك سعود مطالبة شركات النفط العاملة لديها بالمشاركة في رأسمال الشركة. أو ما يطلق عليه المشاركة في الامتياز البترولي الممنوح. وهو اصطلاح يدعوه المختصون في الاقتصاد باتفاق المشاركة partnership Agreement ([24]).

والهدف الثالث هو السعي الجاد لسعودة العمل في ميدان النفط, وما يتبعه من تدريب وإبتعاث وتوظيف المواطنين السعوديين([25]). لكن الأجراء الأكبر الذي تبنته حكومة الملك سعود هو إعادة النظر بصورة واسعة في الاتفاقيات المبرمة مع الشركات العالمية, وتجديدها بما يتناسب مع التطورات الراهنة. مثال ذلك تجديد بنود الاتفاقيات مع أرامكو في عام 1961م حيث تم اعتماد أسلوب جديد للمحاسبة الضرائبية. واتضح أخيرا أن قبول شركة أرامكو لفكرة حق المشاركة, يعني أشياء كثيرة منها: ضرورة إعادة النظر في بنود اتفاقيات الامتياز التي وقعتها الحكومة السعودية مع أرامكو. وهو ما كانت تسعى إليه حكومة الملك سعود. وهو المقدمة الأولى للهدف النهائي المتمثل في تملك المملكة لشركة أرامكو برمتها([26]).

الملك سعود وشركة التابلاين:

شهدت حقبة حكم الملك سعود مفاوضات مضنية مع شركة أرامكو من أجل التوصل إلى اتفاقية بشأن إشهار شركة التابلاين والمشاركة في الأرباح. والحق أن تأسيس شركة خط التابلاين قد رفع من دخل المملكة, وذلك بسبب زيادة إنتاج النفط. وبعد مد التابلاين من مواقع الإنتاج في المنطقة الشرقية إلى ميناء الزهراني بلبنان, شعرت حكومة الملك سعود أن العدالة غير محققة بين الطرفين, للأرباح التي حققتها شركة أرامكو مقارنة بالأرباح التي كانت من نصيب الحكومة السعودية. لذا دخلت حكومة الملك سعود مع شركة أرامكو في مفاوضات طويلة بشأن الأرباح التي تحقها من جراء نقل النفط عير خط التابلاين([27]).

وقد استمرت المفاوضات بين الحكومة السعودية وشركتي أرامكو والتابلاين حول قضية مناصفة أرباح التابلاين سبع سنين من عام 1376 – 1383هـ / 1956 – 1963م وقد وجهت المملكة خلال ذلك طلباً خطياًَ إلى الشركة بدفع 103 ملايين دولار لخزينة الدولة على أساس أن هذا المبلغ هو نصيبها من مناصفة الأرباح منذ مد خط التابلاين حتى تاريخ هذا الطلب وهو عام 1377هـ / 1957م. وقد اعترضت شركة أرامكو على هذا الأمر وطلبت تطبيق مبدأ التحكيم لحل هذه القضية. وفقاًَ لنصوص اتفاقية الامتياز الأصلية فوافقت حكومة المملكة على ذلك. وهكذا تمت إجراءات التحكيم في الشهر الأخير من عام 1377هـ / 1957م ثم أوقفت بعد ذلك بسبب قناعة الحكومة السعودية "بأن التحكيم على مدى تطبيق الأنظمة السعودية أمر يمس سيادة الدولة نفسها".

وأخيراً قررت كل من الحكومة السعودية وشركة أرامكو أن تحل هذه المشكلة عن طريق مزيد من المفاوضات والمباحثات التي استمرت بين الطرفين حتى عام 1382هـ / 1963م عندما أقرت شركة أرامكو بحق المملكة العربية السعودية في مناصفة أرباح التابلاين, بموجب اتفاقية وافقت عليها شركة أرامكو تنص على " أن ترفع شركة أرامكو سعرها لكل برميل من البترول الخام المسلم في ميناء الزهراني بلبنان على البحر المتوسط في المدة الواقعة بين عام 1373-1382هـ / 1953- 1962م بمقدار بسيط يزيد([28]) عن السعر المعلن في صيدا, على مجموع السعر المقابل المعلن في ميناء رأس تنوره لكل برميل من البترول الخام, وأن تدفع شركة أرامكو ضريبة دخل سنوية 50% من المبالغ التي حصلت عليها نتيجة لهذه الزيادة في خلال أعوام الخلاف.

وهكذا نفذت المملكة العربية السعودية مبدأ مناصفة الأرباح مع شركة التابلاين([29]). على الرغم من تحسن القوة التفاوضية للحكومة السعودية وزيادة سيطرتها على مقدراتها الاقتصادية من البترول, وعلى الرغم من زيادة تحسن دخل المملكة نتيجة تنوع مصادرها البترولية, ما بين مناصفة الأرباح, وإلغاء خصميات الأسعار المعلنة, وتخفيض نفقات التسويق, والقبول بمبدأ مناصفة الدخل ومناصفة أرباح التابلاين, فإن السعر المحقق كان أقل من السعر الأصلي المباع بكثير, حيث أن الزيادة التي حصلت عليها الحكومة السعودية كان نتيجة لزيادة الضخ, وليس نتيجة لزيادة الأسعار, بينما حققت الشركة الربح مرتين: مرة بسبب سقف الإنتاج ومرة أخرى بسبب رفع سعر البيع وهو المشار إليه بالسعر المحقق([30]).

الملك سعود والأوبك:

الملفت للنظر أن حكومة الملك سعود اتجهت في وقت مبكر لمشاركة أرامكو وغيرها من الشركات البترولية العاملة في البلاد, على أن تكون المشاركة مقدمة منطقية لتملك الشركة برمتها([31]) لذلك أخذت المملكة العربية السعودية بأسلوب التدرج في تحقيق السيطرة الكاملة على الصناعة البترولية في المملكة, من خلال إستراتيجية تميل إلى التحفظ والتمهل ورفض أسلوب القفزات في إنجاز السيطرة. مع استبعاد فكرة التأميم مدخلاَ للسيطرة الكاملة على ثروات البلاد, لأنها غير مقتنعة به ولذا حاولت المملكة طرق سبل منها:

بسطت سيادتها الوطنية على ملكية شركة أرامكو بشكل تدريجي, بدأت فيه بمرحلة المناصفة المتكافئة في الأرباح فقط, دون التدخل في العمليات البترولية المكملة, وهي العمليات البترولية التي تجعل سيطرة أرامكو على البترول السعودي سيطرة كاملة, تبدأ بمراحل استخراج البترول ثم نقله وتكريره وانتهاءً بتسويق منتجاته.علماً بأن شركة أرامكو هي التي كانت تحدد مع الشركات البترولية العالمية الأخرى أسعار البترول في الأسواق . ولم تكن المملكة العربية السعودية تشارك في أي من هذه العمليات حتى مطلع عام 1390هـ/ 1970م([32]).

ثم أنشأت المملكة العربية السعودية مؤسسات تخدم الأغراض البترولية من جهة, وتهيئ المجال أمام مشاركة المملكة مع شركة أرامكو في مجالات الأعمال البترولية من جهة أخرى. ومن أجل ذلك أنشأت: وزارة البترول والثروة المعدنية في عام 1380 هـ/ 1960م. وزارة اختصت بالإشراف والتنفيذ على كل ما يخص النفط والثروة المعدنية مثل: أعمال التنقيب والحفر والإنتاج وتنفيذ سياسة الدولة فيما يتعلق بالتصدير والأسعار والتسوق الداخلي. وفي الوقت ذاته تكون آلية فاعلة من أجل الإعداد لمبدأ المشاركة الذي تهيئ المملكة كل السبل لتحقيقه([33]).

أمام تحدي شركات البترول العالمية للمصالح الاقتصادية للدول المنتجة للبترول, كانت المملكة العربية السعودية قطب الحركة المضادة لتسلط الشركات البترولية في المنطقة العربية والشرق الأوسط. وظلت تتبادل الرأي مع دولة فنزويلا فيما يجب عمله. وفي 18 ذي القعدة 1379هـ / 13 مايو 1960م صدر أول تصريح رسمي مشترك بعد الاجتماع الذي عقد بين عبد الله الطريقي, وزير البترول السعودي, ويسيريز ألفونسو, وزير المناجم الفنزويلي, حث التصريح الدول المنتجة للبترول بانتهاج سياسة موحدة لحماية مصالحها المشتركة. وطرح في الوقت نفسه فكرة إنشاء منظمة تسعى لتحقيق هذا الغرض. وقد كانت هذه التوصية بمثابة اللبنة الأولى لإنشاء منظمة الأوبك. وقد عدت الدول الغربية وشركاتها البترولية هذا التكتل بمثابة خطر يهدد إمداداتها البترولية([34]).

الطريف أن الشركات البترول العالمية لم تهتم بفكرة إنشاء تكتل يضم الدول المنتجة للنفط, فقامت بخفض جديد لأسعار بترول الشرق الأوسط في شهر صفر 1380هـ / أغسطس 1960م وصل إلى 6% من القيمة السوقية. وأمام هذا الوضع قررت حكومات البلاد المنتجة والمصدرة للبترول أن تعمل معاً لوقف تلاعب الشركات العاملة في بلادها([35]).

كانت المملكة العربية السعودية تشعر بالقلق جراء تصرفات الشركات البترولية الانفرادي, الذي أضر باقتصاد المملكة واقتصاد دول بترولية في العالم الثالث. لذلك قامت الحكومة السعودية بعدة اتصالات ومشاورات مع دولة فنزويلا خلال عام 1380هـ / 1960م وعلى أثر هذه المشاورات تم دعوة بعض الدول المصدرة للبترول: "إيران ، العراق ، الكويت بالإضافة إلى دولة فنزويلا" لحضور اجتماع يعقد في بغداد يبحث السبل الكفيلة لمعالجة الوضع الراهن([36]).

لقد كانت فلسفة حكومة الملك سعود قائمة على فكرة بسيطة ومباشرة وهي:تتعاون الدول المنتجة والمصدرة للنفط على المحافظة على مصالحها البترولية عن طريق إقناع الشركات البترولية العالمية على القبول بمطلب رئيس وهو: المشاركة. هذا من جهة, ومن جهة أخرى تؤمن المملكة أن أوبك قادرة لو أعطيت الفرصة أن تقوم بالتفاوض الجماعي مع الشركات البترولية العالمية([37]).

أما فلسفة حكومة الملك سعود تجاه المسائل البترولية بشكل عام فتتلخص في: احترام الطلب العالمي المتزايد على منتجات النفط. وكذلك عدم السعي لإحراج الشركات البترولية العالمية أمام زبائنها, وفي الوقت نفسه السعي الحثيث لقبول أرامكو بمبدأ المشاركة. والمملكة ترى أن مطالبها واقعية, وأنها تسير في شكل تدريجيي. هذه الفلسفة هي ما تزعج شركات النفط العالمية التي عرفت من المملكة هذه السياسة منذ عام 1383هـ / 1963م([38]).

وهكذا اختارت حكومة الملك سعود في ستينيات القرن الميلادي الفارط سياسة دعم منظمة الأوبك, والعمل في الوقت نفسه على استقرار السوق البترولية الدولية. وإذا كانت الستينيات الميلادية من القرن الميلادي الماضي من تاريخ أوبك قد تميزت بنشاطها القوي من أجل الحد من تدهور الأسعار المعلنة, التي سادت خلال الخمسينيات الميلادية من القرن العشرين, والذي تميَز بسيطرة الشركات العالمية البترولية على الإنتاج, وتحديد الأسعار, ووفرة العرض من النفط. وهو أمر أتاح للمشترين فرض شروطهم على سوق البترولية.

وتعتبر حقبة السبعينيات الميلادية العصر الذهبي لهذه المنظمة, حيث اتفق أعضاؤها على أن يساند بعضهم بعضاً في المطالب التي يمكن أن يتقدموا بها. وكانت أوبك قد صنفت الدول المنتجة للنفط الأعضاء فيها إلى ثلاثة مناطق إقليمية: منطقة الخليج ومنطقة البحر المتوسط ومنطقة البحر الكاريبي. ورأت أوبك أن تدخل بلدان كل منطقة من هذه المناطق المفاوضات بصورة جماعية مع شركات البترول. في حين تدعم المنطقتان الأخريان المطالب الجماعية المقدمة. وفيما يخص المملكة فقد دعمت دول أوبك مطالب المملكة وموقفها من شركة أرامكو في مؤتمر أوبك الحادي والعشرين المنعقد في كراكاس في 21-29/ ديسمبر/ 1970م([39]).

أدى تخفيض شركة أرامكو لسعر البترول مرتين متتاليتين في عامي 1379 و1380هـ / 1959 و1960م دون إذن مسبق من الحكومة السعودية إلى اتخاذ المملكة العربية السعودية إجراءات متتالية لتحقيق سيطرتها الكاملة على صناعتها البترولية فبدأت في تحقيق هذه السيطرة في إستراتيجية متدرجة حكيمة تميل إلى التمهل والتحفظ وعدم انتهاج أسلوب القفزات السريعة في إنجاز السيطرة وقد سارت هذه الإجراءات في مسارين متوازيين مسار داخلي ومسار خارجي([40]) فالمسار الداخلي بدأ بمحاولة المملكة السيطرة على سلوك الشركة بشكل متدرج عن طريق المشاركة المتكافئة في الأرباح أولاً, ثم التدخل في رفع الأسعار ثانياً, ثم المشاركة في العمليات المكملة ثالثاً.

أما المسار الخارجي فهو العمل على نطاق دولي, حيث حشدت المملكة زملائها في منظمة أوبك. يصل عدد الدول الأعضاء في منظمة أوبك إلى ثلاثين دولة. وحشدت كذلك الأعضاء في رصيفتها العربية المعروفة باسم أوابك إلى مساندة مطالب المملكة ضد أرامكو. هذا الموقف الدولي أدى إلى رجحان موقف المملكة دولياً في وجه معارضة أرامكو. كذلك من المهم الإشارة إلى أن توقيع المملكة اتفاقيات نفطية مع شركات غير أمريكية مثل: شركة جيتي للزيت اليابانية, والشركة العربية المحدودة اليابانية, وشركة أوكسيراب الفرنسية. شكل هو الآخر مجالاً تنافسياً خشيته أرامكو.

ونحن نتحدث عن منظمة الأوبك, يحسن أن نلم بتاريخ التأسيس وإرهاصاته ونتائجه. لقد كان إنشاء منظمة يجتمع تحت سقفها دول منتجة للنفط ومصدرة له حلم راود حكومة الملك سعود, وحكومة فنزويلا. وهو توحه شكل في وقته حدثًا كبيرًا وهامًا على المستويات السياسية, والاقتصادية والاجتماعية. وعلى الأصعدة المحلية, والإقليمية والدولية. ولا مراء أن إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط أوجد كيانًا للدول المنتجة للنفط, وهو كيان استطاع أن يقف في وجه شركات النفط العالمية. كما ساهم في مضاعفة دخل البلاد من الموارد المالية.

برزت قصة ظهور منظمة الأوبك على مسرح الأحداث الإقليمية والدولية. وصورها الأعلام العربي والأجنبي أنها ملحمة من ملاحم الكفاح والمفاوضات الشاقة, التي انتهجتها الدول المنتجة والمصدرة للنفط ضد شركات النفط الغربية. والحق أن حكومة الملك سعود قد لعبت دورا كبيرا وأساسيا. لقد وجه الملك سعود وزير البترول والثروة المعدنية الشيخ: عبدالله الطريقي بتولي هذا الموضوع. فقد كان للشيخ الطريقي خلفية واسعة في شؤون النفط والتعامل مع الشركات الغربية. فهو درس في تكساس بأمريكا, وهو عمل مديرًا عامًا لإدارة شؤون الزيت والمعادن منذ عام 1954م قبل تعيينه في منصب وزير البترول والثروة المعدنية([41]).

قامت فكرة تأسيس المنظمة على أساس ضرورة الدفاع عن مصالح الدول المنتجة للنفط وحمايتها اقتصاديًا وسياسيًا في الأسواق والمحافل الدولية, بدلاً من أن تكون شركات النفط العاملة في هذه الدول هي التي تتصرف بالنفط وتضع السياسات لتصديره وتسويقه وتسعيره وفقًا لمصالحها ورؤيتها هي ودولها, التي تنتمي إليها دون أدنى اعتبار للدول التي تنتج هذا النفط.

وفي بداية الفكرة كان المشروع يهدف إلى مشاركة الدول المنتجة في سياسات التصدير والتسويق والبيع سواءً بسواء, مع الشركات فلا تنفرد الشركات, كما كانت في السابق, في وضع هذه السياسات أو معظمها دون علم أو رقابة من الدول صاحبة السيادة على نفطها. وهو أمر لو وقع سيمكن دول النفط من أخذ مكانتها عالميًا باعتبارها دولاً منتجة للنفط, ومشاركة في سياسة تسويق وتصدير نفطها، مما يؤثر على تعامل الدول الأخرى معها. وكان أيضًا هناك باعث آخر حفز الدول المنتجة على الاهتمام بضرورة قيام عمل جماعي يوحد سياساتها النفطية، وهو ملاحظة تلك الدول أن بعض الشركات العاملة في مجال النفط كانت تحاول أن تنتج بأقصى طاقتها وإدراك أن هذا قد يؤدي إلى استنزاف الثروة النفطية ونضوبها في وقت قصير. وأمر ثالث وهو: أن الشركات النفطية تلعب بأسعار النفط من أجل خلق تنافس غير شريف بين الدول المنتجة([42]).

وكما ألمحنا إليه, فإن السبب الرئيس في إنشاء هذه المنظمة في ذلك العام بالذات، هو ركود تسعير النفط الخام التي كانت سائدة منذ بداية سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية. لقد ثار جدل طويل بين الدول المنتجة من ناحية, والشركات الغربية والدول المستهلكة للنفط في أوروبا والولايات المتحدة واليابان من ناحية أخرى. هذا الجدل كان يمثل تناقض مصالح المنتجين من ناحية مع مصالح الشركات والمستهلكين من ناحية أخرى. وفي عام 1959م انخفضت الأسعار بشكل ملحوظ بسبب أزمة ربط السعر بين النفط القادم من الشرق الأوسط, ونفط منطقة خليج المكسيك، وزاد تدهور الأسعار في بداية عام 1960م. والحق أنه ربط ظالم ولا داعي له.

وما حصل فقد زادت وتيرة تذبذب الأسعار, وهبوطها المستمر. لهذا اتفقت حكومات الدول المنتجة للنفط على عقد مؤتمر بغداد في سبتمبر عام 1960م. وصدر عن المؤتمر قرار تأسيس منظمة الأقطار المصدرة للبترول أوبك.وكانت عضويتها في البداية تتكون من خمس دول فقط هي: المملكة العربية السعودية, وفنزويلا, والعراق, والكويت وإيران([43]).

ولقد أحدث تأسيس هذه المنظمة ضجة كبيرة في الأوساط العالمية. وقد حاولت شركات النفط الكبرى في البداية أن تتجاهل هذه المنظمة الوليدة، خصوصا أنها قامت بدون علمها أو استشارتها. لكن المنظمة فرضت نفسها باعتبارها واقعًا لا يمكن تجاهله فأهم ما فيها هو إثبات سيادة الدول المنتجة واستقلالها في اتخاذ القرارات التي تمثل مصالحها. ومع مرور الزمن بدأت الآثار الإيجابية لمنظمة أوبك تظر وتؤتي أكلها. واضطرت شركات النفط العالمية الاعتراف بوجود المنظمة, وضرورة التعامل معها, لكونها تمثل إرادة الدول التي تعمل هذه الشركات على إنتاج النفط من أراضيها. وفي السنوات التي تلت تأسيس منظمة الدول المصدرة للبترول كان للمملكة العربية السعودية دور بارز في تفعل نظامها والعمل على تحقيق أهدافها.

ولابد من التنويه أن الانجازات التي حققتها أوبك في عام 1971م هي أهم ما يمكن لمنظمة دولية أن تحصل عليه برسم أعضاءها. والشاهد أن صوت منظمة أوبك قد ارتفع, خصوصاً في مؤتمرها الحادي والعشرين الذي انعقد في كاراكاس في شهر ديسمبر عام 1970م. وصوتها العالي كان ينادي بزيادة أسعار الزيت الخام.. وما هي إلا أشهر إلا وتوقع دول البحر الأبيض المتوسط اتفاقية طهران وطرابلس. ولإعطاء الحق أصحابه, فإن دور حكومة الملك سعود السابقة هو الأساس الذي بنت عليه أوبك سياستها في سبعينيات وثمانينيات القرن الميلادي الفارط([44]).

الملك سعود ومسألة التأميم:

كان تنامي المد والشعور القومي والوطني في منطقة الشرق الأوسط أكبر وأعلى من أن تتجاهلة الولايات المتحدة الأمريكية. وهي خشيت أن يؤدي تصلب موقف أرامكو من مطالب المملكة إلى تصفية المصالح الأمريكية وربما الغربية في المنطقة([45]). إزاء هذا الوضع فقد حثت حكومة الولايات المتحدة شركة أرامكو على تحقيق مطالب الحكومة السعودية.

وحيث أن المملكة لم تكن تؤمن بمبدأ التأميم, وليس في شرعها غمط حقوق الآخرين, فقد شكل هذا قوة لمركز المملكة التفاوضي مع شركة أرامكو. مع العلم أن الكونجرس الأمريكي قد وافق على مشروع قانون يقول بمعاقبة الدول التي تؤمم الشركات العاملة في أراضيها.

لهذا كله طالبت الحكومة السعودية شركة أرامكو بنصف أرباح التابلاين غير أن الشركة رفضت ذلك الطلب بحجة أن النقل غير الإنتاج. وأن التابلاين شركة مستقلة, وهي ليست من الشركات المساعدة لأرامكو. إلا أن الحكومة دحضت هذه المزاعم باعتبار أن البترول المنقول عبر خط التابلاين هو بترول أرامكو, وأن هذا البترول لا تتبدل ملكيته حتى يصل إلى ميناء التصدير في صيدا بلبنان. كما أن عملية النقل هي جزء من عملية الإنتاج. وأن الشركات المكونة للتابلاين هي نفسها الشركات المكونة لأرامكو. وبالتالي فإن شركة التابلاين والبترول الذي يجري في خط أنابيبها يخضع لاتفاقية مناصفة الأرباح. وبعد مفاوضات بين الحكومة والشركة استمرت مدة طويلة انتهت بتوقيع اتفاقية في عام 1382هـ / 1963م وافقت فيها الشركة على دفع نصف أرباح التابلاين للمملكة.

كانت اتفاقية المناصفة تعني في الوقت نفسه أن المملكة العربية السعودية قد قطعت نصف الطريق باتجاه امتلاك ثرواتها البترولية حيث بدأت العمل حثيثاً على إعداد الكوادر الوطنية القادرة على استخراج ومعالجة وتصنيع ونقل وتصدير هذه الثروات البترولية. وبينما كانت بعض الدول المجاورة تتطلع إلى تأميم بترولها أو السيطرة المبكرة على ثرواتها البترولية عبر القرارات السياسية غير المدروسة, كانت حكومة المملكة تستعد في هدوء لذلك اليوم الذي تستكمل فيه سيطرتها الكاملة على ثرواتها البترولية وتبقي على مصالحها الكبيرة مع الشركات البترولية على أعلى مستوى من التعاون المفيد والمثمر([46]).

لكن علينا أن نعترف أن خيارات حكومة الملك سعود كانت واسعة. كانت حقبة ستينيات القرن الميلادي الفارط تفور بنغمة التأميم ومواجهة الغرب. وقد رأت السعودية ثلاث خيارات: خيار تأميم البترول كما حدث في بعض الدول البترولية. أو خيار ترك الأمر على ما هي عليه مع المطالبة بزيادة نسبة عوائد المملكة من مبيعات أرامكو للبترول. أو خيار التحول التدريجي الواعي باتجاه التملك الكامل لكافة عمليات الشركة وموجوداتها وعملياتها عن طريق المشاركة.

درست الحكومة السعودية هذه الخيارات بحكمة وروية وتعاملت معها بوعي ويقظة ووجدت أن تجربة مصدق في إيران عام 1371هـ / 1951م خير دليل على فشل الخيار الأول, حيث عجزت طهران آنذاك عن تسويق بترولها. وفُرض عليه حظر في الأسواق العالمية. وبالتالي سقط نظام مصدق وفشلت تجربة التأميم.

وكان الخيار الثاني: أن تترك الأمر على ما هو عليه مع المطالبة بزيادة نسبة العوائد يعني أن تظل سيطرة المملكة على ثرواتها البترولية سيطرة غير كاملة. لذلك وجدت الحكومة السعودية أن الخيار الثالث: وهو خيار المشاركة أو التحول التدريجي الواعي باتجاه التملك الكامل لكافة عمليات الشركة وموجوداتها هو الخيار الذي يكفل للمملكة إعداد جيل كامل من الكوادر الوطنية المدربة على كافة العمليات البترولية, بدءاً بالتنقيب عن البترول واستخراجه وانتهاءً بالإدارة والتسويق مما يضمن لها تحقيق سيطرتها الكاملة على ثرواتها البترولية دون أي مخاطر. أو كما وصفه وزير النفط السعودي: من البئر إلى السيارة. وهو خيار يتسق مع شرعة المملكة, والتزاماتها الدينية والأخلاقية.

سياسة الملك سعود النفطية الداخلية:

عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945م بدأت شركة أرامكو باستخراج وتصدير خام النفط بعد أن أوقفته خلال فترة الحرب. وكما مر معنا فإن العلاقة بين أرامكو والحكومة السعودية تنطلق من اتفاقيتي عام 1933م وعام 1935م. وكلاهما تتسمان بعدم التوازن, كما هو الحال بالنسبة إلى معظم العقود المبرمة في الشرق الأوسط. وكمثال أورد هذه الحقيقة: منذ بداية تصدير النفط السعودي حتى عام 1950م كان مقدار ما تحصل عليه الحكومة السعودية من قيمة النفط هو 4 شلنات ذهباً للطن الواحد, أي ما يعادل 22 سنتاً للبرميل الواحد, بينما كان سعر البرميل الخام من الخليج العربي حوالي دولارين وتكلفة الإنتاج حوالي 15 سنتاً.

ومع مرور الزمن, خصوصاً في عهد الملك سعود, استطاعت الحكومة السعودية أن ترفع حصتها من دخل النفط إلى 50% من صافي الدخل الذي تحققه الشركات. بعد خصم التكاليف بموجب اتفاقية المشاركة التي وقعت بين السعودية والشركات في ديسمبر عام 1950م. وخلال حقبة الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي, شكل النفط 85% من الميزانية العامة. وأكثر من 90% من احتياجات الدولة من العملة الصعبة. وكان لتوفر النقد دور كبير في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية, كم دعمت التجهيزات والبنية التحتية للبلاد([47]).

وكان عبد الله الطريقي مديراً عاماً لإدارة البترول والمعادن بوزارة المالية في عام 1960م. وهو آنذاك أدرك مقدار الغموض في المعاملات المحاسبية العائدة لشركة أرامكو. وهو يرى أن الوضع لم يكن واضحا حتى بعد توقيع اتفاقية المشاركة مع شركة أرامكو. وهو يشتكي دائماَ من عدم الشفافية التدليس الذي تقوم به في شركات البترول الغربية. وهو قال هذا بصراحة في مقابلة له مع مندوب مجلة الزيت العالمي World Oil جاك إيرل Jack Earl نشرته مجلة أخبار البترول والمعادن في عدد أكتوبر / نوفمبر 1961م.

ويظهر واضحاً تأكيد الطريقي واهتمامه بترسيخ مبدأ السيادة الوطنية على الثروة. وهو يشكل روح السياسة النفطية التي تبناها الملك سعود. على أن ملامح السياسة النفطية الداخلية تتمثل في توجهات منها: تهيئة المواطنين للعمل في صناعة البترول وسعودة الوظائف. وإنشاء شركة وطنية مساهمة بين الدولة والشعب لاستغلال الثروات البترولية والمعدنية. وإدخال تحسينات هامة على اتفاقيات الامتياز الحاضرة بحيث تتلاءم ومصلحة البلاد. واستغلال الثروة المعدنية في البلاد إلى أبعد الحدود الممكنة, لتخفيف اعتماد الدولة على مورد واحد للدخل القومي. والمساهمة في إنشاء صناعات بترو كيميائية توفر مجالات العمل للمواطنين, وتقلل من الاستيراد, وتزيد من الدخل القومي للبلاد عن طريق التصنيع.

والمتمعن في تلك السياسة يجد أنها صعبة التطبيق آنذاك, بل هي أقرب إلى الأحلام. وربما مكلفة, لدرجة أن الطريقي نفسه فقد وظيفته, ولكن مع مرور الزمن نجد أن الحكومة السعودية, في حقبة الملوك الذين جاءوا بعد الملك سعود, قد حققت كل تلك الأحلام. وأضحت الأحلام وأكثر منها في مجالات داخلية كثيرة ملء السمع والبصر. وتوسعت حكومة الملك سعود في بناء وتنمية مؤسسات الدولة والارتقاء بها وبالقائمين عليها لمواكبة متطلبات العصر.

ومع بداية عهد الملك سعود دخلت المملكة بمواردها القليلة ميدان صناعة النفط باعتبارها دولة منتجة ومصدرة. وتبع ذلك دخولها مجال الزراعة الحديثة المنتجة بسبب انتشار الميكنة لوسائل الري وأساليب تطوير الإنتاج الزراعي. وفي أوائل عقد الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي أصبح الاقتصاد السعودي "اقتصادًا نفطيًا" وبدأت المملكة تجني ثروة مكنتها من تطوير التعليم والثقافة والصحة والنقل والمواصلات والإدارة وما إليها مع تحسين أنماط المعيشة إضافة إلى تطوير الزراعة.

ولعل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي برزت في عهد الملك سعود هي الأكثر وضوحا, فنشأت وتطورت مدن جديدة مثل: الخبر وابقيق ورأس تنوره وغيرها، وحدثت تغيرات ديموغرافية في البلاد السعودية, ذلك أن تلك المدن الجديدة استقطبت عددا من المواطنين والعمال من مناطق بعيدة. وهذا أسهم في توفير فرص عمل كثيرة ومتنوعة. وهذا بدوره ساعد على تطوير الاقتصاد المحلي, وتنويع مصادر الدخل. كما أن من الآثار أيضًا تطوير وإنشاء أجهزة حكومية جديدة تلبي حاجة المدن الجديدة, المنشأة على طريقة عصرية. فظهرت البلديات. وعرفت البلاد سياسة تخطيط المدن, وما يرتبط بذلك من نشاط لهذه الأجهزة فيما يتعلق بالتنظيم والتخطيط لبناء المساكن الجديدة وفتح الطرق ورصفها وسفلتتها, وغيرها من الجوانب المتعلقة بالنظافة ورعاية المنشآت العامة والحدائق([48]).

لقد وجه الملك سعود, وشجع شركة أرامكو أن تساهم في تنشيط وبلورة السياسة النفطية السعودية, من خلال برامج تعليمية واجتماعية وصحية وبلدية وزراعية. والحق أن أرامكو ساهمت في تطوير الخبرات الصناعية الاقتصادية والتعليمية مثل: بناء المدارس والمستشفيات وغير ذلك كثير. وحث شركة أرامكو على توسيع نطاق عمليات البحث والتنقيب في منطقة امتيازها، وقد أثمر ذلك عن اكتشاف ثمانية حقول نفطية جديدة في المنطقة الشرقية([49]) وكانت أرامكو تستجيب لضغوط حكومة الملك سعود من أجل المساهمة في العديد من البرامج التنموية. فبعد زيارة الملك سعود للمنطقة الشرقية عام 1373هـ صدر أمره بالموافقة على توصيات اللجنة الملكية المشكلة للنظر في تظلمات عمال أرامكو وموظفيها السعوديين. وفي الحال وافقت أرامكو على تنفيذ الأمر الملكي([50]).

كما كان لاقتصاديات عصر النفط ووجود أرامكو في المنطقة الشرقية أثر واضح في تغيير نمط السلوك الاجتماعي وبعض القيم السائدة من ناحية العمل وضبط الوقت واحترام قيمته بشكل دقيق بدأ يتمثل في انضباط العاملين في مجال النفط بحكم التحديد الثابت لساعات العمل في الشركة وكذلك ضرورة استقرارهم في مناطق العمل. كذلك من مظاهر التغيير في نمط الحياة الاقتصادية للمجتمع العديد من الميزات الاقتصادية التي وفرتها الشركة للعاملين في مجال النفط مثل نظام الأجور والادخار وتملك البيوت وظهور الأسواق المركزية, التي تقدم للزبون الكثير من البضائع وغيرها من الخدمات العامة([51]).

وكمثال على المشاركة نأخذ ميدان الزراعة الحديثة الذي رعته أرامكو. فقد حظيت الزراعة كغيرها من الأنشطة الاقتصادية باهتمام أرامكو. فقد كانت أرامكو تستورد ما تحتاجه من المنتجات الزراعية من الخارج. وهذا يكلفها المال الكثير, وتصل المنتجات وقد فسد أكثرها, لهذا السبب قامت أرامكو بإنشاء مزرعة نموذجية في الدمام لإنتاج الألبان والدواجن والبيض والخضار([52]). ثم عمدت أرامكو إلى تأسيس قسم خاص يعنى بالمساعدات الزراعية سنة 1374هـ/ 1955م ويهدف هذا القسم إلى تقديم العون والإرشاد الزراعي والمساعدة في إنشاء المزارع النموذجية الإرشادية, ومحطة التجارب الزراعية في القطيف والهفوف ومشروع الفيصل النموذجي في حرض, الذي خطط له في سنة 1380هـ, ونفذ سنة 1382هـ([53]). وشجعت أرامكو ودعمت استعمال الأساليب الحديثة في الميكنة والري والعناية بالأسمدة وطريقة معالجة آفات النباتات. بل إنها قامت بدراسة علمية ميدانية لإصابات النخيل والأشجار والنبات وأمراضها في المنطقة سنة 1376هـ/1957م([54]).

سياسة الملك سعود النفطية الخارجية:

اهتمام حكومة الملك سعود بقضايا التعاون الدولي, والعلاقات الدولية, واستقرار السوق النفطية. اهتمام واضح. وكلها عناوين تعبر عن فلسفة حكومة الملك سعود النفطية الخارجية. واهتمام الملك سعود بالشأن الخارجي مكمل لاهتمامه بالشأن الداخلي المتمثل في رفع مستوى الدخل الحكومي من إيرادات النفط, وزيادة مساهمتها في القرارات الإستراتيجية المتعلقة بشؤون النفط. وكان تردد قول في أروقة وزارة البترول السعودي آنذاك مفاده: الشأن الدولي الشأن الداخلي ساحتان مترابطتان رغم الحدود الفاصلة بينهما لسببين: الأول يتعلق بطبيعة السوق حيث يستخرج النفط من دول ويصدر إلى دول أخرى تستهلكه فالدولية هنا جزء من تكوين السوق. والثاني أن معظم شركات الإنتاج هي شركات دولية أجنبية. وهذا يفرض أيضاً دولية الفكرة في عقود الامتياز والإنتاج بين الشركات المنتجة للنفط والدولة المالكة له.

اتضحت سياسة الملك سعود النفطية الخارجية أشد ما يكون الإيضاح في فنزويلا.تلك الدولة النفطية الكبرى في القارة الأمريكية اللاتينية. والتي تعمل فيها شركات نفطية عالمية لها امتيازات وعمليات إنتاج في الشرق الأوسط أيضاً. لقد بدأت فنزويلا تحركاً من أجل تحسين ظروفها التعاقدية مع الشركات النفطية في نهاية الأربعينات حتى استطاعت الوصول إلى مبدأ مناصفة الربح الصافي من مبيعات النفط مع الشركات النفطية هذا المبدأ عرف بمبدأ الـ 50 % الذي انتقل من فنزويلا إلى الشرق الأوسط عن طريق الحكومة السعودية.

لعبت حكومة الملك سعود دورا بارزا في نقل التجربة الفنزويلية وزادت عليها, وإن شئت قلت حسنت التجربة بما يتلائم مع ظروف المكان واختلاف الثقافة. ولم يكن من هدف السياسة السعودية أن يكون النفط السعودي الرخيص منافسا للنفط الفنزويلي, بل يكون مكملا له. وقد توصلت الشركات الأمريكية العملة في كل من السعودية وفنزويلا إلى صيغة تدعى كلفة المنتج الحدي, أي المنتج ذو الكلفة العالية خصوصاً عندما تكون مصالح الشركات النفطية في الشرق الأوسط وفنزويلا مترابطة وليست متنافسة. وهذا يعني إبقاء سعر النفط في الشرق الأوسط وفنزويلا على ما هو عليه. ورفع سعر نفط الشرق الأوسط إلى مستوى سعر النفط الفنزويلي وهكذا يحقق النفط العربي ربحاً أعلى من نظيره الفنزويلي, وتزداد بذلك نسبة الأرباح على مبيعات النفط السعودي, فتستفيد الشركات وتستفيد الدولة. لكن هذه السياسة التي دعمتها المملكة لم تعمر طويلا, فقد أسقطتها شركات البترول لبغربية.

والغريب أن حكومات الشرق الأوسط النفطية لم تستجب للوفود الفنزولية التي جابت المنطقة من أجل وضع حد مشترك لردع الشركات الغربية من التصرفات غير المسؤولة. في المملكة العربية السعودية فقط وجت فنزويلا أذنا صاغية. وكان عبد الله الطريقي السعودي و بيريز ألفونسو هما عراب ما عرف فيما بعد بأوبك. وتم بداية تبادل موظفين ليعملوا في وزارة النفط في كلا البلدين. فقد أوفد الطريقي كلاً من هشام ناظر ومحمد جخدار من موظفي وزارة البترول السعودية للعمل في وزارة النفط الفنزويلية لمدة عام. وجاء بالمقابل إلى وزارة البترول السعودية موظفون من وزارة النفط الفنزويلي للغرض نفسه.

ومن مظاهر السياسة النفطية الخارجية تشجيع مؤتمرات النفط الإقليمية والدولية. فقد عقد المؤتمر العربي الأول للزيت في القاهرة في شهر إبريل من عام 1959م ودعيت إليه فنزويلا وإيران كمراقبين وقد لعبت الحكومة السعودية دوراً مهماً وأساسياً في دعم الموقف الفنزويلي المطالب بالتعاون بين الدول المنتج,ة للحد من تسلط الشركات النفطية وعدم اهتمامها بالأضرار الاقتصادية المترتبة على قيامها بتخفيض أسعار النفط. وشكل المؤتمرون لهذا الغرض لجنة استشارية لشؤون الزيت Oil Consultative Commission شاركت فيها إيران وفنزويلا والبلدان العربية المنتجة للنفط والجامعة العربية للنظر في إمكانية العمل الجماعي للوقوف في وجه الشركات ولكن اللجنة فشلت بسبب صراع سياسية في منطقة الشرق الأوسط.

وكانت حكومة الملك سعود تعي أهمية وقود تأثير سلاح النفط في السياسة الخارجية والسياسة الاقتصادية الدولية. ولهذا فقد استخدم الملك سعود هذا السلاح أيام أزمة السويس, ووجهة بوقف شحنات النفط على كل من بريطانيا وفرنسا أيام العدوان الثلاثي على مصر, بصرف النظر عن برودة العلاقات السياسية آنذاك بين السعودية ومصر, . كان ذلك القرار نابعًا من موقف المملكة الواضح التزامات المملكة الإسلامية والعربية تجاه التضامن العربي. وقد كان لذلك القرار تأثيره وأصداؤه عربيًا وإسلاميًا ودوليًا([55]).

ومن سياسة المملكة النفطية عدم الإضرار بالمستهلك أو بحقوق المساهمين في شركات البترول العاملة في أراضيها. وهي أعلنت ذلك صراحة في مرات كثيرة, ونشرت الصحف السعودية, خصوصا أم القرى, تصريحات لمسؤولين سعوديين بهذا الخصوص. والطريف أن مسؤولي النفط الأوروبيين واليابانيين قاموا بالتنسيق مع الحكومة السعودية, مباشرة دون المرور بوسيط أمريكي. وهذا قوى من موقف المملكة تجاه مطالبها العادلة