Translation

Exchange Rates

June 14, 2022


American Dollar 3.446 0.17%
Euro 3.594 -0.13%
Jordanian Dinar 4.860 0.17%
British Pound 4.172 -0.51%
Swiss Franc 3.466 0.12%
100 Japanese Yen 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

قراءة في كتاب "جواهر المشاعر" للكاتبة رحاب بريك

editorial board, 10/3/2013

على ينبوعِ نقاءٍ ومنْ جدولِ حبٍّ وفي بحرِ تمرّدٍ تعيشُ وتكتبُ قراءة في كتاب "جواهر المشاعر" للكاتبة رحاب بريك علي هيبي الثلاثاء 5/3/2013 أن تقرأ كتابات الكاتبة رحاب بريك، معنى ذلك أن تعيش في مخيّلتك أحاسيس تحوم في أجوائها أفكار ذات نقاء، ولكنّ هذا النّقاء قد يشوبه أرق من المشاغبات التي لا يمكن أن تعتبر شذوذًا عن مألوف المجتمع والواقع بقدر ما تُريك كم أنّ الواقع خارج عن صدقه الحقيقيّ وجماله الفنيّ. فليس في الأدب شذوذ، وليس في الأدب يقين، الواقع الاجتماعيّ والسّياسيّ والثّقافيّ والأخلاقيّ هو الذي يشذّ لظروف قاهرة أو موضوعيّة، أحيانًا لفساد الزمان أو لحالة بؤس أو يأس أو ظلم، وواجب الأدب هنا، وهنا بالذّات أن يكشف الحقّ ويحرّض على نصرته ويعرّي الزّيف ويزيل بقايا المساحيق التي لم تستطع محوها الدّموع. فإن كان على الأديب واجب الانتماء، فلا شكّ أنّ له حقًّا في الشكِّ والمشاغبة على الاعوجاج والتّزوير، والشّذوذ عن المألوف والمزوّر. الشّذوذ هو الموقف النّبيل والشكُّ هو محرّك التّغيير في هكذا أحيان. فما هو وضع البشريّة دون خروج المسيح "عليه السّلام" عن مألوف عصره؟ وكيف يكون التّاريخ دون خروج محمّد "صلعم" عن مألوفات الجزيرة العربيّة البالية؟ وقد صاغ كثير من العظماء أجزاء من عقولنا، وكثير منهم كوّنوا من مكوّنات وجداننا ومعتقداتنا بل عواطفنا حتّى غدونا نعتبرهم مراجع تشكّل تشكيلات تحليقنا في عالم الفنّ والأدب، وتساهم في مبنى أسسنا العلميّة. هولاء هم الخالدون الذين عُذّبوا وشُرّدوا وقُتلوا وهُجّروا وعانَوْا، أمّا القتلة الذين لا نذكر اليوم اسمًا من أسمائهم فقد عاشوا وتنعّموا وانغمسوا في ترف الدّنيا، ولكن مَن يذكرهم الآن؟ كتابات رحاب بريك تنسجم في هذا السّياق ومعه، ففي خواطرها الكثير من معاني الأخلاقيّات والسّلوكيّات التي لا تعكس رؤيتها اللاّمعة فحسب، بل تجعل من تلك الرّؤية إيمانًا بموقف أخلاقيّ واجتماعيّ يبيّن ما في وجدانها من ثوران وعنفوان ضدّ كلّ ما هو سلبيّ ومنحرف عن السّياق الأصيل للمُثل العليا والقيم السّامية، فالحبّ عندها ليس مجرّد شعور عاطفيّ بل هو حالة إنسانيّة شاملة يجب أن تشكّل أرضيّة أساسيّة للسلوك الإنسانيّ في العلاقات الاجتماعيّة والسّياسيّة، الحبّ عندها ثورة على الزّيف والكذب. وحين تتحدّث عن الغدر، فالغدر هو الحالة المشوّهة والمناقضة للحبّ، فهو حالة قد تؤذي المغدور، وهذا خَطِر، ولكنّها تودي بالغادر إلى مهاوي الرّذيلة والضّلال، وهذا أخطر. ومن اللافت للنّظر وما يجدر ذكره أنّ رحاب تكتب بجرأة لا نلمسها عند كثيرات يدارين المجتمع وعاداته، ويراعين بنعومة القلم والموقف المسلّمات الراكدة في قعر واقعنا، ولكنّها تطفو في كثير من الأحيان على شكل أكاذيب نتقبّلها ظاهرًا ونرفضها باطنًا. لا مسلّمات عند رحاب تُراعى ولا عادات تُدارى، كلّ ما في المجتمع وما في الوجود قابل للتّغيّر وخاضع لثورة نقاء الفكر وصدق الموقف واستقامة القلم الذي يكتب دون إملاء ودون شروط مسبقة أو قيود قد تأتي من تحت تارة أو من فوق طورًا. هذا ما لامسته في نقاء فكر رحاب وصدق موقفها واستقامة قلمها. قد يعتقد القارئ في الوهلة الأولى أنّ الكاتبة قد كتبت مجموعة متفرّقة من الشّذرات المتناثرة كالجُزُر المتباعدة في محيط مترامي الأطراف، ولكنّ الأمر ليس كذلك، فالقارئ المتمعّن ذو العين النّاقدة والعقل الثّاقب لا بدّ أن يلمح بل يلمس خيطًا من النّور الدّافق والذي يزداد تدفّقًا بالاستمرار، هذا الخيط يجمع كلّ تلك الجزر فكرًا ومعنًى حتّى إن بدت متناثرة في الشّكل والمبنى، إنّ تلك الجزر تشكّل دولة واحدة، ورغم ما فيها من بؤس وسواد وشرّ، فإنّها تنشد السّعادة والحريّة والخير والحبّ، وذلك يتأتّى من خلال ما نشأت عليه الكاتبة في مجتمعنا العربيّ الأصيل، وما استطاعت الكاتبة من صقل شخصيّتها وقلمها وفق رؤية خاصّة بها وظروف عايشتها. ولعلّ ذلك الخيط قد انجدل من مفهومها الخاصّ للتّفاؤل كمبدأ أساسيّ لبناء عالمها الذّاتيّ الجميل السّاكن في وجدانها وفكرها، وهو نفس العالم الذي تريده في الخارج المحيط كي يسكن ويهدأ ويهنأ وجودها ووجدانها فيه. إنّ أوّل معطيات الطّيران ليست الأجنحة بل الأرض التي ننطلق منها، ورحاب القادرة أن تحلّق بأقلام أجنحتها ورحب تجاربها في الحياة تنطلق من أرض تعرف آلامها وشرورها ومن حياة تضطرب في اكفهرار سوادها ومعاناتها، إنّها جدليّة "الموجود القاتم والمنشود الحالم"، فالواقع السّلبيّ أخلاقيًّا وسلوكيًّا واجتماعيًّا يجعلها تنطلق كفراشة خفيفة منمنمة الألوان لتبني عالمها المثاليّ في أعماق ذاتها على الأقلّ، ولكنّه ليس "أوتوبيا" بل يمكن تحقيقه في حياة المجتمع فيما لو شاطرها النّاس حمل الهمّ وحملوا نفس الحلم واتّخذوا التّفاؤل مبدأً حتّى ينتقل ذلك المنشود الجميل من أغوار ذاتها إلى فسيح الحياة. وبنظرة سريعة إلى بعض الثّنائيّات والأضداد نرى بأمّ العين تلك الجدليّة التي لا وجود للحياة بدونها، الخير والشّر، الحبّ والغدر، الخيبة والأمل، القوّة والضّعف، التّفاؤل والتّشاؤم، السّعادة والشّقاء، الأسر والحريّة، الهروب والصّمود، القمح والزّؤان، النّهاية والامتداد، الجسد والرّوح، والموت والحياة. هذه المتناقضات تعيش في وحدة معًا وتتصارع فتمثّل طرفَيْ الحياة التي تزخر وتمور في تجربة الكاتبة مع كلّ خفقة من خفقات خافقها، ومع كلّ بنت من بنات أفكارها. مَن سيتنصر من الطّرفيْن؟ أهناك جواب؟ نعم! تقول رحاب، ولكنّه لأمر منوط بنا كما قد يُفهم من خلال النّصوص وما فيها من جواهر أدبيّة وأخلاقيّة وما فينا من مشاعر موجودة بالقوّة وفي قدرتنا على إخراجها إلى الفعل "العمل وليس الملل" " الجِدّ والنّشاط وليس الاستسلام للأقدار المحبطة" "أن تسعى لأهداف تثمر لا لأهداف تدمّر" "أن نرى في كلّ نهاية ذاهبة بداية عهد يتجدّد كالبراعم"، وإنّي أعتقد بل وأجزم بأنّ الأمر لم يكن صدفة في اختيار العنوان "جواهر المشاعر". ولعلّ أكثر ما يعين على قسوة الدّهر وشقاء الحياة وشرّ النّاس، كما تصرّح الكاتبة هو ما ينبثق من إيمانها العميق بفكرة التّسامح القريبة بمعناها الفلسفيّ للتّسامح المسيحيّ، ولكن مع ذلك فإنّ لها مفهومها الخاصّ فهي تسامح مَن يسيء إليها وقد تحسن إليه، ولكنّها لا تسامح الغدر ولا الذين يدوسون الكرامة ويكبتون الحريّة ويطعنون ظهر المبادئ السّامية. إذ لا يعني التّسامح عندها التّخلي عن الحقوق، مع أنّ الكاتبة تظهر كمًّا ليس قليلاً من القدرة على احتمال الآلام، وفي هذا بعد إنسانيّ يُضاف لمخزونها الأخلاقيّ والتّسامحي. ستكون هذه الخواطر والحكايات هي إصدارها الثّاني، فقد أصدرت كتابها الأوّل بعنوان "جذور ثابتة" وقد قرأت هذا الكتاب الذي لا يبعد كثيرًا عمّا أوردنا من قبل، ولكن ما يزيد هنا اهتمامها باللّغة، ليس كوسيلة تعبير بل صارت اللغة عندها، في كتابها الجديد مُنتجًا إبداعيًّا، ينطوي على المظهر الدّالّ الذي ينسجم ويتآلف مع الجوهر المدلول إليه، وليس عبثّا أنّها أسمت خواطرها الأدبيّة كما قلنا من قبل "جواهر المشاعر". فالخواطر كنوع تعبيريّ جميل يعكس أوّلاً الحالة الذّاتيّة وما في أغوارها من خامات شعوريّة تتّخذ فيما بعد لبوس الموضوعيّة وتتشكّل بالتّالي على قالب واحد تنصهر فيه الذّات في الموضوع، أو ربّما من الأصحّ أن نقول يذوب الموضوع في وعاء الذّات ذوبان الملح بالماء. المفهوم الثّاني هو الأقرب في خاطر رحاب. لا بدّ لك إلاّ أن تندهش عندما تلمس بأمّ اليد وترى بأمّ العين الثّقافة التي تتمتّع بها الكاتبة والتي تعكس قراءات متعمّقة ومتنوّعة وفي مجالات عديدة، خاصّة عندما تعلم أن هذه السيّدة العصاميّة تركت مقاعد الدّراسة في سنّ مبكّر، ومن ثَمَ علّمت نفسها بنفسها، وتثقّفت بقواها الذّاتيّة وحصلت على شهادات عليا، وهي تكتب بشكل أسبوعيّ بعدد من المواقع وفي الصّحف والمجلاّت، وتحظى كما رأيت بإعجاب الكثيرين من القرّاء. من هنا أدعو القرّاء إلى قراءة هذه النّصوص التي تستحقّ أن تُقرأ وتُنقد، وفوق ذلك تجعلك تعيش مع عالم خلاّب تؤسّسه رحاب على النّقاء الفكريّ والحبّ الإنسانيّ والتّمرّد الجريء على ما يُدعى في واقعنا العربيّ على وجه الخصوص مسلّمات لا تُخدش وثوابت لا تتزعزع وسلوكيّات يجب أن تُراعى وتُدارى. وأخيرًا أجد من جدارة الموقف وصدق المقام أن نشدّ على أيدي الكاتبة، لتمضي قدمًا في رحاب رسالة الكلمة ومسؤوليّة القلم، ونطالبها بالمزيد الأروع من ذاك الرّحاب الذي لا تنضب نبوعه ولا تقف عند حدّ آفاقه.