Translation

Exchange Rates

June 14, 2022


American Dollar 3.446 0.17%
Euro 3.594 -0.13%
Jordanian Dinar 4.860 0.17%
British Pound 4.172 -0.51%
Swiss Franc 3.466 0.12%
100 Japanese Yen 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

الشعر والأدوار المنظورة

editorial board, 29/4/2011

كنت قد أردتُ أن أطلَّ من نافذة هذا العدد على موضوع ٍ من أهم المسائل الثقافية والتي ما فتأت تأخذ دورَها مادة ً للنقاش والتمحيص والنظر خلف عدد جم ٍ من منابر الفكر والأدب، ومنذ فترة ليست بالقصيرة والحديث حولها قائم ٌ بنبرةعالية ألا وهي مسألة الحداثة ولوازمها في الأدب والثقافة العربية ، أو ربما كنت ُ قد ذهبت إلى مسألة أخرى تشغلني منذ فترة وهي مسألة اللغة الأم وما يجري بشأنها في هذا العصر الذي اشتط في الإجهاز على ما تبقى منها .

ولكن سؤالا جاءني من إحدى الصديقات دعاني إلى تأجيل ذلك كله إلى نافذة قادمة والى الإطلال من خلال هذه النافذة على سؤال الصديقة العزيزة ومن ربما عنَّ له ُ أن يسأل مثلما سألت لاحقا أما سؤالها فكان : "هل تعتقدون أنه قد بقيَ للشعر دورا في حياة العرب وخاصة مع هذا التدفق الهائل والمتنوع في وسائل الإعلام والثقافة ؟ "

ولربما كان السؤال ليس بالجديد قطعا وبريئا كل البراءة يأتيك ملحاً من راغب في الوصول إلى الحقيقة وتجلياتها الرائعة أو حتى من طالب ٍ الوقوف َ على رأي ٍما، ولكنَّ سؤالَ صديقتنا لم يكن من هذا ولا من ذاك بل إن ما استقرَّ عليه ظني وأنا أقف على هذا السؤال أن له طابعا آخر بحيث لا يحمل إلا شبهةَ الاستفزاز وربما شيئا من المماحكة بين طياته كما تيقّن لي ، و كان ذلك في ظني طبعا هو أرحمُ من أن يحمل معنى ً آخرَ ربما كان أقرب َ إلى الشماتة بالشعر وأهله .

وقد كنت أفردتُ منذ فترة ليست بالبعيدة دراسة حول الشعر العربي وبعض ٍ من المسائل الأساسية التي تهمُّ متتبعي الشأن الأدبي والثقافي عموما والتي تزعمُ محاولة الإجابة عن هكذا سؤال من جملة ما تحاول الإجابة عليه وفهم جزء من الحقيقة مما يعتري مسألة الشعر من علل ، ومع يقيني بأن صديقتنا العزيزة قد قرأت هذه الدراسة وخلصت إلى قناعة محددة إلا أنها ألحّت في السؤال مرة أخرى ربما لأنها ودت لو نالت من شاعر أو أديب وان كان بحجمنا المتواضع وعلى حين غرة مثلا وثيقة اعتراف بوفاة الشعر وانقطاع دوره وأن لا أمل فيه ولا عاد يرجى منه رجاء وبالتالي يفرد أهله صوان العزاء ويستقبلون كل نادب ٍ ولاطم ، وبما أن جوابي لها لم يحمل المعنى الذي أرادته جاء ردها غريبا وتمنت لي الشفاء العاجل من تفاؤلي كما قالت ؟.

وإذا كنت قد بدأت النافذة الثانية بهذه الحكاية الطريفة فلأني لا أعتزم أن أعيد مرة أخرى النظر في ما ذهبت إليه في تلك الدراسة قطعا وحتى أقطع الطريق على من يهمُّ من باقي أصدقائي الأعزاء بمعاودة الكرة والسؤال مرة أخرى حول هذا الشأن.

ولعلي أعود فأقول أن ّ ما قد يكون قد تراجع من أدوار الشعر كثيرا هو الدورُ الإعلامي وربما هو بعينه ما يقصده ُ أكثر المستفسرين والسائلين حينما يعمدون إلى تلك الصيغة في سؤالهم تحديداً وقد يكونوا قطعا في ذلك معذورين إذا ما ذهبوا إلى هذا الجانب ، وقطعا نقرهم أن هذا الجانب فعلا قد تأثر سلبا أو كاد ينتفي تماما وذلك َ للتطور الهائل في وسائل الإعلام وما تحقق من تقنيات تبادل المعلومات وسرعة نقلها ، ولكنَّ هذا لم يكن على الإطلاق هو الدور الأساس للشعر في حياة العرب كأمة ولا حياة أي من الأمم الأخرى في المفهوم الوظيفي والتكويني ، بل هو ربما كان في ذمة الشعر وصية ً حتى يقيض الله للإنسان إسناد هذا الدور إلى شيء آخر أو آلة أخرى ينجزها في عصر قادم كما هو الحال ، وضمن هذا المفهوم يجدر بنا أن نشكر الشعر على قيامه بما اقتضته وثيقة الوصية واحترامه لصاحب الدور وتمريره لواء الإعلام الذي حمله عصورا طويلة إلى من قد قام يطلبه ، لا أن نعمد إلى أن ننكر عليه أمانته ونلومه على إخلاصه أو حتى أن نذهب إلى ادعاء نقصه وتآكل كينونته وننشر في الملأ وثيقة دفنه حيا.

إن الدور الجمالي وكذلك المؤسسي للشعر العربي ما فتأ حاضرا نلمس آثاره وتقع أعيننا على أثر خطواته الواثقة الرائعة كل يوم ، ولا يمكن إنكار ذلك ولا حتى المداورة في الاعتراف بذلك لصاحب صولجان عرش الفنون والآداب ، ان إيقاع دور الشعر خاصة ً في المؤسسات المختلفة التي قلنا أن أبرزها مؤسسة الحب والأرض والعقيدة هو في تعمق ٍ وازدياد ٍ لا

شك في ذلك ، طبعا هذا بالإضافة إلى الدور التسجيلي الخالد الذي يلعبه الشعر في حياة الأمم وخاصة العرب .

أما مسألة الجدال بشأن أي نوع من الشعر هو وما مرتبته أو درجته أو شكله فتلك مسألة أخرى ، ولعلنا نلحظ هنا أن شعر العامية أو ما يطلق عليه اصطلاحا الزجل أو النبطي حسب منطقة تواجده هو في ازدياد وانتشار بل يلعب دوراً في تكوين مصدر مستمر للأغنية العربية وربما أحيانا للمسرح العربي ، وقطعا لا يمكن لنا أن نقبل أن يحل الأدنى مكان الأعلى في هذا الجانب ولا أن نخلط الأمور ، ولكن من الناحية الوصفية العامة فان شعر العامية ما زال لونا من الألوان إن شئت أو حتى على أهون الرتب درجة من درجاته وبالتالي فان ما يحققه يعتبر قطعا في مصلحة الشعر بعامة ، ذلك أن مسألة الارتقاء إلى الشعر المتفق عليه تصبح عملية تالية لتطور اللغة والذوق والمجتمع وإعادة تربيته من جديد الأمر الذي ما زال ناقصا ومفقودا نوعا ما ولا يجب إغفال فضل عدد من المنابر تحاول ويحاول أصحابها القيام بجزء من هذا .

وإذا كان الشعر قد اضطلع بمهمة إسناد المسرح والأغنية بشكل واضح فانه أيضا قد عاد إلى نافذة ولو ضيقة ليحل َّ في ركن ما من غرف وسائل الإعلام الأخرى ، أذكر أن أحد أصدقائي قال لي مرة إن الرياضيات هي ضيف دائم للعلوم كلها لا تستغني عنه أحيانا وأحيانا أخرى لا تقوم إلا بها ، وربما أمكنني استعارة هذه الفكرة من صديقي لأزعم أيضا أن الشعر كذلك بالنسبة إلى الفنون والأشكال الأدبية الأخرى ، ولذا فانه باق ٍ بحكم بقائها وان تصوّر لها أن تختفي فهو لن يأبى أن يعود كما كان أبا لكل الفنون .

أيمن اللبدي