Translation

Exchange Rates

June 14, 2022


American Dollar 3.446 0.17%
Euro 3.594 -0.13%
Jordanian Dinar 4.860 0.17%
British Pound 4.172 -0.51%
Swiss Franc 3.466 0.12%
100 Japanese Yen 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

الفساد: التنفس برئتين

editorial board, 20/4/2011

قلم - أحمد أميري

يتنفس أي نظام فاسد برئتين تعملان معاً، الأولى تضخ كميات من أوكسجين الاستبداد والقمع، ويقف خلفها جيش جرار من الظلمة، والثانية توفر للنظام أوكسجين تزييف الوعي والتلاعب بالعقول والتشويش على الأصوات المعارضة، ويتولى رعاية هذه الرئة شهود زور يضمون الفنانين والمبدعين وقادة الرأي.

ويشكّل أهل الفن وقادة الرأي جانباً مهماً من وعي الكثير من الناس، وهم الذين تسمع لهم الجماهير وتتأثر بهم، ويستطيعون بأعمالهم ومواقفهم إطالة عمر النظام الفاسد، فإضافة إلى مساهمتهم في تزييف وعي الجماهير، وتحييد الكثير منهم، وخنق الأصوات المعارضة والتشويش عليها واتهامها بأبشع التهم، فقد تطيل أغنية واحدة من عمر النظام سنة كاملة، وقد يطيل عمل تلفزيوني عمر النظام ستة أشهر، والكتاب مدة شهر، والقصيدة أسبوعين، والمقال أسبوعاً.

الصحفي الذي يبيع قلمه، والمطرب الذي يؤجّر حنجرته، والمثقف الذي يرتدي نظارة سوداء في الظلام كي لا يرى أي شيء سلبي، والشاعر الذي ينظم قصائده على بحر النظام ويلتزم بقوافيه، والملحن الذي يجيّر النوتة الموسيقية لصالح التغني بإنجازات النظام، والممثل الذي يمجّد الحاكم وأعوانه في أقواله وأعماله، كل واحد من هؤلاء يوفر للنظام كمية من الأوكسجين تعينه على البقاء أطول فترة ممكنة قبل أن يتنحى بأيدي الشعب الثائر.

وهناك فئة صامتة تبلع لسانها وتسكت وترفع شعار: "لا نرى، لا نسمع، لا نتكلم". ومن القسوة معاقبة هذه الفئة، فلا يكلّف الله نفساً إلا وسعها، خصوصاً في ظل الأنظمة القمعية، والبشر يتفاوتون في صلابتهم وشجاعتهم، وليس في قدرة الجميع الذهاب بأرجلهم إلى المقصلة أو في أحسن الأحوال التعرّض للإقصاء، فالفنان أو المبدع في النهاية إنسان ضعيف لا حول له ولا قوة، وهو إلى ذلك بحاجة إلى الدولة التي تسيطر على كل شيء لإبراز موهبته وفنه، إذ هي الجهة الوحيدة القادرة على دعمه على الانتشار، ورعايته في تطوير إمكانياته، واستضافته على شاشات التلفزيون وفي محطات الإذاعة، وإعطائه التصاريح اللازمة لإقامة المعارض، أو الحفلات، أو إصدار الكتب والأشرطة، أو حتى اللعب ضمن صفوف منتخب بلاده.

كما يمكن التسامح مع الفنان أو المبدع الذي كان في غيبوبة ويدافع عن الوضع القائم بصدق وإخلاص، مقتنعاً بصواب ما يفعله في تماهيه مع النظام والذوبان فيه، لأن النظام في نظره كان رائعاً وعظيماً. إذ هو في هذه الحالة يُعد واحداً من المخدوعين الذين على قلوبهم غشاوة.

أما الذي لا عذر له ولا يستحق صفة فنان أو مبدع، فهو ذلك النوع الذي يبقى طوال الوقت يقول ويفعل عكس قناعته، وحين يسقط النظام الذي كان يدافع عنه بأسنانه، ينقلب موقفه 180 درجة ويحاول ركوب موجة التغيير بلا أي خجل، ويأخذ في تبرير موقفه الأول بأنه كان مضطراً، وأنه لم يكن يقصد، وأنه أسيء فهمه، وهي حجج لا تنطلي على أحد.

والمسألة ليست انتقاماً أو ثأراً ولا محاكم تفتيش، وإنما في أن هذه النوعية من الأشخاص لهم يد في خلق الديكتاتوريات، أو على الأقل في استمرارها، كما أنهم يساهمون في إشاعة جو النفاق في المجتمع، ومن الأفضل للجميع أن يصمتوا ويجلسوا في بيوتهم.

  • نقلاً عن صحيفة الإتحاد