Translation

Exchange Rates

يونيو 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

عن درويش مرة ثالثة!!! \ موسى حوامدة

هيئة التحرير, 26/10/2012

إنني جد مندهش من بعض الأصدقاء والمثقفين الذين استهجنوا التطرق لقصائد محمود درويش بالنقد، خاصة أولئك الذين أشاعوا أنها حملة، موجهة ضد درويش، وهم يريدون أن يحولوا النقد إلى معركة سياسية تستهدف (رمزا وطنيا فلسطينا وعربيا)، ولأني أرفض المزايدة على حب درويش، أو حب فلسطين، وأفهم الحب حسب طريقتي، وليس حسب طريقة التابعين العبيد، فإني أوضح؛ ولست مضطرا لولا سوء الفهم الذي يشيعه البعض؛ أن ما كتبته عن محمود درويش والتوراة لا يعدو كونه مقالا نقديا بحتا، لأني مؤمن أن

درويش شاعر كبير، ومن حقي وحق غيري ان يقرأه، ويعيد تأمل ما ترك من أثر، وهو ليس رمزا محصنا عن النقد ولا مقدسا، ولا تابو دينيا أو سياسيا يحرم الاقتراب منه، ومن يريد وضعه فوق النقد يريد تصنيمه، ولا يمكن أن يكون الشاعر صنما، بل هو كائن يضج بالحياة، حتى بعد موته، فالشعر الحي لا يموت، والنقد ضروري لكل عمل فني، إذا كنا نؤمن أن شعر درويش، عمل فني، وليس بيانات ثورية، لا يجوز المساس بها.

محمود درويش نفسه قال أنه يتمنى التخلص من نصف شعره، وقد تناسى ديوانه الأول كليا، وشطب بعض القصائد التي كتبها مثل قصيدته عن محمد الدرة، ولم يكن شعره مصقولا صقلا، بل قال مرة لصديق شاعر: تمنيت لو أنك تركت بعض الفحم على قصائدك، فالشعر الكامل لم يخلق بعد، والنص الشعري السماوي لم يرسم بعد، ومن حقنا أن نعجب بالقصائد والمقاطع التي كان يحلق فيها عاليا مثل الجدارية، لكننا لا يمكن أن نغض النظر عن بعض الكلمات التي تذكرنا بشعراء ونصوص أخرى، فهذا هو اسمي ديوان لأدونيس، والجدارية نفسها تتقاطع مع عنوان لسعدي يوسف، والنصوص التي أوردها في نهاية القصيدة من التوراة كثيرة وكانت نقلا حرفيا.

قد يقول قائل، هذا ليس عيبا، فنقول ولم لا، إن لم يكن عيبا، فسوف نعرف وندرك.

وكي لا يفاجأ البعض أو يكيل التهم مجددا، فإني لدى قراءتي درويش أرى أنه كان يأخذ من غيره وكان يأخذ كثيرا، وسأذكر أمثلة على ذلك، وهي نابعة من قراءة سريعة وانطباعية ولا تشمل كل أعماله؛

“مديح الظل” هو كتاب للياباني جونيشيرو تانيزاكي المتوفى سنة 1965م، وهناك كتاب آخر لبورخيس بنفس العنوان، و”حالة حصار” هو اسم فيلم لكوستا غافراس، وأثر الفراشة نظرية ابتكرها إدوارد لورينتز عام 1963 وفي حضرة الغياب وسلام أيها المارون قال الشاعر الفلسطيني محمود حامد أنهما عنوانان لقصيدتين له، تصريح للشاعر نفسه لوكالة أنباء الشعر.

هذا عن بعض العناوين، أما داخل النصوص فقد أخذ عنوان ديوان محمد القيسي “راية في الريح” وصارت قصيدة بهذا العنوان في “لا تعتذر عما فعلت”، ولكنه وضع “لا” قبل العنوان، وبدأ القصيدة هكذا: لا راية في الريح تخفق، لا حصان سابح في الريح/ تذكير ببيت المتنبي أعز مكان في الدنا سرج سابح..وألخ، وهو أخذ جميل، وعن المتنبي أخذ؛ إني وأن كنت الأخير زمانه وصارت عنوانا له؛ وأنا وإن كنت الأخير. وأخذ ليت الفتى حجر عن تميم بن مقبل.

ومثل هذا الكثير، ومنه أنه أخذ قصيدة الشهيد على فودة (الظل لا ذكر ولا أنثى، أجلس فيجلس أمشي فيمشي …إلخ)، وأخذ عنوان ديوان لرافائيل ألبرتي الشاعر الإسباني، وجعله عنوانا لقصيدته بنفس الاسم (الشاعر في الشارع).

وأخذ مني مقطعين من “تزادين سماء وبسايتن”، وهما (لم يبق منك سواي ولم يبق مني سواك) في سرير الغريبة، وأخذ من يوسف رزوقة على شاطئ البحر بنتٌ، وللبنت أهل وللأهل بيتٌ وللبيت نافذتانِ وبابْ/ وقد وردت في ديوان يوسف رزوقة “بلاد ما بين اليدين” الصّادر عن الإتحاف، تونس 2001″. في الحكاية بيت وفي البيت بنت ألخ. وربما أخذ هنا الفكرة ولم ينقل النص حرفيا. وأخذ من الشاعر محمد ضمرة “لا شي يعجبني” ووضعه بين قوسين، وهذا لا غبار عليه، ولكنه أخذ عنوان قصيدته أحد عشر كوكبا وهي منشورة في ديوان ضمرة الأول “قافلة الليل المحروق” الصادر عام 72.

قصدت القول أن درويش كان يأخذ من غيره، بل كان كثير الأخذ، وإذا كان البعض لا يجد في ذلك حرجا، ولا عيبا فلا مانع عندي، ولكن لا يعقل أن نضع على رؤوسنا حجابا، ونرفض مجرد نقد درويش لأنه رمز وطني، فلا نصوص محصنة في الكتابة، والكتابة أساسا مادة للإشتباك ومادة للجدل. ودرويش شاعر وشاعر كبير ومهم، ولكن ذلك لا يعني أن يلغى كل أثر للشعر الفلسطيني، ويتم التركيز عليه فقط، كما تفعل السلطة الوطنية اليوم، فهي تلغي كل الشعراء والروائيين والكتاب الراحلين والمعاصرين، وتكتفي بوضع صورة كبيرة لدرويش في كل معارضها.

لا يمكن إختزال الشعر الفلسطيني كله في درويش، هذا ما تفعله القبيلة حين تعمد شاعرا باسمها، أما الشعب المتحضر فله ألف شاعر وروائي ومفكر وكاتب، وكما يقول الصديق الناقد سلطان المعاني، معلقا على مقالَتي السابقتين: (نحن نقرأ شعر درويش لا درويش، نصفق له مرة ونكتفي بالمرور مرة ثانية.. وننتقد شعره في ثالثة.. وربما حاكمنا هذا الشعر في رابعة.. فالإبداع حين ينفلت من باثِّه إلى المتلقين يصبح في ذمتهم وذمة التاريخ والأدب).