Translation

Exchange Rates

يونيو 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

تقدم الفرد وتقدم المجتمع

هيئة التحرير, 4/7/2010

يطمح كل انسان سوّي ان يحقق لنفسه التقدم والعزة في هذه الحياة، وان يحمي ذاته عن المكاره والنوائب، وهو طموح سليم مشروع، ولكن ماهو الطريق الى التقدم؟ وكيف يحقق الانسان اهدافه ومصالحه في هذه الحياة؟

ان الطريق الطبيعي هو ان يفجّر الانسان طاقاته وقدراته، ويتعب على نفسه لنفسه، فيتعلم ويفكر ويخطط، ويعمل ويتحرك ويجتهد، وكلما اجتهد اكثر كانت فرصه في التقدم اكبر.

لكن السؤال المطروح هو عن مدى العلاقة بين تقدم الفرد وتقدم المجتمع الذي ينتمي اليه، فهل لواقع المجتمع تأثير علىمستوى الفرد وواقعه؟ ام ان الفرد يمكنه ان يشكّل حالة منفصلة فيحقق لنفسه التقدم بغض النظر عن واقع مجتمعه متقدماً كان او متخلفاً؟

ان الاكثرية من الناس مستغرقون في همومهم الذاتية، ومتجهون الى تحقيق مصالحهم الشخصية، دون ان يكون الهم الاجتماعي العام حاضراً في تفكيرهم، او مدرجاً في جدول اهتماماتهم، ولسان حال كل واحد منهم: اني معني بنفسي، ببناء مستقبلي، وترتيب امور حياتي.

والنظرة الواعية للحياة، تكشف للانسان ان هناك علاقة وثيقة بين واقعه وواقع المجتمع، فمهما كانت قدراته وكفاءاته، ومهما حقق من تقدم وانجاز، فسيبقى متأثراً بالوضع العام لمجتمعه، لذلك ينبغي ان يكون تفكيره واهتمامه ضمن دائرتين ومحورين: البناء الذاتي لنفسه والاسهام في البناء العام للمجتمع.

ولمزيد من التوضيح نشير الى بعض النقاط والحقائق التي تظهر عمق الارتباط بين تقدم الفرد وتقدم المجتمع.

توفير فرص التقدم:

1-صحيح ان الانسان يتقدم بجده واجتهاده، وبكفاءاته وقدراته، لكن توفّر الفرص وتهيؤ الظروف، هو الذي يمكنه من تفجير طاقاته، وتفعيل نشاطه، والمجتمع المتقدم يوفر لابنائه فرص التقدم، بينما المجتمع المتخلف تنعدم او تقل فيه تلك الفرص.

فمثلاً في مجال التعليم، ليس طلابنا في البلاد العربية اقل ذكاءً او نبوغاً من نظرائهم في امريكا واليابان واوروبا، والبعض من ابنائنا متفوق في جده واجتهاده، لكن آفاق التقدم العلمي، ومستوى البرامج التعليمية، والاهتمام بمستويات الذكاء والنبوغ، وتوفّر مجالات التعليم في جميع الحقول والتخصصات، هو الذي يعزز فرص الطالب هناك اكثر.

وفي المجال الفكري والمعرفي توجد في البلاد الاسلامية عقول جبارة، واذهان وقّادة، لكن قلة مراكز البحوث والدراسات، وضعف وسائل التعبير عن الرأي، يجعل فرص التقدم العلمي في المجتمعات الاخرى اكثر، وكشاهد على ذلك فان بعض ابنائنا في تلك المجتعات قد حققوا تقدماً كبيراً في حقول علمية وتكنلوجية مختلفة، واول عربي ينال جائزة نوبل في مجال علمي هو الدكتور "أحمد زويل" المصري الذي يعيش في امريكا ونال الجائزة لعام 1999م في الكيماء.

تأثير الاجواء:

2-والانسان يتأثر بالاجواء التي يعيشها مجتمعه، فاذا كانت اجواءً صالحة، تعبق بالقيم الرفيعة، وتدفع نحو الفاعلية والرقي، فانها تشكل ارضية مساعدة لانطلاق الفرد وتقدمه، واذا كانت اجواء المجتمع سيئة يهيمن عليها التخلف، وتحكمها حالة الكسل والتبرير، وتشوبها المفاسد والفتن، فانها ستترك آثارها وبصماتها على نفسية الفرد وسلوكه في الاعم الاغلب.

الفرد لا يعيش في جزيرة معزولة، او صحراء نائية، بل هو جزء من مجموع، يتفاعل ويتناغم مع الحالة السائدة عادة، وهذا واضح في المجال الصحي مثلاً، حيث ان اختلاطه بالناس المصابين ببعض الامراض يعرضه للاصابة عن طريق العدوى، وهكذا فان كثيراً من الافكار والسلوكيات يأخذها الفرد ويتطبع عليها من خلال تكيفه الاجتماعي.

النتائج والمضاعفات:

3-واذا ما حلت بالمجتمع مشكلة او فتنة، فان النتائج والمضاعفات ستشمل الجميع، دون فرق بين المشارك والمحايد، فوجود حالة فقر في المجتمع، قد تفرز آثاراً تطال الاغنياء، وانتشار المعاصي والمنكرات ينذر بالخطر حتى على المتدينين الصالحين.

لذلك يقول الله تعالى ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [1] ، ومن هنا اوجب الله تعالى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحمّل الانسان ليس مسؤلية اصلاح نفسه فقط، وانما السعي لهداية الآخرين واصلاحهم ايضاً، لحماية اجواء المجتمع من التلوث والفساد.

ويشبّه رسول الله نتائج اعمال الفاسدين على المجتمع كله، بمن يخرق سفينة فيعرضها للغرق بجميع من فيها يقول : «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فاصاب بعضهم اعلاها، وبعضهم اسفلها، فكان الذين في اسفلها اذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فان يتركوهم وما ارادوا هلكوا جميعاً، وان اخذوا على ايديهم نجوا ونجوا جميعاً»[2] .

وكمثال شاخص امامنا مايعانيه ابناء الشعب العراقي، حينما ابتلوا بحكم صدام وسياساته الفاسدة، حيث لم يسلم من مضاعفات ونتائج هذا الفساد احد منهم، وحتى من يرى نفسه بعيداً، وغير متدخل في شأن من الشؤون، فانه لم يكن بمنجى من تلك المعاناة والمآسي.

موقعية المجتمع:

4-اذا كنت تنتمي لأمة قوية، وترتبط بمجتمع عزيز، فان ذلك يوفّر لك الحماية والمنعة، ويفسح امامك مجالات الفرص الرابحة، اما اذا كانت امتك مهيضة الجناح، او كان مجتمعك ضعيفاً مستضعفاً، فلن تحظ بنظرة محترمة من الآخرين، ترعى حقوقك، وتحترم كفاءتك، وبالتالي فموقعية مجتمعك ومكانته بين المجتمعات، لها دخل في تحديد موقعيتك انت ومكانتك شئت ام أبيت.

اننا نرى الآن بوضوح كيف تحسب أي جهة في العالم الف حساب للتعامل مع أي يهودي، او شأن من شؤون اليهود، لانهم اصبحوا في موقعية تتيح لهم ذلك، فقبل فترة قررت الحكومة المصرية شق طريق دائري حول القاهرة، بطول 95كم، لتخفيف ازدحام السير في عاصمة يحتشد في شوارعها يومياً زهاء 15مليون شخص، لكن هذا الطريق يمر بمقبرة قديمة لليهود في منطقة (البساتين) مضى عليها اكثر من سبعين عاماً، وتضم حوالي 350قبراً، وارض المقبرة في الاصل ليست ملكاً لليهود، بل هبة من الحكومة المصرية، وقد عرضت الحكومة ازاحة المقبرة بمقدار 30متراً فقط، الا ان اليهود اثاروا ضجة كبرى في العالم، وشكلوا وفداً من رؤساء الجاليات اليهودية في العالم لمقابلة الرئيس المصري والمسؤلين، واقاموا دعاوى بمختلف العناوين امام القضاء المصري، لمنع أي مساس بمقبرة امواتهم، وكانت النتيجة ابقاء المقبرة وبناء جسر فوقها!!

دور الفرد في تقدم المجتمع:

من كل ما سبق يتجلى لنا الارتباط الوثيق بين واقع الفرد وواقع المجتمع، وان من يفكر في بناء مستقبله، وانجاز التقدم لذاته، عليه ان يستحضر التفكير والاهتمام بواقع مجتمعه، وان يجعل ذلك جزءاً اساساً في برنامج حركته وسعيه.

ولكن كيف يسهم الفرد في تقدم مجتمعه؟

1/ ان اهتمام الفرد ببناء ذاته، واجتهاده في احراز الرقي والتقدم لنفسه، هو في حقيقته اسهام منه في تقدم المجتمع، ذلك ان تقدم المجتمع حصيلة لتقدم الافراد، فكل فرد ينجز تقدماً يضيف قوة لرصيد المجتمع، شريطة احساسه بانتمائه الاجتماعي، وتفاعله مع الحركة العامة للمجتمع.

2/ويمكن للفرد ان يوجه نشاطه وفاعليته، ضمن مسعاه الذاتي، ليصب في قناة خدمة المجتمع، وانجاح خطط تقدمه، فالطالب اذ يختار تخصصاً علمياً لدراساته العليا، عليه ان يتلمّس حاجة مجتمعه، ورجل الاعمال حين يفكّر في الاستثمار عليه أن يتجه للمشاريع التي تنشّط حركة اقتصاد المجتمع، وتعالج بعض مشاكله، والاديب والمفكر يوظف موهبته الادبية، وابداعه الفكري، في استنهاض المجتمع، وتطوير واقعه..

3/ وكدور مباشر يلعبه الفرد في تقدم المجتمع، عليه ان يقتطع جزءاً من امكانياته الفكرية والعملية والمادية، ليصرفه في خدمة الصالح العام، وذلك عبر المشاركة في المؤسسات الاجتماعية، والنشاط التطوعي.

ومهما كان انشغال الانسان بشؤونه الخاصة، فان بامكانه صرف شيء من الوقت يومياً او اسبوعياً من اجل الخدمة العامة.

ويتصور البعض ان تحملّهم لشيء من المسؤليات الاجتماعية، في وقتهم او جهدهم او مالهم، سيكون على حساب شؤونهم وقضاياهم الخاصة، لكن هذا التصور ليس دقيقاً، فان مردود ما ينفقونه في المصلحة العامة سينعكس عليهم، لما سبق بيانه من آثار ونتائج تقدم المجتمع على واقع الفرد، لذلك يقول الله تعالى: ﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ﴾ [3] . كما ان ما نعتقده من لطف الله وكرمه يعطينا الثقة والاطمئنان بتعويضه على من بذل في سبيل الله ولمساعدة عباده اضعافاً مضاعفة، يقول تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [4] .

وروي عن الحبيب المصطفى انه قال: «خير الناس من ينفع فكن نافعاً لهم»[5] .

ان الله تعالى يبارك للانسان في وقته، حينما يصرف جزءاً منه في خدمة المجتمع، ويزيد في رزقه اذا بذل منه في امور الخير، ويمنحه القوة والنشاط، لسعيه في حوائج الناس وقضاياهم، يقـول الله تعالى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهـُوَ يُخْلِفـُهُ وَهُوَ خَيْرُ الـرَّازِقِينَ﴾ [6] ، والآية وعدٌ صادقٌ من الله سبحانه وتعالى، بالتعويض على من انفق في سبيله.

4-لدعم مسيرة التقدم في المجتمع، على الافراد ان يشجعوا كل مبادرة ونشاط ايجابي، ينبثق من ارض مجتمعهم، فالتشجيع والتفاعل امر ضروري لتحفيز الانتاجية، وتطويرها في مختلف المجالات، فالعالم اذا التف حولـه ابناء مجتمعه، والخطيب اذ تجاوب معه المستمعون، والمفكر اذا لاحظ الاستقبال لافكاره، والاديب اذا أحس باصداء عطائه، والمصنّع اذا راجت بضاعته، والمزارع اذا اشترى الناس انتاجه، كل ذلك يشكل ديناميكية للتقدم والتطور في حركة المجتمع.

اما الاستهانة بالانتاج المحلي، والطاقات الوطنية، لصالح الاستيراد من الخارج، والانشداد لما وراء الحدود، فتلك حالة انهزامية انانية، قد تبتلى بها بعض المجتمعات، حتى شاع عند الناس المثل القائل: حمامة الحي لا تطرب.

واصبح البعض يتفاخر بأنه يتسوق من خارج بلده، او يستهلك المنتجات من خارج وطنه، وقد يحتج بجودتها او اتقانها، لكن الامر في بعض الاحيان، لا يخلو من الانبهار بالخارج والتأثر بالدعاية والاعلام، ولكي يرتفع مستوى الجودة وتتطور الانتاجية في الوطن، لا بد من التشجيع والدعم، مع تقديم الملاحظات التطويرية، والنقد البناء.

ومرة اخرى نضطر للاتيان بشاهد من حالة معادية، هي الحالة اليهودية، من اجل اخذ العبرة والدرس، فاليهود في كل مكان، بتشجيع بعضهم البعض، ودعم انتاجيتهم المحلية، وحينما بدأ السيّاح الاسرائيليون يتوافدون على الاردن في اعقاب اتفاقية السلام بين الاردن واسرائيل، فوجئ الوسط السياحي في الاردن - كما تحدثت الصحف ووسائل الاعلام - بسياسة التقتير الذي يتميز به السائح الاسرائيلي، فهم يحضرون معهم وجبات الطعام الخاص بهم، تحت زعم انهم يحافظون على طقوس تناول الطعام اليهودية، التي تحتم عليهم تناول الطعام اليهودي الحلال، او الكوشر، لكنها ليست سوى تبريرات، اذا انهم لا يحضرون مأكلهم الحلال فقط، بل وزجاجات الماء، فهل هناك ماء حلال وآخر حرام؟ وقد تحدث رئيس وزراء الاردن السابق عبد السلام المجالي مع المسؤلين الاسرائيلين حول الموضوع مشيراً الى ان زجاجات الماء في الاردن ارخص منها في اسرائيل، ومع ذلك فالسياح الاسرائيليون وهم من المقتدرين الاثرياء يحضرون معهم زجاجات الماء!![7