Translation

Exchange Rates

يونيو 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

ظاهرة الاحتباس الحراري: بين الإنسان والطبيعة

هيئة التحرير, 31/12/2009

لطالما قيل إن الاعتراف بالخطأ فضيلة، فإن على الإنسان أن يعترف بأنه أخطأ بحق الأرض والطبيعة، بدل أن يتعنّت ويتنكر لأذيّته المستمرّة لكوكبه من أجل ألا يتحمّل مسؤولياته وواجباته تجاه العالم. في الحقيقة، الأيديولوجية دائماً تنزع إلى مصلحةٍ خاصةٍ، فئويّة، وذلك في كافة المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية.... أما العلم فهو دائماً حريص على كشف الحقيقة بغضّ النظر إن كانت مع الإنسان أو ضدّه، لذلك نجد أن العلم كثيراً ما يُواجَه بالعنف من قبل الأيديولوجية وخصوصاً حينما يكشف حقائق تضرّ بمصلحتها الخاصة فتلجأ إما إلى نبذه أو إلى تطويعه وتسخيره وتأويله بما يتفق وغاياتها ومصالحها، ويحدث ذلك أكثر ما يحدث في العلوم الإنسانية لا سيّما الاقتصادية منها والاجتماعية، وطالما أن الاقتصاد والسياسة محور اهتمام الإنسان على الأرض، كثيراً ما نجد سياسيين يستعملون مصطلحات علميّة ويسيّسونها ويعطونها بعداً جديداً لصالح فكرةٍ ما تخدم مصلحتهم. إن السؤال المطروح بإلحاح في الآونة الأخيرة هو، هل ظاهرة الاحتباس الحراري مصدرها الإنسان أم الطبيعة؟ الاحتباس الحراري كمصطلح: ابتكر هذا المصطلح العالم الكيماوي السويدي (سفانتي أرينيوس) عام 1896م، وقد أطلق أرينيوس نظرية أن الوقود الحفري المحترق سيزيد من كميات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوّي وأنه سيؤدي إلى زيادة درجات حرارة الأرض، ولقد استنتج أنه في حالة تضاعف تركزات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي فإننا سنشهد ارتفاعا بمعدل 4 إلى 5 درجة سلسيوس في درجة حرارة الكرة الأرضية. تعريف ظاهرة الاحتباس الحراري: هي الارتفاع التدريجي في درجة حرارة الطبقة السفلى القريبة من سطح الأرض من الغلاف الجوي المحيط بالأرض. المؤتمرات الدولية بخصوص هذه الظاهرة: أدركت دول العالم أهمية التعاون فيما بينها من أجل مكافحة التغيّر المناخي وذلك باستخدام وسائل تكنولوجية حديثة تحدّ من انبعاث الغازات الدّفيئة مثل غاز ثاني أوكسيد الكربون co2 وقد عقدت في سبيل ذلك عدداً من المؤتمرات في التسعينات من القرن العشرين، وقد كان مؤتمر المناخ العالمي الثاني قد عقد في (جينيف) من 29 أكتوبر إلى 7 نوفمبر1990 برعاية المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومنظمة اليونسكو وغيرها من المنظمات الدولية، وقد حذر البيان العلمي والفني الصادر عن ذلك المؤتمر من أن هناك تهديداً بيئيّاً خطيراً يمكن أن يعرّض التنمية الاجتماعية والاقتصادية في كثير من مناطق العالم للخطر، بل يمكن أن يهدد البقاء في بعض الجزر الصغيرة كجزر المالديف وغيرها، وفي المناطق الساحلية المنخفضة، والمناطق القاحلة وشبه القاحلة. وقد عقد مؤتمر دولي آخر للأرض في مدينة (ريوديجانيرو) عام 1995م بحضور عددٍ كبيرٍ من رؤساء الدول، وقد دعا هذا المؤتمر مختلف الدول وخاصة الصناعية إلى خفض انبعاث الغازات الدفيئة، لكنه جعل تنفيذ الدول لتلك التوصيات اختياريّاً ولهذا فإن معظم الدول الصناعيّة لم تنفذ تلك التوصيات، ولم تخفض الدول الصناعية نسبة انبعاث الغازات الدّفيئة، مما أدى إلى استفحال الأمر. لذلك تداعت 160 دولة إلى مؤتمر (كييتو) الذي عقد في اليابان في ديسمبر عام 1997م من أجل الاتفاق على إجراءات إلزاميّة تتقيّد بموجبها مختلف دول العالم بخفض انبعاث الغازات الدفيئة بنسبٍ محدّدة. وما نلاحظه في كل المؤتمرات التي عقدت في التسعينات هو وجود إجماع دولي ينذر بخطرٍ يهدّد العالم وهو مصدره الإنسان. لكن في الوقت الحاضر لا نلاحظ هذا الإجماع في قمّة (كوبنهاغن)2009. أي أن الآراء تنقسم بين مؤيّدٍ لكون الإنسان هو مصدر ارتفاع درجة حرارة الأرض، وبين معارضٍ لهذه الحقيقة ومؤيّد للقول أن الارتفاع في درجة حرارة الأرض ارتفاع طبيعي. وفيما يخص هذه المسألة هناك فريقان من العلماء، فريقٌ يؤكد أن درجة حرارة الأرض في ارتفاع مستمر، وتصل الآن إلى أعلى درجة منذ ألف سنة وذلك بحسب العالم الأمريكي(مايكل مان) وقد وضع رسماً بيانياً كان خلاصة ما سجلته وسائط قياس متعددة لدرجة حرارة الأرض، يُظهر هذا الرسم أن درجة حرارة الأرض الآن هي الأعلى منذ ألف عام وأطلق على هذا الرسم البياني تسمية(الهوكي) ذلك أن الرسم البياني يشبه عصا الهوكي فدرجة حرارة الأرض الآن تمثل أعلى نقطة في عصا الهوكي مما يعني أن الإنسان بشكل أو بآخر هو المسؤول عن ارتفاع درجة الحرارة، أما الفريق الآخر من العلماء والذي يعارض تماماً نظرية(مان) ويعتبرها ملفقة، هؤلاء العلماء يشككون في كون الإنسان هو المسؤول عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، ويؤكدون أن ارتفاع درجة حرارة الأرض طبيعية، ويعطون أدلة يثبتون من خلالها أن درجة حرارة الأرض كانت مرتفعة وهي الآن أقل ارتفاعاً، فيقولون مثلاً أن (الفايكنغ) حينما قطنوا مناطق الشمال منذ ألف عام كانت درجة الحرارة في تلك المناطق مرتفعة وقد اشتغلوا بتربية المواشي والزراعة، كما أنهم يقولون أن درجة الحرارة في العصور الوسطى كانت مرتفعة وكانت الزراعة ممتازة والحضارات في ازدهار ونمو، بل يذهب هذا الفريق إلى ضرورة عدم إلقاء اللوم على الإنسان في مسألة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وإلقاء اللوم كله على الشمس وهي مصدر كل تغيّر مناخي على الأرض. المشكلة لا تكمن في الاختلاف بين العلماء، فالمعرفة العلمية مفتوحة إلى ما لا نهاية، والنظريّات العلميّة تدْحض بعضها البعض، وهذا أساسيّ لتراكم المعرفة وبالتالي تطورها وكشف الحقائق أول بأول وتجاوز الأخطاء في النظريّات السابقة، خصوصاً أن العلم دائماً يستند إلى العقل والتجارب والأبحاث والأدلة والبراهين، إذن المشكلة ليست في العلم، إنما المشكلة الحقيقية هي في الإيديولوجية وتعاملها المصلحي مع الحقيقة وعدم إنصاتها لكل ما يخالفها في الرأي، ففي مسألة الاحتباس الحراري نجد الكثير من الشركات والمصانع التي لا يلائمها أن يكون الإنسان هو مصدر ارتفاع درجة الحرارة وتلويث البيئة وتدميرها، لأنها بهذه الحالة ستخسر مصالحها وسيحمّلها ذلك عبئاً من أجل الحدّ من الملوّثات التي تخلفها وهذا سيقلل من إنتاجها وبالتالي من أرباحها، وبالتالي حتماً ستؤيّد العلماء القائلين بعدم مسؤولية الإنسان عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، وبالطبع فإن هذا الكلام يتّسع ليشمل دولاً، فالدول التي يقوم اقتصادها على صناعة الأسلحة مثلاً والمواد التي تساهم في قتل الإنسان والبيئة يلائمها أن يكون هناك علماء يشككون بأن يكون الإنسان هو المسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري وبالتالي يكون لدى الإنسان بهذه الحالة مبرّر كي يتجرّد من مسؤوليته كإنسان تجاه العالم الذي يعيش فيه. لو فكرنا قليلا في عمر الأرض وهو أربعة مليارات ونصف من السنين وهي للآن تعمل على نفس الوتيرة، ولو فكرنا في المجرّات وكيفية دوامها، لوجدنا أن النظام والقانون يحكم الكون بأسره، أما عدم التوازن فمصدره الإنسان لأنه متسائل، قلق، يتوق لكشف لغز هذا الكون الذي وُجد فيه، ويتعطش لمعرفة الجذور، والشوق لمعرفة البداية، يقوده بشكل منطقي للشوق لمعرفة النهاية والمصير، هذا كله يجعل الإنسان متخبّطاً يريد السيطرة على طبيعةٍ عصيّةٍ على الفهم بالنسبة له، وبالتالي السيادة عليها وتطويعها لإرادته العمياء أحياناً. أيّاً يكن ما توصّل إليه العلماء بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري، وحتى لو كان مصدر ارتفاع درجة حرارة الأرض هو الطبيعة ولم يكن للإنسان علاقة بهذه الظاهرة، حتى لو كان الأمر كذلك، فإن على الإنسان كونه كائناً أخلاقياً وهو الوحيد الذي يتصف بالوعي والإرادة والحريّة في هذا العالم، ألا يتخلى عن نفسه كإنسان وعن واجبه تجاه عالم يعيش فيه، فـ (أنت بالضرورة إنسان) على حد تعبير (مونتيسكيو) كما وأنه من الضروري ألا يضع الإنسان المبرّرات لنفسه من أجل الاستمرار في تخريبه للأرض، وجَرْيه وراء طمعه وجشعه، سواء كان ذلك التخريب على شكل حروب، أو إغناء لشعوبٍ على حساب شعوبٍ أخرى، أو على شكل إنتاج للأسلحة وخصوصا تطوير الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل والتي في قبضتها بقاء البشريّة أو فنائها، أو على شكل رمْي للنّفايات في البحار والمحيطات، أو على شكل قطع لأشجار الغابات، أو على شكل تلويث للبيئة من خلال دخان وسائل المواصلات كافة، أو حتى على مستوى تلويث فردي وشخصي كرمْي الفضلات بشكلٍ عشوائي. بتنا الآن بحاجةٍ ماسّةٍ إلى علمٍ بعيدٍ تماماً عن التسييس والأدلجة، كما أننا بحاجة إلى مفاهيم تكرّس التعاون وثقافة حب الطبيعة، بدل التنافس والسيطرة عليها، فلنفكر شموليّاً ونعمل محليّاً.


علا شيب الدين، (ظاهرة الاحتباس الحراري: بين الإنسان والطبيعة) خاص: نساء سورية