Translation

Exchange Rates

يونيو 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

رحيل "الولد الشقي" الذي سخر من الجميع

هيئة التحرير, 7/5/2010

عقب زيارة صحفية قام بها إلى سوريا حمّله أعضاء الحزب الشيوعي السوري رسالة مغلقة لعبد الناصر طالبته بالإفراج عن الشيوعيين المصريين المعتقلين في سجونه، لذا تم اعتبار السعدني شيوعيًا واعتُقل لقرابة العامين أصدر السادات قرارًا بفصله من "روز اليوسف" ومجلة "صباح الخير" بسبب عدة نكت رواها عنه وبزعم أنه مشارك في مؤامرة، بل ومُنع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية حتى في صفحة الوفيات

القاهرة - كتبت سميرة سليمان - "رغم الظلام الذي اكتنف حياتي ورغم البؤس الذي كان دليلي وخليلي إلا أنني لست آسفا على شيء فلقد كانت تلك الأيام حياتي".. هكذا لخص "الولد الشقي" حياته في كلمات قليلة، إنه الكاتب الكبير عميد الأدب الساخر محمود السعدني أحد رواد الصحافة المصرية والعربية الذي رحل يوم الثلاثاء الفائت عن عمر ناهز 82 عاما بعد صراع طويل مع المرض. كان مشواره مجموعة من التقلبات، فما بين تكريم ونبذ واعتقال ونفي سارت حياته، لكنه رغم كل ذلك احتفظ بمكانه في قلوب محبيه وتوّج أميرا على عرش قلوب البسطاء الذي كان يكتب عنهم ولهم. قال عنه "عبد الرحمن الخميسي" إنه "النواة الأساسية لخلية السخرية الأدبية في الأدب العربي المعاصر، فهو أهم جينات السخرية التي تتوارثها أجيال الأدباء لكتابة الأدب الساخر".

  • حياة صحفية ولد "السعدني" في 28 فبراير 1928 بالجيزة، يقول السعدني في الكتاب الذي صدر مؤخرا عن حياته بعنوان "أيام مع الولد الشقي" تأليف الكاتب الصحفي سامي كمال الدين: ".. كنت محظوظًا لأبعد حد حين أتيحت لي فرصة التعرف علي عدد من شخصيات العصر كل واحد منهم كان دنيا كبيرة وعالمًا بأسره، تعرفت الي مأمون الشناوي ومنه تعلمت النكتة وفن السخرية وهو كاتب ساخر لو اتيحت له الفرصة لكان اوسكار وايلد جديد، كما تعرفت علي نجيب الريحاني في آخر حياته وعرض علي الاشتغال في التمثيل ولو بقي أعوامًا أخري علي قيد الحياة فلربما أصبحت ممثلاً يشار له بالحذاء، وعرفت بيرم التونسي وعبقري النغم الشيخ محمد رفعت والشيخ زكريا أحمد وتحفة عصره كامل الشناوي". وفي الكتاب يحكي السعدني عن محطاته المهنية حيث عمل في بداية حياته موظفًا في الحكومة بستة جنيهات وطرد من وظيفته، وخرج قاصدا الصحافة، وهو يظن أنها صاحبة جلالة، فعمل في بدايات حياته الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي، ويصف تلك الجرائد بأنها "كانت مأوى لعدد كبير من النصابين والأفاقين"، ويضيف أن صدمته كانت كبيرة فليس هذا هو عالم الصحافة ذات الجلالة الذي يحلم به، ولذلك حاول الانتحار ولكنه لم يفعل. عمل السعدني أيضا في مجلة "الكشكول" التي أصدرها مأمون الشناوي وتتلمذ على يديه إلى أن أغلقت أبوابها، ثم عمل في عدد من الجرائد بالقطعة مثل جريدة "المصري" لسان حال حزب الوفد آنذاك، وعمل في دار الهلال، كما أصدر ورسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية سرعان ما أغلقت أبوابها بعد صراع مع الرقابة وشركات التوزيع. وأيّد السعدني ثورة 23 يوليو وعمل بعدها في جريدة "الجمهورية" التي أصدرها مجلس قيادة الثورة، وعقب انتقال السادات إلى رئاسة البرلمان المصري صدر قرار بالاستغناء عن خدمات محمود السعدني، الذي لم يكن المفصول الوحيد، بل فصل معه بيرم التونسي وعبد الرحمن الخميسي وعشرات من الصحفيين الأكْفاء، وقد أشار الكاتب في احدى كتبه إلى أن فصله كان بسبب نكتة أطلقها على السادات. عقب قرار فصل السعدني من "الجمهورية" بأسابيع قليلة استدعاه إحسان عبد القدوس للعمل معه في مجلة "روز اليوسف" الأسبوعية كمدير للتحرير،ويصف السعدني الفترة التي قضاها بـ"روز اليوسف" بأنها كانت الأفضل في حياته، نظرا لتوافر جو إبداع مثالي فلا توجد صراعات في الدار ويعود السبب في ذلك لكون أصحابها هم من يديرونها بأنفسهم فلم يجد فيها المشاكل المزمنة التي تعاني منها "الجمهورية".

  • سجن واعتقال عقب زيارة صحفية قام بها السعدني إلى سوريا أثناء الفترة التحضيرية للوحدة بين البلدين حمَلَ أعضاء الحزب الشيوعي السوري السعدني رسالة مغلقة للرئيس جمال عبد الناصر والتي كانت تحمل تهديدًا لناصر بالخروج على خطه السياسي إذا لم يفرج عن الشيوعيين المصريين المعتقلين في سجونه، ولم يكن السعدني يعلم بمحتوى الرسالة وقام بتسليمها لأنور السادات. ونتيجة ذلك تم اعتبار السعدني شيوعيًا وتم القبض عليه بعد فترة وقضى في المعتقلات قرابة العامين، تنقل خلالها بين معتقلات القلعة والواحات والفيوم. أفرج عن السعدني بعد ذلك ليعود إلى عمله في "روز اليوسف" والتي كانت قد أممت وتولي رئاسة تحرير مجلة "صباح الخير". وانخرط السعدني في العمل السياسي حيث انضم إلى التنظيم الطليعي، وكما يقول عن نفسه واصفًا دوره السياسي في ذلك الوقت: "إذا كان محمد حسنين هيكل هو سفير عبد الناصر للدوائر السياسية العالمية، فقد كنت سفيرًا لعبد الناصر لدى الشعب المصري في الداخل". وقد كان للسعدني في ذلك الوقت شهرة ونفوذ كبيرين، حتى أن بريد قرائه كان الأضخم بين جميع الكتاب العرب.

  • خصومة السادات والسعدني كان خلاف السعدني مع الرئيس الراحل أنور السادات كبيرا حيث أصدر الرئيس قرارا بفصله من روز اليوسف بسبب عدة نكت رواها عنه ويومها تم استجوابه من قبل النائب العام بزعم أنه مشارك في مؤامرة وصدر قرار بفصله من مجلة "صباح الخير" ومنعه من الكتابة بل ومنع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية حتى في صفحة الوفيات، فقرر السعدني مغادرة مصر إلى بيروت. هناك استطاع الكتابة بصعوبة في جريدة "السفير" وبأجر يقل عن راتب صحفي في بداية حياته، قبل اندلاع الحرب الأهلية غادر السعدني إلى ليبيا للقاء القذافي والذي عرض عليه إنشاء جريدة أو مجلة له في بيروت إلا أن السعدني رفض ذلك قائلا له: ".. ياسيادة العقيد لقد نجح الكثيرون في تشويه صورتك أمام الجماهير واستطاع الإعلام أن يثبت في عقول الجماهير أن كل من يتصل بك مرتش يسعي لجمع الفلوس وليس لأي شيء آخر وعليه فإقامتي في ليبيا ستضعف من تأثير كلماتي عند الناس فيعتقدون أنني مأجور". ثم عمل لفترة في صحيفة "الفجر" الإماراتية، ثم غادر إلى الكويت حيث عمل في جريدة "السياسة" الكويتية، ثم سافر إلى العراق ثم غادرها إلى لندن، التي شهدت إصداره لمجلة "23 يوليو" وحققت نجاحًا كبيرًا في العالم العربي وكانت تهرب إلى مصر سرًا، والتزمت بالخط الناصري ولكنها لم تنال دعم الأنظمة العربية الرسمية وعن ذلك يقول السعدني: "كان يجب على أن ارفع أي شعار إلا 23 يوليو لأحظى بالدعم". وانهارت المجلة وتوقفت عن الصدور، وبعد اغتيال السادات عام 1981 عاد السعدني إلى مصر وأستقبله الرئيس مبارك في القصر الجمهوري ليبدأ صفحة جديدة مع النظام.

  • أهم مؤلفاته "يخطئ من يظن أن السعدني سليط اللسان فقط.. إنه سليط العقل والذكاء أيضا"..هكذا وصفه الشاعر المصري الراحل كامل الشناوي، وقد عاش السعدني في منطقة الجيزة بالقاهرة الكبرى، حيث ارتبط بهذه المنطقة ارتباطا كبيرًا لدرجة أنك لا تجد كتابا للسعدني لم يذكر فيه الجيزة. وكان السعدني يمتاز بخفة ظله وخبرته في مجالات الحياة المختلفة، ولذلك أثرت كتبه فعلا المكتبة العربية ومن أبرز أعماله: "مذكرات السعدنى"، "الولد الشقي"، "مسافر على الرصيف"، "السعلوكى فى بلاد الإفريكى"، "الموكوس فى بلد الفلوس"، "رحلات ابن عطوطه"، "أمريكا يا ويكا"، "عزبة بنايوتى"، "قهوة كتكوت"، "الظرفاء"، "المضحكون"، "مصر من تاني"، "الولد الشقي في السجن"، "حمار من الشرق"، "بلاد تشيل وبلاد تحط"، "الطريق الى زمش" وهي اختصار للتعبير العامي المصري "زي ما أنت شايف" بمعنى "كما ترى"، أيضا كتاب "ألحان السماء" عن عدد من قارئي القرآن ومنهم الشيخان محمد رفعت ومصطفى إسماعيل. بالإضافة إلى مسرحيات عديدة مثل: "عزبة بنايوتي"، "النصابين"، ومسلسلات إذاعية مثل "الشيخ لعبوط"، "بنت مدارس" وغيرها من الأعمال. كما كتب مجموعة قصصية واحدة عنوانها "خوخة السعدان"، قال جمال الغيطاني عن كتاب السعدني "حمار من الشرق": ".. يقدم الساخر العظيم محمود السعدنى فيه أعنف هجائية ساخرة لأوضاعنا في العالم العربي المعاصر، إنه كتاب فريد وثيقة أدبية تضاف إلى فن السخرية و الهجاء العربي كتبها فيلسوف أديب وشاعر وحكواتي ومتكلم عظيم، إنه كتاب يضحكك إلى حد البكاء". اعتزل السعدني الكتابة عام 2006 بسبب مرضه الذي وهنت بسببه ذاكرته، وقد حصل الفقيد على درع نقابة الصحفيين عام 2009 وتسلمه نيابة عنه شقيقه الممثل صلاح السعدني.

  • حياة الصعلكة يصف السعدني حياته قائلا: ".. وقفت دائمًا إلى جانب ما هو حق وقاتلت دائمًا في صف العدل وخسرت أشياء كثيرة بسبب رعونتي وكسبت أشياء أخري بسبب وضوح موقفي وذقت كل أنواع الحياة وعشت أيامًا طويلة في هيلتون مدريد بأسبانيا ونمت أيامًا في حدائق القاهرة وأنفقت مائة جنيه في ليلة وقضيت عدة أيام أبحث عن قرش صاغ واحد، وقابلت عددًا كبيرًا من رؤساء الجمهوريات وصادقت عساكر بوليس وعمال بناء ومكوجية، نمت علي شاطئ بحيرة جنيف وفي فندق الصخرة في جبل طارق لكن لا يزال أجمل مكان أحن إليه هو قريتي في المنوفية". قال عنه الفنان صلاح السعدني - الشقيق الأصغر للفقيد – "..من عاشر السعدني وعاش معه واقترب منه سيجد أنه جماعة ضخمة، أو هو قبيلة كاملة، حارة بكل ما فيها ومن فيها، لأنه كاتب متعدد المواهب". وقال عنه مفيد فوزي أن السعدني من أجمل الحكائين في مصر، ومن قبل حسن فؤاد ويساويه أيضا عباس الأسوانى وهو كحكاء لديه وسيلة وطريقة وجاذبية لا حد لها. ومن وجهة نظره كناقد يقول د. ماهر شفيق فريد عن السعدني: "..وهو قاص من أبرز ممثلي الواقعية النقدية التي علا مدها في أواخر الخمسينيات وعقد الستينيات، حيث يتركز اهتمام الكاتب على الطبقات الشعبية المسحوقة المهمشة، في القرية أو في المدينة".