Translation

Exchange Rates

يونيو 14, 2022


דולר ארה"ב 3.446 0.17%
אירו 3.594 -0.13%
דינר ירדני 4.860 0.17%
ליש"ט 4.172 -0.51%
פרנק שוויצרי 3.466 0.12%
100 ין יפני 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

لماذا لم تدقوا جدران الخزان ؟

هيئة التحرير, 24/5/2011

أبدأ هنا من حيث انتهى الشهيد الفذ غسان كنفاني في رائعته الخالدة "رجال في الشمس " ، وان كانت هذه الصرخة المدوية محكومة باشتراطات إبداعاتها ضمن روايته التى أشرنا إليها آنفا إلا أن الحقيقة أنها تجاوزت ذلك إلى خارج حدود هذا الإبداع الروائي لتنطلق ناسجة من كل ما تحتمله هذه الصرخة برهانا حكميا وإضاءة فلسفية نافذة يغري بتوظيفها في مثل ما نحن بصدده هنا .

إن الحالة الراهنة للمشهد الثقافي والإبداعي العربي بشكل عام هي لا شك خزان كبير يتنقل على غير هدى ويسلم قيادته لغيره آملا أن يصل به إلى هدف ما وبطريقة سحرية دونما مجهود ذاتي منه ولا رغبة في المشاركة الجاهدة الواعية بتحديد المصير والمشاركة في اتخاذ قرار التوقف أو السير أو حتى الانتحار على طريقة من لديه خيارات حددها ربما مثلا الطريقة اليابانية المعروفة في هذا الاستدلال ، وطبعا في مثل هذا الواقع السلبي المر والمحبط إلى حد ما تنشأ لا شك رغبات وقوى جديدة ربما لا تزال جنينية نعم ولكنها تطمح إلى تغيير وتنوير يحدث فارقة على طريق تنقل هذا الصهريج المسرع إلى الهاوية علها تغدو يوما ذات أثر مباشر على كوابحه ليقف قليلا ريثما تعاد الخيارات إلى قاعدتها السوية .

والمنظار العام ليس سوداويا تماما وليس عبثيا بالمطلق لأنه لا يمكن أن ننكر وجود إشراقات ومحاولات هنا وهناك ولكن الناظم العام بينها لا زال مفقودا ولذا فان الأمل في أحداث نقلة مطلوبة نحو إيجاد وتوفير الظروف الموضوعية لتوليد هذا الناظم والعمل على تكثيف دوره وصيانة منجزاته ومكتسباته لا زال ضعيفا ولكنه ليس مستحيلا ، وان إيمان واقتناع أصحاب هذه الاشراقات بضرورة خلق الرافعة الحقيقية المؤدية إلى تكوين هذا الناظم هي لا شك شرط أساسي نأمل توفره سريعا قبل أن يصل صهريج المشهد الثقافي إلى هاويته المحتومة آخذا في طريقه المحسن والمسيء معا .

ولعل جملة المتغيرات الأساسية من حول مشهدنا سواء أكانت تلك الجارات من المشاهد الأخرى أم حتى في المنظور العالمي البعيد عوضا عن التقلبات السريعة لوقع الحياة المعاصرة والتي لا شك تعمل على استباق كل ما يمكن أن يتم تحضيره على الطريقة العربية القديمة والبطيئة كما هو مألوف سوف لن يلبث إلا أن يستوي مع عدمه في النتيجة المنطقية المتوقعة ، هذا إن كانت عملية التفاعل والتواصل تجري بمفردات وأدوات العصر الذي مضى وانقضى فقط قبل عشر أو اثنتين ، فما بالك إن كانت كما هو مشاهد إلى الآن ترغب في ما هو أدنى من ذلك ربما إما لجهل باستخدام منظومة الأدوات الجديدة وإما لعدم اقتناع بجدواها أصلا ، إن ذلك بلا شك هو الكارثة الحقيقية والفشل المريع المتوقع .

وضمن هذا الإطار العام من الانزلاقات المتعددة والاخفاقات المتتالية ربما والحال العام ليس أفضل منها حالا إن لم يكن ترجمة لذلك أو تخصيبا له إذ يستوي ذلك كله ، فان الحاجة إلى مراجعة صادقة وواعية وحقيقة للمشهد ومكوناته في كل ميادينه وساحاته يصبح فرضا عينا إن جازت الاستعارة هنا وربما نكمل فنقول أيضا ومن ذات النبع الموروث ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولذا فإننا نرى أنه لا مندوحة عن الدعوة إلى هذه المراجعة التي نطمح أن تأخذ شكلا منهجيا سريعا وشاملا في نفس الوقت وليس مجرد لقاءات احتفالية أو حتى كرنفالات تسويقية ربما ، وإذا كان ذلك مطلوبا فان رجالات بعينها تصبح مدعوة تكليف شرط وليس اختيار للقيام بهذه المهمة الحرجة لضمان شروط نجاحها وتحقيق الاختراق المأمول .

لقد طاب لكثير منا أن يؤمن بنظرية المؤامرة في كل حين ويركن إلى ذلك ممارسا وباقتدار فتي دور الضحية والشهيد ولكن ذلك كان ليؤتي ثماره في غير هذا الواقع ومع غير هذه اللحظات الحاسمة التي ستتهدد ليس فقط بنيانا خارجيا بل دعائم وأركان البنية الثقافية العربية في وجه هذه المتحركات الرملية العاتية ، إن جزءا من الحقيقة ربما يقبل نظرية الإرادة الخارجة والتأثير السلبي المتعمد القادم من خارج البنيان إما مباشرة وإما باستخدام حصان طروادة النشط هذه الأيام ، ولكن بقية المسار العام ليس كذلك مطلقا لأن الإرادة الذاتية فقط هي التي لا يمكن امتلاكها بالمطلق أو توجيهها بفعل هذا العامل إلا إذا أرادت ذلك عن قصد أو عن غير قصد وهنا مربط فرس الإنقاذ.

ومثلما أن ثمة حاجة للتنبيه بأن رجالا بعينها أصبحت مفترضة التواجد بمواجهة المهمة الحاسمة فان حاجة مثلها لا شك تبدو لأصوات تعزز مثل هذا النداء وتهتف بضرورة التصدي لهذه المهمة النبيلة في أسرع وقت ممكن وعندما تصبح مثل هذه الأصوات ليس فقط دقا على جدران الخزان وإنما أيضا انفجارا حقيقيا في مشهد الانزلاق الصامت المريع ونحن هنا نبدأ دقنا على جدران الخزان يا غسان .